|
|
|
"هنري جيمس يذهب إلى باريس" ويحسن "ميلودراما
الوعي" في قصصه
ترجمة: موفق ملكاوي
في العام 1875 انتقل هنري جيمس من نيويورك إلى شقة
فاخرة في ريو دي لوكسمبورغ في باريس. وقد كان مسرورا لهروبه مما عدّه عدم تقدير،
ومن الحياة الاجتماعية الأميركية غير الغنية.وبعد سنة، استعدّ للانتقال إلى لندن،
حيث عاش السنوات العشرين التالية. كتب إلى أخيه وليام حول سأمه وخيبة أمله من
باريس، يقول بأنّه "لم يحصل منها على شيء مهم". وفي العام 1881، وفي مستهل دفتر
ملاحظاته، رأى جيمس تلك السنة بشكل مختلف: "إنه وقت لا يمكن أن يكون مبددا على
الإطلاق".إن كتاب بيتر بروكس يوضح أن تلك السنة في باريس لم تكن وقتا غير مبدد فقط،
وإنما كانت حاسمة في التطوّرات التالية في قصة جيمس. لقد قام بتقصي ردود فعل جيمس
المريبة والعدائية من حين لآخر على المشهد الثقافي الباريسي في العامين 1875 و1876،
ولذلك يؤكد بروكس بأن جيمس تأثر بالانطباعية التصويرية الفرنسية، إضافة إلى تأثره
بالواقعية والطبيعية في الأدب هناك، ما أسهم في تطوير ما يدعوه بروكس "التجريب
الراديكالي" والتجريب السردي في قصته في تسعينيات القرن التاسع عشر وما بعدها.في
مقابلة نشرت في العام 1994، تحدث بروكس عن "إغراء" كتابة سيرة ذاتية لعلم أدبي. وهو
يعتقد بأن السيرة الذاتية "كانت أحد الأشكال القليلة التي يمكن للناقد الأدبي أن
يستعملها في ثقافتنا، للوصول إلى جمهور كبير.إن "رحلة هنري جيمس إلى باريس" بعيدة
عن السيرة الذاتية لجيمس، فلا يوجد سوى الفصل الأول الذي يكرّس لأخبار قصة تلك
السنة، ورغم ذلك فتصميم الكتاب كسيرة جاء بشكل واضح لربح عدد أكبر من الجمهور، أكبر
مما نتوقعه من كتاب نقدي يتناول تجربة جيمس.
إن أحداث سنة جيمس في باريس تنطوي على أهمية كبيرة،
وتتضمّن علاقاته العادية، والاستقبال الجليدي لجيمس من قبل فلوبير ودائرة معارفه،
خصوصا بعد أن ارتكب جيمس الذنب الكبير بإظهار إعجابه بقصة غوستاف دروز، إضافة إلى
صداقة جيمس الكئيبة وغير المحتملة مع سي إس بيرس الذي نسيه جيمس حالما حصل على
أصدقاء جدد في باريس؛ ويقظته المذعورة في حضور إيفان تورغينيف، الذي وقّره جيمس
كإنسان وكروائي.اعترف جيمس لوليام بأنه من غير المحتمل أبدا بأن يتعمق بالمشهد
الأدبي الفرنسي؛ لكنه كتب إليه أيضا عن صداقته العميقة مع الفنان الروسي بول
تشوكوفيسكي، وهي صداقة يمتحنها بروكس مع بعض التفاصيل في هذا الكتاب، فارتباط جيمس
بتشوكوفيسكي كان قويا.القيمة الحقيقية لهذا الكتاب، على أية حال، تكمن في تقييم
بروكس للتأثير المتأخر للثقافة التجريبية الفرنسية على قصة جيمس. إن بروكس يكتب
بوضوح وثقة تميز بهما منذ وقت طويل سابق خلال أعمال نقدية مؤثرة جدا، مثل: الخيال
الميلودرامي (1976)، وقراءة المؤامرة (1984). ومركزية حججه في قراءاته الممتدة على
روايات كثيرة، مثل "الإلهام المأساوي"، تنطلق من أرضية أن جيمس يحتفظ دائما باعتقاد
كبير للقيمة التمثيلية - كما في "القدر الذهبية" - بالرغم من التجريب المتحرر في
قصصه المتأخرة.
إن تركيز بروكس متغاير على
السطوح وانطباعات التقنيات "الفلوبيرية" القصصية، وذلك من خلال التزام جيمس بالشكل
"البلزاكي" للتمثيل، والذي كان "أقل اهتماما بالتفاصيل الحقيقية مما يبين، وأقل
ربطا بسطح الأشياء مما هو مقترح".يجادل بروكس بأنّ تقنيات تجريبية ثمينة في القص
مثل تلك التي اكتسبها جيمس في فرنسا، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في تسميته ليس
روائيا "انطباعيا"، وإنما "تعبيري"، ويعطي بروكس التعريف المقترح والمتخصّص على
أنه: "الجهد لجعل منتوج السطح شيئا مختلفا تماما عن السطح". ووفقا لذلك، فإن فلوبير
يكون الرقم الصعب ومركز الإثارة بالنسبة إلى جيمس.إن معالجة بروكس لموقف جيمس نحو
أعمال فلوبير، حادّة ومهمّة، فاحترام جيمس المخلوط بالعداوة لفلوبير أوجد تعليقات
حرجة على مرّ السنين، يقفز أحدها على الفور من تعليقات ادموند ويلسون في مقالته عن
جيمس في "المفكرون الثلاثة" (1938)، وفي الوقت نفسه فإن جيمس دائما اتهم باطلا
بالإخفاق في فهم مبادئ فلوبير الكتابية وطرقه. ويعترف بروكس بأنه يحس بأن جيمس كان
محبطا من فلوبير لرفضه الاندراج في طريقة جيمس في كتابة رواية الوعي.لقد امتلك جيمس
تقديرا عاليا لفلوبير كصاحب أسلوب وكفنان كرس حياته لحرفته؛ لكنّه اعتقد أيضا بأنّ
قصته كُسِرت من قبل ما دعاه "العيب أو الخلل" في رأيه، وهو يعتقد بأن الشخوص التي
تمتلك ذكاء محدودا وعواطف سطحية، مثل إيما بوفاري، وفريدريك بورييه كانت كافية
لتحمّل عبء قصصه ذات القيمة الأخلاقية.إن ما يحاول بلوغه بروكس هو أن جيمس لم يخفق
في فهم مبادئ فلوبير، وبالاعتماد على عمله على جيمس وفلوبير في كتابه السابق "رؤية
واقعية" (2005)، يعكس بروكس هذا الطرح المألوف والحرج بنجاح، وذلك من خلال اقتراح
بأنّ كره جيمس برّر فهمه لمبادئ فلوبير، ومن ذلك تعليقه على "Bouvard et Pecuchet"، بأنها قصة بلا حافز، و"عملية تصميمية"،
استغرقت طرق فلوبير الوصفية، وأنها كانت "هدّامة بشكل كبير لمشروعه الخاص في
الرواية".إن جميع الميول التحليلية النفسية لنقد بروكس، تعتمد على قراءة جيمس
النقدية للأشكال المختلفة عند فلوبير:
الأمر الأول، تمييزه بين
"العملية التصميمية" الموجودة في طرق فلوبير الوصفية، وبين تقنيات "الرمزية
العالية" لجيمس، والدعوة إلى مقارنتهما بمفهوم جيمس وودز بـ "الواقعية الهستيرية"
في القصة المعاصرة. إن وودز يجد القليل من القيمة الأخلاقية والدلالة في المعلومات
المتخمة، وفي التعيلم الغريب الذي تم تقديمه مثلا من قبل روائي مثل توماس بينكون.إن
موقف وودز من بينكون مشابه وعلى نحو مدهش لما يقتنع به بروكس من موقف جيمس نحو
"Bouvard et
Pecuchet". أما الأمر الثاني، فهو انطباع بروكس بأن
جيمس اعتقد بأن أدب فلوبير كشف عن "قلة احترام للحياة، وقلة سعة القصة لتمثيل
الحياة"، والتي تبدو لتصوّر جيمس كما لو أنه مؤمن
بـ "الليفايسايتية"(1). تقييم بروكس
دقيق، فقلق جيمس الدائم في نقده الأدبي، والطريقة التي يتعامل فيها مع أي تجربة
تعترضه خلال الرواية، وعدم قناعته النسبية بأهمية المهارة الأسلوبية الفنية وحدها،
كانت بشكل واضح من التأثير العظيم لـ "الليفايسايتية".في الحقيقة، إن
حجّة بروكس، هو أن هذا العمل الذي يقترح رفع جيمس على أرضية التقليد العظيم
لـ"الليفايسايتية"، يثبت بأن جيمس كان قادرا على "دمج الدروس النظرية من فلوبير مع
رؤية أخلاقية تستدعي تقليدا للرواية، مختلفا كليا، وربما يكون من تأثيرات أسلوب
جورج إليوت".في كتابته مايسي بروكس يأتي جيمس إلى الخاتمة التي تؤكد بأنه بقي
ملتزما بتمثيل المعرفة المكتسبة واشتقاق المعنى. على أية حال، نحن قد نستجوب هذه
الرؤية من التزام جيمس بالمعرفة. إن الشروط المتميّزة جدا لتلك الرواية - تلك التي
استحضرت بالتمثيل على ما دعاه جيمس "عقلا ناميا" - يجب أن لا تصرف انتباهنا عن
الطريقة التي يتم من خلالها إبراز أمر شديد الأهمية لتوظيف جيمس للوعي العاكس في
قصته: ذلك التقبل والإدراك يقيمان أكثر من المعرفة والفهم. في تقديمه لمايسي، كتب
جيمس أن مايسي "يرى" - وفي تقديمه لكتب لاحقة استخدم جيمس المفردة نفسها، مثل
تقدماته لرولاند مالليت، كريستوفر نيومان، إيزابيل آرشر، وميرتون دينشير -
كتابة جيمس كانت ببساطة "تمثيلا للرؤية الساكنة"؛ إن قدر لامبيرت ستريثير،
متوافق مع هذه الرؤية، فهو "في كل الأحوال يرى".إن النوعية الضرورية للوعي العاكس،
ثمّ القدرة على الرؤية المتميّزة جدا، يلغيان أيّ متطلب لـ"الفهم" أو لـ"المعرفة".
وهذا يعني أن الحسّاسية للتجربة المعقّدة، قيمتها تتحدد ليس من تحويلها إلى المعرفة
أو إلى الفهم، ولكن بالتأكيد، من تقبلها للتجربة نفسها، والتي تصدر عن البراهين
المشرقة والواضحة لبعض التأثيرات العاطفية جدا على الوعي العاكس.
إن حسابات بروكس تغطي ما هو تجريبي وتقدمّي في قصص
جيمس. ولذلك فقد كان جيمس روائيا راديكاليا بدرجة أكبر مما سمح له بروكس بأن
يكون.إن بروكس أقل حدّة من العديد من الدارسين السابقين لجيمس فيما أسماه في أكثر
من مناسبة: العناصر "غير النقية" للقصة الفرنسية. ومع ذلك، فموقف جيمس ما يزال
يُقدّم هنا على أنه شيء محرج. لكن وإذا كان أملنا قد خاب من تفضيل جيمس لـ "دروز"
على "دوديت" في العام 1876، فنحن ربما نحترم إصراره أيضا على تمسكه بهذا الاعتقاد
أمام احتقار دائرة فلوبير، فعناد جيمس كان أكثر أهمية من فكرة بروكس بأنّه "يفقد
الأشياء بسهولة".
وأكثر أهميّة من تفضيل "دروز" كان اعترافه في العام
1876، عندما كتب إلى وليام جيمس، بأنه "يتحول إنجليزيا في جميع الأرجاء". إن إيمان
جيمس في الثقافة التي أنجبت جورج إليوت كان أكثر من ردّ فعل ضدّ فلوبير وجماعته،
فذلك الإيمان كان حيويا ومتجذرا جدا في إحساس جيمس نفسه كروائي ضمن التقليد الإنجلو
- أميركي.وفي اعتقادي أن بروكس يستنتج بشكل صحيح بأن جيمس بقي ملتزما بالأهمية
والقيمة الأخلاقية في قصصه المتأخّرة؛ لكن فكرته عن جيمس بأنه "يفقد الأشياء
بسهولة"، تبخس من أهمية ذلك الالتزام بالنسبة إلى جيمس.عموما، فإن قراءات بروكس
المفصلة لقصص جيمس مقنعة جدا، وتقديراته لـ "الانعطافة" الميلودرامية، في
(الأميركي) - الذي كتبه جيمس أثناء سنته في باريس - و"ميلودراما الوعي" التي يراها
في (القدر الذهبية)، هي تقديرات منصفة وناجحة، وقد حسنت من كتابته حول جيمس والخيال
الميلودرامي.وفي جميع صفحات كتاب (هنري جيمس يذهب إلى باريس)، يعرض بيتر بروكس
موضوعه بحنكة وإشباع، وهي الصفات التي جعلت منه واحدا من أهم الدارسين للقص الواقعي
في القرن التاسع عشر، وهو يقدم في هذا الكتاب قيمة استثنائية لجرأة هنري جيمس،
وأهميته كروائي.
*ماثيو بيتيرز، وهو يعكف الآن على كتابة أطروحة
دكتوراة في جامعة كامبردج حول هنري جيمس.
* ملحق التايمز الأدبي
TLS
(1) تنسب الى
F.R
Leavies الذي وضع نظرية لإبراز ما يعتقده بالأدب
الإنجليزي الممتاز
الإقصاء والنفي والاغتراب بصفتها شروطا للكاتب المعاصر
"المنفى لا يكون اختياريا حتى لو لم يتعرض المنفّي للإقصاء المباشر"
علاء الدين أبو زينة
لا يمكن الزعم بأن حالة المنفى، التشرد وفقدان
الوطن، هي حالة طبيعية. إنها تجربة تنطوي على الكثير من الألم والفجيعة. لكن هناك
الكثير من المفارقات التي يفرزها الاشتباك بين مشاعر الاغتراب وبين الرغبة
الإنسانية الغريزية في تحقيق الذات وتأسيسها. على الصعيد العملي، يحقق المغتربون في
الدول الغربية، على سبيل المثال، منجزات مهمة في شتى ميادين الإنتاج المعرفي،
مدفوعين بالرغبة في البقاء في المحيط الغريب، والعثور على حيزهم الخاص في الثقافة
المضيفة. ونسمع كثيراً عن أسماء من كبار الجراحين والفنانين ورجال الأعمال البارزين
في الشتات، والذين ربما لم يكونوا ليحققوا نجاحاً مماثلاً في مجتمعاتهم الأصلية.
ويمكن أخذ الحالة الفلسطينية مثالاً، حيث وجد أبناء المهجرين أن التعليم هو الطريق
الوحيدة لاستعادة المعنى الوجودي، فتميزوا. ولا ينفصل ذلك في العمق عن الاشتغال
بالثقافة، حين يكون المجال الحيوي للمنفيّ هو الإبداع الفني والاشتغال بالإنتاج
الثقافي. ولست أميل هنا إلى تسمية المثقف الذي يعيش في الغرب بالمغترب، أو أديب
"المهجر"، وإنما إلى اعتباره "منفياً"، بالمعنى الحرفي للمفردة، سواء كان ذلك
المنفى قسرياً أم مفروضاً على الذات من الذات.
إن المنفى لا يكون اختيارياً
بعد كل شيء، حتى لو لم يتعرض المنفي للإقصاء المباشر تحت تهديد قوّة واضحة ما، ذلك
أن المنفى "الاختياري" –الذي يسمى الهجرة- عادة ما يكون حصيلة لشعور بانعدام
الأمان، والاغتراب عن المكان، والرغبة في اللجوء إلى حيز أكثر توافراً على
الإمكانات والفرص. وبعيداً عن الارتحال البدوي بحثاً عن الماء والعشب، نشطت حركة
الهجرة بعد عصر الإمبراطورية وتحرر المستعمرات القديمة من الوجود الكولنيالي
المباشر في حقبة انحسار الإمبريالية في القرن الماضي. وكان من أسباب حركة الهجرة
الكثيفة التي وسمت الحقبة المصطلح على تسميتها "ما-بعد-الكولنيالية"، وقوع
الكولنياليين (أي الأفراد الذين كانوا تحت الاستعمار الراحل) في شباك الثقافة
الغازية، إلى درجة انقطاع الكثير من صلاتهم بجذور ثقافاتهم المحلية، وضيقهم اللاحق
بالسمات المختلطة والمربكة لمجتمعاتهم المحررة حديثاً، والتي تُركت لتدبر أمرها
وحيدة، وفاقدة للوجهة. مثل هذا الواقع، دفع بالكثير من المثقفين، مع غيرهم، إلى
الارتحال من "هامش" العالم إلى "المركز"، حيث لا توجد صورة عن حضارة الغرب
(المثالي) فحسب، وإنما يوجد الأصل نفسه. لكن عملية الارتحال هذه لا تتسم عادة بحسن
التخلص، والانتقال السلس إلى أحضان الثقافة المستضيفة. فبقدر ما يكون الموطن الأصلي
المشوه بيئة طاردة، بقدر ما قد يكون الموطن الجديد المقصود بيئة رافضة. وبهذا يصبح
المثقف المنفي في المنطقة التي يسميها الناقد الهندي فارسي الأصل هومي بابا
Homi
Bhabha "الحيز الثالث".
حسب فهم بابا، فإن المنفي لا يكون هو نفس تلك الذات
الواقعة تحت الاستعمار بعد رحيل الأخير، ولا هو الطرف المستعمِر، وإنما يصبح كينونة
ما بينهما. إنه لم يحتفظ، موضوعياً، بصفاته الأصلية بفضل تأثير الثقافة الاستعمارية
المهيمنة، وهو لا يستطيع أن يصبح، موضوعياً أيضاً، مطابقاً للمستعمر ومستنسخاً منه،
لأسباب جينية وعرقية على الأقل. إن المثقف المنفي في هذا الموقف يكون في منطقة
"الما-بين"، في "الليمبو"، في منطقة "بين الثقافات". وهي منطقة تنطوي على الكثير من
المفارقات.
بالنسبة للمثقف، تكون مهمة خلق الهوية عملية
مضاعفة. إن عليه أولاً أن يخلق هويته الشخصية، كفرد، وأن يضع نفسه ضمن كلّ يتشارك
في خصائص ثقافية مخصوصة. وعليه ثانياً أن يخلق هويته الإبداعية، باعتباره مبدعاً
بالإمكان، والذي يبحث عن حيز لصوته وحرفته. وفي حالة المثقف، يتأثر المستوى الأول
من الهوية بالمستوى الثاني حتمياً، حيث يمكن أن تتحقق الذات الفردية بتحقق الذات
الإبداعية. وبهذا المعنى، تكون الكتابة بالنسبة للكاتب جزءاً من عملية البحث عن
الهوية، أو الانتماء إلى المكان، أو تكون كل هذا المسعى برمته.
على الرغم من تنوع مستويات الهوية، وعلاقتها
بالجماعات والمجتمعات والثقافات، بل وحتى الأنواع، فإن ما يهمنا هنا هو الهوية على
مستوى الفرد، من دون أن ننسى، في حالة المثقفين، أنها تتقاطع مع الهوية على
المستويات الأخرى. ومع ذلك، يطرح مفهوم الهوية على المستوى الفردي بعض الأسئلة
المهمة، مثل: كيف يعطي الأفراد معنى لخبراتهم ويكيفون حيواتهم في مجتمع كوني دائم
الحراك؟ ما هو المنطق، أو ما هي الديناميات الكامنة وراء ظهور فروقات اجتماعية
مختلفة وبنى هرمية، وحيازة القوة، وتأسيس الأعراف الاجتماعية. هذا هو السبب في أن
الهوية كانت، وما تزال، عنواناً يخضع نفسه للباحثين في الإنسانيات والعلوم
الاجتماعية في العالم الأكاديمي. ورغم الشك المتعلق بالاستخدام المراوغ، بل وحتى
الغرائبي لمفهوم الهوية، فإنه يظل من الصعب إنكار أهمية الحقائق النفسية والسياسية
التي تساعد في كشف النقاب عنها. ويظل من شبه المؤكد أن "البحث عن الهوية" يظل يشكل
واحداً من الخطوط المتعددة التي تقوم على أساسها بنية المجتمعات، وهو بحث يرتكز على
الاستراتيجيات التي يتبناها الأفراد لتمييز أنفسهم، ووسم أنفسهم بها اجتماعيا،
ويموضعون بها أنفسهم، استراتيجياً، ضمن كل اجتماعي.
في العالم المعاصر، تشكل بطاقة الهوية أبسط أشكال
ادعاء الهوية. وهي الخطوة الأولى التي يكون بها الفرد حاضراً، رسمياً، في العالم
المعاصر. وهكذا، يفتتح الشاعر الفلسطيني محمود درويش عملية تأسيس هويته الفلسطينية
المهددة تحت الاحتلال بعبارته الشهيرة: "سجل، أنا عربي/ ورقم بطاقتي خمسون ألف".
ويذكر إدوارد سعيد هذا المقطع بشكل خاص بينما يعلق على درويش: ".... لقد تحدث عن
الثيمات الوطنية، وفوق كل شيء، تأكيد الهوية الفلسطينية". (الثقافة والمقاومة). هذه
هي نقطة الانطلاق، حيث يكون الفرد قادراً على قول: أنا هنا، موجود ومسجل. وفي حالة
الهويات المهددة في العالم ما بعد الكولونيالي، يكون خلق الهوية، على مستوى ما،
خلقاً لرواية. إن هوية الإنسانية والإنسان، كمفهوم وكيان، كانت قد بدأت بحكاية: سفر
التكوين. كما أن هوية كل فرد هي حكايته الشخصية، وهوية كل أمة هي روايتها الجمعية،
وهوية كل كاتب هي حكايته الإبداعية. وبالنسبة للمبدع المنفي، تكون الحكاية مهمة
بشكل مضاعف. إنها طريقة لخلق هوية شخصية على المستوى الوجودي، وخلق الوجود الشخصي
من خلال الهوية الإبداعية، من خلال الأدب.
تكتسب الحالة المصاحبة لبحث المثقف المنفي عن
الهوية أهمية لا تني تزداد تعاظماً في الوقت الراهن، لأن هذا المثقف يلعب –عن وعي
أو غير ذلك- دوراً بارزاً في حمل قضايا أمته الجمعية على رافعة أدواته التعبيرية في
زمن العولمة وما توفره من وصول كوني للمنتج الثقافي. وقد أصبح أدب كتاب مستعمرات
الإمبراطورية السابقة مسرحاً لاهتمام حقل كامل من الدراسات ما بعد الكولنيالية، وهو
ما وضع قضايا "العالم الثالث" تحت قدر كبير من الضوء في العالم المتقدم. وأسهم
الكتاب الكبار المنحدرون من الأطراف والمقيمون في الغرب، إما في تكريس الصورة
النمطية عن "الشرق" كما وصفها إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق"، أو في تغيير
الصورة، والاطلاع بمهمة التحدث نيابة عن المهمشين والذين لا صوت لهم، كما يفترض
غرامشي. ويحاول هؤلاء الأخيرون التعويض عن غربة المكان بمحاولة الإقامة في
الوطن-الكتابة.
يقول الناقد الثقافي أندرو غور
Andrew
Gurr إن تعريف الوطن ربما يشتق من العلاقة بين المنفي وكتابته في العالم
المعاصر. ويعني ذلك أن المنفي المبعد ربما يكتسب هويته من خلال الكتابة. أما برايتن
برايتنباخ Breyten
Breytenbach فيقول: "أن يكون المرء منفياً يعني أن يكون
حراً في أن يتخيل أو يحلم لنفسه بماض، وكذلك بمستقبل لهذا الماضي. أن يكون المرء
منفياً يعني أنه يكون موجوداً -كتابة". وعادة ما يحاول المثقف المنفي خلق مكان
لنفسه عن طريق الكتابة والترحال، مستفيداً من حيز "الما-بين" الذي يمكن أن يمنحه
حيزاً تخيلياً وإبداعياً أعرض. كما يمنح حيز "الما-بين" هذا للمنفي والمهاجر
والمثقف الكولنيالي فرصة أفضل للاختيار من الإمكانيات التي توفرها له خلفيته متعددة
الثقافات.
مع ذلك، يبقى من الواضح في هذه الحالة أن
الإمكانيات لن تكون ثابتة، ولن تكون محددة بماضيها. إن هوية المنفي في نهاية القرن
العشرين وأعتاب القرن الحادي والعشرين تتأرجح بشكل حتمي بين الفضاءات والثقافات،
وهو يشكل، أو يعثر، على "حيز" مؤقت لنفسه بين الفضاءات الثقافية، حيث تؤسس الكتابة
طريقة بالغة الفعالية لبناء وخلق ذاتية عرقية، وتزوده في الوقت نفسه بفرصة لإعادة
فحص تاريخه الماضي ليعرف الأكثر عن إرثه الثقافي.
يصف غور العملية المستمرة من فقدان الهوية
واستعادتها بالنسبة لغير الغربيين، حيث تعمل التناقضات بين الإرث الثقافي الأصلي،
والمحددات التاريخية المخصوصة والاختلافات الأخرى، على جعل شروطها من التغريب
والإقصاء، معقدة بشكل مخصوص، لأن هؤلاء (الغرباء) لا يستطيعون العثور على "وطن"
ينتمون إليه. ويقول إن "الإقصاء والنفي والاغتراب في أشكالها المختلفة هي شروط وجود
الكاتب المعاصر في العالم. وتكون الاستجابة الأساسية لهذه الشروط هي البحث عن
الهوية، والبحث عن وطن، من خلال اكتشاف الذات وتحقيقها". ويشكل أدب مستعمرات العبيد
في جزر الهند الغربية مثالاً على هذا الاتجاه، حيث كان مواطنو تلك المناطق قد
اقتلعوا من جذورهم ومن بيوتهم الأصلية وأعيد زرعهم في مكان غريب، ما خلق فيهم
أحساساً عميقاً بالتشرد والافتقار إلى الانتماء.
في هذا الإطار نفسه، ركز حقل التنظير الثقافي
كثيراً على "الثقافة" بوصفها حالة من الانسياب المستمر وعدم الاستقرار. ومن بين
المنظرين الثقافيين، يتحدث هومي بابا عن التهاجن، والمحاكاة و"الحيز الثالث".
ويتحدث جيمس كليفورد عن الترحال. وهناك مفهوم الهوية المتبدلة عن ستيوارت هال.
وتحدثت دورين ماسيه عن الهوية والمكان. كل هذه هي أفكار يمكن تطبيقها لتحليل وضع
المثقف المنفي (سواء كان المنفى قسرياً أم اختياريا). ويقول ستيوارت هال إن صناعة
هوية "لا يكون أبداً فعلاً مفرداً، وإنما متعدداً، يتم بناؤه عبر خطابات وممارسات
ومواقف مختلفة، والتي غالباً ما تكون متقاطعة ومتنافرة.
لكن الترحل يظل محدداً مثيراً
للجدل فيما يخص الهوية. يفترض في بقاء الفرد داخل سياقة المكاني والثقافي الأصلي أن
يزوده، من حيث الأساس، بهوية مستقرة نسبياً. لكن من المفارق أن جيمس كليفورد
James
Clifford يرى إلى الثقافات بوصفها مواقع للإقامة
والترحال، ويساوي أحياناً بين السفر و"التشرد". وهكذا، ربما يشعر المترحلون براحة
أكبر مع الثقافات المتعددة حيث لا يكون السؤال الرئيس هو "من أين أنت؟" وإنما "بين
ماذا أنت؟". ويعود ذلك إلى الآثار التي تتركها الأماكن في المسافر. وهكذا، يساعد
السفر والسكن الشخص في تحديد هويته. وبهذا يصبح المسافر "مواطناً عالمياً" بشكل ما،
على الرغم من خلفيته أحادية العرق غالباً. ومع ذلك، يعمل التأثير الكولونيالي إلى
جانب الشعور المصاحب من عدم القناعة بالعرق الأصلي باعتبارها تابعاً، متبوعاً
بالسفر المستمر، كل ذلك يخلق هوية مراوغة ومركبة. وتصبح الأمور محيرة أكثر لتتطلب
نوعاً خاصاً من القوة حتى يضع المرء نفسه في مكان ما.
