تيسير نظمي للإعلاميين العرب: إقرؤوا هذه الصفحة وانصرفوا
المثقفون العرب: من الانقطاع التاريخي إلى الانهيار التاريخي
19/6/2004
* تيسير نظمي
حفل المشهد العام للثقافة العربية في إطار القرن الماضي وإرهاصاته التي بدأت أواخر القرن التاسع عشر بعدة طموحات وتطلعات بدءاً مما عرف بالنهضة والتنوير وليس انتهاء بما عرف في أواخر القرن العشرين بالحداثة وما بعد الحداثة، وفي هذه المساحة الزمنية شهدت الثقافة العربية نمو الطموحات والتطلعات التحررية القومية منها واليسارية والتي لم تنجز في آخر تحولاتها سوى استنهاض الفكر الديني الذي أفاق متأخراً على حطام الكبوات والإجهاضات التي تعرضت لها الحركات القومية واليسارية بفعل اصطراعها على السلطة من جانب أو بفعل خضوعها لتأثيرات القطبين اللذين ظلا يتجاذبان المثقفين العرب منذ ثورة أكتوبر الاشتراكية مطلع القرن الماضي وحتى انهيار الاتحاد السوفيتي في أواخره، هذا هو المشهد العام الذي بدأت تفاصيله وميكانزماته تتضح بفعل المراكز الثقافية باتجاهاتها الاستشراقية الاستعمارية حيناً منذ حملة نابليون على مصر أو باتجاهاتها التنويرية منذ رحلة رفاعة الطهطاوي إلى أوروبا وغيره من الأعلام البارزة التأثير في الثقافة العربية، أو من تلامذته مثل طه حسين الذين جذبهم المركز الحضاري الغربي بحكم قوته وسيطرته الاستعمارية على الشرق من ناحية ومن ناحية أخرى بفعل تقدمه وتطوره وتطور شعوبه، وبعد ثورة أكتوبر الاشتراكية نشأ مركز آخر للاستقطاب مما ولد الصراع الفكري الداخلي في العديد من الأقطار العربية سواء التي أنجزت رفع شعارات الإستقلال أو التي كانت في طريقها إلى الاستقلال الشكلي، وبعد أن كانت التيارات الدينية والفكر الديني برمته نائمة على تراث الماضي المتكلس بفعل الانقطاع(400) سنة والتردي الاجتماعي والاقتصادي والثقافي نتيجة سيطرة الإمبراطورية العثمانية القديمة على المساحات التي عرفت بالوطن العربي ذات يوم، فاستيقظت تلك القوى مستنفرة ومهاجمة إثر ظهور كتاب طه حسين( في الشعر الجاهلي) رافعة بالنيابة عن النظام السياسي العربي في مراحله المبكرة هراوة القمع الفكري وهراوات التحريم مما أوجد تياراً توفيقياً وسطياً بعد أن أخذ الصراع الفكري يتبلور ويتمحور في أعقاب ظهور الاتحاد السوفيتي، وفيما بعد الثورة الصينية ثورة ماوتسي تونغ الثقافية التي ما تزال صامدة برغم بعض التطورات والتحولات التي استجدت عليها، فقد كان النظام السياسي العربي وما يزال يجد في التيارات الوسطية والتوفيقية ملاذاً وحامياً ومسوغاً لوجوده، سواء تمثل ذلك بالاتجاهات القومية أو القومجية أو الاشتراكية أو اليسارية أو الليبرالية حيث كانت هذه التيارات هي التي تطرح أفكار الاستقلالية عن القطبين المتصارعين، وهي الأكثر توافقاً ومرونة مع النظام السياسي العربي القائم سواء كان ناصرياً أو بعثياً أو حتى ملكياً مدعوماً من الفكر الديني والرجعيات المحلية التي تتمترس خلف ثالوث التحريم( الدين- الجنس- السياسة) وعلى هذه الأرضية التوفيقية تمترس كاتب وأديب مثل توفيق الحكيم المنظر الأول للحقبة الساداتية التي ما تزال قائمة حتى اليوم مع بعض إضافات لها من هنا وهناك خاصة بعد رفد اتفاقات كامب ديفيد باتفاقيتي أوسلو ووادي عربة، وفي هذا السياق جاءت رواية( قنديل أم هاشم) ليحيى حقي، وفي سياق الانحياز غرباً ومهاجمة ثورة أكتوبر جاءت( عصفور من الشرق) لتوفيق الحكيم الذي كما أسفلنا يعد المنظر الأول للحقبة الساداتية منذ كتب رواية (عودة الروح) حتى آخر كتاباته قبل وفاته( عودة الوعي)! وسوف نرى كيف ظل هذا التيار الفكري متأقلماً مع النظم السياسية في أقصى درجاتها انحطاطاً وفساداً وديكتاتورية وصولاً إلى تفريغه من محتواه الإنساني واندلاقه في تيارات القطيعة الثانية بعد القطيعة التاريخية، القطيعة مع الجموع والشعوب وتطلعاتها ناجياً بنفسه من المنع والقمع والسجون بل ناجياً وفق تصوره بمصر التي تم إخراجها من معادلات الصراع العربي – الاستعماري الغربي ولا أقول العربي – الإسرائيلي- كما يشاع لأن هذه أكذوبة، سوف نأتي إلى تفصيلاتها ونذكر بالوقائع التاريخية التي ما تزال خافية على الوعي الجمعي العربي التاريخي منه بالذات بفعل الانقطاع والراهن منه بفعل الديكتاتوريات، ولعل الزعيم العربي جمال عبد الناصر في الحقبة الناصرية ورفعه لشعارات عدم الانحياز خير دليل على تفصيلات ذلك المشهد عندما زج بالسجون الشيوعيين والإخوان المسلمين وتورط بإعدام سيد قطب قبل وقوع الهزيمة المنكرة للنظام السياسي العربي وثقافته في 5 حزيران 1967،
وما منع( تلك الرائحة) لصنع الله إبراهيم إلا وثيقة إدانة لنظم سياسية لا تؤمن بالديمقراطية إلا حين تكون في مصلحتها ومكرسة لإطالة عمرها شأن الأقنعة الديمقراطية الحالية لنظم سياسية ديكتاتورية بحكم نشأتها وطبيعتها وبنيتها ويعزز من واقعية هذه الرؤيا مهاجمة القوى الرجعية لرواية نجيب محفوظ(أولاد حارتنا) حال نشرها وبعد صدورها، وكذلك التناغم العربي الثقافي مع مهاجمة الكاتب الإنجليزي من أصل كشميري سلمان رشدي بفعل الفتوى الإيرانية الدينية حول رواية من رواياته وصولاً إلى سياسات القمع والاحتواء المتبعة مع المثقفين العرب الأكثر راديكالية والأكثر جدية برغم تباينهم واختلاف مشاربهم وتطلعاتهم الأمر الذي حدا بدولة مؤسسها روائي متفهم للحريات الديمقراطية الليبرالية الغربية قبل كونه سياسياً ومؤسساً للدولة الإسرائيلية، أن يمنع في حقبته إخراج رواية( خربة خزعة) ليزهار سميلانسكي مسرحياً وأن يمنع أيضاً طباعة مذكرات موشي شارت إلا بعد التصريح بذلك لورثته عام 1980 وخارج إسرائيل. فالدولة الإسرائيلية حاضرة في المشهد الشرق أوسطي خلال القرن الماضي سواء كانت وكالة يهودية أو حركة صهيونية ومنظمات فرعية أو دولة بنظام ديمقراطي وتداول حزبي للسلطة، فقد غذت بوجودها الإنزياحات الفكرية في الثقافة العربية كما قدمت مبرراً لكثير من الأنظمة التي اتخذت من الصراع معها – أو الادعاء به- ذريعة لقمع شعوبها وتفريغ ثقافتها من أي محتوى ديمقراطي حقيقي أو إنساني يراعي كون هذه الشعوب من نوع البشر كفصيلة حيوانية لها منظمات للدفاع عنها وعن حقوقها المحلية والعالمية فرغم ادعاء الصهيونية المبكر بأنها ستلعب دور المركز المتقدم جغرافياً على بوابات الشرق ممثلة لقيم الحضارة الغربية إلا أنها هي أيضاً غرقت بفعل وجود اليمين الديني المتطرف وقطيعته التاريخية المضاعفة عن الزمان والمكان وعن الجوار أيضاً في المكان والتراث في انعزالية الجيتو المسلح في قلب المحيط العربي والإسلامي، ولها كما للغرب تأثير بالغ على التطلعات والآمال والصراعات التي خيضت باسم الدفاع عن العروبة والإسلام تارة وباسم النهضة والتنوير والاستقلال تارة أخرى، وعند التفصيل أي عند رؤية المشهد العام بتفصيلاته الزمنية والفكرية سوف نرى أثر ذلك في تشكيل المشهد العام للثقافة العربية
وصيرورة وتحولات المثقفين العرب ومصائرهم الفكرية نتيجة الاستقطاب ومن ثم الصراع الداخلي من ناحية ونتيجة وجود إسرائيل المستجد وسط واقع مركب التعقيدات داخلياً وخارجياً من ناحية أخرى.
