رائعة ثريا جبران وعبد الواحد عوزري "أربع ساعات في شاتيلا"

 



في كانون أول 2003 كتبت هذا المقال (ونشرته حركة إبداع في حينه) عن الراحلة المبدعة ثريا جبران و المخرج المسرحي المبدع عبدالواحد عوزري:

(أنشره كما هو دون حتى مراجعة)

 

إعادة الإعتبار لــ جان جينيه في الأردن

تيسير نظمي

لم يتمكن أي كاتب عربي أو أجنبي من دخول مخيميّ صبرا وشاتيلا بعد مجزرة أيلول عام 1982 سوى الكاتب الفرنسي جان جينيه الذي كتب بعد قضائه نحو أربع ساعات من معاينته للضحايا و إطلاعه على تفاصيل المجزرة، كشاهد، مقالته النادرة: " اربع ساعات في شاتيلا ". و جان جينيه، لمن لا يعرفه، أنفق كذلك شهورًا من حياته بين الفدائيين الفلسطينيين في الأردن مناصراً للشعب الفلسطيني و قضيته العادلة، لذلك تمتعت كتابته أو شهادته عنها التي ترجمت و نشرت باللغة العربية في فصلية " الكرمل" الفلسطينية عام 1983 بالعمق و الابداع و الرؤية الانسانية العميقة و الادانة الأعمق لمرتكبي تلك المجزرة. كذلك ابتعدت تلك المقالة- الرائعة من روائعه- عن الوقوع في إسار الكليشيه السياسي و اسلوب الندب و البكائيات الصارخة التي وسمت معظم كتابات الكتاب العرب بمن فيهم الكتاب الفلسطينيين. انها كتابة شاهد من حضارة مختلفة و من ثقافة مختلفة ترى المجزرة عن بعد بشموليتها و ابعادها و مالها من أبعاد دون ان تنسى التفاصيل الحية و الدقيقة لخصوصية تلك المأساة و دون ان تنسى ما هو جوهري في الرؤية الانسانية الشجاعة في الكتابة باخلاص الكاتب الحقيقي. لذلك فوجئت بجراة أي فريق مسرحي على الاقتراب من هكذا نص و تقديمه على خشبة المسرح عندما علمت ان فرقة مغربية قد شاركت بمثل هكذا عرض في المهرجان المسرحي الاردني الحادي عشر في دورته العربية الثالثة الذي عقد في عمان من 1-15/12/2003 ، و كوني قد قرأت ذلك النص في وقت مبكر قبل عشرين سنة كنت مدركاً لفداحة التحدي الذي يقدم عليه اي مخرج مسرحي في تقديم "اربع ساعات في شاتيلا " على خشبة المسرح لصعوبات عدة منها:

1- نص جان جينيه الذي ترجمه الكاتب المغربي المبدع محمد برادة ليس نصا مسرحيا ليسهل اقتباسه للمسرح دون ان يخسر من قيمته الفكرية و الابداعية الشيئ الكثير.

2- تم تقديم او تشويه مسرحيات عدة لجان جينيه على خشبة المسرح العربي ابرزها " الخادمات" كونها مكتوبة مسرحا اصلا و رغم ذلك كانت غالبية تلك التجارب تغتال جان جينيه روحا و رؤية و نصا كما حدث على خشبة المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي في العاصمة الأردنية عمان في اواخر عام 1995 عندما لم يتدخل انذاك المركز الثقافي الفرنسي في الاردن لا سلبا و لا ايجابا في مثل تلك العروض.

3- هنالك صعوبات سياسية تتعلق بمدى ما وصلنا اليه من الادعاء بالديمقراطية في كثير من البلدان العربية و بالتالي لم يكن متوقعا ان يمر مثل هكذا نص او عرض من تحت مقص الرقيب الا بالصدفة او بالجرأة المتناهية.

4- هنالك صعوبات فنية في التمثيل و الديكور و بقية عناصر المسرح تجعل النص مغامرة لممثل المونودراما على خشبة مسرح رئيسي- و ليس المسرح الدائري- الذي تم تقديم العرض عليه و هنالك تخوف كبير من ان يمل الجمهور الاستماع لقراءة نص بمثل ذلك النص الذي كتبه جان جينيه كنص مفتوح لا هو بالمسرح و لا هو بالرواية و لا هو بالقصة و لا هو بالمقالة و لا هو بالشعر و انما كل ما يجمع هذه الاشكال الفنية في شكل جديد ابدع الفريق المغربي في صهره و تمثله و تقديمه بنجاح باهر اعاد الاعتبار لجان جينيه في الاردن مع نهاية العام الماضي.