في عالم موسوم بالاستعمار
والتحرر من الاستعمار، إلى جانب هجمة العولمة، يصبح مفهوم الهوية أكثر اتصالاً بحس
من الحيز المحلي. وبهذا، يتحول فعل خلق الهوية بفعل الكولنيالية والعولمة. وترى
دورين ميسيDoreen
Massey مفهوم الهوية والمكان بمعنى أن
إحساس المرء بالمكان ضمن محددات جذوره الأصلية ربما يعرض هوية مستقرة. لكن "مفهوم
المكان ليس ثابتاً، وإنما هو غير مستقر... إن الأماكن هي عمليات مستمرة". وتعلق
ميسي على إعادة إنتاج الحيز بالقول: "ليس للأماكن "هويات" مفردة وفريدة، إنها مليئة
بالأزمات الداخلية... مثل، الصراع حول كيف كان ماضيها (طبيعة "ميراثها")، والصراع
حول ما ينبغي أن يكون عليه تطورها الراهن، والصراع حول ما يمكن أن يكون عليه
مستقبلها. وعلى أن شيئاً من هذا لا ينفي أهمية المكان وفرادته، إلا أنها تجري إعادة
إنتاج خصوصية بشكل مستمر".
عميقاً في داخله، يشعر المثقف المنفي بأنه عالق في
"ليمبو" بين العوالم. وربما يكون هذا طبيعياً ما دام يتطلع إلى احتراف الكتابة. ومن
المقبول منطقياً أن يستخدم كاتب في الغرب خلفيته المختلفة ليأتي بشيء لا تكون الأذن
قد اعتادته. أي تصوير عوالم أخرى تبدو للجمهور متخيلة أو سحرية. وقد تميز بذلك كتاب
الواقعية السحرية من كتاب أميركا اللاتينية، مثل غابريل ماركيز، وإيزابيل أليندي
وكويلهو وغيرهم. وقد استخدم بعض المثقفين المنفيين هذه الهبة من الخبرة غير
الاعتيادية –بالنسبة للجمهور الجديد- في سبيل دعم أوطانهم الأصلية ورسم صورة أكثر
إيجابية عن مجتماتهم الأصلية في العقل الغربي، من غير فقدان فرادتهم في الوقت نفسه.
ومن هؤلاء الروائي النيجيري تشينوا أتشيبي، والشاعر الترينيدادي ديريك وولكوت،
والناقد الشهير هومي بابا، والناشط والناقد الفلسطيني الكبير الراحل إدوارد سعيد.
إن الهوية ليست مفهوماً
سكونياً، مما يجعلها موضوعاً لتفاوض لا يلين. في حالة الكولونيالية، مع ذلك، يصبح
وضع مفهوم للهوية أكثر إشكالية باعتبارها هوية مفردة متماسكة الأطراف، نظراً لوجود
عاملين تأثير متفارقين: هناك تأثير المستعمر من ناحية، وتأثير الثقافة المستعمرة من
الناحية الأخرى. في دراسة عنوانها "سياسة الاغتراب والهوية، يعرف مانجيت سينغ
Manjit
Sing الهوية في السياق ما بعد الكولنيالي، فيقول إن
"مفهوم الهوية بالمعاني السوسيولوجية والسيكولوجية يتضمن تضامن الفرد مع مجتمعه.
وفي غياب الهوية، تكون النتيجة المباشرة هي الضياع والقلق في عالم يفتقر إلى وجود
القيم اليقينية المؤكدة". هذه الحالة من "الضياع" تنجم عن خسران اللغة والثقافة
المحلية تحت تأثير القوة الاستعمارية. وبهذا المعنى، تشكل اللغة والثقافة مكونات
رئيسية في تشكيل الهوية. وعندما تفقد اللغة والثقافة المحلية بسبب التأثير
الكولنيالي، تصبح الهوية مهددة في السياقات ما بعد الكولنيالية.
ثمة قضية لا تقل تعقيداً في مثل
هذه السياقات ما بعد الكولنيالية هي العلاقة المشتبكة بين اللغة والحيز. وينجم أحد
مصادر ذلك التشابك من أصل اللغة التي تقدمها القوة الكولنيالية. ويحدث كثيراً أن لا
يستجيب الإطار الثقافي لهذه اللغة للمناخ الكولنيالي ويحل محل اللغات المحلية.
ويلاحظ بيل أشكروفت وغريفتينز وتيفين Ashcroft, Grifftins and
Tiffin أنه: "بسبب عدم وجود اتصال للأسلاف مع الأرض،
فقد تعامل المستعمرون الغربيون مع إحساسهم بالغربة المكانية من دون شك عبر التمسك
بالاعتقاد بمناسبة اللغة المستوردة –حيث يمكن تجاوز إساءة الترجمة بالقول إن مفهوم
"الأرض" أو "الموسم" هي "مكمن الخطأ""
من الواضح، مع ذلك، أن "الموسم"
ليس "خطأ" بالمعنى الحرفي، وإنما هو ظاهرة "غريبة في العالم المنشأ حديثاً، والتي
يحتمل كثيراً أن لا تكون جزءاً من الواقع الذي تستطيع لغة المستعمِر أن تصفه.
وبالتالي، ربما تفتقر لغة المستعمِر إلى المفردات المناسبة لوصف المستعمرة. وبهذا،
لا تمكن ترجمة مفهوم الواقع "الآخر" إلى لغة تكون قد تطورت أساساً لوصف واقع "محلي"
محدود. وبعبارات أخرى، حسب Fink، فإن "ما لا يمكن قوله في لغة ما لا يشكل
جزءاً من واقعها". وبهذا، فإن اللغة تحدد الطريقة التي يُدرك بها الواقع، ما يعني
أن المستعمِر يميل إلى أن يحدد، من خلال لغته، ما هو الصواب وما هو الخطاً. وبهذا
يصبح تصنيف شيء على أنه صائب بهذا المعنى جزءاً من الواقع لأنه يعامل على أنه
حقيقي.
في حقل الدراسات ما بعد
الكولونيالي، يبقى استخدام اللغة المهيمنة موضع استنطاق فيما يتعلق بعدم قدرتها على
تمثيل الواقع الفعلي. ولعل من المفهوم أن الواقع المعاش يتصل بإعادة إنتاج الحيز في
كتابات كتاب ما بعد الكولنيالية. إلا أنه ينظر إلى الحيز في كتاباتهم على أنه يفتقر
إلى الموثوقية وبوصفه إعادة إنتاج لخبرة غير واقعية. حول العلاقة بين الحيز والهوية
في أعمال نايبول، يقول كونسويللو لوبيز دي فيغاليس Consuelo Lpez de
Villegas: "إن الحس بالهوية يتحدد بحيز الفرد الوجودي،
بمعنى أن المرء عندما يمتلك حيزاً، فإنه يخلق مركزاً، وهي نقطة الانطلاق التي يمكن
للفرد أن يضع منها أهدافه".
هنا يأتي مفهوم "الحيز الثالث" الذي يوظفه هومي
بابا لتفسير مفهوم وغاية التهاجن. وبينما يتحدث من موقع المثقف ما بعد الكولونيالي،
يعلق بابا على "الحيز الثالث" كاستراتيجية لفتح فضاء ممكن للخطاب الثقافي عن طريق
تجاوز الهيمنة الثقافية والعبور فوق حدودها التاريخية. وترتبط مشكلات رئيسية للتنوع
الثقافي كما يراها هومي بابا بـ"العرف الذي يقدمه المجتمع المضيف أو الثقافة
المهيمنة"، ولتعددية ثقافية تقوم على العنصرية. ولهذا يبحث بابا عن "حيز منتج
ومناسب لإنتاج الثقافة بوصفها اختلافاً، على الرغم من الاختلاف أو الآخرية"، حتى
يثبت أن للثقافات المختلفة خصائصها الفريدة وأنها غير قابلة للتماهي. بالإضافة إلى
ذلك، يقدم بابا فكرة "الترجمة الثقافية" كطريقة للتفاوض بين ثقافتين. وتكون الترجمة
بهذا المعنى طريقة لتقليد أصل يمكن أن "يقلد، ينسخ، ينقل، ويحول وتصنع منه صورة.
بهذا، تكون الترجمة هي المعبر بين الأصل والصورة.
وبهذه الطريقة، يكون الأصل في حالة خلق مستمرة، تماماً مثل الصورة نفسها. وتفتح
الترجمة الثقافية "إمكانية النطق بالمختلف، بل وحتى الممارسات والأولويات غير
القابلة للتماهي". وبهذا ينتج ما يدعى "الحيز الثالث" من خلال عملية الترجمة، ويمكن
أن يصبح التفاوض شكلاً من الإخضاع العدواني والاعتداء الذي يجري عبره خلق موقع
جديد. وبهذا، يمكن إنتاج الهوية كموضع جديد من خلال عملية التهاجن. ويصر بابا على
أنه "تم التغلب على الهوية السياسية والثقافية الآن، وشرع خطاب الأقلية بالظهور.
وهكذا، يقوم الحوار بين الثقافات -ما بعد صدور كتاب إدوارد سعيد (الاستشراق)- بمحو
سوء التمثيل أو مجرد الصورة المتخيلة لثقافة معينة. ويتحدث بابا أيضاً عن مسؤولية
المثقفين. وهو يعتقد بأن المثقفين يجب "أن يتدخلوا في صراعات مخصوصة، خاصة في مواقف
التفاوض السياسي". وبكلمات أخرى، فإنهم يكونون في موضع المعارضة الذي يستطيعون منه
فحص السياسات الثقافية. وبهذا يمكن للمثقف المنفي أن يحول شعوره بالاغتراب إلى قدرة
هائلة على الشعور وكأنه "في الوطن" في أي مكان. إنه يخلق منطقة رمادية، حيث لا يكون
هناك انتماء واضح الخطوط، إما إلى الأبيض أو الأسود. ومع ذلك، يبقى اللون الرمادي
خليطاً من لونين، محايداً، وبهوية مراوغة.
مراجع:
- Ashcroft, Bill, Gareth Griffiths
and Helen Tiffin (1989), The Empire Writes Back: Theory and Practice in
Post-Colonial Literatures, London: Routledge.
- Bhabha, K. Homi, (1996),
"Cultures In-Between," Questions of Cultural Identity. Ed. Stuart Hall and Paul
Du Gay. London : SAGE.
53-60.
- (1990), "The Third Space," Identity:
Community, Culture, Difference, Ed. Jonathan Rutherford, London : Lawrence & Wishart:
207-21.
_ Breytenbach, Breyten (1993), "The
Long March from Hearth to Heart," Home: A Place in the World. Ed. Arien Mack.
New York: New York UP, 65-80.
- Clifford, James (1992),
"Traveling Cultures," Cultural Studies. Lawrence
Grossberg (Ed.), New York :
Routledge.
- Gurr, Andrew (1981), Writers in
Exile: The Identity of Home in Modern Literature, Sussex: The Harvester
Press.
- Lpez de Villegas, Consuelo
(1980), "Identity and Environment: Naipaul’s Architectural Vision,"
Rvisista/Review Interamericana 10, 220-9.
- Massey, Doreen (1994), Space,
Place and Gender. Cambridge :
Polity.
- Said, Edward W. and David
Barsamian (2003), Culture and Resistance. Cambridge, Massachusetts : South End
Press.
- Sing, Manjit
Inder (1998), The Politics of Alienation and Identity: V.S Naipaul and George
Lamming, Delhi: Ajanta
22/1/2010
ala.zeineh@alghad.jo
|
شرق الغرب: مدن اليقظة والحلم الشرقية في الرؤى الغربية
جمال أبو حمدان
"دعوني لحالي، حين يخفي الأفق الغائم، جبهة متموجة
بقوس من ضباب، حين يحمّر الكوكب العملاق ويتوارى. آهٍ، من سيُبعث فجأة بينما أنا
وحيد أحلم من النافذة والظلال خلفي في الرواق. من سيلد هناك مدينة شرقية، بوهج مدهش
تمزق عندها قوس الضباب بشهب كأنها أسهم ذهبية انفلتت من حزمتها. آهٍ، فتأت هذه
المدينة تلهمني، وتضيء أناشيدي المغبّرة كسماء الخريف، وتلقي في عيني بظلالها
السحرية، وتظل غسقية تزين طويلاً الأفق البنفسجي بألف برج لقصر جنية، قبل أن
تنطفئ".أي حلم يقظة تراءى للكاتب الفرنسي "فيكتور هيجو"، وهو يطل من نافذته على
باريس عند الغروب، فيتراءى له بدلاً منها، مشهد متخيل لمدينة شرقية، ساعة الغروب.
فيكتور هيجو، لم يزر الشرق، أما خياله فقد كان
هائماً به، وكتب عنه أجمل أشعاره، حتى بات الشرق إطاراً لكثير من شعره، أو خيطاً
بارزاً شديد التميز في نسيجه الشعري.فالمدينة الشرقية الغسقية، التي فجرّت هذه
الرؤى، مدينة متخيلة، وهي مرتع خصب زاهي الألوان دافئ، لخيال شعري منفلت وهارب من
رمادية وبرودة المدينة الأوروبية.أما الكاتب جيرا ردي نرفال، فإنه يصف ساعة الشروق،
من منظور آخر، أكثر حقيقية: "صوت المؤذن الذي يعلو من المئذنة المجاورة، الجرس
الصغير الذي يحركه الجمل بهرولته الثقيلة، والرفيف والصفير المبهمان اللذان يسريان
في الهواء والخشب والجدران، بينما يرسم الفجر العجول على السقف بالضوء آلاف الشقوق
من بصيص النوافذ، ونسيم مبكر محمّل بشذى مفعم يرفع ستر بابي، فأرى خلف حوائط الساحة
رؤوس النخل تطفو.. كل هذا يأخذني، يطربني أو يشجيني باختلاف الأيام، ذلك أني لا
أريد أن أقول أن صيفاً خالداً يثمر حياة سعيدة إلى الأبد".
فقد ارتحل جيرار دي نرفال إلى الشرق، وحاول خلال
الفترة التي قضاها فيه، أن يكون مفتوح البصر، متفتح البصيرة على الحياة الشرقية، بل
جهد في اقتحام أسرارها والولوج في تفاصيلها. ويُعتبر كتابه "رحلة إلى الشرق"، من
أجمل ما كُتب من النثر الفرنسي في القرن التاسع عشر، وصفه الكاتب تيوفييل جوتييه،
بأنه كتاب خلاّب يملؤه الحب والنور. وقد فتنه أكثر من الإطار الخارجي للمدن
الشرقية، تلك الحياة الضاجة الناغلة في عروقها، بكل مظاهرها الصاخبة.
أما الكاتب أندريه جيد، فإن خياله يصل إلى درجة
تشخيص المدن الشرقية التي يزورها منبهراً، فيقول؛ "لقد رأيت أزمير ترقد كالبنت
الصغيرة، وزغوان كراعية من قبائل البدو تحمّر خدودها عند اقتراب الفجر، أما
الجزائر، فترتجف حباً تحت أشعة الشمس، وتذوب عشقاً في أحضان الليل".ثم يُجمل تخليده
للمدينة الإسلامية الشرقية، بقوله "إنك لم ترَ جدران هذه المدينة الإسلامية، هذه
الجدران العميقة، حيث انصب ضياء الشمس خلال النهار، جدران ناصعة البياض كالصُلب..
أيتها المدينة لقد بدوت لي بلورية شفافة".ويسجّل جوستاف فلوبير، في رسالة إلى أمه
في فرنسا، انطباعاته عن لحظة وصوله لأول مرة إلى مدينة الإسكندرية: "عندما وصلت إلى
شاطئ الإسكندرية، صعدت مع قائد الدفة إلى سطح السفينة، ولمحت السراي كقبة سوداء على
زرقة البحر، وكانت الشمس تصبّ أشعتها عليها، وخلفها رأيت الشرق، أو ربما رأيته في
ضوء فضي أُعتصر بين البحر والسماء، ولم يمضِ قليلاً إلاّ وبدأ الشاطئ يرتسم، وكان
أول ما رأيناه على اليابسة جملين يقودهما الجمّال، ثم على طول الساحل عرب نشيطون
يصطادون في ثنايا هواء لا حد لمسالمته، وساعة النزول كان ضجيج كأنه دفوف الشرق كلها
تُذهب اللّب."لقد كانت رحلة فلوبير إلى الشرق، تتويجاً لحلم عايشه طويلاً في بلدة،
وبلغ تشوقه الشرقي برسوه على شاطئ المدينة الشرقية. وقد ظلّت هذه السعادة الغامرة
تلازمه في تنقله بين مدينة وأخرى، فهو يسجل في دفاتر سفره انطباعاته عن انتقاله من
الإسكندرية إلى القاهرة على ظهر مركب بخاري: "الليلة الأولى على ظهر النيل أشعر
بالطرب والميل إلى الغناء. أثرثر وأتحرك وأقرأ لنفسي بصوت عالٍ قصائد من الشعر. لا
أستطيع إرغام نفسي على النوم، أفكر في كليوباترا. الماء أصفر رقراق، وبعض النجوم..
يغشاني النوم على فراشي المتنقل .. يا للهناء. الصحراء من ناحية، ومن الناحية
الأخرى الحقل الأخضر، ولون الصحراء رمادي محمرّ، ويظهر اثنان من الأهرامات، ثم ثالث
يصغرهما.. وعلى يسارنا تظهر القاهرة قابعة على تل، وقبة مسجد محمد علي، ووراءهما
تلال المقطم العالية".لقد بدا الشرق لكثير من كتّاب الغرب، كما لو كان حلماً من
أحلام اليقظة..
كان التصور المشترك بين معظم الأوروبيين، بأن الشرق
هو المسرح الملائم لمغامرتهم، وهو مرتع الخيال الطلق.. وهو العالم الآخر، المجهول
والغامض، والذي ينتظر الفارس الغربي لاقتحامه، وفيه إمكانية العيش وفق هواه، دون
تضييق على ذاته الآخذة في التضخم، حتى لتكاد تختلط بالكل المطلق.إن الشرق هو
إمكانية الخلاص القصوى، من عالم الغرب البارد الضيق على الروح والنفس. فالقاهرة
مثلاً، التي قال عنها كارل هاج حين دعا للارتحال إليها، أنها المدينة الوحيدة
الفريدة في العالم، تشاركها فرادتها وتميزها معظم مدن الشرق التي قصدها المغامرون
والرحالة والكتّاب والفنانون الأوروبيون.فالقاهرة وبيروت ودمشق والقدس والجزائر
وتونس ومراكش، وما حولها، هي المدن التي حطت فيها أرتال الفنانين الأوروبيين في
القرن التاسع عشر، وهذه المدن الشرقية، تقابل في أذهانهم ونفوسهم وعيونهم، المدن
الأوروبية التي جاءوا منها.لكن المقارنة أو المفارقة بين العالمين في ذلك العصر،
كانت تعطي للمدينة الشرقية تميزّها وفرادتها، وهي ليست كذلك بذاتها، بل بمقدار ما
توفره من اختلاف وغرائبية، وتُبقي النوافذ مشرعة على الأفق البعيد، حيث يتشكل حلم
اليقظة.لقد ظل الشرق بالنسبة لمعظمهم، منظراً في لوحة أو مقطعاً في قصيدة أو وصفاً
في رسالة أو كتاب، وربما منبعاً للإلهام ذي الأبعاد الفنية الإبداعية، ولم يصبح
بالتدريج نوعاً شبيهاً بالوطن إلاّ عند القلة أو الندرة منهم.
أما عند الكثرة فقد ظل مكاناً غير قابل للاندماج به
أو التمازج معه..ورغم اكتظاظ المدن الشرقية بأهلها في لوحات الفنانين الغربيين،
فالأوروبي، سواء كان الرسام ذاته أو أيا من مواطنيه الرحالة، لا يظهر فيها مطلقاً..
فهو يقف منها موقف الاستعلاء، حيث تحرك تشوقاتها أو تشهيه، لكنه لا يقبل الاندماج
بها، أو الظهور في إطارها.. فهي مدن ومجتمعات مقبولة ومشتهاة في ثنايا الخيال
والحلم، مرفوضة في وضوح الواقع، وصلابته.عند عودته من رحلته الشرقية إلى باريس، قال
يوجين ديلاكروا، رائد الرومانتيكية الأوروبية في الرسم، والمتربي في الحضن
الباريسي؛ "إن باريس تزعجني، والأشياء فيها تبدو لي في نهار مختلف". والاختلاف هنا،
هو اختلاف عن الشرق، أو اختلاف الشرق عنه، فهكذا بدت باريس لعين الفنان الفرنسي
مقارنة بمدينة كالجزائر، أو تونس، أو مراكش، التي عشقها في رحلته، وأمدته بأجمل
لوحاته الاستشراقية. ويصف فلوبير ما أحس به إزاء المدينة الشرقية: "ها أنذا ألخص في
عبارة واحدة ما أحسست به، اندهاش قليل من الطبيعة بأرضها وسمائها وصحرائها وسرابها،
واندهاش هائل من المدن، ولو كان هيجو هنا لقال؛ كنت أقرب إلى الله مني إلى
الإنسانية، ولعل ذلك الاندهاش يرجع إلى أنني كنت أحلم وأنقب وأتخيل ما هو أفق وخضرة
ورمال وأشجار وشمس، وفاتني أن أتوقع ما هو مدن وشوارع، فكان لي مع الطبيعة لقاء،
ولكن كان لي مع غيرها وجد".وغالباً ما كان اقتراب الفنان الغربي من المدينة
الشرقية، اقتراباً محاذراً.. فهي كالصدفة المغلقة على أسرارها، ولا تكشف عن مكامن
تلك الأسرار لعين زائرها إلاّ بعناء.وكثير من الفنانين رسموا منظر المدينة عن بعد،
وكأنها مكان قصي تركض إليه الأشواق، وتقصر عنه الخطوات.ولعل الفنان الإيطالي جوليو
روساني، في لوحته "عرب يقتربون من مدينة"، كان يتقمص إحدى الشخصيتين البارزين في
لوحته، وهما يتريثان على مشارف المدينة يرنوان إليها، قبل أن يقارباها ثم يلجاها،
بينما تلوح المدينة المقصودة عند زاوية اللوحة، بعيدة متوارية في غموضها.وعند
أوغستوس أوزبورن لامبلو، تلوح المدينة ذاتها، وهي القاهرة، بقبابها ومآذنها
المشرئبة في الأفق، مغلفة ساعة الغسق بستار ضبابي، يوحي عن بعد بالغموض الذي أراد
الفنان الغربي أن يراها فيه، قبل اقتحامها.وعند ألبرت جودين، تبدو المدينة مع
ارتفاعها في زاوية اللوحة العليا، على نفس التوازن مع الرحالة، الذين يرتاحون في
الزاوية المقابلة السفلى، ويتهيأون لدخولها.وما أن تنفتح بوابات المدينة الشرقية،
أمام اقتحام الرحالة (الكاتب والفنان) الغربي، ويصبح في الداخل، حتى تضج شوارعها
وأزقتها وميادينها، بمظاهر الحياة الشرقية الكرنفالية، والتي بالغ الفنانون في
إظهار تنوعها وغرائبها، لإبهار مواطنيهم الذين لم تتح لهم فرصة التواجد في تلك
البقاع البعيدة الغريبة من العالم، حتى كاد يتكرس الاعتقاد بأن هذه اللوحات عن
المدن الشرقية، تخترق الشرق وملامحه، وأنها وثائق صادقة لرؤية هذا الشرق
الغريب.فالكاتب غوتييه، الذي كتب عن الشرق كثيراً دون أن يزوره، يصف انطباعه عن
لوحة بروسبير ماريلهارت التي يصور فيها أحد ميادين مدينة القاهرة: "ما من لوحة
مثلها أحدثت في نفسي أثراً عميقاً لأمد طويل، وأخشى أن أوصم بالمبالغة إذا ما قلت
أن رؤية هذه اللوحة جعلتني مريضاً ومسكوناً بالحنين إلى الشرق الذي لم تطأه قدماي
أبداً. لقد وجدت فيها وطني الحقيقي، فما أن يبتعد نظري عنها، حتى أجدني
كالمنفيّ".إنها رغبة غوتييه، أن يكون منفياً عن أجواء مدينته الأوروبية، والمدينة
الشرقية تروي له عن بعد هذا التشوق، وهو ما وصفه كيرنان بحلم اليقظة الأوروبي حيال
الشرق.وقد وقع الفنانون الغربيون في إسار الاعتقاد بأن الشرق، قد وقف وتجمد خارج
حدود الزمن وابتعد عن سير التاريخ، فرسالتهم في تصوير المدن والمواقع ومظاهر الحياة
فيها قبل أن تندثر، تستحق الثناء.. إذ أن الشرق، لن يظل ماثلاً بعد زمن إلاّ في
لوحاتهم، وفيها سيتعرف الأبناء على معالم حياة الآباء. وقد ساد هذا الاعتقاد
التمويهي، الذي جعل غياب التاريخ مسألة مشتركة في أغلبية الصور الاستشراقية.ويبدو
الزمن في مثل تلك اللوحات، وكأنه قد توقف، فالفنان يوحي للمشاهد أن عالم الشرق هذا
هو عالم دون تحول، عالم ذو تقاليد وطقوس خالدة، وأن الشرق عالم لم تمسه عمليات
التحول التاريخية، التي كانت في ذات الوقت تثقل على كواهل مجتمعات الغرب، والتي أدت
إلى تغييرات متسارعة عنيفة فيه.إن التركيز على انعدام الزمن وفقدان البعد التاريخي،
كان نوعاً من ذر الرماد في العيون، فالشرق في ذلك الوقت كان في الحقيقة يموج بمرحلة
تحول جذرية، في مختلف النواحي.وهذا عين التناقض الذي حاول الفنان الغربي، أن يتعامل
معه لتفجير الرؤى الغرائبية التي ترضي المزاج العام الأوروبي في القرن التاسع
عشر.فمع أن المدينة الشرقية تقف خارج التاريخ، مخبوءة وساكنة في عب الزمن، إلاّ
أنها فنياً تضج بالمشاهد والرؤى.. وبالنسبة لأولئك الفنانين الذين زاروا الشرق
الحقيقي فعلاً، فقد كان أمامهم الكثير من الإلهام.
الكاتب الإنجليزي، وليام ثاكيري، هتف لمواطنيه
الأوروبيين، حين طاف بأرجاء مدينة القاهرة: " هنا تتوفر ثروة طائلة للرسامين، ولم
يسبق لي أن رأيت مثل هذا التنوع في طراز العمارة والحياة والمناظر، والأواني
الزاهية، والنور والظل.. إن في كل مكان صورة تنتظر من يرسمها".لكن رغم هذه الثروة
الطائلة من الصور المتوفرة أمام الرسامين الأوروبيين، فإن ثمة ما كان يكبلهم
ويجعلهم يخرجون عن الموضوع الذي يرسمونه في المدينة الشرقية، والقليلون استطاعوا أن
يرسموا المشاهد الشرقية كما رأوها دون أن يضيفوا عليها شيئاً من عندهم. فتحولت
لوحات أكثر الرسامين الاستشراقيين من واقع تراه أعينهم إلى حكايات ترويها ريشهم،
وأصبح الشرق بين أيديهم رمزاً وأسطورة، فقدموا لأوروبا ما كانت تريد أن تراه
أوروبا، عبر مواصفات مسبقة للشرق، جهد الرسام الاستشراقي أن يبرزها.فما الذي انفتحت
عنه صدفة المدينة الشرقية، لعيني الفنان الغربي!؟كان الطراز المعماري المميز
للمدينة الشرقية، أول ما تنفتح عليه العين الغربية بانشداه، بدءاً من الأسوار التي
تحيط بالمدينة.إذ المدينة الشرقية، صعبة بعيدة المنال، مسوّرة، مغلقة ببواباتها
التي تترك الغريب خارجها، ولكن ما أن ينفذ إليها، حتى يقف مسحوراً مذهولاً أمام
المشاهد الداخلية.ويظل الطراز المعماري الفريد، وزخرفاته النابعة من الحس العربي
الإسلامي المميز، أكثر ما لفت انتباه الفنان الغربي، فترك ثروة من اللوحات التي
تسجل انبهاره بطراز العمارة في المدينة الشرقية.وقد ظهر تياران واضحان في رسم
المدينة الشرقية، أولهما قام على المشاهد الوهمية، والثاني على المشاهد الواقعية.