II
II
للتأكيد على القطيعة التاريخية (400سنة) في الثقافة العربية الإسلامية لا بد من التأكيد على أنها أي الثقافة سواء قبل الإسلام أو بعد سيطرة الإمبراطورية العثمانية كانت وما تزال شرقية أو ذات جذور شرقية خضعت بشكل أو بآخر لتشوهات غربية وذاتية ولإجهاضات على مستوى العقل والروح طوال القرن الماضي وأقرب الأمثلة على ذلك القطيعة الداخلية في الحقبة الإسلامية بين فكر السنة الحاكم وفكر الشيعة المعارض الذي توفرت له عام 1979 ولأول مرة في التاريخ فرصة الحكم في إيران. فبعد زهاء نصف قرن من ثورة العشرينات في العراق التي لم تنجز أهدافها في محيط الانقطاع التاريخي العربي والعراق كان نموذجا،ً أنجزت تلك الثورة بفعل محافظتها على الحد الأدنى اللازم من نسقها الفكري الشرقي بعض
أهم أهدافها بالحكم وإزالة النظام الملكي لشاه إيران التابع تبعية مطلقة للغرب وغير المستجيب حتى للمطالب الأمريكية الإصلاحية بفعل بنيته الاستبدادية الشرقية والتي ستعاود الظهور حتى في الثقافة والبنى السياسية لجمهورية إيران الإسلامية ممثلة بالتيار المتشدد الذي أصبح له مكاسبه على أرض الواقع التي لا يمكنه التخلي عنها بسهولة أمام التيار الأكثر استجابة للإصلاح الديمقراطي واعتماد المؤسسات المدنية ركيزة للنظام ولمستقبله خاصة في ظل الهجمة الأمريكية الإسرائيلية وسياسات الهيمنة للقطب الواحد وبدء تشكيل آخر إمبراطوريات التاريخ الإمبراطورية الأمريكية وانهيار الحزام العربي الواقي وثقافته العربية أمام جرافات العولمة وثقافة الإستهلاك الخالية من أبسط القيم الإنسانية. إن فشل ثورة العشرينات في العراق رغم تضحياتها الجسيمة له دلاله كبرى على حجم القطيعة في الثقافة العربية الإسلامية فلم يكن عزل الصحابي سلمان الفارسي عن ولايته لإقليم (له جذوره في الثقافة الفارسية الشرقية ونموه الاقتصادي البدائي المستقل عن نظام المبادلات التجارية النفعية الذي كان قائماً ولا يزال في الجزيرة العربية) من أقاليم التوسع الإسلامي بداية ونهاية المطاف ،إذ عمد المنتصرون على الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى إلى تقسيم مناطق نفوذها السابق إلى دويلات وأقطار من خلال ما عرف باتفاقية سايكس بيكو وتولية حلفائها من النخب حكاماً لتلك الدول. ولما كان وعد بلفور يمنح الحلفاء اليهود وطناً قومياً لهم في فلسطين وبالتالي حسم القطيعة التاريخية المركبة لهم منذ آلاف السنين بقرار من وزير الخارجية البريطاني آنذاك فإن الرؤية الغربية الاستعمارية بشقيها الأوروبي والصهيوني الناشئ شرعت في تنفيذ برنامجها أياً كانت رؤى وطموحات ما سمي تجاوزاً بـ( عصر) النهضة والتنوير ومهما كانت نوايا الأفغاني ومحمد عبده بريئة ومهما
كانت ثورة سعد زغلول جذرية وعظيمة ومهما كانت رواية محمد حسين هيكل (زينب) 1913 رومانسية ووطنية ونبيلة فهي في النهاية جزء من السيناريو ضاق أم اتسع لم يبلغ في نهاية المطاف جل أهدافه ولن يتمكن من تحديد برنامجه المستقبلي الذي لا يقع فريسة للتجاذبات غير المتكافئة بين الشرق والغرب أو للصراعات الداخلية بين اليمين واليسار، الأول مغرق بالرجعية والثاني مستبشر باعتماده على إنجازات الغير أيضاً بالثورة الاشتراكية، ومنذاك بدأت الثقافة العربية الرسمية بالتشكل حتى قبل أن تظهر نخب سياسية حاكمة أو غير عشائرية يعوزها غطاء ثقافي حضاري لها دون بروز رغبة ومصلحة المستعمرإلى السطح لحين إعلان قرار التقسيم لإقليم فلسطين ضمن ما عرف ببلاد الشام وقيام دولة إسرائيل في ظل وجود دول عربية يفترض أنها مستقلة مثل العراق ومصر وسوريا وإمارة شرق الأردن. حتى ذلك التاريخ أي قبل دخول الثقافة العربية في إطاراتها الإقليمية الضيقة وتفصيل تاريخ وثقافة لكل قطر كانت مصر تمثل بفعل الامتداد التاريخي والحضاري ومن ثم بحكم نشأة أول حكم وطني فيها في عهد محمد علي القلعة الثقافية الناهضة لما سيعرف في ما بعد بالشرق الأوسط ولذلك كانت مصر بيسارها ويمينها تشكل مركزاً إقليمياً ثقافياً وبوصلة سوف يسترش بها ليس السياسيون العرب وحسب بل المثقفون العرب أيضاً حتى قبل تجربة الوحدة بينها وبين سوريا ومن ثم فشل تلك الوحدة لما حملته من أسباب الفشل ولذلك سوف نرى تجارب ثقافية ظهرت في مصر تتكرر بعد نحو عشرين عام في سوريا مثل (مستقبل الثقافة في مصر) وصداه في (الأدب والأيديولوجيا في سوريا) ومثل (عودة الروح) وصداها في دعوة سعيد عقل لاعتماد العامية اللبنانية لغة للأدب والشعر وللدولة. لكن أكثر الروايات بمعنى التعبيرات الثقافية الأدبية والروحية التي ستتناول أزمة العلاقة بين الغرب والشرق( الغرب باعتباره حضارة وأنموذجاً وليس إستعماراً أو إستشراقاً والشرق باعتباره ثقافة عربية إسلامية " سنية تحديداً" وليس باعتباره ثقافات شرقية متعددة فارسية هندية صينية يابانية بوذية ومسيحية وإسلامية ويهودية) سوف تظهر في مصر باعتبار بنيتها القومية الأكثر تطوراً من النظم العشائرية والطائفية غير المستقلة في محيطها ومن هذه الروايات ( زينب، عصفور من الشرق، قنديل أم هاشم، و (الرحلة) لرضوى عاشور. في حين ستظهر في لبنان رواية واحدة لسهيل إدريس معبرة عن تلك الأزمة ورواية واحدة في السودان تتناول نفس الموضوع،( موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح. وفي سوريا يبزغ النقد اليساري لتلك الأزمة ممثلة بكتاب محمد كامل الخطيب(المغامرة المعقدة) جاعلاً منها أحد عناوين الثقافة العربية القابلة للنقد والتحليل وإلى سلطة العقل وسلطة المعرفة. سوف نعرف فيما بعد أن نجيب محفوظ في مصر ربما كان الوحيد في الثقافة العربية الذي لم ينجذب بسهولة لأي من التيارات والتجارب القومية أو اليسارية أو الدينية التي كانت تخوض صراعاً دامياً في ساحات السياسة والثقافة سواءً بسواء فلم تشهد ثقافة ما مثل ما شهدته الثقافة العربية من تصفيات جسدية ناهيك عن انعدام قيم الديمقراطية وقيم الحوار وسيادة سياسة اغتيال الشخصية وقمع الكتّاب المعارضين ومطاردتهم ومحاربة المثقفين في أبسط حقوقهم في العيش أو العمل ضمن الحد الأدنى من الكرامة الشخصية والاعتبارات الإنسانية. فالحقبة التي شهدت ما سمي بعهد النهضة في مصر وقبل ما سمي بثورة 23 يوليو 1952 شهدت صراعاً فكرياً وثقافياً بين دعاة التجديد والحداثة والنهضة من جانب وبين التيار المحافظ، بين كتّاب النظام السياسي القائم وبين المهمشين فيه
