ما خفي كان أعظم ! / سيناريو يوم القيامة في سورية
صبحي حديدي
AUGUST 25, 2013
في مناسبة الذكرى الستين لتنفيذه، يوم
19 آب (أغسطس) 1953، في إيران؛ اضطرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، الـ CIA، إلى الإفراج عن
سلسلة وثائق تقرّ بضلوعها، ضمن تعاون وثيق مع الاستخبارات البريطانية MI6، في الانقلاب العسكري
الذي أطاح بحكومة محمد مصدق، المنتخَبة ديمقراطياً. رجالات الـ CIA، أسوة بزملائهم البريطانيين،
والساسة على جانبَيْ الأطلسي، أنكروا على الدوام أيّ دور لأجهزتهم، سواء في التخطيط
أم في التنفيذ؛ والوثائق لا تُنشر اليوم إلا عنوة، بموجب القانون الأمريكي حول حرّية
المعلومات، الذي استند إليه معهد أبحاث ‘وثائق الأمن القومي’، صاحب طلب الكشف عن الوثائق.
والحال أنّ الأمر لم يكن سرّاً إلا على
صعيد توثيقي رسمي فقط، وآخر الجولات في كشوفاته تولتها صحيفة ‘نيويورك تايمز′ الأمريكية،
في خريف سنة 2000، حين أماطت اللثام عن واحدة من وثائق الـ CIA السرّية، والتي تعود إلى العام 1954 وتحكي تفاصيل الانقلاب. والوثيقة دراسة
مفصّلة تقع في 200 صفحة، كتبها الدكتور دونالد ن. ولبر، الذي شغل منصب رئيس هيئة التخطيط
للعملية (مهنته الرسمية المعلنة كانت تدريس علوم العمارة الفارسية في الجامعات الأمريكية،
وكان يتباهى بصورته مرتدياً العقال العربي!).
تفاصيل ‘حبكة’ الانقلاب، كما عرضتها وثيقة
ولبر، هي التالية:
ـ في عام 1951 صوّت البرلمان الإيراني على
تأميم صناعة النفط في البلاد، وانتُخب بطل حملة التأميم هذه، الدكتور محمد مصدّق، رئيساً
للوزراء.
ـ في أواخر العام 1952 تشاور ممثّلو المخابرات
البريطانية مع زملائهم في الـ CIA حول خطّة للإطاحة بمصدّق عن طريق
انقلاب عسكري، بعد أن كان الأمريكيون قد عثروا على شخص قائد الانقلاب، والبطل المضادّ:
الجنرال فضل الله زاهدي.
ـ كانت الخطة تقوم على إثارة الشغب والفوضى
في البلاد، على نحو يمهّد لتدخّل الجيش بحجة فرض النظام. وبين الطرائق التي اعتمدتها
الوكالة في هذا الصدد أنّ عملاءها انتحلوا هويّة مسؤولين في الحزب الشيوعي الإيراني
(توده)، وهدّدوا رجال الدين المسلمين بالتصفية الجسدية إذا امتنعوا عن تأييد مصدّق،
كما قاموا بنسف بيوت عدد من كبار الأئمة والعلماء ونسبوا الأمر إلى الشيوعيين.
ـ دور الشاه رضا بهلوي في العملية كان يقتصر
على إصدار أمر ملكي يقضي بعزل مصدّق وتعيين الجنرال زاهدي بدلاً عنه. لكنّ الشاه، الذي
لم يكن يثق بالبريطانيين، تردّد في إصدار الأمر حتى بعد سماع كلمة سرّ تطمينية عبر
القسم الفارسي في الـBBC (لاحظوا هذا الدور الفريد للإذاعة العريقة!). كان
الشاه يخشى تأييد الجيش للدكتور مصدّق، فاضطرّت الـCIA إلى استدعاء شخصيتين تكفلتا بإقناعه: شقيقته التوأم الأميرة أشرف (وكانت
تقيم على شواطىء الريفييرا الفرنسية)، وضابط أمريكي كبير كان يحظى بثقة الشاه التامة،
هو الجنرال نورمان شوارزكوف… والد الجنرال نورمان شوارزكوف، قائد ‘عاصفة الصحراء’…
دون سواه!