فحين ازداد الانفتاح على الشرق، أصبحت اللوحات أكثر واقعية، بعد أن كانت الأعمال
الفنية الأولى مجرد استذكارات خيالية.لكن، حين استطاع التصوير الشمسي، في فترة
لاحقة، أن يعرض بأمانة وإن اتسمت بالفجاجة صوراً عن الشرق، راح الرسم للدفاع عن
موقعه، يحاول ببراعة ومهارة، التخفيف من واقعية هذه الصور وحدتها، بإضفاء لمسته
الشعرية على المشهد الشرقي.فالفنانون أعادوا تكوين وصياغة المشهد الشرقي في مراسمهم
الأوروبية، معتمدين على نكهة الطرافة، والمبالغة في التفاصيل الدقيقة، تحت وطأة
هاجس الواقعية والمغالاة في إظهار التفاصيل على الحد الأقصى، حتى باتت التفاصيل
الجزئية تطبع هذا الفن بطابع غير واقعي.فالقباب والمآذن المشرئبة نحو السماء، احتلت
موضع الصدارة في لوحات الفنانين الذين رسموا المدينة الشرقية، وقد كان احتفاؤهم بها
بعيداً عن مكانتها في الحياة الشرقية الإسلامية، وفهم مضمونها.كان احتفاءّ برانياً،
بالطراز والزخرفة، والشكل الهندسي الفريد.وحين اندس بعضهم داخل المسجد لرسمه، اتضح
عدم فهمه للروحية التي تكتنفه، وتشيع فيه.في لوحة ثيودور راللي، المسماة على
الشرفة، تبدو امرأة تطل من شرفة مزخرفة، تحت سماء صافية الزرقة، وتحتل الجزء الباقي
من اللوحة، مدينة القاهرة، بأبنيتها ذات اللون الترابي. إن ظهور هذه المرأة بثيابها
المزخرفة الملونة، يختطف عين المشاهد وانتباهه، لتصبح محور اللوحة.. وتبدو المدينة
ثانوية الحضور في عين وانتباه المشاهد.
إن المدينة الشرقية كمكان، سواء في تناولها الجزئي
أو الشامل، تبدو في عين الفنان الغربي، كخلفية لحركة الحياة، وهو يُعنى دائماً
بإشاعة الحيوية فيها من خلال حركة البشر وأنشطتهم داخلها.وتبدو دائماً الموازنة بين
ما يميز المباني، سواء السكينة أو العامة، زخرفة ونقوشاً، وبين الحركة البشرية
المتماوجة بالألوان وحيوية الحركة، وغالباً ما تبدو هذه الحيوية في هيئة الجموع
البشرية، فالشوارع الضيقة في المدن القديمة آهلة بالسكان، في حركتهم الدائبة،
والزوايا قلما تكون خالية إن مهجورة، وإن بدت مغلفة بالأسرار في لوحات الكثيرين،
والميادين غاصة بالناس، في احتفالية مظهرهم، وتنوع أو تنافر أشكالهم وملبسهم،
وغرائبية ممارساتهم لأنشطتهم وحياتهم، وكما يصف فلوبير؛ "إن ذلك يبهرنا دائماً في
المدن، عندما تتضارب الألوان، كما في حفل تنكري، حيث تتشتت بين الأبيض والأصفر
واللازوردي، ثم تصفو بظلالها فتغشي عينيّ كل فنان".وقد اجتذبت الأعياد الشرقية،
وخاصة الدينية، اهتمام الفنان الغربي، فمشهد المواكب البشرية في أيام الأعياد، من
المشاهد المألوفة في لوحات الاستشراقيين، وقد بالغوا في تفجير طاقة اللون على تسجيل
هذه الاحتفالية البشرية الصاخبة.ووسط هذه البهرجة اللونية، وحيوية الحركة، يقصد
الفنان الغربي أن يبرز البؤس والقلق والحزن والفقر، في حياة المدينة الشرقية.. بل
إن بعضهم بالغ في التركيز عليها، فالشرق في نظره بائس يائس حزين.والتفاوت الاجتماعي
والاقتصادي كبير، بين فئات أهله، وقد حاول الفنان الغربي أن يبرزه، ويوسع من شقته
في لوحاته.أسواق المدينة الشرقية ظهرت في لوحات الفنانين الغربيين، متماوجة بالحركة
والحيوية، ضاجة بالصخب والجلبة، حافلة بالألوان، فالأسواق الشعبية كانت محط هوى
لأقلام الكتّاب الرحالة ولريش الرسامين الرحالة. إنها الأمكنة المكشوفة للعين
والخاطر في عالم ومجتمع كل شيء فيه مغلق تكتنفه الأسرار، فما أن يصبح فيه شيء
مكشوفاً ومعروضاً يحس الرحالة عندها بمتعة تصل حد النشوة. وفي الشرق كما تخيّل
الغربيون، وحاولوا أن يكرسوا هذا التخيل ويحولونه إلى حقيقة، كل شيء قابل للبيع
والشراء، من السلعة الصغيرة والحاجات اليومية، إلى الجسد الآدمي والإنسان.إن كثرة
تصوير الأسواق في المدينة الشرقية ملفت للانتباه، بل يثير الاستغراب.. فالسوق مكان
التواجد المعلن المكشوف، حيث السجاد، والأسلحة، والأقمشة، وأخيراً البشر.. وعين
الفنان الغربي، أو خياله، ينتقي منه، ما يرغب أن ينقله إلى إطار لوحته.وفي المدينة
الشرقية، تمتد الأنشطة الحياتية خارج السوق لتملأ الطرق والأزقة الضيقة، لكن
المقاهي الشعبية هي التي تستحوذ على اهتمام الفنان الغربي، فيسخر ريشته وألوانه،
لتسجيل المشهد الحي للمقهى الشعبي، بالصورة التي تستثير حسه بالغرائبية.فالمقهى
الشرقي يختلف عن المقهى الأوروبي، فهناك، كانت المقاهي ذات أثر في تطور الأدب
والفكر الأوروبيين، أما صورة المقهى في المدينة الشرقية، كما نقلته ريشة الفنانين
المستشرقين، فهو غالباً مكان الاسترخاء الكسول الفارغ، وهي أمكنة تعبق بروائح
الأشربة الممزوجة بالبهارات الشرقية الحارة، يتوزع في زواياها، فيما يشبه حالة
الخدر، العاطلون، الذين يزجون الوقت في الاسترخاء أو الألعاب الشرقية، أو الإصغاء
إلى رواة الحكايات الشعبية، أو مراقبة الحواة من ملاعبي الثعابين والسحرة.. فالمقهى
الشرقي تجميع مكثف للنمط الذي كان يحب الفنان الغربي، أن يعتقد أن الشرق يعيش به.إن
المقهى الشعبي، هو الخيط الأكثر ظهوراً في نسيج الحياة الشرقية، في المدينة
الشرقية، وقد أكثر الفنانون الغربيون من تصوير الأماكن الهادئة المليئة بالظل
والنور، والتي كما عبروا عنها تبدو في مأمن من الزمن، إن لم يبالغوا في اعتبارها
خارجة عن ركبه، منسلخة عنه.
وتميزت القدس، بين مدن الشرق، بخصوصية في عين
الفنان والكاتب الغربيين، فهي مدينة التميز التاريخي، والتفرد الروحي، التي حظيت
أكثر من غيرها من مدن الشرق باهتمام الفنانين، وكانت مركز الجذب الرئيسي لمعظم
الفنانين المستشرقين، وأحسوا إزاءها بالرهبة والهيبة، وقد ظهر منظر القدس من جبل
الزيتون، ومن جبال مؤاب في أعمال الكثيرين منهم، على أن معظمهم فضل أن يرسم المدينة
عن بعد، في مظهرها الخارجي المتألق، محاطة بأسوارها، وحاضنة لأماكنها المقدسة، مشعة
بوهجها الروحي.وبغض النظر عن دوافع الفنانين الغربيين من رسم المدينة القدسية، فقد
ظهرت دائماً بهية عصية على الزمن.أما القلة التي توغلت داخل المدينة لرسمها، فقد
أثارت هذه المدينة الشرقية الخاصة في نفوسهم الحيرة والتهيب، خاصة بشوارعها
المتعرجة، وبأهلها.. وقد وصفها الفنان إدوارد لير، وهو الذي تعشق تصويرها، بأنها
مدينة يكتنفها جمال حزين، يحكي تاريخ عصورها السالفة، ويقود الناظر إلى التمعن في
ماضيها السحيق.إن المدينة الشرقية بالإجمال، كما تبدت في لوحات الفنانين الغربيين،
ورغم احتفالية الألوان، وتجاذب الضوء والظل، والصخب البشري في شرايين الحياة فيها،
تنغلق على حزن دفين، وسر كامن في أعطافها، لم يستطع الفنان الغربي اكتناهه، ولهذا
عوض عن ذلك بأن بالغ في إسباغ المظهرية الإبداعية عليها، وظلت تلوح متوامضة على حد
رهيف بين الحلم واليقظة في وعيه.وقد وصف الرحالة الكتّاب تفاصيل الملامح الخارجية
لمدن الشرق في تحولاتها الحياتية، وتحولات الطبيعة من حولها، في فرحها وفي شجنها،
في نومها وفي يقظتها، تحت وضاءة شمس النهار، وتحت خدر قمر الليل، ثم تبعهم الرسامون
الرحالة، في نقل هذه الأوصاف إلى عين ووعي المشاهد.لكن المدينة الشرقية، ظلت بعيدة
المنال عصية على كشف أسرارها، وكل ما تفجر على لوحات وأوراق الفنانين والكتّاب
الغربيين، كان نثار من صدمة الاحتكاك بين ثقافتين، وحضارتين وروحيتين
مختلفتين.فالمدينة الشرقية، لاحت للغربي على أنها المكان الآخر المغاير لمدينته،
ولهذا جاءها ملهوفاً على خيوط الحلم، وحين فُتحت بوابتها له ، انهمرت في عينيه
الرؤى، استيقظت أشواقه، ولكنه في تناوله لمشاهدها اختلط الحلم الذي شده إليها، برؤى
اليقظة التي تجلت له.
22/1/2010
|
|
Oslo and the end of Palestinian
independence
Joseph Massad*
The Oslo agreement
did not only usher in a new era of Palestinian-Israeli relations but has had a
much more lasting effect in transforming the very language through which these
relations have been governed internationally and the way the Palestinian
leadership viewed them. Not only was the Palestinian vocabulary of liberation,
end of colonialism, resistance, fighting racism, ending Israeli violence and
theft of the land, independence, the right of return, justice and international
law supplanted by new terms like negotiations, agreements, compromise,
pragmatism, security assurances, moderation and recognition, all of which had
been part of Israel's vocabulary before Oslo and remain so, but also Oslo
instituted itself as the language of peace that ipso facto de-legitimises any
attempt to resist it as one that supports war, and dismisses all opponents of
its surrender of Palestinian rights as opponents of peace. Making the language
of surrender of rights the language of peace has also been part of
Israel's strategy before and after
Oslo, and is also the language of US imperial power, in which Arabs and Muslims were
instructed by President Barack Obama in his speech in Cairo last June. Thus the transformation that Oslo
brought about was not only a transformation of language as such, but also of the
Palestinian language and perspective through which the nature of
Palestinian-Israeli relations were viewed by the Palestinian leadership, and
that institutionalised instead the Israeli perspective and Israel's vocabulary
as neutral and objective. What Oslo aimed to do,
therefore, was change the very goal of Palestinian politics from national
independence from Israeli colonialism and occupation to one where Palestinians
become fully dependent for their political and national survival on
Israel and
its sponsors in the interest of peace and security for their occupiers.
The key
transformative formula of the Oslo
agreement enshrined in the Declaration of Principles of 13
September 1993 is "Land for Peace". This detrimental formula to internationally
recognised Palestinian rights remains the guiding and delimiting approach of all
subsequent agreements -- and disagreements -- between the Palestinian Authority
(PA) and successive Israeli governments. This formula alone prejudices the
entire process by presupposing that Israel has "land" which it would be willing to give
to the "Arabs", and that the "Arabs" -- seen as responsible for the state of war
with Israel -- can grant
Israel the
peace for which it has longed for decades. Placing the responsibility of the
Arab-Israeli wars on the "Arabs" is a standard view that is never questioned in
the Western media or by Western governments. The Palestine Liberation
Organisation (PLO) concession, however, has finally ensured that official
Palestinians and other official Arabs, too, will not question it. Despite its
surface appearance as a political compromise, this formula is in fact a
reflection of the racial views characterising (European Jewish) Israelis and
Palestinian and other Arabs. Whereas the Israelis are asked and are ostensibly
(presented as) willing to negotiate about property, the recognised (Western)
bourgeois right par excellence, Palestinians and other Arabs are asked to give
up violence -- or more precisely "their" violent means -- as illegitimate and
attributable only to uncivilised barbarians. The fact that Palestinians have
already given up their rightful claim to 77 per cent of Palestine and were
negotiating about their future sovereignty over a mere 23 per cent of their
homeland did not qualify for a formula of "land for land" on which to base the
"peace process". In fact, the objective formula for any negotiations would be a
"land for peace" formula whereby it is Palestinians who are giving up their
rights to their historic homeland in exchange for an end to Israeli oppression
of -- and colonial violence against -- their people.
The PLO,
Israel, and the Western media hailed
the Oslo agreement as "mutual
recognition". This, however, contradicts the actual words uttered by both
parties, and the projected actions based on these words. Whereas the PLO (which
wrote the first letter) recognised "the right of the state of Israel to exist in
peace and security," the Israeli government, "in response" to Yasser Arafat's
letter, "has decided to recognise the PLO as the representative of the
Palestinian people and commence negotiations with the PLO within the Middle East
peace process." But this is not mutual recognition, as the Israelis did not
recognise the Palestinian people's right to exist in a state of their own in
peace and security as the PLO had done vis-à-vis Israel . Had the PLO only
recognised the Rabin government as the representative of the Israeli people,
without necessarily granting any "right" to the Israeli state to exist in peace
and security, then the PLO's recognition would have been on a par with
Israel 's.
The actual agreement, therefore, did not amount to mutual recognition; rather,
it amounted to the legitimation of the Jewish state by the very people against
whom its racist colonial policies have been -- and continue to be --practised,
with the Israelis committing to nothing substantively new. Granting the PLO
recognition as the representative of the Palestinians (something the majority of
the world -- except the US -- had
recognised since the mid-1970s) committed Israel to no concessions to the Palestinian
people. It committed Israel
only to a scenario whereby since the Israeli government
was inclined to speak to "representatives" of the Palestinians, it would talk to
the PLO, as it now recognised that party as their representative, whereas before
it did not. This is precisely why successive Israeli governments and leaders
have vacillated on whether they would grant the Palestinians the right to
establish an independent state and always refer back to Oslo and subsequent agreements in which they made no
such pledge.
Having exacted a
precious recognition of their legitimacy from their victims, the Israelis moved
forward through the mechanism of the Oslo
peace process to divide the Palestinians into different
groupings, the majority of whom would be expelled outside the peace process. By
transforming the PLO, which represented all Palestinians in the Diaspora and in
Israel and the occupied territories, including East Jerusalem, into the
Palestinian Authority (PA) which could only hope to represent Palestinians of
the West Bank and Gaza, constituting one third of the Palestinian people, the
Oslo agreements engineered a major demographic reduction of the Palestinian
people, dividing them by a factor of three while bringing about a major
demographic expansion of the Jewish population of Israel, multiplying their
number by a factor of three. The insidious part of this process is how the PA,
conscious of this transformation, continues to speak of the "Palestinian
people", which had been reduced through the Oslo Accords to those West Bank and Gaza Palestinians it now claims to represent.
Diaspora Palestinians are simply referred to, in accordance with US and Israeli
parlance, as "refugees", and Israeli Palestinians are referred to by Israeli
diktat as "Israeli Arabs". In doing so, not only has the scope of the
Palestinian leadership and its representative status of the whole Palestinian
people been substantially reduced, but the Palestinian people themselves were
diminished demographically by the PA's appropriation of the designation
"Palestinian people" to refer to a mere third of Palestinians.
In the meantime,
the Oslo process which produced phantom agreements like the Geneva Accords,
among others, has pushed forward the Israeli claim that Palestinians must
recognise Israel's right to exist not only in peace and security but also as a
Jewish state, meaning a state that is racist by law and discriminates by law and
governance against non-Jewish citizens, and one that encompasses not only its
Jewish citizens but Jews everywhere. This is something that has been pushed by
the Clinton, Bush, and more recently the Obama administrations. Indeed Obama
does not miss an opportunity to reiterate his administration's commitment to
force the Palestinians to recognise Israel 's right to be a "Jewish state". While
Israel has no legitimacy and is not
recognised by any international body as a "representative" of Jews worldwide,
but rather as the state of the Israeli people, who are citizens of it, the PLO
and the PA are called upon to recognise Israel 's jurisdiction over world Jewry. As
such, the internationally recognised status of the PLO as the representative of
the Palestinian people has been reduced to one third of Palestinians since Oslo, while the representative status of the Israeli government
has been expanded threefold as recognised by the PA's unofficial representatives
in Geneva . Binyamin Netanyahu
is insistent that no progress will take place in the so-called peace process
unless the Palestinians officially recognise Israel 's right to be a racist Jewish state.
President Obama has also called on all Arabs to ratify this recognition
officially. This has been done despite the fact that the majority of Jews living
outside Israel
are not Israeli citizens and that no bodies
representing them ever endowed the Israeli state with representative powers on
their behalf.
Dividing and
reducing the Palestinian people demographically has gone hand in hand with the
territorial reduction of Palestine, or the parts of it that Israel is willing to
negotiate over after redeploying its colonial occupation army around. Aside from
the removal of the illegally expanded, occupied and colonised East Jerusalem
(now expanded to many times its original size at the expense of West Bank lands)
from the territories over which Israel would negotiate its redeployment, the
West Bank itself has been subdivided into cantons that exclude Jewish colonial
settlements and Jewish-only highways connecting them, as well as imposed nature
reserves, military bases and closed areas. But this is not all. Israel also built the apartheid wall inside
Palestinian land, effectively removing another 10 per cent of the West Bank from the negotiating table and its army
redeployment. Another of the more important measures that the Israeli and
Palestinian architects of the Oslo agreement took in order to guarantee the
structural survival of the Oslo "peace process" was the creation of structures,
institutions and classes that would be directly connected to it, and that can
survive the collapse of the Oslo agreement itself while preserving the "process"
that the agreement generated. This guarantee was enshrined in law and upheld by
international funding predicated on the continuation of the "Oslo process", as long as the latter continued to serve Israeli
and US
interests as well as the interests of the corrupt
Palestinian elite that acquiesced in it.
The five main
classes that the architects of Oslo created to ensure that the "process"
survives are: a political class, divided between those elected to serve the Oslo
process, whether to the Legislative Council or the executive branch (essentially
the position of president of the PA), and those who are appointed to serve those
who are elected, whether in the ministries, or in the presidential office; a
policing class, numbering in the tens of thousands, whose function is to defend
the Oslo process against all Palestinians who try to undermine it. It is divided
into a number of security and intelligence bodies competing with one another,
all vying to prove that they are most adept at neutralising any threat to the
Oslo process. Under Arafat's
authority, members of this class inaugurated their services by shooting and
killing 14 Palestinians they deemed enemies of the "process" in Gaza in 1994 -- an achievement that
earned them the initial respect of the Americans and the Israelis who insisted
that the policing class should use more repression to be most effective. Their
performance last summer in Jenin of killing Hamas members and unaffiliated
bystanders to impress President Obama who asked the Palestinian leadership to
keep their security part of the deal is the most recent example of this
function.
Also: a
bureaucratic class attached to the political class and the policing class and
that constitutes an administrative body of tens of thousands who execute the
orders of those elected and appointed to serve the "process"; an NGO class:
another bureaucratic and technical class whose finances fully depend on their
serving the Oslo process and ensuring its success through planning and services;
and, a business class composed of expatriate Palestinian businessmen as well as
local businessmen -- including especially members of the political, policing and
bureaucratic classes -- whose income is derived from financial investment in the
Oslo process and from profit-making deals that the PA can make possible. While
the NGO class mostly does not receive money from the PA, being the beneficiary
of foreign governmental and non- governmental financial largesse that is
structurally connected to the Oslo
process, the political, policing, and bureaucratic classes
receive all their legitimate and illegitimate income from the PA directly.
By linking the
livelihoods of hundreds of thousands of Palestinians to the Oslo process, the architects had given
them a crucial stake in its survivability, even and especially if it failed to
produce any political results. For the Palestinian elite that took charge of the
PA, the main task all along was to ensure that the Oslo process continues and that the elite remain in
control of all the institutions that guarantee the survival of the "process".
What the elite did not anticipate was that they could lose control to Hamas, a
public opponent of the Oslo
process that in accordance with expectations had boycotted the
1994 gerrymandered and Fatah- controlled elections. The 2006 elections, which
Fatah was confident it would win, constituted an earthquake that could destroy
all these structural guarantees and with them the "process" they were designed
to protect. Hence the panic of the Americans who engineered the coup with the
aid of Israel and PA security under Mohamed Dahlan to topple the Hamas
government, which included kidnapping its members of parliament, government
ministers, and politicians and holding them hostage in Israeli jails, and
finally staging a violent takeover of Gaza that backfired. All attempts since
the American failed coup in Gaza
have focussed on perpetuating the peace process through
maintenance of its structures under PA control and away from the democratically
elected Hamas.
Indeed, the
destruction of Palestinian democracy was a necessary price to pay, insisted
Israel and
the Americans, pushed forward by the military efforts of Lieutenant General
Keith Dayton. This situation became possible because of the funding strategy of
the US, Israel and Arab oil
producing states towards the Palestinian struggle. The story of the Palestinian
national movement can only be told through the ways and means that different
Arab and non-Arab governments have tried to control it. While the PLO was
established and controlled principally by the regime of Gamal Abdel-Nasser, the
1967 defeat weakened that arrangement leading to the revolutionary guerrillas
takeover of the organisation in 1969. With Fatah and the leftist Palestinian
guerrillas at the helm, the revolutionary potential of the PLO constituted such
a threat that it precipitated an all-out war in Jordan in 1970, a situation that powerful and
repressive Arab regimes did not want to see repeated. It is in this context that
Arab oil money (from Saudi Arabia, Kuwait, Libya, the United Arab Emirates and
Iraq) began to pour into the coffers of the PLO, primarily to ensure that it
would not encourage revolutionary change in Arab countries and that insofar as
it did not compromise Arab regime interests its weapons should only be directed
towards Israel. The Lebanese civil war and the PLO role in it in the second half
of the 1970s remained a problem but, as far as they were concerned, it was a
problem that Arab regimes were able to contain.
With the onset of
the 1980s and the military defeat of the PLO in 1982 in Beirut,
Arab funding for the PLO was no longer conditioned on its not turning its
weapons against them only, but that the organisation would also no longer target
Israel . The
various attempts at agreements between the PLO and King Hussein in the mid-
1980s were part of that plan. With continued Israeli and US refusal to deal with the PLO no matter how much
its policy and ideology had changed, the situation remained frozen until the
first Palestinian uprising in 1987 gave the PLO the bargaining opportunity to
lay down its weapons against Israel
. The formalisation of this transformation took place
in Algiers in 1988 and later at
the Madrid Peace Conference in 1991.
As oil funding
dried up after the Gulf War of 1990-91, the PLO needed new funders. Enter the
United States and its allies whose
terms did not only include the Oslo
agreement but also that the newly created and Fatah-controlled PA
be indeed armed but that its weapons should have a new target: the Palestinian
people themselves. The PA obliged and continued to receive its funding until the
second Intifada when, contra their raison d'être, some of its security forces
did engage the Israelis in gunfire when the Israelis attacked Palestinians.
Funding was intermittently stopped, Arafat was placed under house arrest, and
the Israelis reinvaded. A resumption of steady funding continued after Arafat's
death conditional upon Mahmoud Abbas's "seriousness" in pointing Palestinian
guns at the Palestinians themselves, which he and the PA's thuggish security
apparatuses have done. However, they have not been as effective as the
US and Israel had wished, which is why General Dayton is
assuming full control of the military situation on the ground in order to
"assist" the Palestinians to deliver their peace part of the bargain to
Israel .
Note that
throughout the last 16 years, Israeli leaders have consistently said, in line
with the formula of land for peace, that they want and seek peace with the
Palestinians, but not the establishment of a Palestinian state, nor in order to
ensure the Palestinians' right to self- determination. Indeed, not only has
Israel multiplied the number of settlements and more than doubled the Jewish
colonial settler population of the West Bank and East Jerusalem, chipping away
at more of the land that was said to be under negotiations, it has done so while
consistently exacting more Palestinian concessions to ensure Israeli "security"
in order for the Palestinians to give Israel the "peace" on which the formula of
"land for peace" is based. The Americans and the Europeans have also insisted
that the Palestinians must give Israel peace before it can decide which lands
to give them back and under whichever arrangement it finds most ensuring of this
"peace". Therefore, what land for peace -- despite or because of its
definitional prejudice against the Palestinian people -- has brought about is a
perpetual deferment of the return of land with insistent demands of advance
payments on the peace the Palestinians must deliver. While the redeployment
around Gaza and laying siege to its population, starving and bombarding them, is
marketed as Israel's compromising by returning land, the reality remains that
the Gaza Strip has been transformed from a prison policed by the Israelis into a
concentration camp guarded and surrounded by them from the outside with
infiltration inside as the need arises, as it did last winter.
Ultimately then,
what the Oslo agreement and the process it generated have achieved is a
foreclosure of any real or imagined future independence of the Palestinian
leadership, or even national independence for one third of the Palestinians in
the West Bank and Gaza who are, at any rate, the only Palestinians that the Oslo
agreement claims to want to help achieve it. By mortgaging the Palestinian
leadership to US and Israeli sponsorship, by creating and maintaining
administrative, legal and financial structures that will ensure this dependence,
Oslo has been what it was designed to be from the start: the mechanism of ending
the Palestinian quest to end Israeli colonialism and occupation, and the
legitimation of Israel's racist nature by the very people over whom it exercises
its colonial and racist dominion. Anyone who questions these strictures can be
fought with the ideological weapon of pragmatism. Opposing Oslo makes one a utopian extremist and
rejectionist, while participating in its structure makes one a pragmatist
moderate person working for peace. The most effective ideological weapon that
Oslo has deployed since 1993 is
precisely that anyone who opposes its full surrender of Palestinian national
rights is a proponent of war and an opponent of peace. In short, the goal of the
Oslo process, which has been reached with much success,
is not the establishment of Palestinian independence from Israel 's illegal
occupation, but rather to end Palestinian independence as a future goal and as a
current reality. Seen from this angle, Oslo
continues to be a resounding success.
Al-Ahram
Weekly
* The writer
teaches modern Arab politics and intellectual history at Columbia University.
This is the text of a speech he delivered at a conference in Oslo in 2009.