والأكثر تقدمية ووطنية وتطلعاً لمستقبل أفضل . وكانت هذه الصراعات التي تتخذ من قضية مثل استخدام العامية في لغة حوار الرواية واستخدام الفصحى في السرد في نفس الرواية( عودة الروح) غطاءً لها، أو من دعوة كاتب وأديب مصري معروف لحضور حفل افتتاح الجامعة العبرية في الثلاثينات رمزاً لها، أو من ظهور أفكار سلامة موسى في كتاب عنواناً لها، وانتقل الصراع وليس الحوار إلى مساحات غير مصر فيما بعد عندما خاضت نازك الملائكة معركة الشعر الحر في كل من العراق ولبنان في (قضايا الشعر المعاصر) رغم أن الجذور الحقيقية للمعركة كامنة في ترجمة علي أحمد باكثير لمسرحية (روميو وجولييت) إلى العربية كما هي كامنة في المجدد الحقيقي لها بدر شاكر السياب الذي في اعتقاد كاتب هذه المقالة سبق نازك الملائكة في كتابة الشعر الحر لكنه هضم حقه في تبني الريادة التنظيرية هو ومؤلف كتاب (الغربال) مضافاً لهم محاولة مبكرة( أيضاً تنظيرية) لسيد قطب في (النقد الأدبي أصوله ومناهجه) ومع انتقال وازدهار مركز الإشعاع والصحافة والحريات والطباعة والنشر من القاهرة إلى بيروت بدأت الثقافة العربية تكشف عن التنوع والحوار وكذلك حدة الصراع العربي – القطري المنشأ - الذي يتخذ من بيروت ساحة له على كل الصعد الثقافية والسياسية وحتى العسكرية والتنظيمية. ففي حقبة السبعينات تحديداً وجد جل المثقفين العرب المطاردين والمنبوذين والملاحقين من أنظمتهم العربية أنفسهم في الآفاق التي منحتها بيروت ولبنان لهم، وبالمثل وعلى نطاق أضيق كانت الكويت في نظر بعض المثقفين العرب تشكل ملاذاً ومتنفساً لهم من حيث حجم هامش الحريات الصحفية فيها والذي ستقوضه بنفسها في منتصف الثمانينات وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان تحديداً وخروج منظمة التحرير الفلسطينية منهكة القوى ومحطمة النفوذ حتى على أبسط مؤسساتها مثل مركز الأبحاث واتحاد الكتاب والصحفيين ومؤسسات أخرى .فإذا كان الصراع بين الشيوعيين والبعثيين في العراق قد دشنه مسدس صدام حسين( 18 سنة) عندما أطلق الرصاص على عبد الكريم قاسم بإيعاز وتمويل من الملحق العسكري في السفارة المصرية في بغداد التي كانت تشكل تحدياً لمصر الناصرية وللثقافة القومية، ومن ثم بتوفير الحماية له لحين تهريبه إلى لبنان ونقله إلى مصر تحت غطاء التعليم الجامعي وما نشر عن صلاته السرية بالسفارة الأمريكية في القاهرة، فإن لبنان سيشهد اغتيالات للعديد من الصحفيين والسياسيين والمثقفين العرب وتحديداً من أوساط الشيوعيين أو المبدعين القريبين على الأقل من الفكر الماركسي ومؤلف (النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) الدكتور حسين مروة أبرز نموذج صارخ على تصفية الفكر بكاتم صوت ليذهب بالجسد ولا ينال من الإنتاج الفكري وهو المنتج الوحيد العربي في القرن الماضي وقد لا يظل كذلك في القرن الحالي مع ظهور أفكار نهاية التاريخ(فوكو ياما) وفكرة صراع الحضارات (هنتنغتون) وسيادتهما في أوساط المثقفين العرب ، مثقفوا الحداثة وما بعد الحداثة ، اللذين سيشكلون قطيعة أخرى مع كل إرهاصات قرن بكامله باعتباره قرن كلاسيكي وحفل بأيديولوجيات سقطت وبثورة أممية فشلت في معقلها ! و في كل ذلك سيكونوا غافلين عن أقطاب المستقبل في مدى منظور من النصف قرن الحالي ممثلاً بالصين تحديداً التي يشكل حاجز اللغة أحد عثرات دخولها الفاعل للثقافة العربية، وتشكل بذاتها نقطة إضاءة كاشفة لفشل الثقافة العربية كثقافة شرقية في معركة الأصالة والبناء والتطور وفشلها أي الثقافة العربية في امتلاك برنامج برؤية واضحة.
III
إن المتأمل لنتاجات المثقفين العرب في القرن الماضي لا بد وأن يصاب بأزمة منهجية ليس بسبب تتبعه للنمو المبتور الذي سيجده في جانب وإلى النمو المشوه الذي سيجده في جانب آخر منها وحسب بل أن في المقارنة ما يدعو للإحباط عندما تتسع ثقافته لتشمل الثقافة الغربية بتنوعاتها المنشأية فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، بريطانيا، أسبانيا، وفيما بعد الأمريكيتين الشمالية والجنوبية وتنوعهما التاريخي وتطورهما النوعي في ثقافة ما يعرف بدول أمريكا اللاتينية. المثال الصارخ هنا يتمثل بقصيدة ت.س إليوت (الأرض الخراب) وزمن كتابتها ودلالاتها ولو أدرك المثقفون العرب دون أي استلاب ومن ثم تعالي على واقعهم وتراثهم دلالة وتأويل تلك القصيدة لما اندلقوا في مجهول الحداثة وهاوية ما بعد الحداثة بل ولما وجدوا أنفسهم دون أن يدري بعضهم داخل (حفلة كوكتيل) مسرحية ت.