ـ وبالفعل، وقّع الشاه الأمر الملكي، ولكنه
مع ذلك ظلّ خائفاً، وفرّ إلى بغداد ثمّ إلى روما في اليوم التالي. وكاد الانقلاب أن
يفشل تماماً حين اكتشف مصدّق الخطّة، وأخذت إذاعة طهران تتحدّث عن إحباط محاولة انقلابية
تستهدف الحكومة الشرعية. لكنّ محطة الـ CIA في طهران
سارعت إلى إعلان أمر إعفاء مصدّق عن طريق تمرير الخبر إلى وكالة أنباء الـ’أسوشيتد
برس′ وبعض الصحف الإيرانية، ممّا أسبغ على الانقلاب ‘شرعية’ مطلقة في نظر أنصار الشاه،
العسكريين والمدنيين على حدّ سواء.
ـ أخيراً، في امتداح ذلك اليوم،
19/8/1953، يختم الدكتور ولبر هكذا: ‘كان ينبغي لذلك اليوم ألا ينتهي، لأنه انطوى على
الكثير من معاني الإثارة والإرضاء والاحتفاء’!
بالطبع، لسنا نعرف ـ على وجه التوثيق، تحديداً
ـ عدد الانقلابات التي دبرتها وكالات مثل الـCIA أو الـMI6، وشقيقاتها في فرنسا
وألمانيا، والزميلات والحليفات الأقلّ شأناً هنا وهناك في العالم؛ إلا أنّ من اليسير
لنا، ومن المشروع، اتكاءً على المنطق البسيط، أن نتخيّل مسؤولية تلك الجهات عن تسعة
أعشار ما شهدته بلدان ‘العالم الثالث’، في التسمية العتيقة، من صعود أنظمة وخسوف أخرى.
ولنا، كذلك، أن نتعلّم الكثير من الدروس التربوية، حول أنساق الاستغفال، وطرائق الخداع،
وأنماط ذرّ الرماد في العيون؛ فضلاً، بالطبع، عن نماذج تماهي الضحية السابقة مع جلادها،
وسعيها إلى استنساخ أنساقه وطرائقه وأنماطه، وتطبيقها على شعوبها أوّلاً، ثمّ على الشعوب
الأخرى. الاستخبارات في روسيا الراهنة، وفي إيران، وأجهزة ‘حزب الله’، ومحمد دحلان،
و’حماس′… نماذج بارزة في هذا المضمار.
ولأنّ المناسبات تتناسب في ما بينها أحياناً،
فتتكامل في تطابقها وتباينها معاً؛ فإنّ ما يُنشر اليوم من تقارير حول النوايا العسكرية
الأمريكية ضدّ نظام بشار الأسد، في أعقاب المجازر الكيميائية الهولوكوستية التي شهدتها
الغوطتان الشرقية والغربية مؤخراً، ليس بريئاً تماماً من سيناريوهات التدجيل الممنهج،
واستبطان نقائض ما يُعلَن على الملأ. كذلك فإنّ حيرة البيت الأبيض، على مستويات اصطلاحية
وقاموسية، إزاء تصنيف انقلاب الفريق عبد الفتاح السيسي في مصر، يمنحنا مناسبة جديدة
في تبصّر الخفايا الخبيثة خلف المرئيات الخيّرة.
وفي استذكار الحكمة القديمة الصائبة:
سيناريو يوم القيامة في سورية
رأي القدس
AUGUST 25, 2013
سياسات النظام السوري منذ اندلاع الثورة
السورية (بل قبلها بكثير) حوّلته الى عبء أخلاقي كبير على المجتمع الدولي وجعلت المنطقة
ساحة كبيرة مؤهلة لاستقبال سيناريو يوم قيامة عالمي.
ساهم تراخي الولايات المتحدة الامريكية
المستمر عن تحمّل مسؤولياتها العالمية، وتورّط دولة عظمى مثل روسيا، ودولة إقليمية
كبرى مثل ايران وقوى خاضعة مباشرة لتأثيرها في العراق ولبنان، في توفير الحماية العسكرية
والسياسية والاعلامية لهذا النظام، وإشعاره أنه صار – مثل جارته اسرائيل بلداً فوق
القانون، وان هناك اتفاقاً عالمياً على ابقائه، مما جعله لا يتورّع عن ارتكاب أية محرّمات
عالمية مهما تعاظمت، فما الذي كان سيمنعه من استخدام الكيماوي في ريف دمشق بعد ان قام
باستخدامه 27 مرة سابقة لم يرفّ لها جفن العالم، ولا أزعج سكينة المهدّد الأساسي به
قبل عام تماماً: باراك اوباما.
غير ان قصف ريف دمشق بصواريخ كيميائية والعدد
المروّع من المدنيين الذين سقطوا، وشبه العلانية الفاجرة للنظام ومؤيديه في تأكيد مسؤوليته
عن القصف والتهديد بتكراره في مناطق أخرى (كما يحصل في مخيم اليرموك حالياً)، جعل الأمر
فضيحة اخلاقية سياسية عالمية بامتياز، وخصوصا بعد أن وثقت الهجوم غير المسبوق منظمات
انسانية عديدة بينها جمعية ‘أطباء دون حدود’ التي أعلنت ان ثلاث مستشفيات في دمشق استقبلت
ما يقارب 3600 مريض بأعراض تسمم كيميائي خلال أقل من 3 ساعات صباح يوم 21 آب (اغسطس)،
توفّي 355 منهم.
المخجل في الأمر ان النظام السوري تابع
القصف الجوّي والمدفعي لقرى ريف دمشق المنكوبة بالكيماوي والمشغولة باسعاف سكانها فيما
انشغل مناصروه في بعض مناطق دمشق بتوزيع الحلوى والرقص ابتهاجاً بمذبحة اخوانهم السوريين.
حاولت ادارة اوباما متابعة ترددّها الشائن
في المسألة السورية لكن موقف بعض شركائها الاوروبيين وثبوت الجريمة على مرتكبها، بل
وحتى موقف روسيا عرّابة النظام السوري التي طالبته بالسماح للأمم المتحدة بالدخول لمواقع
القصف، والموقف الايراني الذي أدان استخدام الاسلحة الكيميائية، كل ذلك جعل البوصلة
العالمية تتجه لعمل ما للرد على هذا الجنون المستشيط والذي اعتبر أكبر هجوم كيميائي
في العالم منذ قصف قرية حلبجة الكردية في العراق عام 1988.
سيكون موضوع التعامل مع الأسلحة الكيميائية
السورية على طاولة البحث في اجتماع قادة اركان وجيوش 10 دول في الأردن خلال الأيام
القادمة، فما هو الأمر المتوقع حصوله في الاجتماع؟
تحدّث وزير خارجية الأردن، ناصر جودة، عن
وجود سيناريوهات عديدة للتعامل مع الاسلحة الكيميائية السورية، والحقيقة ان التجارب
السابقة لهذه الاجتماعات لا تبشّر بحلول ناجعة للمسألة الأساسية التي صار واضحاً انها
لا تهم المجتمع الدولي: ايقاف آلة قتل النظام السوري لشعبه… بغض النظر ان كان ذلك بالأسلحة
الكيماوية او التقليدية.
لا يثق السوريون، ولا العرب عموماً، بقرارات
الغرب، ولا بأولوياته التي قصمت ظهر العرب والمسلمين، بدءاً من الأولوية الاسرائيلية،
وصولاً الى حربه المزعومة على الارهاب في العالم.
كما ان المجزرة الكيمياوية الفظيعة، للأسف،
لا تتقاطع مع رغبة اوباما في اكمال عهدته الانتخابية في إجازة من أية سياسة خارجية
امريكية فاعلة، وبالتالي فما سيتمخض عن الاجتماع سيكون ضربات محدودة توجع النظام السوري
لكنها لن تمنعه من الاستمرار في تنفيذ ‘مطالب’ مؤيديه بابادة من لم يخضع من شعبه.
لا ندري ان كان ضمن سيناريوهات الأردن تدخّل
عربيّ فاعل لحسم الصراع في الساحة السورية، وان كنّا نشك في ذلك.
الى ذلك الحين: ستستمر عروض سيناريو يوم
القيامة.
تعليقات