Reflections of Fidel Castro
TWO days ago, at
almost six o’clock in the evening Cuban time and when, given its geographical
location, night had already fallen in Haiti, television stations began to broadcast the
news that a violent earthquake – measuring 7.3 on the Richter scale – had
severely struck Port-au-Prince .
The seismic phenomenon originated from a tectonic fault located in the sea just
15
kilometers from the Haitian capital, a city where 80% of the
population inhabit fragile homes built of adobe and mud.
The news continued
almost without interruption for hours. There was no footage, but it was
confirmed that many public buildings, hospitals, schools and more
solidly-constructed facilities were reported collapsed. I have read that an
earthquake of the magnitude of 7.3 is equivalent to the energy released by an
explosion of 400,000 tons of TNT.
Tragic descriptions
were transmitted. Wounded people in the streets were crying out for medical
help, surrounded by ruins under which their relatives were buried. No one,
however, was able to broadcast a single image for several hours.
The news took all
of us by surprise. Many of us have frequently heard about hurricanes and severe
flooding in Haiti
, but were not aware of the fact that this neighboring
country ran the risk of a massive earthquake. It has come to light on this
occasion that 200 years ago, a massive earthquake similarly affected this city,
which would have been the home of just a few thousand inhabitants at that
time.
At midnight, there
was still no mention of an approximate figure in terms of victims. High-ranking
United Nations officials and several heads of government discussed the moving
events and announced that they would send emergency brigades to help. Given that
MINUSTAH (United Stabilization Mission in Haiti ) troops are deployed there – UN forces
from various countries – some defense ministers were talking about possible
casualties among their personnel.
It was only
yesterday, Wednesday morning, when the sad news began to arrive of enormous
human losses among the population, and even institutions such as the United
Nations mentioned that some of their buildings in that country had collapsed, a
word that does not say anything in itself but could mean a lot.
For hours,
increasingly more traumatic news continued to arrive about the situation in this
sister nation. Figures related to the number of fatal victims were discussed,
which fluctuated, according to various versions, between 30,000 and 100,000. The
images are devastating; it is evident that the catastrophic event has been given
widespread coverage around the world, and many governments, sincerely moved by
the disaster, are making efforts to cooperate according to their resources.
The tragedy has
genuinely moved a significant number of people, particularly those in which that
quality is innate. But perhaps very few of them have stopped to consider why
Haiti is
such a poor country. Why does almost 50% of its population depend on family
remittances sent from abroad? Why not analyze the realities that led
Haiti to its
current situation and this enormous suffering as well?
The most curious
aspect of this story is that no one has said a single word to recall the fact
that Haiti was the first country in which 400,000 Africans, enslaved and
trafficked by Europeans, rose up against 30,000 white slave masters on the sugar
and coffee plantations, thus undertaking the first great social revolution in
our hemisphere. Pages of insurmountable glory were written there. Napoleon’s
most eminent general was defeated there. Haiti is the net product of colonialism and
imperialism, of more than one century of the employment of its human resources
in the toughest forms of work, of military interventions and the extraction of
its natural resources.
This historic
oversight would not be so serious if it were not for the real fact that
Haiti
constitutes the disgrace of our era, in a world where
the exploitation and pillage of the vast majority of the planet’s inhabitants
prevails.
Billions of people
in Latin American, Africa and Asia are suffering similar shortages although
perhaps not to such a degree as in the case of Haiti .
Situations like
that of that country should not exist in any part of the planet, where tens of
thousands of cities and towns abound in similar or worse conditions, by virtue
of an unjust international economic and political order imposed on the world.
The world population is not only threatened by natural disasters such as that of
Haiti, which is a just a pallid shadow of what could take place in the planet as
a result of climate change, which really was the object of ridicule, derision,
and deception in Copenhagen.
It is only just to
say to all the countries and institutions that have lost citizens or personnel
because of the natural disaster in Haiti : we do not doubt that in this case,
the greatest effort will be made to save human lives and alleviate the pain of
this long-suffering people. We cannot blame them for the natural phenomenon that
has taken place there, even if we do not agree with the policy adopted with
Haiti .
But I have to
express the opinion that it is now time to look for real and lasting solutions
for that sister nation.
In the field of
healthcare and other areas, Cuba
– despite being a poor and blockaded country – has been
cooperating with the Haitian people for many years. Around 400 doctors and
healthcare experts are offering their services free of charge to the Haitian
people. Our doctors are working every day in 227 of the country’s 337 communes.
On the other hand, at least 400 young Haitians have trained as doctors in our
homeland. They will now work with the reinforcement brigade which traveled there
yesterday to save lives in this critical situation. Thus, without any special
effort being made, up to 1,000 doctors and healthcare experts can be mobilized,
almost all of whom are already there willing to cooperate with any other state
that wishes to save the lives of the Haitian people and rehabilitate the
injured.
Another significant
number of young Haitians are currently studying medicine in Cuba .
We are also
cooperating with the Haitian people in other areas within our reach. However,
there can be no other form of cooperation worthy of being described as such than
fighting in the field of ideas and political action in order to put an end to
the limitless tragedy suffered by a large number of nations such as
Haiti .
The head of our
medical brigade reported: "The situation is difficult, but we have already
started saving lives." He made that statement in a succinct message hours after
his arrival yesterday in Port-au-Prince
with additional medical reinforcements.
Later that night,
he reported that Cuban doctors and ELAM ’s Haitian graduates were being deployed
throughout the country. They had already seen more than 1,000 patients in Port-au-Prince , immediately
establishing and putting into operation a hospital that had not collapsed and
using field hospitals where necessary. They were preparing to swiftly set up
other centers for emergency care.
We feel a wholesome
pride for the cooperation that, in these tragic instances, Cuba doctors and young Haitian doctors who trained in
Cuba are offering our brothers and
sisters in Haiti
!
Granma
|
|
الشرق
والغرب فضاءان ذهنيان
خوان
غويتسولو
05/02/2010
ترجمة: عبد
اللطيف البازي
(نشر النص
بالاسبانية، في 8 كانون الثاني / يناير 2010)
دأب المركز الثقافي ' الأندلس' بمدينة مارتيل - شمال المغرب- في إطار
مشروع مدرسة المواطنة على تنظيم ندوة كل ثلاثة أشهر وذلك بدعوة أديب من بلد ما
ليتحدث انطلاقا من منظوره الخاص عن علاقة الشرق بالغرب. استضاف المركز في 14 من
كانون الثاني ( يناير) الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو، الذي ألقى محاضرة تحت
عنوان: ( الشرق والغرب فضاءان ذهنيان).' كل من يكتب عن الشرق ينبغي
عليه أن يحدد موقعه إزاء هذا الشرق' إدوارد سعيد.
منذ بضع سنوات، وبينما كنت أحتسي كأس قهوة في ساحة جامع الفناء بمراكش،
حيتني سائحة فرنسية وهي تقترب مني، قبل أن تعبر لي عن تأثرها البليغ بتواجدها في
الشرق. الشرق؟ نعم، البازارات، الأسواق، روائح البهارات، ما يشبه حكاية شرقية، أليس
كذلك؟ لم تكن لدي لا الشجاعة ولا ما يكفي من الصبر لأقول لها إن الشرق والغرب،
باعتبارهما فضاءين ذهنيين في متخيلنا الجمعي، لا يحيلان على حقيقة جغرافية.
فالمغرب، بالنسبة إلى العرب، هو المغرب الأقصى، هكذا، شيء بعيد وغرائبي، كما كانت
دمشق والقاهرة بالنسبة إلينا قبل ظهور الطائرات ذات التكلفة المنخفضة. إن الحديث
بلغة سياسية معاصرة عن الشرق والغرب يعني استعمال كناية: فالأخير يحيل على أوروبا
والعالم الأمريكي الذي خلقته، بينما يحيل الثاني على الإسلام. يتعلق الأمر بكلمتين
متضادتين منذ قرون. وكونهما في حالة مواجهة لا يمكن تفاديها، على ما يبدو، يجسد
للبعض صراع الحضارات الشهير الذي أسال الكثير من المداد منذ أواسط العقد المنصرم،
خاصة بعد تفجيرات 11 أيلول ( سبتمبر). وبينما كان الإسلام يعتبر حاجزا لسد الطريق
أمام التوسع السوفييتي، سيتحول من جديد إلى رمز للبربرية. وهكذا، مع موت الشيوعية،
سيبرز الإسلام من جديد. فبعد استراحة قصيرة مردها إلى سقوط جدار برلين، الذي جعلنا
نحلم بنهاية التاريخ، سوف تستعيد لغة الحرب الباردة هذه حضورها في المحيط السياسي -
الديني خلال الفترة الرئاسية الإمبراطورية لجورج بوش الابن: الدفاع عن الديمقراطية
والحريات في مواجهة الإيديولوجية الشمولية التي تستعمل الإرهاب سلاحا من أجل الدمار
الشامل.
إن التطرف الجذري لابن لادن، والذي يوجهه أساسا ضد أولئك المسلمين
أنفسهم الذين لا يتبنون تصوره للجهاد، يوجهه بعد ذلك ضد من يسميهم ' الصهاينة
والصليبيين'، بينما سيفرض الرئيس الأمريكي السابق ومن معه تصورا ذا طبيعة نقيضة لا
يشمل جماعات القاعدة المتخفية فقط، ولكن شركاءها المحتملين أيضا: صدام حسين وإيران
التي يحكمها آيات الله، المندرجون ضمن محور غير عملي، تمت صياغته بشكل غير متقن، هو
محور الشر. أما التمييز بين مسلم وإسلامي وجهادي، فقد تم اختلاقه من طرف دعاة
تلفزيين وقساوسة عسكريين متنكرين في هيئة مستشارين سياسيين. هكذا تم تقديم صدام
الحضارات ما بين الدول الديمقراطية المنتمية إلى التحالف الأطلسي وبين تلك المقتنعة
بالإسلام، ما بين كتائب الحرية وبين القوى الظلامية القامعة. ومثل هذا التصور ما
كان بإمكانه أن يؤدي إلا إلى الكارثة التي لا نزال نعاني من مضاعفاتها إلى اليوم.
هكذا كنا شهودا، انطلاقا من 11 أيلول ( سبتمبر)، على حربين خلفتا الكثير من
الضحايا: واحدة بتفويض من المنتظم الدولي، مع سوء في التصور وسوء أكبر في التنفيذ،
وهي تلك التي تجري أطوارها في أفغانستان. والحرب الثانية التي هي حرب العراق، وهي
نتاج جشع وسلسلة من الأكاذيب المكسوة بوطنية زائفة. أما مكتسباتها السياسية فلا
يمكنها تعويض التدمير الذي لحق بالبنيات التحتية والمواجهات بين مكوناتها الإثنية ـ
الدينية الثلاثة ( دون إغفال اضطهاد الأقلية المسيحية التي عاشت دوما هناك) ولا
العدد المرتفع للضحايا ( بمن فيهم الأمريكيون).
ولقد صاحبت هاتين الحربين آلات ضخمة للدعاية، تعتمد على خلط الأوراق
ومعاملة الجزء على أنه كل. إن تنوع الأوضاع والثقافات والتقاليد الدينية الموجودة
في المجال الإسلامي هو من الغنى والتعقيد، مثلما هي حالة المسيحية كذلك، غير أنه لا
شيء من هذا كان يهم البنتاغون أو البيت الأبيض. فكل ما كان يستجيب لمصالح طاقية،
ولاستراتيجية أحادية الجانب هدفها تقوية موقع القوة الأولى في الكرة الأرضية، تحول
إلى مهمة عنوانها ' إيصال الحضارة'، كما في زمن الاستعمار الأوروبي. ومن خلال الفشل
المدوي لذلك الهدف المرسوم، يتبين إلى أي حد كان هؤلاء يسيرون في الاتجاه الخاطئ.
وبينما يتم النظر بنوع من المسافة وبرفق وتسامح إلى مختلف المعتقدات والأنظمة
الدينية بالفضاء الآسيوي: الكونفوشية، الإبراهيمية، البوذية، إلخ، فإن الإسلام، كما
أشار إلى ذلك في حينه المؤرخ التونسي الكبير هشام جعيط، يجسد عقيدة أقرب إلى
الغربيين وإن كان يصعب عليهم، في نفس الآن، تمثلها. وقد كان النزوع التوسعي لهذه
العقيدة مدعاة قلق بالنسبة إلينا، لأننا كنا نرى فيها انعكاسا لصورنا. وإذا كانت
هنالك فترات من السلم، أو على الأقل من التوازن، بين هاتين القطعتين المشكلتين من
أثواب مختلفة الألوان، واللتين ندعوهما المسيحية والإسلام، فإن الذكرى التي هيمنت
على متخيل كلا الطرفين هي التي تظهر فيها الغزوات والانتصارات والهزائم والحروب
الصليبية وحروب أخرى مقدسة. كل هذا التاريخ من الصراع الطويل والمشترك، المليء
بتغير المواقع والاهتزازات، انتهى منذ ما يزيد عن قرن بالانتصار التام للقوى
الأوروبية: سقوط الإمبراطورية العثمانية، إلغاء النظام الخليفي، احتلال الضفة
الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط من مضيق جبل طارق إلى تركيا. في حين أن دولة أتاتورك
العلمانية وتمرد عبد الكريم الخطابي بالريف كانا مؤشرين واضحين على أن مرحلة
تاريخية جديدة تتخلق. وهو ما أكدته الوقائع بعد ثلاثة عقود من ذلك. كل هذا يبدو
الآن بعيدا. لكن، علينا أن نمسك بالماضي لنفهم الحاضر، وألا نكرر أخطاء سابقة.
ينبغي أن نفسر يوما ما لماذا وكيف سقطت الحركات التحررية في العالم العربي الواحدة
تلو الأخرى بين أيدي دكتاتوريين أو تحت ثقل أنظمة ملكية، من المغرب حتى العراق، إلى
حد يصعب معه التمييز بين السلالات الجمهورية المحدثة منذ ستينيات وسبعينيات القرن
الماضي في البلدان المغاربية وبلدان الشرق الأوسط، مع أن تلك الحركات التحررية كانت
لها منطلقات علمانية وطموحات ديمقراطية. وفي الوقت الذي أصبحت فيه بلاغة الجامعة
العربية بمثابة نكتة سمجة ( يكفي التذكير بالفرجة التي قدمتها خلال الغزو
الإسرائيلي لغزة) فإن عودة الدين، سواء في المجال العمومي أو المجال الخصوصي، تكشف
مدى عجز الشعوب ودرجة نفورها من السياسة، بما يؤذي القيم الديمقراطية ويمس حقوق
المرأة في المنطقة. تحدثت عن إتلاف تراث شخصيات تزعمت حركات التحرير العربية ـ
قومية وعلمانية وديمقراطية- شخصيات وحركات مضطهدة من طرف من يزعمون نقل الحضارة
الأوربية، أو من طرف أنظمة ملكية أو أشباهها في مرحلة لاحقة. وفي الوقت الذي تلقى
فيه الإصلاحيون والمنشقون عن الحرب الشيوعي السوفييتي الدعم المادي والمعنوي من
الغرب خلال الحرب الباردة، فقد تم التخلي عن تلك الحركات المنتمية إلى البلدان
العربية بنوع صريح من اللامبالاة، أو بحد أدنى من التواطؤ. وكانت المصالح
الاقتصادية والاستراتيجية لإنكلترا وفرنسا ذات أولوية على حساب القيم التي تم
الدفاع عنها في ما قبل. وفي الأخير، كانت نتيجة كل هذا كارثية. والإحصائيات
المتعلقة بالوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي تحدثنا عن
ذلك. وسأسمح لنفسي بأن استشهد بمقطع من أحد هذه الإحصائيات، اطلعت عليه منذ مدة،
وربما صار في حاجة إلى بعض التحيين، ويتعلق الأمر بإحصائيات تهم مجموع الفضاء
الإسلامي:
( في العالم الإسلامي، القدرة الاستهلاكية للفرد تقارب 3700 دولار مقابل
28.000 دولار في البلدان المتقدمة. ومجموع الإنتاج الداخلي الخام للدول الإسلامية
هو أقل من الإنتاج الداخلي لألمانيا. أما الإنتاج الداخلي الخام لمجموع العالم
العربي فهو بالكاد أعلى من نظيره في اسبانيا. و 47 في المئة من المسلمين أميون
عاجزون عن القراءة والكتابة ولم يتابعوا قط دراسة منظمة. لذا، فإن هنالك أزمة معرفة
واضحة. فالعربية هي لغة ما يقارب ثلاثمئة مليون فرد، بينما ينشر سنويا عدد أكبر
باليونانية منه بالعربية، رغم أن اليونانية يتواصل بها 15 مليون نسمة فقط. وفي
العالم الإسلامي، تبقى هنالك فقط 500 جامعة، مقارنة مع 5 آلاف جامعة، تلك المتواجدة
بالولايات المتحدة الأمريكية... الخ'.
إن هذا العرض المقتضب للوقائع لبالغ الدلالة. واللاتوازن الصارخ الموجود
بين أوروبا والدول العربية الإسلامية لا يرجع فقط إلى عوامل ذات طبيعة دينية، أو
إلى مجرد أنه قد تم إشهار سور من القرآن تبرز العنف، بل مرده إلى عوامل اجتماعية
وسياسية وثقافية يتم كساؤها بغطاء الكتاب المقدس. عوامل وجب علينا تحليلها بتمعن،
لتوجيه علاقتنا مع العرب والمسلمين في المستقبل. وعلينا ألا نثقل كاهلنا بتحمل كل
المسؤولية، فمسؤولياتهم هي بنفس خطورة مسؤولياتنا.
إن السلطة الاجتماعية المتنامية للقوى المحافظة والتقليدية المتشبثة
بتأويل جامد لنصوص الوحي، وبالدفاع عن قوانين وأعراف تنتمي إلى مرحلة ولت، خاصة في
ما يتعلق بوضع المرأة، هي نتيجة الإحباط المتراكم خلال عقود إزاء ارتشاء النخب
الحاكمة والديكتاتوريات التي تخلد في الحكم. والمهازل الانتخابية التي تتكرر في
جميع الدول العربية لا تستطيع الوقوف في وجه انتشار التيار الإسلامي بل هي، وعلى
العكس من ذلك، إنما تقوم بتقويته، وتجعل منه بديلا منتظرا. وفي الفضاء الواسع
للإسلام، من دولة إلى أخرى، يتغير ميزان القوى المؤطر للعلاقات بين السلطة، التي
تعمد إلى هذا القدر أو ذاك من القمع، وبين المجتمع المدني المحاصر: من الغياب شبه
التام لهذا المجتمع المدني، إلى صراع يتطلب قدرا كبيرا من الجهد من طرف أقليات لا
تخاف المواجهة، وتطالب بقيم مدنية نتقاسمها، بعيدا عن المجال الديني، ومن غير أن
تتعارض معه. هذا الترابط لا يقدم نفسه في المغرب كما يقدمها في مصر، وليس هو نفسه
في دولة علمانية مثل تركيا أو في بلد بالغ التعقيد، ذي ثقافة غنية ومتناقضة
كالجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ما كل شيء معتم في كوكبنا المعولم هذا. وتراجع القيم الديمقراطية في دار
الإسلام يمكن الحد منه. فالإصلاحيون موجودون، وهم يُسمعون أصواتهم: أعرفهم وتحادثت
معهم، سواء في إيران أو في الشرق الأوسط أو في المغرب العربي. هم ديمقراطيون
ومسلمون في نفس الآن. وهم، من خلال النموذج الذي يمثلونه، يفندون فكرة صدام
الحضارات، ويطالبون بالحقوق التي أقرها ميثاق الأمم المتحدة ويؤطرون جمعيات تضطلع
فيه النساء بدور حيوي. كما أنهم، رجالا ونساء، يبحثون عن تحالف وتفاهم مع جهات
يشتركون معها في تبني نفس القيم، دون أن تؤثر فيهم عدوانية مواطنيهم أو تراخيهم.
وفي مواجهة بلاغة الحرب على الإرهاب والبيانات الملتهبة للقاعدة والجمود المخطط له
للحكومات، ينتظرون، بكل ثقة، تغير السياسة الأوروبية والأمريكية.
سيكون من المؤسف أن تختزل الكلمات الطيبة لأوباما في خطاباته بأنقرة
والقاهرة في مجرد كلمات طيبة، فقط، إزاء التعنت الأعمى للحكومة الإسرائيلية في
الأراضي المحتلة لفلسطين، والورطة الأفغانية، وسياسة الرعب التي تخص بها دلهي
الجديدة إقليم كاشمير، والقمع والتحدي النووي الإيرانيين، والعديد من الأمثلة
الأخرى. ومع كل هذا، فالاقتناع بأن القوة لوحدها لا يمكنها أن تحل المشاكل، ولا هي
بالبديل الأمثل للتطرف، خطوة سديدة في الاتجاه السديد.
|
البدء
بتوسيع مستوطنة معاليه ادوميم فضيحة لأنه يمنع التواصل بين شمالي الضفة
وجنوبها ويجعل الدولة الفلسطينية المرتقبة مقطعة الأوصال
محطة الشرطة تبنى بتمويل جمعية يمينية
أوري مسغاف
22/01/2010
على رأس التلة المرتفعة ينتصب المبنى مثل قصر
استعماري أقيم في العالم الثالث. من حوله مناطق رعي شحيحة تعود لقرى المنطقة وقطيع
من الاغنام الباحثة عن الاعشاب وراعيين فلسطينيين ينظران بارتياب. كما أن الظبي ذو
القرون الحادة العابر في مسار السفر يلقي نظرة فزعة ويفر هاربا.
أهلا بالقادمين الى مقر لواء يهودا والسامرة في
شرطة اسرائيل.
الطريق يصعد لاعلى التلة. تتكشف أمام الأعين بنية
تحتية لبناء يبعث على الاعجاب: مناطق مرصوفة وحواش ٍ مزينة بالصخور وساحات المرور
وحواجز أمنية وأعمدة كهرباء واضاءة. لافتات كبيرة تعود لبلدية معاليه ادوميم
المجاورة توجه المسافر نحو 'مباسريت ادوميم' الحي السكني الذي ما زال حتى اليوم
وهميا. تمت المصادقة على اقامة هذا الحي من قبل حكومة شارون في عام 2004 ولكن
المشروع فرمل بسرعة بضغط امريكي. ان اقيم هذا الحي فسيشمل 3900 وحدة سكنية. حتى
الان لم يصدر ترخيص البدء في البناء. جسر جديد واسع سيربط معاليه ادوميم بالحي
الجديد قد أقيم في الوقت الحالي وهو منتصب على الارض. هذا الجسر مغلق امام حركة
المرور حاليا.
اقامة
المقر الجديد لشرطة لواء يهودا والسامرة بدأت في 2005 وانتهت في عام 2008. هذا
المبنى يقع في المنطقة المسماة E-1التي تعتبر نقطة اختلاف دراماتيكية جدا بين اسرائيل
والسلطة الفلسطينية والوسيط الامريكي. بناء هذا المقر من قبل حكومة اسرائيل اعتبر
خرقا فظا للوضع السياسي القائم وقد أثار انتقادات حادة جدا. محكمة العدل العليا
كانت قد تداولت بدعوى قضائية قدمها مواطنون فلسطينيون ومنظمات حقوق الانسان بصدد
مصادرات الاراضي المطلوبة من اجل البناء وقد تم رد الدعوى. الا ان هذا ما هو الا
طرف كتلة الجليد الضخمة فقط كما يتبين.
التحقيق الصحافي الحالي يكشف النقاب عن حقائق
مفاجئة جدا بصدد تمويل بناء المقر الجديد لشرطة اسرائيل. وفقا للنتائج التي توصلنا
اليها قامت ميزانية الدولة بتمويل جزء صغير فقط من المشروع اما الجزء الاعظم فقد
مول من قبل جهتين خصوصيتين مع ميول سياسي: وقف الطائفة البخارية وشركة 'كيرن شليم
محدودة الضمان' ـ وهي شركة تابعة لجمعية متفرعة عن جمعية العاد المقدسية.
تمويل البناء من قبل وقف الطائفة البخارية تم في
وضح النهار في اطار اتفاق تضمن اخلاء مقر الشرطة القديم في حي راس العامود في شرقي
القدس وتسليمه للطائفة البخارية التي كانت تمتلكه قبل حرب 1948. مقابل اعادة هذا
العقار مول الوقف البخاري جزءا من اعمال البناء في المقر الجديد.
خلال المداولات في محكمة العدل العليا ادعت الدولة
بأنه لم يتم استلام أموال من منظمات وهيئات خصوصية اخرى من اجل تمويل اعمال البناء
وان وقف الطائفة البخارية تحمل عبء التمويل وحده. الا ان التحقق المعمق الذي اجراه
المحاسب العام في وزارة المالية يبرهن على ان شركة خاصة اسمها 'كيرن شليم م.ض' قد
مولت اقامة المقر الجديد للشرطة والبنية التحتية المحيطة به بملايين الشواقل.
'كيرن شليم م.ض' هي شركة متفرعة عن جمعية 'كيرن
شليم يروشلايم' وهي جمعية متفرعة عن جمعية العاد (اختصار لاسم مدينة داود) التي
تعتبر احدى الجمعيات اليمينية القوية والثرية جدا التي اشتهرت بنشاطاتها المحمومة
في البلدة القديمة وفي شرقي القدس. جمعية العاد هذه والطائفة البخارية ضالعتان في
السياق في خطوات وأعمال تهدف الى تعزيز وتكريس الجيوب اليهودية في منطقة جبل
الزيتون احدى مناطق النزاع الساخنة في القدس.
مسار التمويل ومصادره التي تكشف الان لاول مرة تطرح
اسئلة صعبة. لماذا تحتاج شرطة اسرائيل لتمويل خارجي لمحطة شرطة تابعة لها؟ وهل يعقل
ان يتم بناء مقر لواء الشرطة الذي تتم كل اعماله الشرطية في مناطق الضفة الغربية
بتمويل من جهات ذات مصالح سياسية صارخة؟ وهل يعقل ان يتم تمويل بناء مقر لواء شرطية
بمنطقة مختلف عليها سياسيا من قبل جهات ذات مصالح سياسية صارخة؟
'هذه فضيحة' يدعي ياريف اوفنهايمر سكرتير حركة
السلام الان. 'منذ متى تقوم جمعية خصوصية بتمويل شرطة اسرائيل وبناء محطة شرطة
واحدة لتحصل في المقابل على محطة اخرى؟ وكل هذا يحدث في المناطق الاكثر انفجارا في
الشرق الاوسط من اجل تكريس وفرض الحقائق المؤثرة على مصير الدولة كلها والصراع
الاسرائيلي ـ الفلسطيني.
تمويل من 'جهات خارجية'
1ـE هي منطقة تمتد بين القدس
الشرقية وبين المستوطنة الكبيرة معاليه ادوميم. هذه مساحة غير كبيرة الا ان نظرة
خاطفة على الخارطة توضح اهميتها الحاسمة. ان استوطنت اسرائيل فيها كتوسيع لمساحة
معاليه ادوميم فلن يكون هناك مجال لتواصل اقليمي جغرافي بين شمالي الضفة وجنوبها:
الدولة الفلسطينية المستقبلية ستكون مقطعة الاوصال وحركة الفلسطينيين الحرة فوق
اراضيها يمكن ان تتم هذا ان تسنى ذلك فقط عبر طريق التفافي من غور الاردن. هذا هو
السبب الذي يدفع الفلسطينيين للقول بأن هذا مشروع لن يمر الا على اجسادهم.
والامريكيون بدورهم حظروا على اسرائيل بصورة مشددة البناء في المنطقة. مقر شرطة
يهودا والسامرة الجديد يعتبر الخرق الوحيد المسجل في هذا التوازن حتى الان.