س إليوت دون أن تمثل صور الخراب واليباب والبؤس لشعوبهم ومخيمات أوطانهم في أذهانهم وضمائرهم وبالمثل يمكن أن يقال عن مثقفي اليسار الذين وإن قرأوا (الحرب والسلام) و(الأم) وصولاً لـ(والفولاذ سقيناه) ناهيك عن إبداعات مايكوفسكي وتشيكوف وديستويفسكي ونتاج مثقفي وفلاسفة شعوب شرق أوروبا ومفكري وشعراء وأدباء أوروبا نفسها منذ كومونة باريس والثورة الفرنسية ونضالات الأحزاب الشيوعية الأوروبية أي منذ رامبو الفرنسي حتى جان جينيه ومنذ جورج لوكاتش المجري حتى لويس أراغون الفرنسي ، كيف أمكن لهؤلاء المثقفين التنكر لتروتسكي صاحب (الثورة الدائمة ) وباني الجيش الأحمر الذي مات قتلاً وغدراً ونبذاً وطواه النسيان كما لو كانت سيرة حياته يراد لها أن تشهد زوراً على أفكار المجري كارل مانهايم في كتابه(الأيديولوجيا واليوتوبيا) فرغم أن الاشتراكية أو حتى الشيوعية ظلت مجرد يوتوبيا للمثقفين اليساريين العرب إلا أنهم استفادوا لأمجاد شخصية أحياناً من تجربة سبعين عاماً من أكبر ثورة أممية اشتراكية شهدها القرن الماضي ونجم عنها مساعدة أوطانهم أي المثقفين العرب في إنجاز شيء من التحرر والاستقلال وشيئاً من البناء الاقتصادي وكثير من المديونية لحساب الاتحاد السوفيتي الراحل على دولهم التي استأثرت أنظمتها بالمنجزين الحضاريين الغربي والشرقي دون أي شعور بالذنب أو بالخجل نتيجة تأهيل أبناء الفقراء من شعوبهم علمياً بمنح للاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الأمر الذي يشير إلى تدني أخلاقي في إقامة علاقات متكافئة مع شعوب لعبت دور الصديق والنصير والمؤازر ذات سبعين عاماً من ذات قرن وانتهت بناتها ونساؤها ومن كن في دور رفيقات دروب النضال والكفاح إلى العمل في ملاهي العواصم العربية الليلية وضمن طاحونة السياحة والاستهلاك ومن ثقافة السلم والاشتراكية إلى ثقافة إن جاز التعبير العولمة ونهاية التاريخ وصراع الحضارات، لكأن بناء السد العالي في مصر و(نجمة أغسطس) لصنع الله إبراهيم أشبه بالأحلام التي مضت في عمر وتاريخ ثقافة العرب في القرن الماضي، ولكأن الطاهر وطار و(اللاز) تحديداً وكل النتاجات الفكرية والإبداعية المشابهة في أقطار ودويلات العرب باتت أشبه بالطفرات أو شيئاً من أعمال التحف ومقتنيات المتاحف لم تدفع لها الشعوب العربية التضحيات تلو التضحيات، ألم يدفع
الفلسطينيون في لبنان على سبيل المثال ثمناً باهظاً لقصيدة محمود درويش(مديح الظل العالي) تماماً مثلما دفع نفس الشعب ثمن ازدهار العاصمة الأردنية من نفس جدران الخزان الذين لم يطرقوه ولقرابة أربعين سنة تقريباً من العمل في دول الخليج النفطية قبل نيلها للاستقلال وبعده؟ كذلك الحال مع العمالة المصرية التي توزعت على مختلف الأقطار العربية في مجالات التعليم والإعلام والتثقيف بكل سلبياتها وإيجابياتها في الجزائر، وبكل إيجابياتها وصبرها في دول مثل العراق والكويت وبقية أقطار الخليج، إن المنجز الفكري للمثقف العربي في أرقى حالاته جاء في مسيرة الشعوب وحركتها التحررية ونزوعها نحو غد أفضل استأثر به مثقفون انتهازيون على حساب جماهيرهم ومن الأمثلة الدالة على المفارقة هنا بين مثقف ملتزم ومثقف آخر أن صنع الله إبراهيم وأمير اسكندر كلاهما من مصر ولكن لكل منهما موقف واضح من القمع الذي تعرض له المثقفون العراقيون بعد التفاف صدام حسين على تجربة الجبهة الوطنية في العراق وملاحقته للأكراد ومن ثم للشيوعيين العراقيين والتنكيل بهم وبغيرهم من أحفاد ثورة العشرينات في العراق وبعد أن اتسعت وازدهرت ثقافة الشعر التاريخية وكذلك الرواية والقصة والفن التشكيلي في عراق البعث وعلى حساب عراق ثورة
14 تموز 1958 انقلبت تلك الثقافة إلى عبادة الفرد وثقافة الصنم ومحاولة صدام حسين استرضاء التيارات الدينية والأخوان المسلمين تحديداً في معركة صبت كل نتائجها لمصلحة أمريكا وإسرائيل بأسوأ المقاييس وكان من نتائجها أيضاً سرقة التراث والعبث به وتدمير منجزات وشواهد حضارات قامت واندثرت أو جرت معها القطيعة التاريخية في بلاد الرافدين تلك البلاد التي للأسف لم يقم الحائزون على جائزة نوبل من العرب وعلى رأسهم نجيب محفوظ بزيارة للتضامن مع شعبها أو بموقف يدلل على أن للمثقف العربي موقف إنساني وإبداعي خلاق ومشاعر حضارية راقية تدعوه لإسماع صوته للعالم الذي وقف بقضه وقضيضه ضد الحرب على العراق بمن فيهم فنانون وسياسيون ومفكرون أمريكان مثل نعوم تشومسكي رغم أنه يهودي المنشأ، في حين زار عدد من كتاب العالم البارزين الأراضي الفلسطينية ومنهم من هو حائز على جائزة نوبل متخذين موقفاً إنسانياً وحضارياً ضد الاحتلال وضد الاستخدام المفرط للقوة وضد الهمجية المستخدمة لقمع تطلعات الشعوب بالتحرر والاستقلال، فأية ثقافة تلك التي لا تتضامن مع نفسها قبل أن تتضامن مع شعوبها؟ هل هي
حقاً موجودة أم أنها انهارت مع حركات التحرر وتراجعها بمجرد تفكك الاتحاد السوفيتي? والذي لم تمر بضع سنوات على انهياره حتى تداعت بعض الرموز الثقافية هنا وهناك للبحث عن الممول الأجنبي نتيجة تغول مثقفي السلطة في كل قطر عربي على من كانوا مثقفي اليسار أو المحسوبين ولو خطأ عليه، والتمويل أياً كانت مصادره لا يمكن أن يمارس إلا في أراض خصبة بحاجة لوجوده معبراً عن التطلع الإنساني الدائم نحو الإصلاح والديمقراطية أو أنه قد يفلح في الموقع الذي لا تفلح فيه طائرات ت52 والأباتشي وكل تكنولوجيا مجمع الصناعات الحربي في أمريكا وبقية حلفاءها، فشركات التمويل الأجنبي أفلحت فعلاً في إيجاد قدم لها في مصر والأردن ومناطق السلطة الفلسطينية في مواجهة ثقافة عربية ومثقفين عرب لا وجود ولا حياة لهم بغير النفط وكوبونات النفط ولتذهب الشعوب بتطلعاتها نحو حياة أكثر كرامة وأكثر حرية إلى الجحيم ما دام المثقف العربي بخير ويتنقل من عاصمة لأخرى من العواصم الثقافية، ومن مهرجان لآخر ومن مؤتمر لآخر وهكذا لدرجة بات فيها المرء يخجل
من وصفه مثقفاً إذا كان فعلاً هو كذلك وما يزال لديه بقية ضمير بمثل ضمير فنان الكاريكاتير العربي ناجي العلي الذي لم تحمه حتى الديمقراطيات الغربية عندما اغتيل بكاتم صوت في وسط لندن، لكن كيف تم إنجاز الانهيار التاريخي في مشهد القرن الماضي للثقافة العربية؟
سؤال تتعدد الإجابات عليه وتتسع وما زال ما كتب أو جرى تسطيره في هذا المقال لا يفي بالغرض.