رائعة ثريا جبران وعبد الواحد عوزري

لا اخفي انني دخلت الى العرض المسرحي المغربي" اربع ساعات في شاتيلا" ضمن فعاليات مهرجان المسرح الاردني الحادي عشر و انا موقن ان جائزة افضل عرض مسرحي متكامل سوف تذهب إما للفريق المسرحي الجزائري المشارك "مسرح آفاق" و إما للفريق المسرحي التونسي المشارك او مناصفة بينهما لو لم تحدث المفاجأة التي لم اكن اتوقعها رغم معرفتي بجدية الفريق المسرحي المغربي الا انني و للاسباب الاربعة التي ذكرتها مقدما كنت اتوقع ان يخفق الفريق المغربي في الامتحان الصعب امام جمهور وامام لجنة تحكيم لا يقرآن أو لا يعرفان في الغالب شيئا عن " اربع ساعات في شاتيلا" من قبل كنص كتب و نشر و ترجم قبل نحو عشرين عاما و كان افضل ما كتب عن مجزرة صبرا و شاتيلا عربيا و دوليا حتى الآن . لكن وقعت المفاجأة، فهكذا هو الابداع دائما، يفاجئك حتما بما لم تكن تتوقعه. و اول النجاحات تمثل في الممثلة الفنانة المبدعة ثريا جبران. فقد كانت دائبة الحركة على الخشبة و تتنقل في الفضاء المسرحي معطية اياه ابعاده و ابعاد الماساة و كاسرة لأي ملل قد يعتري جمهور ليس بقارئ، و سواء بجسدها او بيديها ام بملامحها ام بنبرات صوتها كانت تأسر الجمهور الذي تابعها بانتباه شديد و بيقظة سياسية تامة ناهيك عن قلة ممن قرأوا النص سابقا و يترصدون المقارنة بين النص الأصلي بجمالياته و قوته و روعته و بين ادائه من قبل ثريا جبران. فاذا بها ، أي الممثلة، تحس بكل كلمة و كل حرف و كل مقطع و كل نبرة من نبرات الكاتب في نصه و تقدمها كما لو ان جان جينيه نفسه الذي يتحدث للجمهور، إن لم يكن اروع و ابلغ من اداء الكاتب نفسه لو كان ممثلا و لم يكن كاتبا. فقد التقطت الممثلة  و المخرج بالطبع- كل الدلالات الجمالية و كل الابعاد الفكرية للنص و ما وراء النص و قدمته للجمهور بأبهى و اجمل مما لو اتيح لفريق مسرحي فلسطيني ان يقدمه عن قضيته. و كانت السينوغرافيا ببساطة المخيمات و ثقلها الضوئي الخافت و بؤسها و كانت الحبال المعلقة في كامل الفضاء المسرحي موحية بالموت و القتل و المشانق و قد تعددت دلالاتها في زمن العرض المسرحي فتارة هي ارواح الشهداء و الضحايا الشاخصة نحو السماء و تارة هي ادوات قتلهم و تارة هي جدائل صبايا المخيم وضحاياه و لم تتعد دلالات السينوغرافيا ذلك الا في نهاية العرض عندما ظهرت صورة الخراب الشاملة لكل الفضاء المسرحي بصعود اشباح الخراب من الارض- و كانت مكونة من ورق الجرائد الممزقة متخذة اشكاال الضحايا و اشكال الجلادين البشعة في آن واحد. و تنتهي الرواية المؤثرة و البليغة التي قدمتها ثريا جبران كشاهد أخير ممن بقي على قيد الحياة من المخيمين بادارة الظهر للجمهور و الالتحام بمكونات الفضاء المسرحي و الضحايا و الصعود نحو السماء معهم و بهم ليكتمل العرض و باكتماله يكتمل الإعتذار من جان جينيه و من المركز الثقافي الفرنسي الذي يتبنى العرض و من الجمهور و من المسرح على ما ارتكب طيلة السنوات الماضية من آثام بحقه أولا و بحق الكتّاب الحقيقيين و بحق القضايا الكبرى ثانياً و اولها القضية الفلسطينية التي تتحمل احيانا الاسفاف و عدم النضج حتى من اهلها دون قصد طبعا و دون دراية كذلك.الامر الذي دفعني - و انا ادعي الثقافة و المتابعة- للقول جهارا و على مسمع من الجمهور و اعضاء لجنة التحكيم:

انه بحق اول عرض مسرحي متكامل اشهده في الاردن حتى الان و يستحق دون منازع جائزة افضل عرض متكامل و هو رد اعتبار ايضا لجان جينيه في نفس المكان الذي تم إغتياله فيه فكرياً وفنياً منذعام1995 ؛ حتى و إن اوصت لجنة تحكيم المهرجان بغير ذلك- مع كل الاحترام لها

الفرقة المغربية غادرت الأردن فورًا

بعد العرض الأول لـ " اربع ساعات في شاتيلا"، فوجئت بالصديق الفنان القطري غانم السليطي- احد اعضاء لجنة التحكيم- يعاتبني مازحا ام جادا- لا ادري- بقوله: لماذا شتمت لجنة تحكيم المهرجان امام الجمهور في العرض المغربي؟ فاوضحت للصديق غانم انني كاتب و ناقد لا يشتم و انما يعبر عن ضمير الجمهور و اعجاب الناس بالعرض المسرحي و انني سوف اقول رايي في الندوة النقدية التقييمية لهذا العرض التي تعقد لكل عرض مسرحي بعد انتهائه. الا ان المفاجاة الاخرى و قعت عندما تم الغاء الندوة النقدية لهذا العرض تحديدا بحجة ان الفريق المسرحي غادر الاردن فور انتهاء تقديمه لتلك المسرحية!

فهل تداركت ادارة المهرجان امرا ( ما) يبدو انها فوجئت هي به مثلما فوجيء كذلك اعضاء لجنة التحكيم ليتم عدم التوسع في النقاش او اثارة قضية فريق مسرحي شجاع و مبدع و جريء يكشف بؤس عروض اخرى؟ أم أن المغادرة ليمهد الطريق لمنح الجائزة- او الجوائز - لعروض اخرى؟ هذا مع اهمية و احترام العرضين الجزائري و التونسي و قدرات الفريقين المسرحية و روعتهما. اترك الامر للقارئ دون اجتهاد مني و دون الحاجة لقبول اية مبررات فالنتائج التي قدمتها لجنة التحكيم كانت كافية لافهامنا ان العرض المغربي لـ " اربع ساعات في شاتيلا" فاق كل التوقعات و حصل على الجائزة الاولى بجميع جوانبه كافضل عرض تم تقديمه ليس عام 2003 و حسب في الاردن و انما منذ نحو عقد او اكثر من تاريخ المسرح في الاردن و تاريخ المهرجانات الثقافية العربية الرسمية و شبه الرسمية و ربما احست لجنة التحكيم بالحرج الشديد  خاصة عندما تقرأ هذه المقالة- عندما اقرت بان تحجب الجائزة عن افضل نص مسرحي عربي في المهرجان و قد صفقت فقط لهذه النتيجة لانها اقرار بان افضل نص و افضل عرض كان" اربع ساعات في شاتيلا" و اود هنا ان اسجل اعتراضي على مفهوم لجنة التحكيم للنص الاجنبي و النص العربي. فاسال اعضاءها عن نصوص مالك حداد- الشاعر الجزائري- الذي كتب للثورة الجزائرية باللغة الفرنسية و لم يكن يعرف اللغة العربية حتى وفاته و قد قال بعد ان اصابه الاحباط من تعلم اللغة العربية في اواخر ايامه: ( اللغة الفرنسية منفاي) بعد تحرر واستقلال الجزائر. هل ديوان شعره ( الشقاء في خطر) على سبيل المثال ، ديوان شعر اجنبي؟ و هل روايات محمد ديب و مؤلفات مالك بن نبي  المفكر الاسلامي- الصادرة باللغة الفرنسية هي مؤلفات اجنبية؟ ما اكثر هشاشة المفاهيم القومجية في الفن عندما تتعامى لجنة التحكيم عن المضامين لنصوص اروع ما فيها ان يقول كاتبها كما قال جان جينيه :

 :" في تلك اللحظات احسست كم انا فلسطيني، انني فلسطيني" فماذا تريد لجنة التحكيم من كاتب اجنبي لغته الفرنسية ان يكتب؟ خطابا سياسيا لحاكم عربي مثلا؟ لكن جائزة افضل عرض مسرحي متكامل اعطيت للعرض التونسي  و هو يستحقها و كذلك ما قدمه الجزائريون- مسرح افاق- يستحق افضل عرض لو غاب عرض ثريا جبران و عبد الواحد عوزري  مخرج العرض المغربي- وفريق عملهما عن فعاليات المهرجان منذ البدء. لكن لجنة التحكيم يبدو انها في المرة القادمة ستكون قد قرات كتاب مالك بن نبي " افاق جزائرية" و ثلاثية محمد ديب و ترجماتها الى اللغة العربية و من ثم تعيد الاعتبار هي ايضا للكاتب و المترجم المبدع محمد برادة الذي قام بترجمة نص جان جينيه الى العربية منذ سنوات دون ان يوجد الناشر و القارئ العربي بعد.بل دون أن يعرف القاريء في المشرق العربي شيئاً عن مالك حداد !

http://nazmi.org/Theatre.php

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نص قصيدة عماد الدين نسيمي كاملا حسب أغنية سامي يوسف

من اهم الكتب الممنوعه في الاردن: جذور الوصاية الأردنية وجميع كتب وترجمات تيسير نظمي

بيان ملتقى الهيئات الثقافية الأردنية وشخصيات وطنية حول الأونروا