في ميزانية وزارة الامن الداخلي للسنوات 2006 -
2007 يظهر في الصفحة 55 بند بناء مقر لواء يهودا والسامرة بقيمة 60 مليون شيكل. في
بند الهوامش والملاحظات سجل: '9 ملايين شيكل من ميزانية الامن الداخلي والباقي من
جهات خارجية' ولكن من هي هذه 'الجهات الخارجية' المجهولة؟
والمقر القديم كان في حي راس العامود في مبنى كانت
الطائفة البخارية تمتلكه قبل عام 1948 وبقي ضمن المنطقة الاردنية بعد الحرب. تسلسل
الاحداث ورد في رد وزارة الامن الداخلي الذي ارسل الى ملحق 'يديعوت احرونوت': 'مع
سيطرة اسرائيل مجددا على المنطقة سجلت الدولة كمالكة لهذا العقار. اللجنة البخارية
قدمت دعوى بصدد مصادرة العقار فقررت المحكمة الزام الدولة بتعويض اللجنة عن هذه
الارض الا ان اتفاق التسوية هذا لم ينفذ.
'وبما أن اللجنة تستحق امتلاك العقار واستعادة
ممتلكاتها وفقا للقانون فقد طلبت تجسيد هذا الحق ووقع اتفاق في عام 2005 بين اراضي
ادارة اسرائيل وبين اللجنة وافقت الادارة في اطاره على طلب اللجنة استعادة العقار
مقابل موافقتها على بناء بديل للدولة، اي ان اللجنة تقوم باعمال البناء لصالح شرطة
اسرائيل كبديل عن المباني الواقعة في راس العامود في المقر القديم.
'البناء
تم فوق الارض التي خصصت للشرطة من اجل هذا الغرض من قبل
ادارة اراضي اسرائيل في المنطقة E-1اللجنة نفذت البناء بحجم المباني التي كانت قائمة فوق الارض
المصادرة بينما نفذت الشرطة الجزء الاخر من البناء لان المقر الجديد للشرطة اكبر من
المباني التي تم اخلاؤها في راس العامود'.
بين قادة الطائفة البخارية تبرز عدة وجوه معروفة.
المليونير ليف لافيف مثلا. في ميزانية الدولة لعام 2008 ذكر اسم لافيف كمتبرع
بمليون شيكل لمشروع اعمار المقبرة اليهودية القديمة في جبل الزيتون. لافيف ظهر في
السابق في عدة مناسبات لجمعية العاد التي تمول من ميزانيتها موارد كثيرة في منطقة
جبل الزيتون وفي مشاريع اخرى لتعزيز السيطرة اليهودية والهوية اليهودية في شرقي
القدس.
كما يحسب
على قادة الطائفة ابناء عائلة بن دافيد الذين كانوا يمتلكون في السابق الفندق
الاكبر في غوش قطيف. كما ان لهذه العائلة صلة قوية بجمعية العاد. احد الاشقاء ايتان
بن دافيد هو من مؤسسي هذه الجمعية. الاخ الاخر رامي بن دافيد اشترى من اجل الجمعية
احد المنازل في سلوان في عام 1996 مع بداية الاستيطان اليهودي في قرية سلوان
(المشروع الرئيسي والمركزي لجمعية العاد كما يظهر من خلال اسمها مدينة داود موقع
الحفريات والسياحة الواسع في منطقة سلوان). في ظل كل ذلك يمكننا ان ندرك جذور ضلوع
جمعية العاد ايضا في مشروع البناء في منطقة E-1.
قرض بقيمة 35 مليوناً
جمعية العاد هي منظمة قوية ثرية وناجحة واهدافها
تغيرت عدة مرات لدى مسجل الجمعيات من اجل ادخال المزيد من الانشطة والفعاليات تحت
جناحيها. تعريف اهدافها الحالية كان 'تعزيز الصلة اليهودية بالقدس باجيالها
المتعاقبة من خلال الجولات والارشاد والاسكان واصدار الموارد الدعاوية والاعلامية
وتقديم خدمات الارشاد والتربية التوراتية الصهيونية وتطوير قطاع السياحة في منطقة
مدينة داود ودعم الانشطة التربوية والثقافية في منطقة مدينة دواد'.
الا ان بناء حي سكني و ـ او مقر شرطة في منطقة E-1لا يتساوق
حتى مع هذا التعريف الموسع لاهداف الجمعية ( E-1ليست واقعة
ضمن مساحة القدس ولا ضمن مدينة داود). ربما كان هذا سبب اضفاء تواضع وبأحرف صغيرة
وبنود صغيرة على ذكر مسار التمويل. الامر انكشف بصورة غير مباشرة اثر عملية فحص
بادر اليها المحاسب العام في المالية. عملية الفحص هذه التي نفذها مدقق حسابات رمت
الى التحقق من وجود تبرير للدعم الذي تحصل عليه جمعية العاد من ميزانية الدولة.
المحاسب قام بالتحقق في سياق ذلك من نشاطات 'كيرن
شليم يروشلايم' الجمعية المتفرعة عن العاد. عنوان الجمعية يتطابق مع عنوان جمعية
العاد، وفي وثائقها يظهر اسم دافيد باري الرئيس والمؤسس لالعاد كرئيس للجنة تلك
الجمعية. بين العاد والجمعية المتفرعة عنها 'كيرن شليم يروشلايم' والشركة المتفرعة
'كيرن شليم م.ض' هناك ارتباط مالي. في سجلات منظمة اصدقاء العاد في الولايات
المتحدة لعام 2006 تظهر استمارة فيدرالية تعود لضريبة الدخل الامريكية جاء فيها ان
المنظمة تبرعت بمبلغ 255 الف دولار لجمعية 'كيرن شليم يروشلايم'.
التحقيق الذي اجراه المحاسب العام في المالية اظهر
بأن سجل حسابات العاد يشير الى انها قد مولت نفقات الشركة التي تبلغ في سنوات 2004
ـ 2006 اكثر من ثلاثة ملايين شيكل. رد العاد نفسها لمسجل الجمعيات حول الملاحظات
التي وجهت اليها بصدد الادارة السليمة للجمعية يظهر بأنها قد مولت نشاطات 'كيرن
شاليم' في بداية طريقها 'في بداية طريق شركة 'كيرن شاليم م.ض'' جاء في البيان،
'دفعت جمعية العاد المال لعدة موردين لشركة 'كيرن شاليم م.ض' بقيمة 250 الف شيكل
الى ان تم تفعيلها بصورة منظمة. هذه مبالغ دفعت لمرة واحدة واعيدت لجمعية العاد قبل
مدة طويلة. جمعية العاد لم تدفع اي مبالغ لشركة 'كيرن شاليم م.ض' عدا عن ذلك'. كما
جاء في الرسالة بان جمعية 'كيرن شاليم يروشلايم' ستتوقف عن النشاط في عام 2009.
هناك سبب لالتزام المؤكد لجمعية العاد: من المحظور
على الجمعية نقل اموال لشركات اخرى من دون تصريح خاص. ليس من المفترض بها ان تكون
غطاء سياسيا ماليا. ولكن جمعية العاد نسيت او لم تكلف خاطرها بذكر مصدر التمويل
الاهم لشركة 'كيرن شاليم م.ض'. بيان 'كيرن شاليم' المالي لعامي 2006 و 2007 يظهر
بان الجمعية تمتلك مئة في المئة من اسهم شركة 'كيرن شاليم م.ض' الشركة المبادرة
لمشروع بناء في شرقي القدس'.
وكيف يمول ذلك 'المشروع للبناء في شرقي القدس'؟
الرد يظهر في كتاب ميزانية الجمعية الام العاد في نفس السنوات. بند 'ودائع مرتهنة
لفترة طويلة' يذكر مبلغ 3560400 شيكل. من اجل ماذا تم رهن هذه الودائع؟ 'الودائع
رهنت لضمان قرض أخذته شركة كيرن شاليم م.ض. الشركة تقوم بتولي مشروع بناء في شرقي
القدس يجسد اهداف الجمعية. الودائع بالعملة الاسرائيلية ليست مربوطة مع غلاء
المعيشة وعليها فائدة 5 في المئة في السنة'.
بالعبرية البسيطة: تمويل 'مشروع بناء في شرقي
القدس' دفع شركة 'يرن شاليم م.ض' لاخذ قرض بنكي مقابل كفالة جمعية العاد لها بمبلغ
35 مليون شيكل. نتائج عملية الرقابة التي قام بها المحاسب العام في المالية تفصل
هذا المشروع في شرقي القدس وتكلفته.
'الشركة
اشترت ارضا في شرقي القدس من اجل بناء 80 وحدة سكنية ستباع للجمهور العريض' يقول
المحاسب. 'الشركة بنت مبنى بديلا لمحطة شرطة لواء يهودا والسامرة في منطقة
E-1 (معاليه ادوميم) الموجودة
اليوم فوق الارض التي تم شراؤها. على حد قول ممثلي الشركة بعد اخلاء محطة الشرطة
والحصول على الترخيص ستبدأ الشركة ببناء الوحدات السكنية. الشركة صرفت حتى الان على
شراء الارض والبناء 21 مليون شيكل مولت من قروض بنكية (كما اسلفنا في بداية الطريق
بمساعدة جمعية العاد)'.
معنى ذلك:
وفقا للنتائج التي توصل اليها المحاسب العام الشركة الفرعية 'كيرن شاليم م.ض' ساعدت
في تمويل بناء مقر الشرطة في منطقة E-1 بملايين الشواقل وفي المقابل
اشترت المنطقة القديمة في راس العامود التي اخلتها الشرطة في اطار انتقالها للمقر
الجديد من اجل بناء وحدات سكنية.
الدخل من
بيع هذه الشقق سيستخدم لسداد الودائع التي رهنتها العاد من اجل القرض. من الناحية
السياسية يتعلق الامر هنا بتحقيق هدفين متوازيين ـ المساعدة في الاستيطان الحكومي
في منطقة E-1 المتنازع عليها وفي نفس الوقت السيطرة على المقر الجديد في المنطقة
المتنازع عليها في جبل الزيتون.
'الجمعية حساسة جدا'
صحيفة 'يديعوت احرونوت' طرحت على العاد سلسلة طويلة
من الاسئلة المفصلة بصدد تسلسل الاحداث الذي تم سرده هنا. طلبنا ايضا التحادث مع
قادة الجمعية بهذا الصدد. لم تتم الاستجابة لهذا الطلب والرد الذي جاء على النشر
كان عموميا جدا. 'جمعية العاد تتحرك وفقا لاهدافها لتعزيز الصلة اليهودية بالقدس.
العاد تجسد بنجاح هذا الهدف بوسائل مختلفة وتحظى بالدعم والتقدير الواسعين. نشاطات
الشركة فحصت عدة مرات وتبين انها سليمة. المحاولات المتكررة للمس بالصلة اليهودية
بالقدس ستمنى بالفشل. كل ما تفعله الشركة يتم وفقا للقانون'.
مع الرد وصلت ايضا رسالة توضيحية وتحذيرية من مكتب
المحاماة الممثل لشركة العاد وجاء فيه ان الجمعية 'حساسة جدا لكل ما ينشر بصددها'.
عضو
الكنيست آفي ديختر الذي كان وزيرا للامن الداخلي في الفترة التي تم فيها تدشين مقر
الشرطة في منطقة E-1 قال بانه لم يكن يدري بتدخل شركة العاد بتمويل البناء.
وزارة الامن الداخلي افادت بان الوزارة لا ترى اي
عنصر سياسي في الاتفاق الموقع وانما تعتبره مسارا تجاريا بحتا حصلت فيه لجنة
الطائفة البخارية على حقها في الممتلكات التي تعود لها وفي المقابل بنت لشرطة
اسرائيل منطقة مماثلة المساحة. من المهم التأكيد بأن اللجنة لم تتدخل في اختيار
مكان المقر الجديد وان هذه المسألة تحددت من قبل شرطة اسرائيل وحدها وفقا
لاحتياجاتها. ويجب القول بأن للمقر الجديد بالمقارنة مع المقر السابق امتيازات
كثيرة مثل موقعه في منتصف المساحة بين يهودا والسامرة وقربه من محاور المرور
المركزية الامر الذي يوفر سهولة الوصول لعناصر الشرطة في المنطقة.
الا ان هذا الحدث المنفرد بهذا السيناريو قد جرى
تحديدا فوق أراض متنازع عليها وواقعة في قلب خلاف سياسي شديد ويبدو ان هذا هو سبب
وجود خلل في الخطوة كلها 'الدولة تختار الخضوع لليمين المتطرف وتفقد سيطرتها على ما
يحدث على الارض' يقول اوفنهايمر. 'من الصعب التصديق بانه بعد تنفيذ الصفقة سيمكن
للشرطة ان تتصرف بموضوعية واصرار في حالة حدوث خروقات للقانون'.
اثر ما كشفته صحيفة 'يديعوت' ارسلت حركة السلام
الان رسالة للمستشار القضائي للحكومة تطالبه فيها بأن يشرع في تحقيق في هذه القضية.
'هناك شكوك ثقيلة جدا بوجود خرق للامانة والثقة يتجسد بحصول شرطة اسرائيل على هدية
من طرف ذي مصالح سياسية واقتصادية صارخة'. جاء في الرسالة.
ملاحظة
اخيرة: بينما يجمد البناء الان كليا في منطقة E-1 وينتصب مقر لواء يهودا
والسامرة التابع للشرطة وحده في المنطقة لا تهدر منظمات اليمين الوقت في الموقع
الواقع في جبل الزيتون بمساعدة سخية من بلدية القدس برئاسة نير بركات. هذه البلدية
صادقت مؤخرا على صرف مبلغ 250 الف شيكل لاقامة حمام للتطهر في المكان. في المقابل
حصلت صحيفة 'يديعوت' ايضا على الوثيقة 'شرطة يهودا والسامرة ـ راس العامود رقم
240309' التي تجمل مداولات جرت في مجلس بلدية القدس حول طلب الحصول على بناء في
المنطقة التي اخلتها الشرطة في جبل الزيتون.
يظهر من هذه الوثيقة انه قدم بالاضافة الى مشروع
بناء 104 وحدات سكنية الكبير طلب رقم '630/08' لبناء 4 مبان تتضمن 36 وحدة سكنية
فقط. هذا التفاف يهدف للامتناع عن حصول ترخيص بناء لمدينة جديدة، بما انه وفقا
للخطة الحالية يسمح بقدر معين من البناء وكل ما يتوجب لتنفيذه هو الحصول على ترخيص
بناء من اللجنة المحلية في البلدية. وبلدية بركات كما اسلفنا ودية جدا.
'لدينا هنا خطة بناء لتحويل الحل السياسي في القدس
الى أمر مستحيل' توضح حجيت عوفرن المسؤولة عن مجال متابعة الاستيطان في السلام
الان. 'المستوطنون في القدس تعلموا من اصدقائهم في المناطق وبمساعدة السلطات ها هم
يسيطرون على المزيد فالمزيد من المناطق في قلب التجمعات السكانية الفلسطينية في
شرقي القدس وفقا لطراز مدينة الخليل. 'وزارات الحكومة وبلدية القدس ترفع مسؤوليتها
عن مناطق كثيرة في شرقي القدس وتمنح شركات خصوصية حرية ادارة مواقع حساسة وفرض
الحقائق على الارض. نحن هنا امام وحدة عضوية خطيرة ومقلقة بين الجمعيات الخصوصية
وبين المؤسسة الحكومية الرسمية'.
يديعوت 22/1/2010
خريف بلا أجنحة !
خيري منصور
22/01/2010
رواية 'السمان والخريف' لنجيب محفوظ تختلف عن
'الشحاذ' و'ميرامار' لأن الاولى رغم هواجسها العدمية والوجودية الملجومة تضع الحياة
كلّها موضع شك في جدواها ولأن الثانية بمختلف الشرائح الاجتماعية التي تجسّدها
الشخوص أشبه بمسرح عائم على الماء تماما كما هو الحال بالنسبة لرواية ' السفينة'
لجبرا ابراهيم جبرا والتي لم يكن ممكنا لغير فلسطيني ان يختارها مسرحا للاحداث، وهو
المقذوف بقوة تاريخ غاشم الى قارعة العالم او ما يسميه الراحل ادوارد سعيد
اللامكان!!
جذر حكاية ' السمان والخريف' يعرفه الصيادون اكثر
من سواهم، سواء كانوا صيادي طيور مهاجرة في لحظة التعب، او صيادي رجال اشتغلوا في
السياسة حتى اصابهم الاعياء او سقطوا في الكمائن والأفخاخ المنصوبة لهم على الطريق.
في الآونة التي كتب فيها محفوظ رواية ' السمان
والخريف' كان العالم غير ما هو عليه الآن، حرب باردة تشمل كوكبا برمته، واحتدام
مشحون برومانسية ثورية بين احزاب وعروش ونظم، وباختصار كان الخريف يعج بالسحابات
المهاجرة من طيور السمان، ومثقفون ثوريون مندفعون حتى الاقاصي وهم اسرى حلم وسجالات
لا تنتهي حول ثنائيات من طراز الأصيل والمعاصر والاتباعي والحديث، والرجعي والتقدمي
والعسكري والمدني، وبطل ' السمان والخريف' كان الدباغ هو ريبب حزب الطبقة الوسطى
بامتياز قبل ان يأفل نجمها وتتلاشى وتتحول الى اسلاب وغنائم لما كان دونها او ما
أصبح فوقها، لم يكن هذا الافندي المُخَضْرَم الذي بلغ نضجه الوظيفي والحزبي في
الأربعينات معصوما من أمراض الرشوة والفساد والتطلع الى اعلى وامساك العصا من
الوسط، بحيث يكون مع السّلطة وضدها في آن، لكن الضديّة تستدعي من الماضي الذي طويت
صفحته، تماما كما يفعل المثقفون الذين تمردوا وسجنوا ثم تابوا وطالبوا الكون كله
بتسديد فواتير تخصهم ! وقد يكون أحد اسباب تعلقي الشخصي بالرواية الحكاية التي
ترتكز اليها، وهي اصطياد طائر السمان المهاجر من تعبه بعد ان قطع مسافات طويلة،
فالتعب والاعياء هنا هما بمثابة كعب آخيل لهذا الطائر، وغالبا ما يتعرض مثقفون
للاصطياد من خاصراتهم النازفة والمتعبة، في عالمنا العربي الذي يردد الناس فيه وصية
لسعد زغلول هي 'غطيني يا صفيّة ... ما فيش فايدة!' وسواء غطّت صفية سعدا ام تركته
يعاني قشعريرة الوحشة والبرد، فإن الظاهرة امتدت لعدة عقود سادت فيها ثقافة التخوين
والتجريم المتبادلين، فالهجاء الذي تحوّل كوجه آخر ومضاد للمديح في ثقافتنا العربية
منذ البواكير تحول الى نمط انتاج، وهو نمط مرادف للغزو الذي كان في الجاهلية نمط
انتاج اقتصادي، لم ينج فيه الشقيق من الشقيق، كما يقول شاعر قرر الغزو فإن لم يجد
ضحية غير أخيه بكر فلن يعتقه او يعفّ عنه، وقبل ان تغوينا هذه التداعيات بالاستطراد
خارج السّياق، دعونا نتخيل لو ان خريف عيسى الدباغ تحول الى ربيع، ولم تقم ثورة
يوليو لتحاسبه عمّا اقترف من أفعال خلال توليه منصب حساس في وزارة ذات علاقة بتعيين
العُمَد وشيوخ القرى، وقد يستغرب قارىء الرواية اذا باعد بين السطور ليقرأ الظلال
الصامتة، بأن عيسى الدباغ لم يكن النموذج الذي تعرّض لادانة من المؤلف قبل الادانة
من محاكم الثورة، فابن عمه الذي كان من انصار الثورة تزوج الفتاة الارستقراطية التي
تخلت عن عيسى بعد خلعه من وظيفته، هكذا يتم تبادل الادوار وما ان يسقط طائر سمان في
الخريف حتى يتلقفه صياد بيده السكين، لكن الصياد نفسه سرعان ما يتحول الى سمّان
آخر، ان المثقف الانتهازي في اعمال نجيب محفوظ خصوصا تلك التي تعرّضت للثورة وما
قبلها وما بعدها، يتكرر باسماء مختلفة، فهو سرحان البحيري في ميرامار، الذي يظفر
بولاء وثقة العمال في شركة النسيج كي يورطهم معه في عملية اختلاس وقد يكون الشيوعي
التائب الذي عرض ماضيه للبيع على شكل اعترافات نادمة، وأهم ما يعنينا في مصير
الدباغ هو لقاؤه مع بغي في الاسكندرية بعد ان فقد كل شيء الا ما تبقى من ذكورته،
ولأن الانتهازية تتحول الى ادمان ونمط تفكير وحياة فإن الدباغ يتخلى عن البغي عندما
تخبره انها خامل وتنتهي الحكاية بمصالحة ما بين البطل المهزوم والعصر الجديد، لأن
المرحلة كانت تتطلب ذلك، وكل ما كان يبدأ راديكاليا ينتهي وسطيا ومرنا ولا يخلو من
تلفيق دفاعي ...
* * * * * *
خريف العرب في العقدين الماضيين مكتمل الملامح
والمظاهر، فالاوراق تساقطت كلها، والطيور هاجرت حتى تلك التي لا تزال تتدرب على
الطيران، وسقطت عواصم، وتقهقرت جيوش، وانقلب خطاب قومي كالسلحفاة على ظهره، فلا هو
حيّ ولا ميّت، وبدأت القطيعة تتسع بين المقروء في كتب التاريخ والمعاش اليومي،
وانتشرت الشيزوفرينيا على نحو وبائي، ثم تضاعف انشطار العربي ليصبح أربعة، لكن ليس
على الطريقة التي تحدث عنها الماركيز دوساد!
هؤلاء الأربعة الذين يقيمون داخل وباطن الفرد
الواحد، قد يتحركون ويتصرفون بايقاعات الفصول لكن الخريف هو الغالب، فما يقال صباحا
يتغير عند الظهيرة، ثم يتبدل في المساء، وينقلب رأسا على عقب في آخر الليل.. ولا
أدري من هو الروائي الذي يستطيع رصد تحولات بطل مثل عيسى الدباغ في هذين العقدين،
والأرجح ان فريقا من الروائيين العباقرة لن يستطيع ذلك لأن الانثروبولوجيا وعلم نفس
المجتمعات البدائية هو الأجدر بفحص عيّنات من هذا الواقع العربي الذي تحوّل الى
سيرك مجاني مفتوح على مدار اللحظة للفرجة وقد أضافت الفضائيات الى هذا السيرك ما
يجعله مرئيا على الملأ كله ...
ان ربيعا بلا شجر او أزهار هو المرادف الفصلي في
تقاويمنا القومية لخريف بلا سمّان، فالواقع بمجمل ما انتهى اليه منجم اسطوري
للكتابة، ولاجتراح آفاق غير مسبوقة، لكن الخوف المزمن وثقافة الريبة والاحتراز أبقت
ما في المنجم مهجورا، وهي مساحة المسكوت عنه بل المتواطأ عليه في حياتنا السرية ..
* * * * * * *
أليست مفارقة تاريخية بامتياز ان الدول العربية
الحديثة ذات الغطاء الفولاذي الأشبه بخوذة ما إن تركن الى قوتها ومعصوميتها حتى
تسقط بأسلوب يزاوج بين المأساة والملهاة، والضحك والبكاء؟ فالشعوب التي تعامل
كزوجات أميّات لا يضيرها ان تتحول الى أرامل، ما دام الطلاق او الخلع السياسي لا
يزال ممنوعا ومحرّما! وما قاله عنترة العبسي قبل زمن طويل عندما طُلب منه ان يكرّ
دفاعا عن القبيلة بامكان اكثر من ربع مليار عربي ان يقولوه بصوت واحد ... وهو نحن
عبيد ولا نحسن الكرّ بل نحسن الحلب والصرّ، لكن ما إن تأكد العبد انه على موعد مع
حريته القادمة حتى كرّ وجال وصال وانتصر بينما فرّ وهزم أدعياء الفروسية البيضاء.
ان صائدي السمان، يذبحونه ويأكلونه حتى العظم، لكن
صائدي المثقف من تعبه او من حاجته او كعب آخيله أينما وجد، فهم يستخدمونه مخلبا او
قفازا، ويوظفون خبرته وذكاءه المحدود لنصب كمائن أخرى لطيور لم تتعب بعد، ولا يحتاج
توصيف المشهد الخريفي المزمن في عالمنا العربي الى عيني زرقاء اليمامة، فالاعمى
يستطيع رصده بأذنه على الأقل، بعد أن تحول الى ظاهرة صوتية حسب تعبير رائد لعبد
الله القصيمي، وبعد أن أعيد العربي رغما عن أنفه ووعيه وميراثه الطويل ألف عام الى
الوراء، لتصبح الدولة قبيلة والحزب فخذا منها والنقابة عصابة، ويكافأ الفهلوي على
ما استطاع اخفاءه من جهله، ويعاقب العارف كي يخفي ما يستطيع من معرفته، فالمطلوب من
القطيع ان يتماثل ويتجانس ومن يخرج عن السّياق وبالتالي عن النصّ الرسمي هو الشاة
السوداء او البعير الأجرب . أما عناقيد البلاستيك والثمار الزجاجية الملونة التي
تغطى بها اغصان هذا الخريف، الجرداء، فهي لا تخدع عصفورا كي يبني عشه فيها ولا تخدع
الندى الذي يمر بها ساخرا وهو في الطريق الى شجرة برية لم يبلغها التدجين بعد!!!
* * * * * * *
ان جدلية الشكل والمحتوى هي ما يفرض علينا لغة قد
تبدو احيانا أشبه بالقنفذ، فالاصابع المدرّبة على العزف لا تجازف بنبش أعشاش
الأفاعي او مصافحة عقرب أفرغ سمّه للتو في قدم طفل او ساق غزال، لهذا فإن تلوين
الصورة المرسومة بالاسود والاسود هو بمثابة تزوير واعادة انتاج، لتسهيل عملية
التأقلم مع كل هذا الشقاء، وقد يأتي وقت يحنّ فيه المثقف العربي الى سلفه الروائي
المهزوم لأنه محروم حتى من الهزيمة، فهو قشرة مقذوفة على الرصيف بعد أن امتصت
الفريسة حتى النخاع، انه خريف طويل ومزمن لكن بلا أجنحة!!
* * * * * * *
خيري منصور: كاتب أردني عمل في مجلة الأقلام العراقية حتى 1990 ويشغل
حاليا عدة مناصب ثقافية في الأردن والإمارات العربية. يكتب لعدة صحف إضافة لعمله في
الدستور الأردنية من بينها القدس العربي المأخوذ عنها المقال أعلاه.
شذرات: حول الحاجة إلى الإبداع
برنار جراسي
22/01/2010
هناك من الكائنات، من لا يكفيهم الفهم الأحادي:
إنهم بحاجة إلى الإبداع. المبدعون ليسوا بالضرورة على مستوى أعلى من الذكاء مقارنة
مع الآخرين: إنهم من طينة أخرى فقط.
' ' '
إن الحاجة إلى الإبداع ليست إلا هذه الحاجة التي
تتملك كل كائن في أن يترك بصمته. إنها حاجة البداهة الممارسة في أشياء الذكاء، الفن
أو الحركة.
' ' '
إن هاوي الفنون هو الذي لا يجرب حاجته إلى ترك بصمة
في أي ميدان من ميادين الفكر حيث يقوده فضوله (المعرفي).
' ' '
إن الحاجة إلى الإبداع لا تترتب عنها بالضرورة
موهبة الإبداع. يمكننا بلا شك الإقرار بأن كل كائن يعتقد أنه يبدع، يبدع حقيقة. لكن
هناك من الإبداعات من ليس له أهمية وقيمة إلا عند صاحبها ولا تمثل عند الآخرين إلا
ألعابا لا جدوى منها لعقل محكوم بقوانين وتأثيرات مخصوصة.
إننا نحتفظ، أيضا، باسم المبدع خصيصا، لذاك الذي
أغنى الإنسانية.