ليس الثقافة العربية وحدها التي عانت من الانقطاع التاريخي عن حضارات الكنعانيين والفينيقيين والسومريين والآشوريين وعن صيروراتها التاريخية وتحولاتها وصولاً للحضارة العربية الإسلامية، بل أيضاً هنالك ،وياللمفارقة، الثقافة الصهيونية ذات الجذور الشرقية التي عانت من فترات إنقطاع زمنية أضعاف ما عانته الثقافة العربية مضافاً إليها الشتات والدياسبورا ذات التعقيد الذي سار على بعض مساراته، وياللمفارقة أيضاً ، الفلسطينيون في ديا سبوراهم الخاصة التي تعرف لدى فواز تركي في روايته الرائعة( المجتثون، يوميات منفى فلسطيني) بالغربة. وكلا الثقافتين العربية والصهيونية باعتبارهما ثقافات قومية فشلتا في معرفة الذات وتحديد هويتها في الزمن والصيرورة التاريخية وفي معرفة الآخر خارج فعل وتأثير الثقافة الاستعمارية. فالثقافة العربية ورثت احتلال بلدان وشعوب الآخرين على أنه فتوحات إسلامية ولم تجد الإمبراطورية العثمانية غضاضة في السيطرة على العرب باعتبارهم من شعوب الإسلام وباعتبارها إمبراطورية إسلامية حتى لو كان في تلك الأوطان طوائف وأديان مسيحية ويهودية فهم أيضاً بما يشرعه الإسلام أصحاب كتب سماوية يمكن العيش والتعايش معهم. وللتدليل على ذلك فإن هنالك مثالان قائمان في التاريخ أولهما أن الثقافة العربية الإسلامية اعتبرت الغزوات والحملات الصليبية وصولاً للقدس اعتداء على المسلمين وديارهم فقط لم يعان منها الآخرون أو يتأثروا بها كالمسيحيين أنفسهم واليهود، أما المثال الآخر فهو اتجاه مع سمي فيما بعد بالأفغان العرب للتطوع وتحرير شعب أفغانستان من الغزو السوفيتي باعتبارهم لأفغانستان أرضاً للمسلمين مهددة بالكفر والكفرة، وما هي إلا سنوات حتى انقلب السحر على الساحر ليجد أعوان أمريكا أنفسهم في معتقلات جوانتنامو وبأيدي وقبضات حلفاء الأمس. كذلك الأمر مع ممثل الفكر القومي في أشد تجلياته ديماغوجية، صدام حسين، حامي حمى ونبراس تطلعات كل الشعوب العربية إلا العراقي ! والإسلامية ، باستثناء بسيط لنحو 17 مليون من العراقيين بلغ عدد المنفيين والمطاردين منهم في أصقاع الأرض نحو خمسة ملايين فقط، أي بحجم تعداد سكان الأردن وأضعاف تعداد مواطني بعض الدول الخليجية، ومن نافل القول أن نذكر بحجم عدد سكان إسرائيل. ويحار المرء الذي يدرس الإسلام واليهودية والمسيحية في أن يجد سبباً واحداً كافياً ،غير تبدل وصيرورة المصالح ،لأن يشعل أحد المؤمنين من هذه الأديان السماوية فتيل حرب الإبادة ضد الآخر ما لم يكن هنالك أسباب خارجة عن النصوص الدينية في القرآن والتوراة والإنجيل التي تتحدث كلها عن المشترك والمتشابه والقواسم المشتركة لحياة اتباعها المؤمنين بها أكثر مما تتحدث عن عوامل الاختلاف، الأمر الذي ينفي أن يكون الصراع والحروب والمجازر وحروب الإبادة والتنكيل وكل ما هو خرق لحقوق الإنسان نابع من أي كتاب مقدس وإنما من التوظيف غير المقدس لبعض النصوص وبعض الوقائع التاريخية التي برغمها أيضاً شهدت هذه المنطقة من العالم تعايشاً بين الثلاثة أديان جميعاً لفترات لا يستهان بها. فكما أنه وجد يهود عراقيون ويمنيون ومصريون وليبيون ومغاربة وجد في صفد تحديداً يهوداً فلسطينيون وقفوا في وجه مشروع روتشيلد الفرنسي في فلسطين قبل تأسيس دولة إسرائيل. ومنذ ما قبل قرار التقسيم 181 الصادر عن هيئة الأمم المتحدة أيام الحرب الباردة ظل الصراع بين الثقافتين العربية والصهيونية مفتعلاً وليس دينياً بأي شكل من الأشكال بدليل خروج عصبة التحرر التي تشكلت عام 1943 من رحم الحزب الشيوعي الفلسطيني بعد سيطرة اليهود الدينية عليه في مؤتمره العام وانحرافه المبكر عن الماركسية اللينينية باتجاه توطين الطبقة العاملة اليهودية في أرض ليست أرضها واحتلال العمل باستغلال كون غالبية الفلسطينيين من الفلاحين والمزارعين . وهو نفس الحزب الذي سمي فيما بعد بالحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح) ظل يحمل في طياته ومراحل تاريخه عناصر الإشكالية وآثار القطيعة التاريخية سواء بالنسبة للثقافة العربية التي رممها إميل حبيبي في نتاجه الأدبي خير ترميم في (الوقائع)، أو بالنسبة للثقافة الصهيونية التي وجدت من يرممها هي أيضاً من قطيعتها التاريخية بدءاً بـ(خربة خزعة) وليس انتهاء بـ(الحروب الصليبية) ونتاجات أخرى لعاموس عوز داعية السلام. لكن درجة التقارب والتفاهم هذا دون المستوى الذي يتطلبه المنعطف التاريخي في العالم ومنهما سوية ودون مستوى تطلعات شعوب المنطقة بالسلم والحرية والعدالة والديمقراطية والازدهار الذي لم يطل سوى النخب في الجانبين، أي من خانوا طبقاتهم الاجتماعية ومن خانوا وعيهم ومسؤولياتهم التاريخية باعتبارهم يمتلكون سلطة المعرفة وخاصة لدى الجانب الإسرائيلي. وفي حين يعاني المثقفون العرب من الانهيار فإن المثقفون الإسرائيليون يعانون من العزلة وقلة الحيلة ومن التحولات المريعة لدى بعضهم مثل المؤرخ بيني موريس. ولم ينج من الانهيار أيضاً لديهم سوى قلة من أصول عربية وليس من قبيل الصدف أن يكون الأكثر وعياً فيهم من أصول عراقية وقريبون من أوساط الحزب الشيوعي الإسرائيلي أو أعضاء قدماء فيه.
فالشيوعيون العراقيون على صلة تاريخية بموروث الفكر الإسلامي المعارض من ناحية وعلى صلة بدروس منجزات ثورة أكتوبر الاشتراكية من جهة أخرى وليس من السهل تضليلهم كما حدث لكوادر حزب العمل الإسرائيلي الذي كف منذ زمن عن كونه حزباً يمثل العمل والعمال وأصبح حزباً أشبه بحزب العمال البريطاني بقيادة بلير الحليف الاستراتيجي للحزب الجمهوري بقيادة بوش الابن وليس للحزب الديمقراطي الأمريكي! فهل انقضت الضرورة التاريخية لإعادة النظر في العلاقة بين الثقافتين العربية والصهيونية أم أن لدى الجانبين مزيد من الانهيارات التي يتسببان بها كل للآخر؟ وإذا حسم الصراع فهل لدى المنتصر أي شعور بالمسؤولية تجاه بشرية ثقافة الآخر بمثل ذلك الشعور الذي عبر عنه شاعر عربي مثل أدونيس لينال عليه الطرد من اتحاد الكتاب العرب؟ أجل اتحاد الكتاب العرب الذي لا يفعل شيئاً أكثر من طرد أعضائه أو إعاقتهم أو رشوتهم واستمالتهم أو في أحسن الأحوال طباعة كتبهم.