' ' '
إن الإبداعات الحقيقية للذكاء، تبدو عادة ذات
بساطة، بل وذات بداهة حد أننا نعتقد أنها تنتمي منذ مدة طويلة إلى ميدان الفكر. ذلك
أنه صعب بالنسبة إلينا تمييز بداهة استطاع أن ينفذ إليها إنسان وبينما كانت تبدو
عليه بالنسبة إلينا دائما. والحال أنه في هذه القدرة على إظهار البداهات جديدةً
تكمن أساسا موهبة الإبداع.
' ' '
كل شيء تم التفكير فيه. كل شيء تم الشعور به، هذا
إذا لم يكن كل شيء قد قيل. إن المبدع، إذن، لن يدعي إظهار فكرة لم يفكرفيها أحد من
قبل، أو شعورا لم يحس به أحد. إنها بالأحرى سمة الاكتشافات الكبرى للفكر إذ ينصب
على أفكار أو أحاسيس، اعترت الناس منذ الأبد، لكنها ظلت إلى الآن منفلتة من تقصيهم
لها.
' ' '
أن تبدع معناه أن تتصرف بكل حرية في ميدان اكتشفته
وأنت الوحيد الذي يعرفه.
' ' '
إن كل إبداع حقيقي في ميدان الفكر أو الفن كما في
مجال الحركة، يستتبع بالضرورة الإحساس بأنه إبداع، بمعنى أنه شيء نحن أول من قاله
أو صنعه. فإذا لم ينجل كذلك للذين لم يروا إلا بدايات نموه، فهذا يعني أنهم لم
يستوعبوا جوهره، ولا هم استشرفوا امتداده.
' ' '
ليس الإحساس بأننا أول من يقول (القول) أو يصنع
(الكلام) كافياً كيما يكون هناك إبداع حقيقي. لكن ليس هناك إبداع حقيقي دون هذا
الإحساس.
' ' '
ما نسميه عبقرية ليس شكلا أعلى للذكاء لكن العبقرية
هي موهبة الإبداع في أعلى تجلياته.
الذكاء، لا يستطيع، بالفعل، إلا الاكتساب، أما
العبقرية فهي عطاء.
' ' '
إننا لا نبدع إلا بقدراتنا الخاصة.
' ' '
إن المبدع الحقيقي ليس محتاجا البتة لمعرفة كل ما
قيل أو صنع قبله كيما يكون متأكدا من أنه هو أول من يقوله أو يصنعه.
' ' '
يكفي أحيانا تناسي شيء قد قيل أو صنع حتى تقوله أو
تصنعه بطريقة جديدة كل الجدة، وهذا هو ما يسمى إبداعا.
' ' '
إن جوهر إبداعات الحركة، هو أنها لا تنبثق من
الخيال المحض، ولا من الواقع المحض، لكنها تنبثق من الواقع المتخيل الذي يشعر إنسان
الحركة أنه بإمكانه موازاته مع الواقع الموجود.
ترجمة:عبداللطيف الزكري
المصدر:Bernard
Graet. Remarques sur l.action suivies de quelques
reflexions sur le besoin de cr'er et les diverses
creations de lesprit;librairie
gallimard;
paris
لكي نفهم الكتابة ليس علينا إلغاء
الكاتب!
حوار مع تزفيتان تودوروف
22/01/2010
ولد تزفيتان تودوروف سنة 1939، بمدينة صوفيا
البلغارية. سنة 1963 حصل على تأشيرة للقيام بزيارة إلى فرنسا، لكنه استقر بها
نهائيا، قريباً من رولان بارت وجيرار جنيت، فصار أحد رواد النقد النصي. بداية سنوات
الثمانينات، التفت تودوروف شيئا فشيئا نحو القضايا التاريخية والأخلاقية حيث انصبت
اهتماماته على محاور:
* التوتاليتارية: مواجهة المغالاة (1991). ذاكرة
الخير، السعي إلى الشر (2000).
* العلاقة مع الآخر: الحياة المشتركة (1995).
* التداخل الثقافي: غزو أمريكا (1982). الخوف من
الأجانب (2008).
* تاريخ النزعة الإنسانية والأنوار: نحن والآخرون
(1989)، الحديقة اللا مكتملة (1998).
فاز،
تودوروف سنة 2008 بجائزة Prince des Asturies، تقديرا لمجمل لبنات مشروعه الذي ترجمت
أطروحاته إلى أكثر من خمس وعشرين لغة. أما، آخر ما كشف
عنه قلم تودوروف، فقد جاء في غضون السنة الجارية (2009)، تحت عنوان: la signature Humaine . كتاب، جمع بين دفتيه، أهم الدراسات
التي أنجزها بين سنوات 1983 و 2008، يتحدث تودوروف هنا بلسان رموز كبيرة في ساحة
الفن والفكر بناء على الحدس التالي: إن الإنساني، لا يؤسس ما هو ذو دلالة إلا
انطلاقا من تاريخه الخاص.
قامة طويلة، نظرة مرحة، يصنع جمله بإيقاع بطيء
ومتناغم. ذاك هو: تزفيتان تودوروف. لكنه قبل كل شيء، حضور. رجل لطيف ومفعم
بالحماسة، تدور حياته في منزل تتوزعه غرف منحنية السقف، حيث كان قد أجري هذا اللقاء
معه. قضى شبابه، داخل بلده الأصلي بلغاريا في ظل هيمنة الديكتاتورية الشيوعية. ثم،
جاءت هجرته إلى فرنسا، وتجليات أولى أبحاثه التي انصبت على الصيغ السردية في الأدب،
إلى جانب رولان بارت في تلك الفترة تغيا تودوروف فقط، صياغة نظرية علمية للأدب،
مقتفيا آثار الشكلانيين الروس واللسانيات البنيوية على طريقة ميخائيل باختين ورومان
جاكبسون. كتاباته، بهذا الخصوص تحيل على: مدخل إلى الأدب العجائبي (1970)، شعرية
النثر (1971)، نظريات الرمز (1977)، وقد ارتقت منذ صدورها إلى مرتبة الإنتاجات
النظرية النموذجية والكلاسيكية، فيما يخص أسئلة الأدب.
'ثم تغيرت الأشياء'، يفسر تودوروف ببساطة سيرورته.
بعد أن درس بدقة متناهية الأشكال السيميوطيقية، طيلة عشرين سنة يتحمس كثيرا إلى
الجوهري. هكذا، فإن مؤرخ الغزو الإسباني، شارح مونتين، ومؤول الرسامين الفلامانيين،
وكذا الكاتب الأخلاقي ثم مفكر التعدد الثقافي، سيترك النظرية البنيوية بغاية التحول
إلى موضوعات سياسية وأخلاقية. يقول تودوروف: ( السجال حول الأفكار الذي كان محظورا
في بلغاريا فترة شبابي، قد خرج من المنطقة الحمراء).
كتابه الجديد: الإمضاء البشري، دراسات 1983- 2008
(2009)، يتماثل معه، لأنه: انتقائي ذاتي وثاقب. ينتقل بالقارئ إلى قلب أنماط للوجود
مع شخصيات استثنائية: جيرمان تيليون، ريمون آرون، إدوارد سعيد، رومان جاكبسون،
ميخائيل باختين، لاروش فوكو، موزار، ستاندال وغوته. على ضوء هاته اللقاءات، يرسم
تودوروف صورته الذاتية، بتأمل عميق لنصوص هؤلاء. توظيف مجازي، نحته، تذوقه للآخرين،
'إننا لا نفكر إلا بما ينعكس' يؤكد تودوروف. يمكننا، اعتبار هذا العمل، بمثابة رواق
تؤثثه لوحات صور رجال ونساء، تميزوا بمعاشرتهم الملهمة، أو تأبين لشخصيات عظيمة،
متاح لهواة مستنيرين. الإنساني إذن، يتموضع في مكان آخر. سيعرض، تودوروف أطروحة
قوية، مفادها: أن المشتغل بالعلوم الإنسانية مثل الكاتب، يخوض في الوقائع بناء على
تجربته الشخصية، وبخلاف زميله في العلوم الطبيعية، عليه إلغاء كل حاجز بين حياته
وإنتاجه. لا يتعلق الأمر في كل الأحوال، الاستسلام لخدع الاستبطان والانطلاق بحثا
عن 'أنا' حقيقية، بل فقط التعامل بثقابة فكر مع اللقاءات التي تخلقنا. يقول: (
إجمالا، نحن من صنع الآخرين. عطاؤهم، انطباعاتهم وتفاعلاتهم. فالأنا العميقة، لا
وجود لها).
قطعا، هو سيميولوجي، وليس 'كليا بالفيلسوف'، فقد
تميز تودوروف دائما بمواهبه التأويلية: وظف مجمل ذكائه في خدمة كتابات الآخرين.
فكره متمرد، لأنه قائم على الارتياب، تطوراته النظرية من السيميوطيقا إلى فلسفة
النزعة الإنسانية واستطراداته حول الشر ثم خطاباته المرتجلة عن الفن والحب، وكذا
ولاءاته وصراعاته: كل ذلك أكسبه صوتا فريدا بين مَشَاهد الفكر الأوروبي. يمتزج عند
تودوروف التواضع الحقيقي بطموح لا حد له. يريد تناول الماهية الإنسانية، اقتناعا
منه بأن الحكمة الإنسانية تتوقف على هاته المعرفة، وقد بلغ من العمر سبعين سنة،
بوسع تودوروف التوقف عن العمل والتفرغ للاعتناء بحديقته، لكنه فضل باستمرار
الانخراط في مشاريع جديدة، محاضرات، أبحاث، مُؤلفات. يقول: ( يبدو لي بأنه يمكننا
الذهاب أبعد في فهم الكائنات الإنسانية، ما دام أن كثيرا من الأمور ليست واضحة
بعد). حتى أقصى الحدود، قرر فحص أوضاع وتصدعات وكذا تحققات الكائنات البشرية التي
هي نحن.
فيما يلي نص اللقاء:
* أية
دلالة لكتابكم الجديد: [La signature Humaine]؟
*فكرت سابقا في هاته العبارة: الإمضاء البشري، وأنا
أصادفها في كتاب لجيرمان تيليون. أثارتني، لأنها تختزل على نحو ما، مساري الذاتي،
وجدت فيها نقطة انطلاقي 'الإمضاء' ثم إشارة انتهاء 'الكائن الإنساني' ! حينما شرعت
في إنجاز أبحاثي سنوات 1960، مثلت دراسة العلامات عبر كل تنوعها إطارا عاما. توخيت
سبر أوجهها من خلال نظرية للغة، الأدب والفنون. بعدها، حاولت تبين ما يتوارى خلف
العلامات. أحسست، بانجذاب لفهم سلوكات البشر كما هي في ذاتها، وليس مجرد الاكتفاء
بحالات تعبيرهم. في الآن ذاته، وجدت نفسي ضمن تيار الأنسية، أو التقليد الفلسفي
القائم على نزعة إنسانية. بالتالي، تساءلت دوما عن طبيعة الاختيارات الإنسانية:
السياسية، الأخلاقية والاجتماعية. لا أتوفر على تعريف مطلق للإنسان، لأنني تأملت
بالأحرى المواقف التي يتبناها البشر في مواجهة تحدياتهم الوجودية.
* في هذا العمل، رسمتم سلسلة من الصور لجيرمان
تيليون، وريمون آرون، وإدوارد سعيد، وميخائيل باختين، إلخ. هل يمكن لحياة الكُتَّاب
أن تضيء أعمالهم؟
*أتذكر، حينما كنت طالبا، تلك الصيغة الدوغماطيقية:
ينبغي علينا معرفة 'الرجل' و'عمله'. كما، أن أساتذتنا سلموا بعلاقة سببية بين
المصير الفردي لكاتب ما ثم مضمون إنتاجه، لكن أفراد جيلي، رفضوا هذه العقيدة. سنوات
1960، اعتبرنا بأن حياة كاتب ما، كيفما هي تقدم قليلا من المساعدة لتوجيه القراءة.
لقد كنا جميعا، مثل مارسيل بروست 'ضد سانت بوف'. أما، مع المنظور البنيوي، فقد اتجه
الاهتمام إلى القوانين التي تحكم الحكايا والمعاني المجازية للقصيدة، بالتالي لا
توجد من أهمية للإحالة على السيرة الذاتية. اليوم، لا أظن في كل لحظة تفسير الحياة
للعمل، بل 'الحياة' بدورها عمل. كما، أن حياتنا ليست إلا سلسلة آثار، بعضها شفوي
والآخر سلوكي، والتفاعل بينهما دال جدا.
*بأي طريقة؟
*نقف مع
جيرمان تيليون على مثال حاسم. فقد قامت بأبحاث إثنولوجية سنوات 1930، ثم انتقلت إلى
الميدان في الجزائر. بعد الهزيمة، انضمت إلى المقاومة، لكنها اعتُقلت وسُجنت ثم
أُبعدت إلى معسكر للاحتجاز. حين رجوعها، طُلب منها تهييء تقرير عن جماعة 'الشاوية'
التي كانت موضوع دراستها. غير أنها أدركت عدم إمكانية تكرار أطروحاتها لفترة ما قبل
الحرب، ولم تتوصل إلى أية معلومة جديدة عن تلك الإتنية ! الشيء الوحيد الذي تغير هو
السيدة تيليون ذاتها. حياتها، في رافنسبروك Ravensbr'ck علمتها تفسيرا تعدديا
للتصرفات الإنسانية: تأثيرات الجوع، مكانة الشرف، معنى التضامن. إذن هويتها امتزجت
باشتغالها العلمي. نفس الأمر، يمتد إلى العلوم الإنسانية الأخرى. ما يجعل منك مؤرخا
كبيرا وسوسيولوجيا متميزا أو فضلا عن ذلك كاتبا عظيما، ليس الاكتفاء بتجميع
الوقائع، بل موضعتها في إطار علاقة تضفي عليها دلالة ما. عمل، تنجزه الذات بمساعدة
جهاز ذهني يشكل ثمرة وجودنا ذاته. كي ندرك العمل، لا ينبغي أن نضع بين قوسين هوية
العالِم أو الكاتب. ذلك، ما سعيت إليه في 'لوحاتي'.
*بناء على حياتكم الخاصة، ما الذي قادكم إلى إعادة
توجيه فكركم؟
*تبرز في المقام الأول تجربة 'الأبُوّة'، كأفضل
تأطير للسياق الذي أتواجد فيه. حين ولادة ابني الأول سنة 1974، انتابتني أحاسيس
جديدة، اتصفت بحدتها الانقلابية، كما انطوت أيضا على شعور بالمسؤولية. في إطار حياة
شخص ما، ينعدم لديه كل إرساء اجتماعي، ويعيش خاصة بدون أطفال، يبقى احتمال تأمل
العمل ـ مثلا الأطروحة التي نقاربها ـ كشيء قائم في ذاته . إذا أحسستم دوما بنداء
طفلكم، سيصبح من الصعب الاحتفاظ بحد فاصل بين حياتكم وفكركم. لقد سعدت وأنا أتجاوز
مرحلة الاحتجاز داخل عالم منفصل في أفق البحث عن علاقة ذات مغزى بين ما كنت أعيشه
ثم ما اشتغلت عليه بغير توظيف للسيرة الذاتية. هذا، قادني إلى الاهتمام أكثر
بالعالم الذي يحيطني وليس فقط المعرفة المجردة.
*بين صفحات مؤلفكم الأخير، تهتمون بمبدعين انطلاقا
من شبح اختبارات مؤلمة: المرض، الحزن، معسكرات الاعتقال...، هل ينبغي على المرء أن
يعاني كي يفكر؟
*إنه سؤال مرعب، ولا أمتلك جرأة الإجابة عنه. ربما،
لأني لم أكابد إلا قليلا في حياتي...، مع ذلك ألاحظ وجود صلة مزعجة بين الانكسار
والمعاناة، ثم القدرة على الذهاب بعيدا جدا في معرفة الإنسان، كما لو أن السعادة
تسد الطريق أمام الفهم الأكثر توقدا... . قد تخطئ نظريتي، فأكون مطمئنا، أو على
العكس صحيحة، بالتالي أنا مفكر تافه ! ربما، أهدف إلى تعويض غياب هذه التجربة
المؤلمة على مستوى مسار وجودي الذاتي، وذلك بالافتتان بوجود الآخرين ! وبالضبط،
الأفراد الذين تميزت حياتهم بالانكسار والجرح بل والتراجيديا. لا يستهويني الأبطال
ولا 'الأشرار'، أفضل فهم كائنات قابلة للوقوع في الخطأ، تشبه حياتهم 'حديقة غير
مكتملة' كما جاء على لسان مونتين لأنهم في ظني، يجسدون الوضع الإنساني، أكثر من
غيرهم.
*لقد كتبتم الآتي: ( كل مفكر هو بمثابة مغترب عن
معطيات ولادته). أنتم بدوركم، عشتم المنفى بعد مغادرتكم بلغاريا نحو فرنسا. كيف
لواقعة كهاته أن تمكن من تأمل العالم؟
*أعتبر نفسي 'شخصا مغتربا'، ليس فقط لأنني غيرت
البلد، لكن في إطار سعيي بالتأكيد، إلى رؤية اغترابية للعالم. بهذا المعنى، يختلف
المفكر عن المناضل. لا يتحدد دوره في الاهتداء لسيرورة تنتهي عند غاية، لكن أن يفهم
العالم بطريقة أفضل، حينما ينتشله من البداهات. يرفض المنفيُّ اقتسام العادات، يقف
مستغربا أمام ما يمارسه بسهولة مواطنوه الجدد، فيؤسس مسافة بين ما هو في ذاته ثم ما
يحيط بنا باعتباره ملائما للفكر. لكن، ليس ضروريا ! كثيرة هي الشخصيات التي عانت من
هذا الانفصال، دون أن تختبر واقعيا تجربة الاغتراب الفيزيقي. نقول فقط، بأنه حينما
ننتقل من بلد إلى آخر بغير مأساة، يسهل التخلص من التمزق كأساس للعمل الذهني والذي
يتحقق بشكل سيىء حينما يحدث تداخل مع الفاعلين الذين ندرسهم.
*طبيعة الصلة التي تحافظون عليها مع الالتزام
السياسي؟
*لقد ترعرعت في بلغاريا سنوات ما بعد الحرب، حيث
ترفض التوتاليتارية السائدة آنذاك داخل الحرب الشيوعي مبدأ الالتزام، ولا تبقى إلا
على طريقتين أساسيتين: إما أن ترتقي داخل الحزب الشيوعي، أو تنسحب كليا من الحياة
العمومية. مثل كثير من المواطنين البلغاريين، اخترت المسلك الثاني، فأقمت قطيعة
جذرية بيني ومن يدبرون شؤون البلد. هكذا، تمتعت بنوع من التلقيح أعطاني مناعة ضد كل
مصلحة سياسية. لكنني تغيرت ابتداء من سنة 1973، وهي فترة حصولي على الجنسية
الفرنسية، فبدأت أشعر تدريجيا توجّه اهتمامي صوب موضوعات مشبعة بمضامين أخلاقية
وسياسية: الالتقاء مع الآخرين، مصادر العنف، تجربة المعتقلات، تجاوزات الذاكرة، في
هذا السياق يتموضع كتابي الصغير عن حرب العراق ! لا يعني الأمر بأني صرت مناضلا. لا
أتوفر على بطاقة أي حزب ونادرا ما أوقع على عرائض. لكن، حدث أن اتخذت موقفا. مثلا،
تدخلت لحظة الإعلان عن مشروع وزارة الهوية الوطنية، بدت لي الفكرة في الآن ذاته غير
منطقية على المستوى الأنثروبولوجي ثم غير ناضجة سياسيا.
*سياسيا، يتم تعريفكم كرجل معتدل، قد نعتدل بإفراط؟
*أهم نموذج يقدمه التاريخ الحديث، بخصوص 'الاعتدال'
الزائد، يحيلنا على مؤتمر ميونيخ سنة 1938، حينما توخت القوى الغربية مداهنة
العدوان النازي ومن ثمة الاستسلام. لكن، هل الأمر يتعلق بموقف معتدل؟ لقد كانت
بالأحرى رؤية غير متبصرة بالعواقب. عدم اللجوء إلى العنف، يصبح جائزا حينما ينعدم
الخطر. لكن سنة 1938، تجلى التهديد الهتلري بشكل واضح لكل من أراد فتح عينيه. لقد
اكتشفت نفسي، داخل بنية للاعتدال. تعلمنا مع مونتسكيو، انتفاء الشرعية عن كل سلطة
تفتقد للضوابط. لا يعني الاعتدال الليونة، لكن تقييدا لسلطة من قبل سلطة ثانية
مضادة. إنه تنظيم للفضاء العمومي، حيث يؤخذ في الحسبان التعدد الإنساني. لا نستسلم
للعنف، بل يجب أن يقع العكس. من خلال الفكر ذاته، أدافع عما اصطلح عليه بالتحضُّر
أي قدرتنا على استيعاب اختلافات الآخرين، دون أن نذمها بالضرورة. هل أنا معتدل جدا؟
يبقى الحكم لكم.
*في كتابكم، عدتم مرات عديدة إلى مسألة الشر.
وبحسبكم، فإن الشر متجذر في الطبيعة البشرية. إذا كنا جميعا أشرارا، كيف نقاومه؟
*لا أعتقد، بوجود 'شر' كوني وراسخ. صحيح، أننا نعثر
على مختلف تمظهراته في كل حقبة تاريخية. أساسه، أن كل واحد في حاجة للآخرين، لكنهم
يرفضون منحه تلقائيا ما يريده. نمط للتمركز الذاتي، يصير خاصة خطيرا حينما يأخذ
بعدا جماعيا. فأقبح الجرائم، ارتُكبت بدواعي حماية ' ذواتنا' في مواجهة تهديد ينبعث
من مكان آخر. هذه المانوية، التي تخلط بين ' النحن والآخرين'، ' الصديق والعدو' أو
الأسوأ ' الخير والشر'تعتبر مميتة للجسد. بكل ما أستطيعه من قوتي ـ رغم ضعفها ـ
أسعى إلى مقاومة الشر. لذا، أتملى تمظهراته وكيفيات التصدي لها، وقد حكيت عن ذلك
بين طيات أعمالي. وفق هذه الدلالة، بقيت قريبا من أفكار الأنوار: أقاوم الشر بواسطة
المعرفة.
*ما هي النزعة الإنسانية؟
*تشير النزعة الإنسانية إلى حركة فلسفية تطورت في
أوروبا منذ عصر النهضة. اليوم، يُوظف المفهوم في غير ما وضع له: إنه، لا يحدد غالبا
غير صيغة لعشق الإنسانية، لكن بطريقة ساذجة شيئا ما. يرفض تزفيتان تودوروف هذه
الكاريكاتورية، مدافعا عن نزعة إنسانية تتخلص من كل رؤية مثالية، حيث تبنى موقفا
قويا جدا، تأسس تاريخيا بناء على ثلاث اختيارات أنثروبولوجية وأخلاقية كبرى:
ـ الكونية: كل الكائنات الإنسانية، تنتمي إلى ذات
النوع، بحيث تنعم بنفس الكرامة.
ـ الحرية الإنسانية: إن الحتمية ـ بيولوجيا،
تاريخيا، اجتماعيا، نفسيا ـ ليست قط كلية. لا يعتبر الإنسان، محض ألعوبة في يد قوى
تتجاوزه وتحدد مصيره، ما دام يملك دائما وسيلة أن ' يمتثل أو يقاوم' (جان جاك
روسو).
ـ الكائن الإنساني، قيمة عليا: تشكل سعادة الكائنات
البشرية أقصى أهداف الحياة المجتمعية، بناء عليه، يتميز فكر النزعة الإنسانية عن
المشاريع الطوباوية التي تبتغي مستقبلا مُشرقا. تتعارض، أيضا مع النظريات الدينية
الملزمة لكل سلوك إنساني بضرورة سعيه إلى خدمة تتصل بالله.
ترجمة: سعيد بوخليط
( للإطلاع على الحوار في نصه الأصلي، يمكن القارئ
الرجوع الى:
Heloise
Lherete/Catherine Halpern: IN Sciences Humaines Decembre 2009,no 210,:26 -29. )
boukhlet10@gmail.com
كلينتون: ندين الدكتاتوريات التي تلاحق مثقفيها وحرية الإنترنت أحد
أولوياتنا
انتقدت وزيرة الخارجية الاميركيه هيلاري كلينتون
بعض الدول التي أقامت جدرانا على الانترنت لحرمان مواطنيها من الانترنت، واصفة
إياهم بأولئك الذين "يخالفون حق البشر في التواصل مع بعضهم البعض وقالت "أن
الانترنت يعني الاتصال وليس الانقسام"..وأكدت كلينتون في كلمة ألقتها أمام المؤتمر
الذي يعقد في العاصمة الأميركية واشنطن للدفاع عن حرية البشر في التعبير عبر
الإنترنت أن الولايات المتحدة لن تقف متفرجة والشعوب محرومة من حرية التعبير على
الانترنت ومن حرية الوصول للمعلومة واستعمال الانترنت.وقالت أن "التحدي الأساسي في
القرن الواحد والعشرين يتمحور حول كيفية تمكين الشعوب من استعمال الانترنت بالرغم
من الرقابة التي تفرضها الحكومات التسلطية والدكتاتورية، مبينه أن الولايات المتحدة
ستجد الطرق المناسبة لجعل حرية الإنسان وحقوق الإنسان على الانترنت حقيقة
قائمه"..وانتقدت كلينتون حكومات العالم الثالث التي تحجب المواقع عن شعوبها، وقالت
إن الولايات المتحدة بصدد تطوير آليات لتزويد الشعوب المحرومة من الانترنت للالتفاف
حول رقابة الحكومات التي تحجب المواقع عنهم.وبينت كلينتون أن الولايات المتحدة
تعتبر حرية التعبير على الانترنت من أحد أولوياتها، وإنها تمد يدها لشركاء داخل
الولايات المتحدة وخارجها للتأكيد على حرية التعبير واستخدام الانترنت.وأضافت إن
قدرتنا على استمرار أعمالنا على الانترنت ستكون بخطر إذا لم نتمكن من إيجاد صيغه
لأمن الانترنت.. وبهذا الصدد تنتظر أميركا من الصين أن تقوم بإجراء تحقيق كامل
وشفاف عما حدث مع شركة جوجل.وشددت كلينتون أن الولايات المتحدة تدين الدكتاتوريات
التي تقوم بملاحقة مثقفيها الذين يستخدمون الانترنت كما هو الحال في إيران، مؤكدة
أن الانترنت يستطيع تجسير الفجوة بين مختلف الثقافات. وهنا قالت"علينا التأكيد على
حرية العبادة على الانترنت".وأفادت كلينتون أن الولايات المتحدة ستقوم بحماية
فضائها الالكتروني من الدول التي ترعى الإرهاب وستكرس أميركا وسائل سياسية
ودبلوماسيه لدفع هذه الحريات، وستطور آليات جديدة لتمكين الأفراد من الالتفاف على
القرارات الحكومية التي تمنعهم من حرية الوصول إلى الانترنت، وستقوم الولايات
المتحدة بتوفير الأموال والبرامج لهذه الغاية.وأضافت إن الرئيس اوباما سيعين
مستشارا لأمن الفضاء الإلكتروني، وإن الدول التي تخالف هذه التوجهات ستخاطر
بإبقائها خارج التطور في القرن الواحد والعشرين.
1/21/2010
|
|
|
|
OMedia Nazmi.org |
Originality Movement Political
Site from
Nazmi.org |
|
|
|
|
Poetry and Press
قرين جديد للأخضر بن يوسف معمد بالماء والنار
سعيدي المولودي
ناقد من المغرب
The Last Communist By Sadi Yousef
1 ـ سعدي يوسف: الشيوعي الأخير يدخل الجنة. دار
توبقال للنشر. الدار البيضاء. المغرب. الطبعة الأولي 2007. 2 ـ الشيوعي الأخير
يشهد أول أيار في برشلونة. ص.69. 3 ـ الشيوعي الأخير يذهب إلي السينما.
ص.72. 4 ـ الشيوعي الأخير يذهب إلي البصرة.ص.79. 5 ـ الشيوعي الأخير يذهب إلي
باريس.ص.87. 6 ـ الشيوعي الأخير يدخل الجنة. ص.85. 7 ـ الشيوعي الأخير يدخل
النفق.ص.101. 8 ـ ص: 38. 9 ـ الشيوعي الأخير يخرج متظاهرا.
ص.106.
Journals of Mahmoud Darwish:من يوميات الشاعر
الأردني محمود درويش
يوميات محمود درويش الحياة - 17/06/07// هل كان علينا أن
نسقط من عُلُوّ شاهق، ونرى دمنا على أيدينا... لنُدْرك أننا لسنا ملائكة.. كما كنا
نظن؟ وهل كان علينا أيضاً أن نكشف عن عوراتنا أمام الملأ، كي لا تبقى حقيقتنا
عذراء؟ كم كَذَبنا حين قلنا: نحن استثناء! أن تصدِّق نفسك أسوأُ من أن تكذب
على غيرك! أن نكون ودودين مع مَنْ يكرهوننا، وقساةً مع مَنْ يحبّونَنا - تلك هي
دُونيّة المُتعالي، وغطرسة الوضيع! أيها الماضي! لا تغيِّرنا... كلما ابتعدنا
عنك! أيها المستقبل: لا تسألنا: مَنْ أنتم؟
الرابطة الدولية للنقد الأدبي
الأصدقاء الأعزاء
تعمل رابطتنا على انتخاب مجلس
إدارة جديد. ويمكن ترشيح كافة الأعضاء القدماء والجدد منذ بداية
اشتراكهم.
تبدأ إنتخابات مجلس الإدارة بعد
الاجتماع العام الذي يقام في التاسع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) 2007 في فندق
غوين، حيث المكان التاريخي.
وفي الوقت نفسه يقام الاجتماع
الدولي للرابطة حول (روح المقاومة في الأدب) الجمعة والسبت19-20/10/2007. وهذا
البريد(الرسالة الالكترونية) دعوة للمرشحين في مجلس الإدارة الجديد.
ونود أن نضع في اعتبارنا أن
المرشحين المستقبليين قد بلغوا قبل الأول من أيلول(سبتمبر) 2007
ويذكر أن كتاب الاجتماع العام 2006
حول "تداخل الأدب" تحت الطبع، وسيصل كافة الأعضاء نسخ منه بالبريد.
رئيس الرابطة
دانييل لوفرس
Daniel
Leuwers
A .
I . C . L
ASSOCIATION
INTERNATIONALE DE LA CRITIQUE LITTERAIRE
10 juin 2007
Chers Amis,
Notre
Association va statutairement être appelée à élire un nouveau Conseil
d’Administration. Peuvent être candidats tous les membres (sortants ou nouveaux)
à jour de leurs cotisations.
L’élection
de ce Conseil d’Administration (qui décidera ensuite de la composition du
Bureau) aura lieu lors de l’Assemblée Générale Extraordinaire qui se tiendra le
vendredi 19 octobre 2007 en fin d’après-midi , à l’Hôtel Gouïn
–lieu historique et musée sis dans le Vieux-Tours- en même temps qu’y sera
organisé le colloque international de l’AICL sur « L’Esprit de résistance en
littérature » (le vendredi mais aussi le samedi).
Avant la
grande parenthèse de l’été, ce courrier est un appel à candidatures au nouveau
Conseil d’Administration.
Ne pourront
être prises en considération que les candidatures reçues avant le 1er septembre
2007. Les courriers de convocation à l’Assemblée Générale Extraordinaire seront
expédiés dans la première quinzaine de septembre.
Le colloque
de 2006 « Le Métissage en littérature » est sous presse, et tous les adhérents
le recevront par la poste ou lors du prochain colloque à Tours.
En très
cordiale pensée,
Daniel Leuwers
ليتمكن من مغادرة الأردن مع أسرته تيسير نظمي قد
يلجأ للسفارة الإيرانية
حركة إبداع/المقر الرئيس: قال تيسيرنظمي أنه سوف يتم إصدار بيان هام
ينشر خلال هذا الأسبوع ويعمم على وكالات الأنباء بخصوص احتجاز أسرته وإرغامه على
الطلاق من زوجته السيدة سهير بكر موضحا أنها شرعا ما تزال زوجته حسب المحاكم
الشرعية الفلسطينية في غزة وليس غير وأنهما تعرضا لكمين مزدوج كويتي-أردني قبل
مغادرته الكويت في 14/7/1992 لتلحق به مرغمة إلى الزرقاء مع أولادها: إلزا وغسان
وديما وأوضح صاحب أهم المجموعات القصصية الفلسطينية "البحث عن مساحة" أن محافظة
الزرقاء تفرض على أسرته الإقامة الجبرية ولكن بطرق
Apologize what you've done اعـتـَـــذِرْ عـَمـَّـــا
فـَعَـلـــــت !
أثارت قصيدة الشاعر المصري الشاب عبد الرحمن يوسف التي وجهها للشاعر
محمود درويش بعنوان "اعتذر عما فعلت" أزمة في نقابة الصحفيين أثناء انعقاد ندوة
بعنوان "لا تقتلوا غزة... افتحوا معبر رفح" يوم السبت 18 اغسطس، حيث وقفت إحدى
الحاضرات بعد إلقاء الشاعر للقصيدة معترضة بأن الحاضرين قد جاءوا ليسمعوا كلاما عن
فلسطين وليس كلاما في حق الشاعر محمود درويش.. فما كان من بعض الحاضرين الفلسطينيين
ممن حضر الندوة إلا أن قالوا أن محمود درويش كان مناضلا ولم يعد كذلك .. وقالوا
للشاعر عبد الرحمن يوسف أن القصيدة قد لخصت
الأردن يرفض طلبا
بتقديم دعم عسكري لـ "فتح" تقدم به دحلان
(روح المقاومة في
الأدب) بباريس
A.I.C.L invites a critic who (dances Palestine )
|
King Abdullah II:
"Iraq is the Battleground - the West
against Iran
"
Middle East
Quarterly
Spring 2005
King Abdullah II bin
Al Hussein, descendant of the Prophet Muhammad, is the fourth ruler of the
Hashemite Kingdom of Jordan and the great-grandson of his namesake, the
kingdom's founder. Born on January 30, 1962, to King Hussein's second wife, the
British-born Princess Muna, he is the eldest of Hussein's sons and was
proclaimed crown prince at birth. When Abdullah was three years old, however,
Hussein transferred that title to his own younger brother, Hassan. After his
early schooling in Amman, Abdullah was educated in
private schools in England and the
United States and then, in 1980,
embarked on a military career, attending Britain's Royal
Military Academy at Sandhurst . For the
next nineteen years, he rose through the ranks of the Jordanian army, eventually
serving as commander of the Royal Jordanian Special Forces and as special
operations commander. Along the way, he took classes at Oxford and Georgetown universities and
further military training at Fort Knox and the Royal
Staff College
at Camberley, United Kingdom . In 1998, he assumed the rank of
major general, which he held when he was proclaimed crown prince by his father
on January 24, 1999. Abdullah assumed the throne when his father died on
February 7, 1999. Abdullah and his wife, Queen Rania, have two sons and two
daughters. On January 11, 2005, Robert Satloff, executive director of the
Washington Institute for Near East Policy, interviewed King Abdullah II at his
private office in a secluded compound outside of Amman .
Fighting Extremism
Middle
East Quarterly: How do you identify
and energize the "silent majority" of Muslims that opposes Islamist extremism?
Abdullah: It's just not good
enough to say, "Fine, we are God-fearing Muslims, this is what we believe in and
this is the line that we draw in the sand." The real question for us is how do
we take the battle to the street and start winning the street war. It's not just
inside the Muslim world. It's also a battle for our friends in Europe and in the West.
MEQ: What is the best way
to fight against the extremist ideology that motivates Islamist terrorism?
Abdullah: One of our top
priorities for addressing the "hearts and minds" question is to tackle the issue
of extremist clergy and how they operate inside Muslim communities. We are
currently working on setting up pilot projects with our friends, the British, to
get Muslim clergy from our part of the world to give the clergy in British
society the ammunition to start winning back the street. This is not something
that happens overnight; this will take five, ten years. If we can get the
mechanism working in England, we can
then duplicate it in Europe and other countries. We're
starting our work in England . If we can succeed there, then we can multiply the
effort and apply it to the United States . I've talked to the president about this; I
just had a long talk with John Kerry about this, too. This is different than the
work of interreligious organizations. Our challenge is how to get these ideas
down to the average Muslim.
MEQ: Specifically, what
can be done?
Abdullah: A lot of it is
financing. Take, for example, the financial problems we have with our Ministry
of Religious Affairs. Its budget is minuscule. They may want to get the right
preachers into the mosques, but the ministry has no money. Out of the 3,625
mosques in the country, plus another 280 under construction, about 20 to 30
percent have no state preachers. The result is that anybody can stand up and
give a sermon. We need to find the money so we can hire the right people.
Something else we are
trying to do is turn religious training into a master's program. Up until now,
the situation was that the students with the worst grades on their
tawjihi (high school graduation) tests had two options—journalism or
religious affairs. The result is obvious, in both fields. One solution we are
trying is to make religious training into a master's program and to build a
center of excellence in religious education at ‘ Ahl al-Bayt University ,
where we can actually articulate the curricula. It's going to take another three
to four years until we can close the religious studies program down at other
universities, transfer it to ‘Ahl al-Bayt, and make it a full master's program
so we actually get bright people coming out that know exactly what true moderate
Islam is all about and that are not influenced by extremist teachings and
thinking.
MEQ: Do your neighbors
have the same approach?
Abdullah: In private, they do.
At the time of the Beslan school massacre in Russia , all of us were
disgusted. But it's just not good enough to sit in the privacy of one's home and
say how awful this is and condemn these people who are defaming Islam. This was
a crime against humanity, and we have to be much more vocal, in public. In my
view, Islam is going in a direction that's very scary, and as the Hashemite Kingdom , we have a moral obligation to stand up. Yes,
there are a lot of other things that are happening inside the Muslim world, but
we have to draw the line. If we don't, then these people are going to win.
Even the Saudis have
started talking more openly. They were supportive of the conference that we had
here in Jordan for Iraq's neighboring states where we issued a clear and
unambiguous call against extremism.[1]
They were vocal in Amman . They
are more vocal in their own country, now. But there are still some in
Saudi Arabia
who think that the problem of these bin Ladin supporters is a passing threat and
that six months from now the extremists won't have a leg to stand on. That's
just not the case and to think so is to sugarcoat the problem. It doesn't solve
the problem that they have inside the country, nor does it solve the problem
that we in the Muslim world have.
In Jordan, one of the
reasons my late father wanted to make some changes in the way that the family
council was run a couple of years before he died was that he wanted to relieve
himself of responsibility of being king in order to focus full-time on dealing
with this problem. But there was an issue with his brother [Hassan, then-crown
prince] in terms of coming to an agreement on that and, in the end, my father
couldn't do it. But he saw this problem coming in the 1990s.
Shi'ite Crescent
"
MEQ: On Iraq, you warned
that a Shi‘ite-led Iraq might develop a special relationship with Iran, Syria,
Lebanon, and Lebanese Hezbollah to create a "crescent … that will be very
destabilizing for the Gulf countries and for the whole region."[2]
Please explain.
Abdullah: The Hashemites are
from ‘Ahl Al Bayt [family of the Prophet] and do not have a problem with
Shi‘ites. We are as close to them as we are to the Sunnis. But, there are many
people in Iraq—including Shi‘ites—who
have their own concerns about Iran .
We keep saying that
the core problem in the Middle East is the Israeli-Palestinian one, but for the
first time, my fear is that if things do not quickly settle in Iraq into an inclusive
process that brings stability and security, then the Israeli-Palestinian issue
may no longer be the core problem. In that situation, the core problem is going
to be based around Iraq , and it's going to be a terrible conflict
within Islam—a Shi‘ite-Sunni conflict—which would be devastating for this part
of the world. The so-called issue of "the crescent" was taken out of context and
blown out of proportion. My concern is political, not religious, revolving
around Iran, Iran's political involvement inside Iraq, its relation with Syria and Hezbollah, and the
strengthening of this political-strategic alliance. This would create a scenario
where you have these four [Iran,
Iran-influenced Iraq, Syria , and Hezbollah] who
have a strategic objective that could create a major conflict. I don't have any
problem with Shi‘ites. I have a real problem with certain Iranian factions'
political influence inside Iraq . Our argument to the United States is that a capable, independent, secure
Iraq is the best way of containing
Iran .
There's one reason why 1980 happened—the war between Iraq and Iran . The Iranians realize
that the way to have success against the West is by them succeeding in
Iraq . So
Iraq is the battleground, the West
against Iran
.
MEQ: What advice would
you give the Bush administration on the development of the Iraqi army?
Abdullah: I don't
think Iraq should be a launching pad
for an offensive against Iran . If you have a stable, capable Iraq defending itself, and you have the Iranians and
other outsiders losing any strategic capability inside Iraq , you've won. But there
are those in the U.S. administration who do not really understand the Iraqi
mentality. They believe, for example, that Iraq should only have a
police force. In Iraq , if you send the police into a situation, everybody
throws rocks at them, but the minute the army walks in, the people are out with
tea and cookies. Disbanding of the Iraqi armed forces and the security service
was a major mistake at the beginning of the process. On de-Baathification, I've
been saying to the president: identify the core element of the Baath Party, the
ones that you're concerned with, and then let the rest of Iraqi society off the
hook. He [President Bush] understood what we were talking about, but we felt
that every time we came and he asked what should we [the U.S. government] do, I
had to argue those same points over again, knowing that he had sent his messages
to members of his administration to implement this policy, but it hadn't been
taken up.
At the moment, they're
trying to build the capacity of the army, but they're in such a rush. They want
to piecemeal people in, bring them in [for training] for six weeks and take them
back. Really, that's not how to train counterterrorist forces.
Here in Jordan , because
many [Iraqi special forces personnel] have come through our Special Operations
Command for training, we could identify the best people that were in training
and have them come back as instructors. The next course that we have is actually
going to be trained by the Iraqi cadre that we initially had in the first two,
three courses. We want to adapt that capability to the army.
Then, there will be
the issue of the Iraqi air force. Two or three years from now, somebody's going
to say they need an air force, and you're going to have to start from scratch
with fighter pilots. Instead, let's identify the young majors, captains, and
even some lieutenants you think are good and bring them into the training. They
have Mirages. We have Mirages. There are ways for us to help. But the typical
argument that we get is that instead of spending a year training, we should do
it in six weeks.
Let's do everything as
we've said, but on top of that, let's get a long-term plan in place. For
example, I have a suggestion to put an Iraqi armored company inside of a
Jordanian battalion or an Iraqi battalion inside a Jordanian brigade and have
them go through our one-year training cycle. We're downsizing our armed forces
and will have these fine American tanks. We'll give them the equipment, and
we'll train them inside of our brigades and our divisions, and then at the end
of a training cycle they can go back to Iraq as a united,
well-trained force.
MEQ: You have warned that
the United States would have to draw some red lines for the Persian Gulf,
defining what would constitute acceptable behavior. What do you mean?
Abdullah: If what we are
hearing from many Iraqis is correct, and Iran starts to influence Shi‘ites inside of Iraq , then that
immediately creates problems inside Gulf countries. The U.S. administration will
have to realize where it is going to draw the red lines because it's not just
the political crescent that I was concerned about, but also the stabilization of
the Gulf countries. So, again, the battleground is Iraq . That is where the red
line has to be drawn.
MEQ: The Iranian
acquisition of nuclear capability would change the equation. What is the best
response to this?
Abdullah: You have to deal
with Iran
with a united front. When we went to Iran about a year and a half
ago, the Iranians were under tremendous pressure. They felt that they had gotten
themselves into a very tight corner, and that's why they said, "Please, we want
to reach out to the United States; we have our Al-Qaeda prisoners that we want
to hand over; we want to talk about weapons of mass destruction; and we want to
have some sort of a common understanding on the issue of Iraq, the unity of
Iraq." But the minute the Europeans had prime ministers knocking on Iran 's door, the
Iranians felt the pressure was off. How do you address the nuclear issue now,
given the way Europe is, with France's and Germany's relationship with the United States ? How do you
get a united front to deal with Iran ? You need a unified
front. But even so, that doesn't mean we should be letting the Iranians off the
hook with what they're trying to do in Iraq .
The Arab-Israeli Peace Process
MEQ: The end of the 2003
Iraq war and
Yasir Arafat's death may have opened a window of opportunity to advance
Israeli-Palestinian relations. What are the Arab states' responsibilities?
Abdullah: How did my late
father get into the peace process? How was he successful in building a
relationship with the late Yitzhak Rabin? It was because he put himself in their
shoes. What do Israelis desire? Israel wants to be part of this region, from
Morocco all
the way across the Arab world. That's the price Arabs should be willing to pay.
Israelis should have free movement and free access and a sense of fully being
part of this region. The sacrifice they need to make for this is a clear future
for the Palestinians. But does paying this price guarantee the Israelis that
they will receive the benefits? There are serious Israelis who look at the
region and say, "Okay, we'll make this sacrifice; we'll make this hard decision,
and we'll work with the Palestinians so that we can have some sort of
coexistence with them. But does that really change the relationship that we have
with Arab countries?"
Our job is to convince
them. This was started in Jordan , which then became the Jordanian-Egyptian "two-basket
approach" in 2001 that was later translated into Crown Prince Abdullah's
position that came out as the Arab Summit Declaration of Beirut in 2002. I think
that needs to be readdressed, and we've already started.
There's a peace
conference in London in March.
There's the Arab summit two weeks after that. We have to reach out to the
Israelis—and not just about this. We need to see what guarantees we can give
Israel about
what the Arabs need to do. We need to come to the Arab League summit in Algiers
with a "Beirut-plus-plus," a realistic statement to the Israelis that this is
what we can do, and what more can we do.
MEQ: Beirut fell flat because the summit declaration was issued the
day of one of the most heinous terrorist attacks in Israel—the Park Hotel bombing on Passover—and people
in
Beirut said nothing.
Abdullah: Politics. We're
hoping that maybe in Algeria we'll have better luck. But the ball is in our court.
It's up to us to reach out to the Israelis in a much stronger and clearer way.
One good thing about the Beirut
declaration is that it was even signed by Saddam Hussein. So one problem—getting
Arab unanimity—is not an exercise that we have to really trouble ourselves over.
MEQ: This year—2005—is
about Israel's disengagement from
Gaza and the northern West Bank
, not about final status negotiations. How do you keep diplomatic and political
momentum alive knowing that discussions about the endgame are not on the table
anytime soon?
Abdullah: That was the one
thing that I discussed with President Bush in our tête-à-tête. I said, "Sir, you
articulated a vision of a viable, independent Palestinian state. It comes down
to the viable part. And I'm concerned that we may, in a year or two, run out of
being able to talk about a viable Palestinian state." So looking at the bigger
picture, if there is no future for the Palestinians, then do we doom this region
to several more decades of conflict between Israel and Arabs,
Israelis and Palestinians?
Prime Minister Sharon
does want peace with the Palestinians, but there's also part of him that
wouldn't mind waiting ten years. Can we really suffer another ten years? My
father used to say that he wants peace for his children and our children's
children. He was talking about us. Do I now have to start saying I want peace
for my children and our children's children? The Middle
East cannot wait that long.
On the question of
having a viable state, we don't have more than two to three years, maximum. And
if we don't have a future for the Palestinians, where does that leave us? If you
don't have a viable Palestinian state, then I could conceive of an
Israeli-Palestinian problem becoming an Israeli-Palestinian-Jordanian problem.
As I said to the president, in a private discussion, "Please, if there's one
word that I would like you to focus on, that's the word viable."
MEQ: The president
referred to a "viable" state in his January 9 statement after the Palestinian
election[3]
and then he mentioned the term again the following day, but he said only that
"it is essential that there be a viable economy and a viable health care
system,"[4]
not mentioning territory.
Abdullah: He and I know what
is meant by the word, because he said, "Do you mean the maps?" I said, "Mr.
President, from what I gather, you know the settlements, the roads, the maps a
lot better than I do." So when he and I talked about it, it was territorial. And
he said, "I got the message."
Jordanian Political Reform
MEQ: When you first took
office six years ago, you highlighted a policy of non-interference in the
affairs of others. But over the last year, you have spoken out about
developments inside Iraq and advised Arafat that he should look in the mirror and
see if he is helping his people. Why the change?
Abdullah: Not getting involved
in the internal affairs of others means that we are not committing ourselves to
get into the West Bank . We've been very careful about
doing that, and using the Iraq example, this is one of the arguments I'm using. I have
been very opposed to the idea of the Hashemite family getting involved in
Iraq .
Sheikh Ali, the Hashemite prince, keeps pounding on our door to come and visit
us, but I refuse and have said so to everyone, including Prince Hassan. Whenever
the subject came up, I have disagreed with members of my cabinet about getting
involved in Iraq . I don't think that there is a role for the Hashemites.
If there is a role for the Hashemites, that comes many years down the line if
the Iraqis want it. But it's a non-starter for me. It's the same argument that I
use when I'm talking about the moral high ground of the Iranians and others who
wish certain involvement in Iraq when
I say that I don't believe that Amman should get involved
in Baghdad .
We don't play those
sort of Cold War games, with my people inside the West
Bank trying to foment against the other side. So yes, I call things as I see
them, whether on Iran and
Iraq or
Arafat and Palestinians.
My statement on Arafat
was calculated to have an impact. I didn't know that he was that ill. But I just
saw what was going on with him and had to speak out. The problem with the
Palestinians is they spend most of their time blaming the Arab street and the
Arab leaders. And that's what I was saying—Stop blaming us, because we're ready
to help you, but you've got to help yourself first. If you look at Al-Jazeera,
it's always saying, "Where are the Arab leaders; where's the Arab street, and
they're letting us down." No. You're letting yourselves down. We want to help
you, but every time I sat down with Arafat and asked, where's your plan, where's
your strategy, there was nothing there.
MEQ: Six years ago the
economy was your top priority, and you said it a 100 times. What is your top
priority now?
Abdullah: When we change
priorities, it doesn't mean that we lessen any of the other ones. So I think
socioeconomic issues are something that we still have to move on full speed, and
we can't take any prisoners on that. But a year ago I announced that we're now
ready for political reform. Then, in a speech in parliament, I said political
reform is important, but the flavor of the next couple of months is
administration reform. Some people here said, "Ah, we're backing down on
political reform." But it's not one thing and not the other. We start on a
layered level of attacking different problems in Jordan , and all these
programs are going to continue. But we're now in a position to really tackle
political reform.
We will have a major
proposal coming out on political reform.[5]
The problem is I have tried to deal with political reform from the top down, and
it's not working. I've been trying to engage with this parliament on creating,
instead of our current thirty or so political parties, just two or three or four
that represent left, right, and center. I've been begging the parliamentarians.
There are 110 parliamentarians who are better educated and younger than their
predecessors, and I said, "What do you stand for? We know what the older
generation stands for, but you, as a young parliamentarian, where do you stand
on health? Where do you stand on education? Where do you stand on social
services?" I was hoping that we'd be able to tackle the issues of giving enough
bite to young parliamentarians so that we could start creating these blocs. If
we do this, we said to them, then in the next parliamentary elections, you'll be
elected because of your party's political platform and not because you're from
this tribe or this village or this particular group. Unfortunately, we're not
going to get there, not in this round. So I'm now going to work from the bottom
up. We're going to do something in Jordan that has not been done before in the Middle East . And it's serious. I had my first meeting with a
very small group, and I said, "You all understand when we start the process,
we're talking about true democratic political reform. Once we start this,
there's no going back, and it's comprehensive, and it's long term."
You'll notice when we
talk about political reform, there's reform also for the security services. I
think they're beginning to get the message that you can't have political reform
and have the archaic way of doing things.
[1] "Final
Communiqué of the Seventh Meeting of the Neighboring Countries of
Iraq," Jordanian Ministry of Foreign Affairs, Amman, Jan. 6, 2005. [2]
Interview on Chris Matthews Show, MSNBC, Dec. 12, 2004. [3]
White House news release, Jan. 9,
2005. [4]
White House news conference, Jan. 10,
2005. [5]
On Jan. 26, 2005, King Abdullah announced an initiative to decentralize
Jordanian political life, creating directly elected regional assemblies with
control over local expenditures.
23/3/2005
في حوار معمق مع فصلية "الشرق الأوسط" الأميركية قد يثير أزمة جديدة مع
إيران
الملك عبد الله: العراق أرض المعركة وهناك يتوجب رسم الخط
الأحمر لإيران
ـ الأوروبيون يتصرفون بشكل مخالف لأميركا اتجاه السلاح النووي
الإيراني.. يجب توحيد الجبهة
ـ يتوجب على العراق أن يعطوا إسرائيل حرية الحركة من الغرب إلى قلب
العالم العربي مقابل مستقبل واضح للفلسطينيين
عمان
ـoriginality Movement و "العرب":
تتساءل
مصادر دبلوماسية في العاصمة الأردنية حول ما إذا كانت تصريحات حديثة للعاهل الأردني
الملك عبد الله الثاني قد تؤدي إلى أزمة جديدة في العلاقات الأردنية ـ الإيرانية.
التصريحات
أدلى بها العاهل الأردني إلى فصلية "الشرق الأوسط" الأميركية أثناء زيارته الحالية
للولايات المتحدة، وتحدث فيها عن خط أحمر أميركي يجب وضعه في العراق ليحول دون تدخل
إيران في هذا البلد.
العاهل
الأردني يشرح في هذه المقابلة كذلك وجهة نظره حيال المبادرة التي تقدم بها الأردن
لمؤتمر القمة العربية الأخير الذي انعقد في الجزائر، والتي تنطلق من رفض أرئيل
شارون رئيس وزراء إسرائيل تقييد التطبيع في العلاقات العربية الإسرائيلية بأية
شروط.
ويتناول
الملك كذلك برامج الإصلاح الأردنية بلغة يعتمدها في التعامل مع الولايات المتحدة.
تصريحات
العاهل الأردني نشرت قبيل بدء عطلة عيد النيروز في إيران والتي تستمر لمدة خمسة
أيام، ما أعطى فرصة للحكومة الإيرانية كي تهدأ انفعالاتها. لذلك يعتقد الدبلوماسيون
أن رد الفعل الإيراني سيكون أقل حرارة من رد الفعل الذي صدر على تصريحات الملك
السابقة التي حذر فيها من أن تسفر الانتخابات العراقية عن انبثاق هلال شيعي في
المنطقة.
وكان
التلفزيون الإيراني علق على تصريحات الملك صباح الثلاثاء الماضي قائلا إنها لم تكن
متوقعة في هذا التوقيت، وهذه الظروف، خاصة ما يتعلق منها بأوضاع العراق، والمظاهرات
المعادية للأردن التي تكررت هناك.
"العرب"
أجرت ترجمة حرفية لتصريحات العاهل الأردني، التي لم تنشر بعد في عمان، وتتسم بعمق
كبير فرضته طبيعة الزيارة الملكية للولايات المتحدة، وكونه ينشر في مجلة فصلية
متخصصة.
هنا نص المقابلة:
التطرف الإسلامي
·
كيف تعرف
وتحث "الأغلبية الصامتة" من المسلمين الذين يعارضون التطرف الإسلامي..؟
ـ ليس من
المستحسن الاكتفاء بأن نقول: "جيد، فنحن مسلمون نراعي مخافة الله، فهذا ما نعتقد
ونؤمن به وهذا هو الخط الذي رسمناه في الرمال"، فالسؤال الحقيقي بالنسبة لنا هو كيف
نخوض المعركة بنقلها إلى الشارع وأن نبدأ بكسب حرب الشارع. وهذا ليس فقط داخل
العالم الإسلامي. وإنما أيضا هي معركة أصدقائنا في أوروبا وفي الغرب.