كرس وجود إسرائيل إشكالية جوهرية للثقافة العربية الإسلامية، خاصة في سياق التحرر الوطني، لم يستطع الفكر القومي لا تجاوزها ولا حلها ولا استيعابها وفق معطياته النهضوية من ناحية ووفق انقطاعاته التاريخية عن تطوره الطبيعي من ناحية أخرى. كذلك الحال مع الفكر الذي طرحته التيارات الدينية في أشد حالاتها انفتاحاً وتنويرية. ويمكن ملاحظة الفارق بين طروحات مفكر إسلامي مثل مالك بن نبي أحد تلامذة الشيخ ابن باديس الذي وظف الدين بمحتواه التحرري وأسهمت طروحاته تلك في الثورة الجزائرية التحررية من الاستعمار الفرنسي حتى نيل الاستقلال مطلع الستينات من القرن الماضي. على صعيد آخر كرس وجود إسرائيل أيضاً نزوع الأنظمة العربية والثقافة العربية بمجملها لخلق كيانات ثقافية قطرية تشرع ثقافياً للتجزئة والاستقلال وشرعية النظام سواء الأنظمة الملكية أو المشيخية أو الجمهورية في أحسن أحوالها قومية مع استثناءات طفيفة لفترات زمنية غير مؤثرة لبعض التجارب في سياق النظام العربي والثقافة العربية المهيمنة. كما أن وجود إسرائيل منح العديد من التيارات الانعزالية النمو والانغلاق والعدوانية أحياناً داخل القطر أو الدولة الواحدة في غياب الديمقراطية بأبعادها الاجتماعية والسياسية الحقة بعيداً عن هيمنة بعض الأقليات أو العائلات المالكة أو الحزب الواحد وجميعها دون استثناء كانت تخشى من الديمقراطية الإسرائيلية وتداول السلطة بين حزبين كبيرين منذ وجدت إسرائيل هما الليكود والعمل ومن أي اتصالات تنشأ أو أي تنسيق بين الحزب الشيوعي الإسرائيلي والأحزاب الشيوعية العربية والتي فشلت جميعها في وضع رؤية مشتركة لخصوصية الثقافتين العربية والصهيونية – الإسرائيلية وتقاربهما في التاريخ وفي الضرورة التاريخية المعاصرة لتعزيز المشترك وحل الإشكالات الناجمة عن هذا الوجود والمتمثلة بالمطالب الفلسطينية المشروعة خاصة بعد هزيمة 67 وسقوط ما تبقى للفلسطينيين من أراضي وحقوق ومخيمات ومساحات من الحرية أو المستقبل وبخاصة من لجأ منهم لدول عربية مجاورة ضاعفت من معاناتهم وزادت من أزماتهم وبررت كل أفعالها بحق شعوبها على حسابهم وحساب قضيتهم بما فيها الانقلابات العسكرية والأحكام العرفية والفساد وعقد الصفقات والتلاعب بمقدرات الشعوب ومستقبل أجيالها إلى غير ذلك . ففي وقت سابق على نكسة حزيران كتب يوسف السباعي روايته (طريق العودة) وهو الكاتب الذي كتب عن ثورة يوليو(رد قلبي) وكذلك عن تجربة الوحدة مع سوريا في حين ظل نجيب محفوظ أكثر كتاب مصر عقلانية وعمقاً بمنأى عن دخول تلك التجربة أو الاتكاء عليها بأي شكل من الأشكال. أما عاموس عوز الإسرائيلي فقد طرح في روايته( ميخائيل الذي يخصني) إمكانيات التعايش الفلسطيني – الإسرائيلي في القدس في أيار 67 أي قبل وقوع الهزيمة المدوية التي أدت بالأنظمة لأن تقدم الفلسطينيين بصورة الفدائيين كبش فداء لاستمراريتها ولم تحتملهم بعض تلك الأنظمة لسنوات معدودة حتى تم تخلصها منهم وإن بطلب النجدة والتدخل من إسرائيل عبر وسيط بريطاني أحياناً أو عبر جيش أنطوان لحد أحياناً أخرى. وقد استسلمت القيادات الفلسطينية التاريخية والتقليدية لمثل هذا التواطؤ حتى على حساب شعبها ومخيمات لاجئية في معظم الأقطار العربية حالها كحال النظام العربي التي هي جزء إضافي منه، ومع ذلك ورغم كل التضحيات شبه المجانية ظلت معظم الأنظمة العربية تخشى التجربتين الإسرائيلية وكذلك الفلسطينية أن نتقل عدواهما إلى شعوبها القابلة بسهولة منقطعة النظير للتجهيل المبرمج في بعض الأقطار عن طريق كرة القدم وفي البعض الآخر عن طريق عظمة الحزب الواحد أو العائلة الواحدة وأعطياتها ومكارمها أو عن طريق الديكتاتور وجبروته العسكري وفي أقطار أخرى تكاد الفوارق هنا أن تكون معدومة ما دام الهدف واحد وهو: كل تطبيع ممكن مع إسرائيل من تحت الطاولة إلا التطبيع الثقافي والسياسي الذي يجعل للفرد كلمة في صناديق الاقتراع وللشعب رأياً في حكامه وتاريخه ومستقبله ومن ضمن حقوقه أيضاً تشكيل الأحزاب وحرية التعبير وحق الانتخاب و الترشيح وتداول السلطة. باختصار، كانت الثقافة العربية في مجملها تخشى الحوار وفي أكثرها وطنية وتقدمية لا تريد تكريس ثقافة الحوار خاصة إذا ما خرجت عن حدودها الموضوعة سلفاً من قبل الأنظمة لتناقش مشروعية وجود حكامها ومن والاهم ونظر لهم من المثقفين المدججين بالصغائر في وقت باتت فيه بعض الأنظمة ليس أكثر من ضباط اتصال مع حلف الأطلسي أو مجرد وكلاء شركات على شكل حكام فإن المثقفين العرب -ونتحدث عن الأغلبية هنا- ارتضوا أيضاً أن يكونوا مندوبي إعلان بطريقة أو بأخرى لهذا النظام أو ذاك وخاصة في عصر العولمة الذي توج بشن الحرب على العراق وهي في الحقيقة على شعب العراق وقواه الحية أكثر منها على النظام الذي كان ممكناً التخلص منه في حرب (عاصفة الصحراء) عام1991 لكن تأجيل ذلك 12 سنة جعل العراق خزاناً نفطياً أمريكياً لحين الاستحقاق وبرعاية صدام حسين لإهانة وإذلال المثقفين حتى الذين منهم تواطئوا على مقدرات ونفط الشعب العراقي وقوته بدعوى فك الحصار عن العراق والذي يحتوي على انهيار أخلاقي للمثقف الذي يقف على جانب النظام دون اعتبار لكرامة الشعب أولاً ودون احترام إرادته وبخاصة من غير العراقيين الذين لم ينالهم أي أذى في عواصم العروبة مما أصاب الشعبين العراقي والفلسطيني كل على أرضه وفي نفس الوقت لا يملك أن يقول رأيه في مستقبل أو حاضر وطنه، لكأنما تعزز في هذا السياق الانقطاع التاريخي بانقطاع عن الراهن كذلك عن العصر على طريق تحطيم أي بادرة أمل في المستقبل. وليس الحال في إسرائيل أحسن حالاً منه لدى الجيران فالسوء والانهيار مسائل نسبية أيضاً لأن إسرائيل قامت على وعود حياة أفضل لليهود وليس الأسوأ وفي النهاية إلى متى ستطول المساعدات الأمريكية في ظل بوادر الانهيار لإمبراطورية تنشا في زمن ودع كل الإمبراطوريات وفي زمن تبدو فيه دول وشعوب شرق آسيا وخاصة الصين واليابان مقبلتان دون تردد أو تسرع على اجتراح القوى العظمى التي يحبل بها المستقبل خلال الثلث الأول من القرن الحادي والعشرين؟ قد تبدو إيران والهند على مفترق الطرق وكذلك بعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ، لكن بوادر الاستقلالية وعدم التبعية الكاملة للمشيئة الأمريكية أصبحت منذ اليوم واضحة للعيان في الوقت الذي لا يستطيع فيه المثقفون العرب قول كل جملتهم كاملة أو موقفهم دون أن يتراجعوا عنه في اليوم التالي.
فإذا كنا خلال أكثر من عقد فهمنا مراجعات بيني موريس خطأ فإنه أوضح لنا منذ عامين وخلال الانتفاضة الفلسطينية هذا الخطأ وأزال اللبس تارة في (الجارديان) البريطانية وتارة في (ها آرتس) الإسرائيلية، وهو ما لم يفعله آفي شلايم على أية حال وما لم تفعله الصحفية عميرة هاس. ويبدو أن زمن التحولات كنتيجة منطقية لكل تراكم كمي لم يعد يفضي إلى التحول النوعي بقدر ما عاد يشير إلى السقوط والتردي والانهيار.ومن ما يزال صامداً في الثقافتين فليتكلم ، ومن لا يزال لديه ضمير المثقف المسؤول وإنسانيته فليتصرف. فليس بعد هذا الانهيار والقطيعة عن التاريخ وعن الواقع أي انهيار ثقافي أو أخلاقي.كان كتاب الدكتور حسين مروة (النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) أبرز محاولة ترميم للانقطاع التاريخي حيث كرس نحو أكثر من عشر سنوات من حياته العلمية لتأليفه ليموت اغتيالاً بكاتم صوت في الثمانين من عمره.ولم يكن أول ولا آخر من طالتهم التصفية الجسدية من المثقفين العرب فقد تحولت التصفيات مع مطلع التسعينات وبروز الحقبة الأمريكية والهيمنة من القطب الواحد إلى تصفيات معنوية وسياسية وإلى ما يشبه الحروب النفسية والاقتصادية على كل من يرفع رأسه خارج سقف القطعان أو يحلق خارج السرب. وتحضرني هنا، وخاصة في المهرجانات الثقافية والاحتفالات الرسمية، قصيدة لشاعر إيراني مفادها أن طيوراً رحلت باحثة عن طير محدد وطالت رحلة تلك الطيور ونفق معظم من في السرب الباحث ليكتشف آخر طير تبقى أن الطير المبحوث عنه هو نفسه ولم تنتبه اسراب الطيور لنفسها لذاتها أو لإسمها بين أنواع الطور، فهل أدرك المثقف العربي بعد رحلة قرن بكامله، أي بعد مائة عام ونيف من عصفور النهضة والتنوير والتحرير والتثوير والتغريب والاستلاب لثقافات الغير، من يكون هو؟ هل أدرك أدونيس أنه ليس سان جون بيرس ولم يعد علي أحمد سعيد أيضاً؟ وهل أدرك محمود درويش أنه يقوم بفعل إنساني عظيم لو تزوج من تلك الغريبة بدل أن يكتب قصائده فيها أو في سريرها في ديوانه الذي حمل اسم (سرير الغريبة) ؟
وهل التقى نزار قباني بشقيقته وصال التي رحلت قبل رحيله منتحرة لأنها لم تتزوج بمن تحب وأدرك أنها معلمته الأولى التي لم يكتب لها قصيدة واحدة؟ وهل ما يزال أهالي مخيم عسكر يشوهون منظر مدينة نابلس من وجهة نظر الراحلة فدوى طوقان التي لم تدونها الصحافة ولا نطق جهاراً بها النقد والدارسون؟ وهل من حضر من مثقفي مصر في الثلاثينات حفل إنشاء الجامعة العبرية قدم النصح الأخلاقي والثقافي المسؤول لأساتذة تلك الجامعة بمثل ما تقدم به المؤرخ البريطاني آرنولد توينبي في أواخر الخمسينات؟ وهل ما يزال الدارسون للأنثروبولوجيا يتدارسون إمكانية عقد مؤتمر مشترك عربي- إسرائيلي أو شرق أوسطي أو حتى عالمي لتدارس ما جاء في مخطوطات البحر الميت؟ وهل ما تزال بعض الأنظمة العربية تخشى على وجودها من بعض الوثائق السرية التي تفيد بكيفية إنشائها والغرض المعلن والمتفق عليه من التأسيس؟ هل لا يزال مثقفوها يخشون على رواتبهم من جراء الهمس بالحقيقة التاريخية التي لم تعد سرية في الجانب الإسرائيلي ومعروفة لدى الكثيرين ومثيرة للجدل في أوساط المؤرخين الإسرائيليين؟ هل وجد تلاميذ جبرا إبراهيم جبرا مسعودهم الذي كتب فيه الأستاذ روايته (البحث عن وليد مسعود)؟ بل أما يزال كمال عبد الجواد في ثلاثية نجيب محفوظ لا منتمياً رغم الأهوال التي حلت والحروب التي وقعت والمجازر التي لم يتند لها غير جبين جان جينيه؟
وفي المغرب هل لا يزال الخبز حافياً رغم رحيل محمد شكري ورغم رحيل كثير من رفاقه؟ وهل ما يزال عاموس عوز يتمتع بصفته أستاذاً زائراً رغم عدم حصوله على شهادة الماجستير الدكتوراة- أبرز غايات وطموحات الجيل الجديد من المثقفين العرب- ويتلقى ريع كل كتاب من كتبه يزداد قارئاً أو أكثر كل سنة في سبيل تكوين ثقافة جديدة لدولة جديدة تريد ترميم انقطاعها عن التاريخ في المنطقة نحو ألفي سنة بفعل قوة الذاكرة وقوة أمريكا وقدرة الفلسطينيين على الاحتمال والمقاومة؟ احتمال الأعدقاء العرب أولاً ومن ثم احتمال استحقاقات الدولة في عمرها الذي لم يبلغ بعد سن التقاعد رغم تلقيها راتبها التقاعدي المكلف من أرباح النفط العربي في الخزانة الأمريكية ؟ وعلى الصعيد العالمي الذي استهله القرن الحادي والعشرين باستسلام ادوارد سعيد لمرض السرطان وهو الذي عالج أمراض الاستشراق باقتدار قل نظيره بحيث ترك عتاة المثقفين العرب أيتاماً من بعده على موائد اللئام وبحيث لم يعد في ساحات أمريكا غير فؤاد عجمي ساخطاً وناقداً للثقافة العربية ومعجلاً في انهيارها التام لا يلومه في ذلك كثيراً أدونيس أو الطامحين بجائزة نوبل في الآداب من النرجسيين العرب، في ظل هكذا ثقافة قد يجد المرء ما يجعله يتأسى على هنري ميلر الأمريكي الذي عاش حياته ومات ساخطاً على أمريكا في كل مؤلفاته ومداراته من (مدار السرطان) حتى (الكابوس المكيف) 1943 ومن ( الربيع الأسود) حتى ربيع براغ ومن باريس حتى نيويورك، ولن يزيده من حاول قبله مثل جون شتناينبك سوى غضب على غضب خاصة وأن (عناقيد غضب) الأخير تحولت من رواية إلى عملية عسكرية قادها شيمون بيرس لعله يحول دون وصول الليكود إلى السلطة ومع ذلك لم تجد نفعاً فقد وصل نتنياهو ومن بعده جاء شارون عسكرياً فظاً ومثقفاً أعاد الوعي لعاموس عوز الذي حاوره في الأدب والتاريخ ولم يجد نفعاً كون مؤسس الدولة الراحل بن غوريون قد نظر نظرة ليبرالية لمن يكونه اليهودي عندما تطرق إلى رواية جيمس جويس (يوليسس) وهوية السيد بلوم. وفي عصر العولمة والانهيارات يتساءل المرء إذا كانت (لمن تقرع الأجراس) سوف تصمد صمود (الشيخ والبحر) ؟ وهل ستلد الثقافة الأمريكية رجلاً بقوة وعظمة آرنست همنغواي أو بلطافة مارك توين وكتاباته المبكرة لأطفال مبكرين أم أن دانيال ديفو وجورج أورويل أصحاب العمر الأطول في ثقافة العم سام القائمة على إبادة ثقافات الآخرين بدعوى التخلف والبدائية وخاصة عندما تكون أراضيهم حبلى بالذهب الأصفر والذهب الأسود؟ وهل ستعاد للعراق آثاره المنهوبة في ظل الحرب والفوضى التي لم يحسب لها المثقف جورج بوش أي حساب فأقيم لها وللشرق مقبرة جماعية تماماً مثلما فعلت مدافع طالبان بتماثيل بوذا في أفغانستان، وياللمفارقة؟
أو مثلما انتهى إليه حزب تودة وبقايا ثورة مصدق في الخمسينات في ظل تسلم التيارات الدينية في هذا الشرق لزمام القيادة والقول وأحياناً الفعل في ساحات مثل الباكستان وبعض أقطار الخليج الذي باتت عروبته محط تساؤل وشكوك فهو خليج فارسي أحياناً وخليج عربي أحياناً أخرى. خاصة بعد أن أصبح الإسلام أممياً وكذلك المسيحية وكأن الأممية التي جاءت بها ثورة أكتوبر أصبحت ضمن محنطات الفراعنة أقدم من السنة السابعة عشرة من شباب القرن العشرين ومراهقة ستالين التي طالت لجيل عجائز الكرملين وتهاويهم الواحد بعد الآخر وصولاً لمن عجل بالانهيار وتغيير أسماء الأحزاب والناس بالبريسترويكا بمثل ما تغير الحزب الشيوعي الفلسطينيي لحزب الشعب إثر تباشير ولادة الدولة الفلسطينية التي تعسرت وأصبحت الثقافة الفلسطينية معها عسيرة الهضم من فرط الالتباس القومي والديني والطبقي. كل ذلك هل يجعل من عناوين الجيران الأتراك في رواية ناظم حكمت( الحياة جميلة يا صاحبي) ما يستحق البقاء والنضال والصمود ؟ وهل الحياة حقاً جميلة يا صاحبي في ظلال هكذا ثقافة وأوساط هكذا مثقفين؟
الأردن تلقى رسالة تحذيرية من المكتب التنفيذي لحركة ابداع تتعلق بالتجسس على حاسوب لمواطنها و خصوصياته الأدق
تلقت الأردن رسالة تحذيرية من المكتب التنفيذي لحركة ابداع تتعلق بالتجسس على حاسوب لمواطنها وموظفها الحكومي في وزارة التربية والتعليم مفادها: أن من يحرص على تطبيق القانون لأخذ حقه باختراق خصوصيات المواطن وحريته التي يكفلها له الدستور أولى به أولا أن يعطي هذا المواطن كافة حقوقه المستلبة منه بفعل البلطجة الأمنية وأولى به أيضا أن يسدد اشتراكات المواطن والتزاماته المالية واستحقاقاته المالية على وزارة التربية والتعليم التي لا تتيح له استخدام حواسيبها في أعمال هي من صميم تمكينه من القيام بواجبات المهنة الموكلة إليه وقد اشترى تيسير نظمي حاسوبه الخاص ويسدد اشتراكه على الانترنت السنوي والشهري من جيبه الخاص بحصوله على قرض بنكي من البنك العربي وأولى بالمخابرات الأردنية أن تخجل من أفعالها وأن تسدد عنه القرض كاملا عوضا عن أن تسرقه ماديا وفكريا وإنسانيا. إن تغولكم في الأردن ليس له حدود على مواطنيكم ومثقفيكم ومبدعيكم وأنتم لا تجيدون غير سرقة الشعب الذي يبني الحياة والدولة منذ تأسيسها حتى اليوم وهو في أغلبيته من الفلسطينيين الذين يرفدون الاقتصاد الوطني لدولتكم وأنتم لا عمل لكم منتجا سوى القيام بأعمال اللصوص وقطاع الطرق متذرعين بالقانون وقضاء إمعة غير مستقل ولا يستجيب للشروط الدولية ومن ضمنها شروط الكونغرس الأميركي عليكم لتمكينكم من أخذ المعونات المالية التي بلغت في عام 2004 نصف مليار ولم تنفذوا بندا واحدا من ال 22 بند المنشورة على مواقع حركة ابداع – التي دمرتموها وتريدون اليوم تدمير أنبل من عاد إلى دولتكم من الكتاب والمفكرين الذي تسرقون فكرته و تنسبونها لأنفسكم من قمة الهرم حتى أسفله. إن القوانين الدولية لمعاملات وحقوق التواصل عبر الانترنت تجرمكم كدولة وليس كجهاز مخابرات غير مؤهل لشيء سوى تسيد علاقات التخلف والسيطرة والعنف على الشعب بأبشع الوسائل التي عرفتها التكنولوجيا ولم يعرفها التاريخ إلا لديكم. إرفعوا أيديكم عن حاسوب حركة إبداع وأعيدوا لها اعتبارها و مكتبها الذي هو المكتب الشخصي للمعلم الكبير والكاتب تيسير نظمي الذي دخلتم إليه في غيابه بالقوة الجبرية التي لا يخولكم القانون أو أي قانون بها لا في القوانين الدولية لحقوق الانسان ولا في قوانين العرف الأخلاقي والانساني. لقد طفح الكيل بشرذمتكم حتى لدى أصدقائكم وجيرانكم وأنتم تعبثون بالنظام والقانون والدستور والشعب والاقتصاد والأرض التي انتدب ملككم المؤسس لرعايتها بناء على اعتراف الحسين بن علي بأنها أرض بني اسرائيل و بني اسرائيل براء مما تفعلون في القرن الحادي والعشرين وكأنكم تتصرفون بزريبة غنم وليس بدولة ملكية أو دستورية توقع اتفاقات دولية تمسح بها عرض الحائط في اليوم التالي. تيسير نظمي و حركة ابداع كل لا يتجزأ و هي منظمة دولية اعترفتم بها لأن البنك العربي أشعركم أن الشيكات المسحوبة على حساب مؤسسها هي باسم حركة ابداع و تيسير نظمي يفي بالتزاماته و يسدد جميع ضرائبكم الجائرة وبقي أن يكون لكم شيء من الكرامة وبعض أخلاق تحول دون تحطيم الأسر واغتصاب بنات شعبكم باستغلال السلطة واستثمار مناصبكم بالدولة . إن تيسير نظمي وأسرته لديكم هي الخط الأحمر الأول كونه موظف حكومي لم يرتكب أية مخالفة غير حقه باصلاح التربية والتعليم و الثقافة والمجتمع ورفع الظلم عن أغلبية الشعب وتحقيق العدالة ضمن القانون والدستور بعد تحديثهما فقانونكم وضعت بعض مواده في أيام البادية وعصور التخلف ويجب تطويره بمشورة وانتخابات شعبية بعد منحه الحريات الحقيقية بالتغيير السلمي و تداول السلطة وانجاز حكومات منتخبة وعد بها ملككم الأميركان قبل أن يعد بها الشعب من أجل منحكم المعونات المادية قبل سنوات و كان تيسير نظمي أول من ترجم له أقواله وتم نشرها دون علم وزير خارجيتكم المبجل عائدا من الجزائر مثل الأطرش بالزفة ولا يعلم عن مليكه شيئا بما صرح به أو قاله عن كل ما يجري اليوم وهو التغيير من الأسفل للأعلى بعد أن يئس ملككم الشاب منكم ومن أمثالكم الذين لا يجيدون غير التخريب باسم حبهم الزائف للملك وهم لا يحبون غير مكتسباتهم غير المشروعة والمسروقة من قوت الشعب. حالا و فورا ارفعوا أيديكم عن تيسير نظميوأسرته الصغيرة والكبيرة والشعب الذي يحبه ولكنه يخشاكم من الرعب الذي تنشرونه بين الناس والاشاعات ولن نقول اليوم أكثر من ذلك فنحن في مطلع حزيران – حزيران تسليمكم للأراضي وللقدس التي تستخدمونها فقط مثل مسمار جحا وأنتم أول من باع وسلم مخطوطات البحر الميت عن طريق تسليمها لاسرائيل. و نود ابلاغكم أن تيسير نظمي الذي اجبرتموه أولا على مغادرة الكويت وثانيا على عدم تمكينه من العمل في قطر وثالثا على خطفه عن الطيران القطري و من قبل تسليمه لسوريا على أنه مواطن سوري قد استحق دوليا وانسانيا بل وسياسيا جنسيات هذه الدول المحترمة ويستحق اذا شاء الجنسية الاسرائيلية بناء على شهادة تولده أو الجنسية الفلسطينية بالدولة التي تلحون على تشكيلها انقاذا لمملكتكم ليس إلا وطمعا بالمزيد من الاضطهاد للأردنيين من أصل فلسطيني باعتبارهم القوة المنتجة والفاعلة والمتحضرة وأنتم لم تتعودوا إلا على الاعتماد على الدول الكبيرة من بريطانيا حتى أميركا و اسرائيل و نمنحكم 48 ساعة لعدم التجسس على مواطنكم غير المخل بالقانون و كل ذنبه أنه أكثر منكم علما وأكثر تضحية وانسانية ولن ينفع معه الاعتذار فقط بل نفذوا كل ما يطلب إن رضي بكم بعد اليوم أو اعترف بكم كدولة وفق معايير منظمته غير الحكومية والتي شاركت بالمؤتمر اليهودي في أميركا عام 2001 ولا تزال تحظى بكل احترام
تعليقات