·
ما هي أفضل
الطرق لمحاربة أيديولوجية التطرف التي تحفز التطرف الإسلامي..؟
ـ على رأس
أولوياتنا في مخاطبة "القلوب والعقول" هو أن نتعامل مع مسألة رجال الدين المتطرفين
وكيف يعملون داخل المجتمعات الإسلامية. ونعمل حاليا على وضع مشاريع ريادية بالتعاون
مع أصدقائنا البريطانيين، كي يقوم رجال دين من جانبنا في هذا الجزء من العالم
بتغذية رجال الدين في المجتمع البريطاني بالذخيرة اللازمة للبدء في إعادة كسب
الشارع. وهذا لا يتحقق بين عشية وضحاها إنما يحتاج إلى فترة من 5ـ10 سنوات. وإذا ما
استطعنا تشغيل هذه الآلية في بريطانيا من الممكن تطبيقها في أنحاء أوروبا وبلدان
أخرى. فنحن قد بدأنا عملنا في بريطانيا. وإذا ما نجحنا هناك من الممكن أن نضاعف
الجهود وأن نطبقها بعد ذلك في الولايات المتحدة الأميركية. وقد تحدثت عن ذلك للرئيس
وقد كنت للتو في حديث مطول مع جون كيري أيضا حول نفس الموضوع.
وهذا مختلف
عن العمل
الذي تقوم به منظمات
الأديان عبر العالم Interreligious Organizations فالتحدي
بالنسبة لنا هو كيف نقدم هذه الأفكار للمسلم العادي.
·
ما الذي
يمكن عمله على وجه الخصوص..؟
ـ في الجانب
الأكبر منه مسألة التمويل. خذ على سبيل المثال المشاكل المالية لنا مع وزارة الشؤون
الدينية. فموازنتها صغيرة جداً. فهي تريد إرسال الواعظين المناسبين إلى المساجد
لكنها لا تملك النقود لفعل ذلك. فمن بين 3625 مسجداً في البلاد بالإضافة إلى 280
مسجداً قيد الإنشاء فإن من 20ـ30 بالمئة من هذه المساجد لا تمتلك وعاظاً موظفين من
قبل الدولة. والنتيجة هي أن أي شخص يمكنه أن يقف وأن يدلي بخطبة دينية. ونحن بحاجة
لأن نجد النقود كي توظف الأشخاص المناسبين لذلك.
شيء آخر
نحاول أن نقوم به وهو تحويل التدريب الديني إلى برنامج للماجستير.والوضع لدينا حتى
الآن هو أن الطلاب أصحاب المعدلات الأسوأ في التوجيهي لديهم في الامتحان خيارين هما
الصحافة أو الشؤون الدينية والنتيجة واضحة في المجالين. أحد الحلول التي نقوم
بتجريبها هو أن نجعل التدريب الديني برنامجاً للماجستير وأن نقوم ببناء مركز
للمتفوقين في الثقافة الدينية في جامعة آل البيت حيث يمكننا بالفعل أن نقوم بتوضيح
المنهج التعليمي ويستغرق ذلك من ثلاث إلى أربع سنوات كي نتمكن من إغلاق برنامج
الدراسات الدينية في جامعات أخرى وأن نحولها إلى برنامج كامل للماجستير حتى نتمكن
بالفعل من تخريج أناس لامعين يعرفون بالضبط ما هو الإسلام الحقيقي المعتدل الذي لا
يتأثر بتعاليم المتطرفين وتفكيرهم.
التزام أخلاقي
·
هل لدي
جيرانكم نفس المقاربة..؟
ـ على نحو
خاص لديهم، ففي الوقت الذي ارتكبت به مجزرة مدرسة بيسلان في روسيا شعر الجميع
بالاشمئزاز، لكن هذا ليس كافياً للجلوس في غرف مغلقة والقول ، كم هو بشع هذا العمل،
ونكتفي بإدانة مرتكبيه الذين يسيئون للإسلام، لأن هذا الفعل جريمة بحق الإنسانية،
وعلينا أن نتكلم بصوت عال مسموع لكافة الناس.
من وجهة نظري الإسلام بات يأخذ مساراً مرعباً وكمملكة هاشمية
علينا التزام أخلاقي يجبرنا أن نقف، أجل هنالك الكثير مما يدور من أشياء أخرى داخل
العالم الإسلامي ولكن يجب علينا أن نرسم الخطوط وإن لم نفعل ذلك فإن هؤلاء الناس
سينتصرون. وحتى السعوديون بدأوا يتحدثون بصراحة أكبر، وكانوا داعمين للمؤتمر الذي
عقدناه في الأردن لدول الجوار مع العراق حيث أصدرنا بياناً واضحاً
ودعوة لا لبس فيها ضد التطرف، وكان صوتهم مسموعاً في عمان وأصبح صوتهم مسموعاً أكثر
من ذي قبل في بلدهم الآن. لكن لا يزال البعض في العربية السعودية يعتقد أن مشكلة
المساندين لبن لادن لا تشكل سوى تهديد عابر وأن المتطرفين سوف لن تقوم لهم قائمة
بعد ستة أشهر من الآن. والقضية ليست كذلك بل إن الاعتقاد بذلك هو الذي سيغلّف
المشكلة ولا يحلها داخل البلد كما لن يحلها لدينا في العالم الإسلامي. ففي الأردن
كانت أحد الأسباب التي دعت والدي الراحل للقيام ببعض التغييرات في الطريقة التي
يدار بها مجلس العائلة في السنتين الأخيرتين قبل وفاته وقد أراد أن يعفي نفسه من
مسؤولية كونه ملكاً من أجل التفرغ تماماً للتعامل مع هذه المشكلة. لكن كان هنالك
ثمة مسألة مع شقيقه ( الحسن، ومن ثم ولي العهد) فيما يتعلق بالتوصل لاتفاق حول ذلك،
وفي النهاية لم يتمكن والدي من فعل ذلك. لكنه توقع بزوغ المشكلة في التسعينيات.
نصيحة لبوش
·
ما هي
النصيحة التي تقدمها لإدارة الرئيس بوش في تطوير الجيش العراقي ؟
ـ لا أعتقد
أن العراق سيكون قاعدة انطلاق لأي عمل ضد إيران. فلو كان لديك عراق مستقر قادر على
الدفاع عن نفسه، ومن جانب آخر الإيرانيون وآخرون خسروا قدرتهم على التأثير داخل
العراق، فإنك ستكون منتصراً. لكن هناك في الإدارة الأميركية من لا يفهمون في
الحقيقة العقلية العراقية ويعتقدون، على سبيل المثال، أن العراق يجب أن يمتلك فقط
قوات للشرطة. ففي العراق إذا قمت بإرسال الشرطة في مهمة فإن الناس سيضربونهم
بالحجارة، لكنهم في اللحظة التي يتحرك بها الجيش سيخرجوا في استقباله بالشاي
والكعك. لقد كانت غلطة كبيرة أن يجري حل القوات المسلحة وقوات الأمن العراقية في
بدء العملية. وفي مسألة تطهير البعثيين كنت أقول للرئيس بوش عليك أن تحدد العنصر
الجوهري في حزب البعث الذي يقلقك، وبعد ذلك أترك بقية المجتمع العراقي وشأنه. فهم
الرئيس بوش ما كنا نتحدث حوله لكننا شعرنا في كل مرة نلتقيه أنه يسألنا ما الذي يجب
على حكومة الولايات المتحدة أن تفعله وكان يتوجب عليّ في كل مرة أن أناقش نفس
النقاط التي ناقشناها من قبل. فقد تناهى إلى علمي أنه أرسل برسائله لأعضاء إدارته
من أجل تنفيذ هذه السياسة غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث. حالياً يقومون بمحاولة بناء
قدرة الجيش لكنهم في عجلة من أمرهم. فهم يريدون تنفيع الناس بجلبهم للتدريب لستة
أسابيع ثم يعودون بهم. وما هكذا يتم تدريب قوات منوط بها مواجهة الإرهابيين.
هنا في
الأردن ولكون الكثير من القوات الخاصة العراقية تحت التدريب من قبل قوات العمليات
الخاصة الأردنية، نستطيع أن نحدد أفضل المتدربين العراقيين بحيث يصبحون
هم المدربين. الدورة التدريبية التالية لدينا سوف تتم عملياً على أيدي كوادر
عراقية اجتازت المرحلتين أو الثلاثة مراحل الأولى من التدريب . نريد
تقديم تلك الكفاءة للجيش العراقي.
بعد ذلك
تأتي مسألة القوات الجوية العراقية. بعد سنتين أو ثلاث من الآن قد يقول أحد ما أنهم
بحاجة لقوات جوية وعليك حينئذ أن تبدأ من الصفر مع
الطيارين القتاليين.
بدلاً من
ذلك دعنا نحدد من يشغلون رتبة لواء ورؤساء فرق وحتى ملازم أول من العراقيين الشباب
المناسبين، وأن نخضعهم للتدريب. لديهم طائرات ميراج ولدينا نحن كذلك طائرات ميراج،
فهنالك لدينا أكثر من طريقة كي نقوم بالمساعدة. لكن المناقشات التقليدية
التي نواجهها عوضاً عن ذلك تريد بدل إنفاق سنة من التدريب، أن يتم ذلك كله
خلال ستة أسابيع.
دعنا نقوم
بكل ما قلناه ولكن لدينا قبل ذلك خطة طويلة المدى بدل الخطة الراهنة. على سبيل
المثال، لدي اقتراح بأن نصنع شراكة في التدريب، بأن نضع كتيبة عراقية مدرعة داخل
لواء أردني، وأن يخضع الجميع لدورة تدريبية لمدة سنة. إننا نخفض حجم
قواتنا المسلحة وسوف نحصل على دبابات أميركية ممتازة. سوف نعطيهم التجهيزات ونقوم
بتدريبهم داخل ألويتنا العسكرية وفي مناطقنا وباستطاعتهم في نهاية الدورة التدريبية
العودة للعراق كقوات موحدة مدربة جيداً.
· لقد أطلقت تحذيراً من أن الولايات المتحدة يجب أن ترسم بعض الخطوط
الحمراء للخليج "الفارسي" تحدد ما يشكل سلوكاً مقبولاً. فماذا تقصد ؟
ـ إذا كان ما نسمعه من كثير من العراقيين صحيحاً، وإذا ما شرعت إيران
بالتأثير على شيعة العراق، فإن ذلك سيخلق على الفور مشاكل داخل دول الخليج.
والإدارة الأميركية عليها أن تدرك أين سترسم الخطوط الحمر، لأن ما يقلقني ليس
الهلال السياسي، وإنما أيضاً الاستقرار في دول الخليج. ولذلك، وللمرة الثانية أقول
أن العراق هو أرض المعركة وهنالك يتوجب رسم الخط الأحمر.
العراق و"الهلال الشيعي"
·
لقد حذرت من
أن القيادة الشيعية في العراق قد تطور علاقات خاصة مع إيران وسوريا ولبنان وحزب
الله اللبناني من أجل خلق "هلال" سوف يثير عدم الاستقرار لدول الخليج ولعموم
المنطقة. هل لك أن تشرح ذلك..؟
ـ الهاشميون
من آل البيت (من عائلة الرسول) وليس لديهم مشكلة مع الشيعة. فنحن قريبون منهم بدرجة
قربنا من السنة. ولكن هناك الكثير من الناس في العراق بمن فيهم الشيعة الذين لديهم
اهتماماتهم الخاصة بإيران. وعلى الدوام نقول أن لب المشكلة في الشرق الأوسط هو
المشكل الإسرائيلي ـ الفلسطيني ولكن ولأول مرة، أخشى أنه ما لم تستقر الأمور بسرعة
في العراق في عملية تضمن جلب الاستقرار والأمن فإن المسألة الإسرائيلية ـ
الفلسطينية لن تعود هي لب المشكلة. وفي تلك الحالة فإن المشكل الرئيسي سوف يكون
بيننا حول العراق وسوف تكون المشكلة في الصراع الفظيع داخل الإسلام، الشيعي ـ
السني، والذي سيكون مدمراً لهذا الجزء من العالم.
إن ما يدعى بمسألة "الهلال" تم إخراجها من سياقها. فالمسألة بالنسبة لي
سياسية وليست دينية، تدور حول إيران، حول تورط إيران السياسي داخل العراق وحول
علاقتها بسوريا وحزب الله وتقوية هذا التحالف السياسي ـ الإستراتيجي سوف يخلق
سيناريوهات حيث تجد أن هذا الرباعي: إيران، عراق متأثر بإيران، وسوريا وحزب الله
والذين لهم هدف استراتيجي قد يتسبب في صراع رئيسي.
فليس لدي
أية مشكلة مع الشيعة. وإنما مشكلتي الحقيقية مع أطراف سياسية إيرانية محددة لها
تأثيرها داخل العراق.
ووجهة نظرنا
المطروحة على الولايات المتحدة الأميركية هو أن عراقاً قادراً، مستقلاً، آمناً هو
أفضل الطرق لاحتواء إيران. وهنالك سبب واحد لما جرى عام 1980 من حرب بين العراق
وإيران. والإيرانيون يدركون أن الطريق لتحقيق نجاح ضد الغرب من قبلهم هو بنجاحهم في
العراق. ولذلك فإن العراق هو أرض المعركة التي يخوضها الغرب مع إيران.
·
إن حصول
إيران على قدرات نووية سوف يغير المعادلة، ما هو أفضل رد فعل على ذلك..؟
ـ عليك أن
تتعامل مع إيران بجبهة موحدة. فعندما ذهبنا إلى إيران منذ حوالي السنة والنصف كان
الإيرانيون تحت ضغط هائل. كانوا يشعرون بأنهم حشروا أنفسهم في الزاوية المحكمة وهذا
ما جعلهم يقولون: "من فضلك نريد الوصول إلى مخرج مع الولايات المتحدة الأميركية،
فلدينا سجناء من تنظيم القاعدة نريد تسليمهم، ونريد التحدث حول أسلحة الدمار
الشامل، ونريد أن نصل إلى تفاهم مشترك حول مسألة العراق ووحدة العراق". ولكن في
الدقيقة التي طرق بها رؤساء ووزراء أوروبيون أبواب إيران أحس الإيرانيون أن الضغط
زال. فكيف يتم التعامل مع السلاح النووي الإيراني الآن، لقد سلكت طريقها أوروبا،
وخاصة فرنسا وألمانيا طريقا مغايرا للطريق الذي سلكته الولايات المتحدة حيال هذا
الأمر.
·
كيف يمكن أن
تكون هنالك جبهة موحدة للتعامل مع إيران ؟
ـ أنت بحاجة
لجبهة موحدة. ومع ذلك فهذا لا يعني أننا يجب أن نترك الإيرانيين خارج السيطرة
Off
the hook
في ما يحاولون عمله في العراق.
عملية السلام العربي-الإسرائيلي
·
نهاية حرب
عام 2003 وموت ياسر عرفات قد تكونان فتحتا نافذة لفرصة أن تتقدم العلاقات
الفلسطينية- الإسرائيلية، فما هي مسئوليات الدول العربية الأخرى حيال ذلك؟
ـ كيف تحقق لوالدي الراحل الدخول في عملية السلام..؟ وكم كان ناجحاً في
بناء علاقة مع الراحل إسحق رابين..؟ لقد تحقق ذلك لأنه وضع نفسه في مكانهم، فما
الذي يريده الإسرائيليون..؟ إن إسرائيل تريد أن تكون جزءاً من المنطقة من المغرب
إلى طول الطريق المؤدي إلى قلب لعالم العربي. وهذا هو الثمن الذي يتوجب على العرب
أن يكونوا راغبين بأن يدفعوه. الإسرائيليون يجب أن يكون لديهم حرية الحركة وحرية
الوصول والإحساس بأنهم جزء من المنطقة بالكامل. والتضحية التي يتوجب عليهم تقديمها
في سبيل ذلك هي مستقبل واضح للفلسطينيين.
ولكن هل دفع
هذا الثمن يضمن للإسرائيليين بأن يجنوا فوائده..؟
هنالك
إسرائيليون جادون ينظرون للمنطقة ويقولون: " أجل، سوف نقوم بهذه التضحية، سوف نتخذ
هذا القرار الصعب وسوف نعمل مع الفلسطينيين من أجل أن يكون هنالك بعضاً من التعايش
المشترك. لكن هل ذلك يغير في الحقيقة علاقتنا بالدول العربية الأخرى ؟ "
وظيفتنا هي
أن نقنعهم وقد ابتدأنا بذلك في الأردن والذي أصبح فيما بعد جهداً أردنياً مصرياً "
المقاربة بسلتين" في عام 2001 والذي تمت ترجمته فيما بعد في موقف
الأمير عبدالله في إعلان مؤتمر القمة العربي في بيروت عام 2002 .
أعتقد أن ذلك بحاجة إلى إعادة طرح وها نحن قد ابتدأنا.
هنالك مؤتمر
سلام في لندن في آذار . يعقبه بأسبوعين مؤتمر القمة العربي. يجب علينا أن نوصل
للإسرائيليين – ليس فقط ما يتعلق بذلك. وإنما نحن بحاجة أن نجد أية ضمانات يمكننا
أن نمنحها لإسرائيل في ما يتعلق بما يكون العرب بحاجة للقيام به. نحن
بحاجة لأن نتقدم لمؤتمر جامعة الدول العربية في الجزائر بما هو " أكثر، أكثر من
بيروت" "Beirut-plus-plus," . ببيان واقعي للإسرائيليين بأن هذا ما يمكننا عمله وما هو أكثر
مما يمكننا أن نقوم به.
·
إعلان بيروت
غدا فاتراً لأن توقيت صدوره كان في ذات اليوم الذي نفذت به واحدة من أبشع العمليات
الإرهابية في إسرائيل – تفجير فندق بارك في عيد الفصح – ولم يقل الناس شيئاً في
بيروت عن ذلك..؟
ـ إنها
السياسة. نأمل أن يحالفنا حظاً أوفر في الجزائر. لكن الكرة في ملعبنا. والأمر راجع
لنا في أن نتوصل إلي ما هو مرض للإسرائيليين بطريقة أكثر قوة وأكثر وضوحاً. من
حسنات إعلان مؤتمر بيروت أنه تم توقيعه حتى من صدام حسين. وهكذا فلم يعد ـ الإجماع
العربي ـ مشكلة ولا هو بالتمرين الذي يسبب لنا مشكلة لنزعج أنفسنا في حلها.
·
العام 2005
هو عام فك الارتباط الإسرائيلي بقطاع غزة وشمال الضفة الغربية وليس عام المفاوضات
حول الوضع النهائي. كيف تحافظون على ديمومة ديبلوماسية وسياسية حية وأنتم تعلمون أن
المحادثات حول نهاية اللعبة ليست على الطاولة في أي وقت قريب..؟
ـ كان هذا
واحداً مما ناقشته مع الرئيس بوش في مجال تبادلنا لوجهات النظر، فقلت: "سيدي، لقد
تحدثت عن رؤية لدولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة. وهذا يوصلنا للجزء القابل
للحياة. وأنا معني بأننا قد، في سنة أو اثنتين، لا نكون قادرين على التحدث حول دولة
فلسطينية قابلة للحياة" ولذلك بالنظر إلى الصورة الأكبر، فإذا لم يكن هنالك مستقبل
للفلسطينيين، فهل نعرض المنطقة لعدة عقود من الصراع بين العرب وإسرائيل وبين
الإسرائيليين والفلسطينيين..؟
رئيس
الوزراء شارون يريد السلام مع الفلسطينيين ولكنه أيضا في جزء منه لا يضيره أن ينتظر
عشرة سنوات. فهل نحن قادرون على المعاناة عشرة سنوات أخرى..؟ اعتاد والدي القول أنه
يريد السلام لأطفاله وأطفال أطفاله. وكان يتحدث عنا نحن. فهل عليّ أنا الآن أن ابدأ
بالقول أنني أريد السلام لأطفالي ولأطفال أطفالي..؟ الشرق الأوسط لا يستطيع
الانتظار طويلاً.
فيما يتعلق
بمسألة دولة قابلة للحياة، فليس أمامنا أكثر من سنتين أو ثلاث سنوات على أبعد
تقدير. وإذا لم يكن لدينا مستقبل للفلسطينيين فإلي أين سيؤدي بنا ذلك..؟ فإذا لم
يكن لديك دولة فلسطينية فإنني أستطيع أن أفهم أن المشكلة الإسرائيلية ـ الفلسطينية
سوف تصبح مشكلة إسرائيلية ـ فلسطينية ـ أردنية. وكما قلت للرئيس في محادثات خاصة
"من فضلك إذا كان ثمة مفردة أود التركيز عليها فإنها ستكون كلمة "قابلة للحياة".
·
أشار الرئيس
لكلمة "قابلة للحياة" في خطابه يوم 9 يناير عقب الانتخابات الفلسطينية. ثم ذكر بعد
ذلك المصطلح مرة ثانية في اليوم التالي ولكن قال فقط "أنه من الضروري أن يكون هنالك
اقتصاد قابل للحياة ونظام للعناية الصحية قابل للحياة" دون أن يذكر الأراضي..؟
ـ أنا وهو
نعرف ماذا يقصد بتلك الكلمة لأنه قال "هل تقصد الخرائط".. وأنا قلت "السيد الرئيس،
مما لدي من معلومات، أنت تعرف عن المستوطنات والطرق والخرائط أكثر مما أعرفه أنا".
ولذلك عندما تحدثت أنا وهو حول ذلك فقد كنا نتحدث عن الحدود والمناطق وقال لي:
"الرسالة وصلت".
الإصلاح السياسي الأردني
·
عندما توليت
مقاليد الحكم قبل ست سنوات حددت الخطوط العريضة لسياسة عدم التدخل في شؤون الآخرين.
لكن في السنة الماضية تحدثت عن التطورات داخل العراق ونصحت عرفات بأن ينظر للمرآة
وأن يرى إذا ما كان يخدم شعبه. لماذا حدث هذا التغير..؟
ـ عدم
التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين يعني أننا لن ندخل إلى الضفة الغربية. وكنا
حريصين جدا في ذلك وباستخدام المثال العراقي هنا، هي وجهة النظر التي استخدمها فقد
كنت معارضاُ جداً لفكرة أن تتورط العائلة الهاشمية في العراق. الشيخ علي، الأمير
الهاشمي، ما انفك يدور حول بابنا من أجل الزيارة، لكنني رفضت وأبلغت الجميع بذلك
بمن فيهم الأمير حسن. وفي كل وقت يثار فيه الموضوع لا أتفق مع أعضاء الحكومة حول
التورط في العراق، لا أعتقد أن للهاشميين دور في ذلك. وإذا كان ثمة دور لهم فقد كان
لعدة سنوات، دون الخط المحدد إذا ما أراد العراقيون ذلك.
ونفس الشيء
عندما أتحدث عن الأرضية الأخلاقية للإيرانيين والآخرين الذين يرغبون بتدخلات معينة
في العراق، وعندما أقول ذلك، لا أعتقد أن عمان يجب أن تتورط في بغداد. فنحن لا نلعب
ألاعيب من نوع الحرب الباردة مع شعبي داخل الضفة الغربية في محاولة إثارتهم ضد
الطرف الآخر. لذلك أقول نعم، فأنا أسمي الأشياء بمسمياتها سواء في إيران والعراق أو
عرفات والفلسطينيين.
تصريحي حول
عرفات كان محسوباً ليكون له أثر. ولم أكن أعرف أنه مريض إلى ذلك الحد. لكنني رأيت
ماذا كان يجري معه وكان لزاماً عليّ أن أتحدث. إن مشكلة الفلسطينيين هي أنهم ينفقون
معظم وقتهم في وضع اللوم على الشارع العربي والقادة العرب. وهذا ما كنت أقوله، كفوا
عن لومنا لأننا جاهزون لمساعدتكم، ولكن يتوجب عليكم مساعدة أنفسكم أولا. إذا نظرت
إلى قناة الجزيرة فإنها تقول دائما: "أين الزعماء العرب، أين الشارع العربي، وأنهم
يخذلوننا" لا، إنكم أنتم تخذلون أنفسكم بأنفسكم.
ونحن نريد مساعدتكم ولكن في
كل مرة كنت أجلس فيها مع عرفات وأسأله أين خطتك وأين
استراتيجيتك لم يكن هناك أي شيء من هذا.
·
قبل ست
سنوات كان الاقتصاد على رأس أولوياتكم وقلت ذلك
مائة مرة.. فما هي أول أولوياتكم الآن..؟
ـ عندما
نغير الأولويات فهذا لا يعني أن نقلل من شأن أي من الأولويات الأخرى. لذلك أعتقد أن
المسائل الاجتماعية ـ الاقتصادية socioeconomic يجب أن تتحرك بأقصى سرعة. ولا نستطيع أن نعتقل أي شخص بسبب ذلك.
لكن قبل سنة أعلنت أننا الآن جاهزون للإصلاح السياسي. وبعد ذلك في خطاب في البرلمان
قلت أن الإصلاح السياسي مهم، لكن نكهة الشهرين التاليين هي الإصلاح الإداري، بعض
الناس هنا قالوا "آه، إننا نتلكأ في الإصلاح السياسي" ولكن هذا الشيء لا ينفي شيئا
آخر. لقد بدأنا على مستوى قاعدي بمهاجمة مختلف المشاكل في الأردن. وجميع هذه
البرامج سوف تستمر. لكننا الآن في وضع مؤهل للتعامل الحقيقي مع الإصلاح السياسي.
لدينا مقترح رئيسي سوف يظهر حول الإصلاح السياسي. المشكلة أني جربت الإصلاح السياسي
من القمة للقاع ولم تجد نفعا. كنت أحاول مع البرلمان خلق حزبين أو ثلاثة تمثل
اليسار واليمين والوسط بدلا من الثلاثين حزبا أو نحو ذلك الحالية. لقد كنت أتوسل
البرلمانيين. هنالك 110 برلمانيين على مستوى تعليمي أفضل واكثر شبابا من سلفهم.
وقلت: "ماذا تمثلون..؟ فنحن نعرف ماذا كان الجيل الأكبر يمثل، ولكن ماذا عنكم أنتم
البرلمانيين الشباب، ما هو موقفكم من المسألة الصحية..؟ ما هو موقفكم من التعليم..؟
ما هو موقفكم من الخدمات الاجتماعية..؟ كنت آمل أن نكون قادرين على التعامل مع
مسائل من طراز إعطاء الفرصة الكافية للبرلمانيين الشباب بحيث نستطيع البدء في خلق
هذه التكتلات. إذا فعلنا ذلك، قلت لهم، فإنكم في الانتخابات المقبلة ستفوزون بسبب
برامج أحزابكم وليس لأنكم من هذه العشيرة أو من تلك القرية أو تلك الجماعة. ولسوء
الحظ أننا لن نتوصل إلى ذلك في هذه الدورة البرلمانية. لذلك أنا عازم الآن على
العمل من القاعدة نحو الأعلى. نحن مقبلون على عمل شيء في الأردن غير مسبوق في الشرق
الأوسط. وهو أمر على مستوى من الجدية. وقد التقيت اللقاء الأول مع مجموعة صغيرة
وقلت "أنتم جميعا تفهمون عندما نبدأ العملية أننا نتحدث عن إصلاح ديمقراطي حقيقي،
وحالما نبدأ ذلك فلا مجال للتراجع، وهي عملية شاملة وطويلة المدى".
سوف تلاحظ
عندما نتحدث عن الإصلاح السياسي أن هنالك إصلاح أيضا للقطاعات الأمنية. أعتقد أنهم
بدأوا يفهمون الرسالة وهي أنه لا يمكنك أن تقوم بالإصلاح السياسي وأنت محتفظ
بالطريقة القديمة في العمل.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليقات