نص الحوار مع الشاعر سميح محسن في جريدة القدس





لقاء مع الشاعر الفلسطيني سميح محسن و(الخروج من الغرف الضيقة)
Poet-Interview: Sameeh Mohsen


نص الحوار المطول مع الشاعر سميح محسن في جريدة القدس
أجرت جريدة القدس حواراً مطولاً مع الشاعر سميح محسن حول تجربته الشعرية، ورؤيته لواقع الحركة الثقافية في الأراضي المحتلة، وموقف الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين من العديد من القضايا المطروحة، وقد نشر الحوار في (القدس الثقافي) بتاريخ 13 آذار (مارس) 2011، وفيما يلي نص الحوار كاملاً.



** الولادة والنشأة
·         ولدت عام 1956 في أسرة ريفية فقيرة، ونشأت وترعرعت فيها. كان والدك ـ رحمه الله ـ يعمل في عمان، وكان يأتي لزيارتكم مرة كل أسبوعين، وبالتالي فقد تولى شؤون حياتكم اليومية جدك ـ رحمه الله ـ.الذي صرحت سابقا أنك تأثرت به.. هل لك أن تطلعنا أكثر على البيئة التي نشأ فيها سميح محسن؟ وكيف أثرت هذه البيئة عليك كشاعر؟
-          {{أنا ابن جدي/ لذا فأنت تراني بزيٍّ وقورٍ/ وأبكي /إذا دمعةُ الطفلِ سالتْ… أنا ابن أبي / لذا أكره البطشَ / أبكي / إذا كفةُ الظلمِ / على كفةِ العدلِ مالتْ / أريدُ لابني بأن لا يكون سواه / وأنْ لا يرددَّ في يومِهِ:/ قالَ، وقالتْ}}
ليكن الشعر مبتدأ القول، وفي هذه (الغنائية) القصيرة جداً التي ستنشر في مجموعتي الشعرية الجديدة (جمرة الماء) المنتظر صدورها قبل حلول الربيع ألخص تلك البيئة التي عشت فيها وتأثيراتها عليّ كسلوكٍ يومي، وكشاعر.
لَم أسأل والدتي ـ أطال الله في عمرها ومنحها الصحة والعافية ـ في أي ساعة ولدتني، وإنما أعرف أنني من مواليد الثالث من كانون ثاني (يناير) عام 1956، وكنت المولود الرابع، وبعد عشرة أعوام أصبح ترتيبي الرابع بين ثلاثة أشقاء وسبع شقيقات، توفيت الصغرى في عامها الثاني، وفي عام 1975 عدنا لنكون أحد عشر شقيقاً وشقيقة، ولكن هذه المرة زاد الذكور بيننا واحدا.
وإن كنت من مواليد قرية الناقورة في محافظة نابلس، إلا أنني عشت سنوات ما قبل التحاقي بمقاعد الدراسة في عمّان، حيث كان يعمل والدي ـ رحمه الله ـ هناك. عن تلك المرحلة لا أحمل الكثير من الذكريات، وأحياناً أحاول اختبار الذاكرة كلما زرت عمّان بسؤال شقيقي الذي يكبرني عن الأمكنة التي كانت. قبل التحاقي بمقاعد الدراسة أعادنا الوالد في صيف عام 1962 إلى القرية، وأما هو فبقي هناك حيث كان يعمل (مدير قلم) في مستشفى (ماركا) العسكري، وتولى أمر تربيتنا وتسيير شؤون حياتنا اليومية جدي ـ رحمه الله ـ.
في قصيدتي (الذين استفاقوا على وحدتهم) المنشورة في مجموعة (رؤياي لي) سردٌ لعلاقتي مع جدي، فقد كنت أمشي وراءه كظله، إلى المسجد، إلى الحقل، في زياراته إلى أبناء جيله الذين كانوا يلعبون ورق الشدّة. ورغم انسلاخي عن بعض تلك التقاليد، إلا أنني ما أزال أحتفظ بقدر من المحافظة في سلوكي اليومي تأثراً بتلك العلاقة.
عن الأيام الماضيات تحدثني الوالدة إلى يومنا هذا. كان جدك يطرق الأبواب باحثاً عن دَيّنٍ لشراء أضحية العيد، وذات مرة ضاقت به الدنيا فباع قطعة أرض صغيرة لأجل ذلك. هذه الحال ازدادت سوءاً بعد النكسة. قد تنطبق تلك الصورة على آلاف العائلات الفلسطينية، ولكن الآلاف أيضاً من أبناء شعبي وجدوا طريقهم إلى ألمانيا، وبعضهم إلى الكويت، وإن نجوا من الخزان الذي حدثنا عنه الكاتب الشهيد غسان كنفاني، وبالتالي حسّنوا من ظروف حياة أسرهم بهذا القدر أو ذاك.
تلك البيئة التي شهدت تكويني، بدون تجميل أو تزيين، وهذه البيئة بشكل عام، وبيئة القرية بشكل خاص، لها تأثيراتها الواضحة في قصيدتي. هل هو حنين إلى الماضي؟ هل هو إخلاص له؟ هل هو شكل من أشكال حراسة الذاكرة من النسيان؟ هل كل ذلك مجتمعاً؟ لست أدري!!
** ثورة الشعوب ودور المثقف
·        تقول في قصيدة لك: لنَا فِي ضِفتيِّ النيلِ أغنيةٌ… قُرُنْفُلَةٌ…أبٌ، أمٌ، وفلاحونَ، عمالٌ، وشبّانٌ، وكتّابٌ، وقرآنٌ، وأعلامٌ، ولوحاتٌ، وموسيقى… وميدانٌ،…تَماثيلُ الأسودِ، تُبَثُّ فيهَا الروحُ.. تَنْهَضُ، تَحْرُسُ الأحْلامَ في الميدانْ..برأيك ما الدروس التي يمكن أن تقدمها ثورة الشباب في مصر للمثقفين العرب؟
-          تلك كانت آخر قصيدة أكتبها قبل هذا الحوار. بطبعي لست منحازاً لقصيدة المناسبة، إلا أنَّ الأحداث الكبرى تفرض نفسها على الشاعر، والشعر هو الفن الأكثر استجابة من غيره للتفاعل مع الحدث، ومحاولة التأثير فيه. الشاعر الراحل محمود دوريش لَم يكن بمنأى عن ذلك، وكلنا نذكر قصيدته (عابرون في كلام عابر) التي اعتبرها قصيدة مناسبة لم تكتمل فيها الشروط الفنية.
قصيدتي (لَنا في النيل) نالت إعجاب كثيرين من القراء، ومنهم كتاب معروفون في مصر، ولعل الحدث الذي قيلت فيه كان أحد أسباب الاهتمام بها، واشتهارها. لقد أزاحت (ثورة الغضب) في مصر المساحات الرمادية خارج ميدان التحرير. كتّاب السلطان كانوا خارج الميدان أصلاً، والكتّاب الثوريون كانوا داخل الميدان، وأما الكتّاب المحايدون فهم الذين كانوا حائرين في وضع أقدامهم داخل الميدان أم خارجهم، لذا فإن رأيي سيكون بالنسبة للفئة الأخيرة. الدرس الذي علمتنا إياه ثورة الشباب في مصر هو أن المثقف إما أن يكون في حجر السلطة ويقف ضد حركة الجماهير، وإما أن يكون في قلب حركة الجماهير ويكون ضد السلطة. أشير هنا إلى أن النخب الثقافية الجذرية في مصر دخلوا إلى ميدان التحرير في الخامس والعشرين من كانون ثاني (يناير) 2011 وبعضهم لم يبرح المكان حتى بعد تنحي حسني مبارك عن الحكم. فالرسالة واضحة، إما أن نكون في ميدان التحرير، وإما أن نكون خارجه، ولا يوجد سور (أعراف) هناك!!
الاتحاد وما أدراك ما الاتحاد
·        نلاحظ أن اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين يجتهد لتوحيد جهود المثقفين الفلسطينيين في الداخل والخارج، وفي الوقت ذاته يبدو أنكم شرعتم في نشر الأعمال الكاملة لعدد من الأدباء المخضرمين..أين وصلتم في هذا وذلك؟ وما هي أبرز الصعوبات التي تعترضكم؟
-           قبل عام تسلمنا الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين, وفور الإعلان عن أسماء الأمانة العامة، أُعْلِنَت الحرب عليها، ولم تتوقف حتى الآن. عندما قبلنا أن نكون في الأمانة العامة للاتحاد، كان الحلم بأن نعيد للاتحاد مكانته ودوره في حركة التحرر الوطني، وأن نجعله رافعة حقيقية للثقافة الوطنية التقدمية الإنسانية الفلسطينية. أدركنا أن هذا الحلم لن يتحقق إلا من خلال إنجاز عدة أهداف، منها: إنجاز مهمة توحيد الاتحاد مع الشتات، وخلق حالة وحدة مع الكتاب الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني، إنجاز ملف العضوية، خلق شروط حياة كريمة لأعضاء الاتحاد كالتأمين الصحي، التقاعد، منح التفرغ، بناء مقر مؤقت للاتحاد في مدينة رام الله، نشر الكتب، وغيرها من الأهداف.
كنا ندرك أننا نضع أحلاماً كبرى على الطاولة، وفور تسلمنا للأمانة تحركنا باتجاه عقد لقاءات مع كبار المسؤولين في السلطة، وفي منظمة التحرير الفلسطينية من أجل انتزاع حقوق الكتّاب الفلسطينيين واتحادهم من أموال الشعب الفلسطيني التي بين أيديهم، إلا أن الوعود التي وُعِدنا بها لم يتم الوفاء بها. تصور أننا استلمنا من الاتحاد باب المفتاح الخارجي وكانت الكهرباء مقطوعة عنه، وما أخذناه لا يتعدى إعادة إضاءة الأنوار الداخلية للاتحاد.
أما بالنسبة للكتب التي طبعت على نفقة الاتحاد فإن الأمانة العامة غامرت بطباعتها على أن يتم بيعها، ومن ريعها سنقوم بتسديد ثمن الطباعة. نحن في الأمانة العامة نُعلي الصوت الآن في وجه مَنْ وعدوا، وخنثوا بوعودهم، مع تأكيدنا أننا نطالب بحق ولا نستجديه. إذا استمرأ المسؤولون عن المال العام في موقفهم، فإن الأمانة العامة ستخرج للعلن بموقف واضح وصريح من كل ما جرى، وسوف تسمي الأشياء بأسمائها، وعلى كل معنيّ أن يترقب ذلك، بما في ذلك إعلان استقالتها وتسبيبها.
وأما على صعيد خطوات توحيد الكتاب الفلسطينيين في جسم واحد، فنحن قطعنا شوطاً في هذا المضمار. بالنسبة للأخوة في الشتات خطوا خطوات، ولكنها بحاجة للاستكمال، وبالنسبة للأخوة في الداخل فقد أعلنوا عن تأسيس اتحاد الكتاب العرب (حيفا) وقد اجتمعت الأمانة العامة بوفد من أشقائنا في قيادة الاتحاد هناك، وأكدنا معاً على وحدة الكيان الوطني الفلسطيني، ووحدة الشعب، وبأن جذور القضية الفلسطينية بدأت من هناك، وأن حلها يعود إلى بداياتها. 
سقوط سقف المنزل
·        كتبت في إهداء مجموعتك الثانية “الممالك والمهالك” قائلاً: “وفاء إلى روح أبي…ودعته صباحا ولم ينتظر عودتي…إلى أمي..إنسانة صمدت أمام الزلزال… وبكت أبي في كبرياء”..هل هذا الإهداء نابع من حادثة ما في حياتك؟ وما الذي تركه أبوك وأمك فيك؟
-           بدأت علاقة الوعي بوالدي – رحمه الله – في الخامسة عشرة من عمري، وفي سن العشرين غادرت إلى الكويت وعدت في الخامسة والثلاثين، وفي الأربعين من عمري غاب. وقبل النكسة، كما ذكرت، كنت ألتقي به مرتين في الشهر. يبدو أن العلاقة المتأخرة، أعطت بعداً مختلفاً لهذه العلاقة، حيث كان رحمه الله ديمقراطياً في إدارة شؤون العائلة، وهذه العلاقة سهّلت عليّ اختياراتي. في السنوات الخمس الأخيرة من عمره كانت شروط الاصطدام بين جيلين مهيأة تماماً ـ فعلى سبيل المثال ـ وإن لم يكن متعصباً إلا أنه كان متديناً، والآن أقول أنه كان متسامحاً في علاقته معي حيث أنني أعتبر نفسي العلماني الوحيد في العائلة التي امتدت.
ظروف الوفاة هزّتني في العمق. صبيحة يوم وفاته أقلني في سيارته إلى نابلس للسفر إلى عمّان، وفور وصولي إلى عمّان تلقيت مكالمة هاتفية من أحد الأقارب يطلب مني العودة لأن الوالد مريض، وقبل عودتي فوراً كنت عرفت أنه توفي. هذا الموقف ما يزال يحتل مكاناً في جواني. وأما الوالدة، أطال الله في عمرها، فمسحت دموع البكاء المرّ والحارق على والدي، وحاولت علاجي بالصدمة عندما واجهتني بسؤالها: “هل هذا موقف رجال ؟!!”
أشبِّه الغياب النهائي للأب بسقوط سقف المنزل، فهذا الغياب لا يُعَوَّض، وحاولت تعويضه بمضاعفة علاقتي بالأم، وتعزيز ارتباطي بها، وبإعادة نفسي إلى طفولتي الأولى، ومهما كبرا، الأم والابن، فإنها تنظر له بأنه طفل، وهو ينظر إليها بأنها ما تزال عالمه الأول.
** لا أدعي التنبؤ
·     تقول في قصيدة لك: “إلى أين تأخذنا سيد العرش؛ إلى البحر؛ أم إلى التيه من غير بوصلة، غابة؛ أم إلى دولة من غبار؟…إلى أين يأخذنا برأيك “سيد العرش”؟ وهل تعتقد أن قضيتنا الوطنية عموما في تراجع؟ ماهي الأسباب؟
-        هذا مطلع قصيدة مطولة بعنوان “خطاب جمعي أمام الباب العالي” كتبتها في مايو (أيار) 1994، وتاريخ كتابة القصيدة يفسرها. أنا لا أدعي التنبؤ، ولكنني عارضت اتفاق أوسلو، والأسئلة التي أوردتها كاقتباس تعكس حالة الالتباس التي وضعتنا فيها القيادة السياسية الفلسطينية، التباس سؤال أوسلو، ولا فائدة في إيراد المزيد من التفسير لأننا نواجه الحقائق اليوم على الأرض بشكل جلي وواضح.
القضية الوطنية في تراجع لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، ولا أظنّ أن أحدا ينفي ذلك، وإن أراد ذلك الأحد ذلك فاعتقد أنه لن يكون بمقدوره قول أي قول آخر. ما أضيف من عوامل ذاتية هو حالة الانقسام/الشرخ الداخلي. فلنبتعد عن السياسة ونعود للحديث عن الثقافة يا صديقي.



** فلسفة الغياب  
·        كتبت رسالة نثرية منشورة في الإعلام إلى صديقك تيسير نظمي بعنوان “فلسفة الغياب” هل في هذه الرسالة حنين إلى الغائبين؟ ولماذا إلى تيسير نظمي على وجه التحديد خاصة أنك أهديته قصيدة بعنوان”الانهيار” جاء فيها: “تَضِيقُ بِنَا الأَرْضُ.. نَتْرُكُ أَوْرَاقَنَا فِي الطَلِّيعَةِ… نَخْرُجُ بحْثَاً عَنِ التَبْغِ..وَالأَصْدِقَاءِ..فَنَمْضِي إِلَى شَارِعٍ..تُهْدَمُ فِيهِ العَمَارَاتُ.. تُمْسِّي خَرَاباً حَدِائِقَ لِلَّهْوِ.. أَوْ مَجْمَعَاً لِلعَقَارَاتِ..تَزْحَفُ فِيهِ الكَوَارِثُ؟”
-          تعرَّفت على القاص تيسير نظمي في الكويت عام 1978، وهو بالمناسبة من أهم كتاب القصة القصيرة الفلسطينيين. على مرّ الأيام توطدت العلاقة بيننا، وأصبحنا صديقين، وربطتنا رؤية متقاربة في السياسة والفن. في 11/11/1990 غادرت الكويت وتركت تيسير وعائلته هناك إلى أن التقينا في عمّان في منزل صديقنا الكاتب الراحل صلاح حزّين، ثم غبنا عن بعضنا، ومنذ تلك السنة لم نتقابل، وغابت أخباره عني. في العام 2007 استهديت إلى عنوان بريده الإلكتروني، وأرسلت له الرسالة التي أشرت إليها، وبدوره قام بنشرها على موقع حركة إبداع التي يديره.
تجربتنا في الكويت كانت غنية، وتجربة تيسير نظمي كانت أعمق وأغنى في معرفة تفاصيل حياة الجالية الفلسطينية كونه عاش طفولته فيها على عكسي الذي وصلها في العشرين من عمره، وعَكَسَ تلك التجربة في كتاباته بشكل رائع. بدون انحياز متكلف أقول بأن تيسير نظمي وقف على النقطة التي وصل إليها الكاتب الشهيد غسان في كتابته عن ذلك المكان وناسه، وأكمل الكتابة بصوته الخاص، وبأدواته الفنية الخاصة.
لقصيدة الانهيار قصتها. في سبعينيات القرن الماضي، شهدت إيجارات الشقق في الكويت ارتفاعا خيالياً، وقام مالكو العمارات السكنية بإخلائها من مستأجريها، وهدمها، لإعادة بنائها، وتأجيرها بأسعار خيالية. كانت العمارة التي نشأ فيها تيسير واحدة منها، حيث شاهد، وشاهدنا معه عملية الهدم المنظم لذكريات طفولته وصباه وشبابه. لقد كان القانون الذي شرع تلك العملية يستهدف التضييق على أبناء الجالية الفلسطينية، وبخاصة الفئات الفقيرة منها. وجاء ذلك القانون في ظل حالة الانهيار التي كان يعيشها الوطن العربي في تلك المرحلة.



** التمرد العقلاني
·        تقول في الرسالة النثرية السابقة: أأقول لك أنني ما زلتُ متمرداً كالأمس، قد أكذب، إلا أن الشيء الذي أدعيه أنني ما زلت أحمل وجهة نظر نقدية، وأطرح وجهة النظر هذه إذا امتلكت الوسيلة..لماذا ما عاد سميح محسن متمردا مثلما كان في الأمس؟!
-          انقطعت علاقتي اليومية المباشرة بصديقي القاص المبدع تيسير نظمي عام 1990. في عقد الثمانيات من القرن الماضي، كنا في تلك السنوات نعيش سنوات التمرد، وكانت أعمارنا الشابة، وعدم بلوغ القدر الحالي من الحكمة، وحالة الرفض التي نعيشها تساعدنا على التمرد. ما كان ينطبق من وصف بالأمس عليّ لم يعد ينطبق اليوم. كانت التسمية المحببة التي يطلقها أصدقائي من الكتّاب والمثقفين عليّ هي (الشاعر الصعلوك). في تلك المرحلة كانت بعض سمات الصعاليك تنطبق عليّ، وإن لم يكن للسن هنا علاقة، فأعتقد أن هذا الوصف قد لا ينطبق علي وأنا في الخامسة والخمسين من العمر. لذا عندما خاطبت تيسير بتلك اللغة كنت أعني أنني قننت حالة التمرد الشبابي، وانتقلت بها إلى حمل وجهة نظر معارضة في إطارها العقلاني الذي لا ينتقص من المبدأ نفسه. فالتغيير حدث في أساليب التعبير عن الاحتجاج والسخط على كل مظاهر الخراب، وليس على مهادنة الخراب، والسن والتجربة لهما دورٌ في هذا المقام.



** مشكلة النشر
·        لك أربع مجموعات شعرية، الرابعة منها بقيت لفترة طويلة في الدرج تبحث عن ناشر لها.. كيف استطعت أن تخرجها إلى النور ؟ ما هي الصعوبات التي يواجهها الأدباء الفلسطينيون عموما في عملية النشر؟
-          هناك مشكلة في النشر تواجه قطاعاً كبيراً من الكتاب الفلسطينيين. دعنا نحصر الحديث عندنا، فجهات النشر محصورة في بلادنا بشكل أساسي بوزارة الثقافة، الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، بيت الشعر، مركز أوغاريت الثقافي، ومراكز أخرى تعنى بنشر أدب الأطفال. لن أجامل أحداً في حديثي هنا، وسأبدأ في وزارة الثقافة.
في احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية أعلنت الوزارة أنها ستقوم بنشر كتاب في كل يوم من أيام الاحتفالية، وطلبت من الكتّاب تسليمها مخطوطاتهم، وأنا واحد منهم، لذا دعني أتحدث عن مجموعتي الشعرية الخامسة (جمرة الماء) وليس عن مجموعة (رؤياي لي) التي صدرت عن مركز أوغاريت الثقافي عام 2008. قبل عامين سلمت الوزارة المخطوطة، وانتهت الاحتفالية التي وصفتُها بالزفة الفلسطينية، ولم يصدر إلا بمعدل كتاب في الشهر وليس في اليوم. انتقلت المجموعة إلى بيت الشعر، ومديره صديقي الشاعر مراد السوداني، الأمين العام للاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، وبسبب الظروف المالية في بيت الشعر لم تصدر المجموعة إلى أن تعهد أحد مراكز حقوق الإنسان بتمويل طباعتها، وهي الآن قيد الطباعة. بيت الشعر كجهة نشر أيضاً يعاني من ظروف مالية غاية في الصعوبة في هذه الفترة، ووضع اتحاد الكتّاب أصبح معروفاً، وأما مركز (أوغاريت) الثقافي فهو يمرّ منذ عامين بأزمة مالية أيضاً. هذا الواقع بالتأكيد سيخلق صعوبات كبيرة أمام الكتّاب، وبخاصة الشبان منهم حيث كانت تلك الجهات، وبمستويات مختلفة، تقوم بطباعة ونشر الكتب الجديدة.
وحتى موضوع النشر لا يخلو من تأثير العلاقات الشخصية، فهناك كتّاب يعيدون نشر أعمالهم المنشورة في غير مكان، بينما لا يجد آخرون فرصة للنشر. بالنسبة لي لم تتح لي حتى هذه اللحظة نشر أي كتّاب على حساب المؤسسة الرسمية، لا في الخارج عن طريق دائرة الإعلام والنشر في منظمة التحرير الفلسطينية، ولا في البلاد عن طريق وزارة الثقافة، ولي نص نثري حالياً لدى وزارة الثقافة، ولا أدري هل سيأخذ طريقه للنشر أم لا؟!
الصعوبة التي تواجه الكتّاب الشبان تبدو الآن أكثر تعقيداً، فعلى سبيل المثال كان مركز أوغاريت ينشر الكتاب الأول للكاتب، بمعنى أنه وفّر فرصة لهم لشق طريقهم، أما في أيامنا فنحن لم تتوفر لنا هذه الفرصة، والآن، وفي ظل الأزمة المالية التي تعصف بمركز أوغاريت، فإن الأمور ستكون بالنسبة لهم أكثر تعقيداً.    
** لم أستعجل
·        يقولون إنك رغم صدور أربع مجموعات شعرية لك غير أنك مقل في الكتابة حيث أن مشروعك الشعري قد بدأ نهاية السبعينيات من القرن الماضي في الكويت ..هل تعتبر نفسك مقلا في الكتابة؟ لماذا؟
-          بعد مرور حوالي ثلاثة وثلاثين عاماً على نشر قصيدتي الأولى في صحيفة (الوطن) الكويتية عام 1978، والتي لا أذكر اسمها الآن لأنني لم أضمنها أياً من مجموعاتي الشعرية، أنجزت كتابة خمس مجموعات، الأولى نشرت عام 1988، والثانية عام 1996، والثالثة 2005 والرابعة 2008، والخامسة ستكون في عام 2011، وكما تلاحظ هناك بعد زمني بين المجموعات الثلاث الأولى.
منذ البداية حاولت العمل على قصيدتي بهدف كتابة قصيدة متأنية. أنا لا أستطيع أن أقيِّم تجربتي، كما أنني من الشعراء الذين تمّ تجاهلهم في الكتابة والنقد. إذا سألتني لماذا؟ أجيب لو كان لدينا حركة نقدية فاعلة وموضوعية لقلت لك أن أعمالي قد لا تستحق الوقوف عندها، ولم تلفت انتباه النقاد، وأما إذا كانت الكتابة النقدية عندنا تدخل في باب العلاقات العامة، فتلك مصيبة، والرأي الثاني ـ بكل أسف ـ هو الذي أرجحه. أيضاً: لماذا؟! يقال بأن الكاتب أول ناقد لنصه، ولو لم يكن كذلك لما عمل على النص الذي يكتبه إضافات واختصارات وتعديلات، وبالتالي أستطيع، ولو من باب النقد الانطباعي، أن أقيّم تجارب الشعراء الآخرين، وأعرف أين أضع نفسي بينهم.
** قصيدة النثر
·        كتبت القصيدة الطويلة وقصيدة النثر والقصيدة الومضة..أيها يجد سميح محسن نفسه فيها أكثر؟ وما الذي يحدد شكل القصيدة التي تكتبها؟
-          صحيح، لقد كتبت قصيدتي في تلك الأشكال والألوان، وسوف أتوقف عند كل منها. سأبدأ بقصيدة النثر، وأعود للتذكير في حديث سابق لي نشر في الصفحة الثقافية في صحيفة (القدس) الغراء منذ فترة، حيث قلت فيه أنني جربت كتابة قصيدة النثر وفشلت، وسوف أعود لكتابة قصيدة التفعيلة، فكتابتي قصيدة النثر يعني أنني لا أنكرها، وعودتي عنها لا يعني أنني أتبرأ منها، لكنني لم أجد نفسي فيها.
لا أدري إن كان صديقي الشاعر ربحي محمود يتذكر هذه الحادثة التي سوف أرويها. في عام نهاية عام 1995 نشرت قصيدة (الأصدقاء) في صحيفة (الرأي العام) الكويتية حيث كنت أعمل آنذاك محرراً ثقافياً، وهي بالمناسبة آخر قصيدة لي في مجموعتي الأولى (الخروج من الغرف الضيقة). في حينه أبدى صديقي ربحي إعجابه بالقصيدة، ولكنه أخذ عليها مأخذ أنها (قصيدة نثر)، وعندما طلبت منه تقطيعها عروضياً، أقرّ بأنها قصيدة موزونة، إلا أن لغتها بدت نثرية. طالما أنني قادر على الجمع بين القصيدتين، قصيدة الوزن وقصيدة النثر، فلماذا لا أطوّر مشروعي الشعري ضمن تلك الرؤية.
أما بالنسبة للقصيدة المطولة فإنها تفرض نفسها عليك، وبخاصة تلك القصائد التي تريد إيصال رسالة عن حدث كبير، فلا يمكن فيها الاختزال، وقد تقع أيضاً في تطويل غير مبرر. وبالنسبة لي تأتي تلك القصائد أحياناً من زاوية تحدي الذات، ومحاولة اكتشاف الإمكانيات الكامنة في داخلي. وفي الحقيقة أنني أميل لكتابة هذا الشكل من القصائد، رغم التنويعات التي أحاول توفيرها في مجموعاتي قبل دفعها للنشر. 
وبالنسبة لقصيدة الومضة، فتكشف أيضاً قدرات الشاعر على توصيل رسالته بأقل الكلمات، وإن كنت لا أميل إلى قول العرب، ونحن سرديين أكثر من اللازم أن (خير الكلام ما قل ودل). لكل مقام مقال، فلو عدنا إلى (القرآن الكريم) نجد أن الصور المكية مختزلة، مكثفة، تخلو من الإسهاب، على عكس الصور المدنية، لأنه، وببساطة متناهية كان لتك ظروفها، ولهذه ظروفها الأخرى.
** النبرة الحادة
·        تناولت في مجموعتك الشعرية الأخيرة “رؤياي لي” العديد من القضايا الإنسانية محاولا الابتعاد عن النبرة الحادة إلا في قصيدة “السقوط” التي طغت المباشرة عليها؟ لماذا هذه القصيدة بالتحديد التي طغت المباشرة عليها؟
-          كما ذكرت فإن لكل قصيدة ظروفها، ولقصيدة (السقوط) ظروفها حيث كتبتها انعكاساً لحالة التهاوي التي كانت تعيشها المنطقة العربية، أقول كانت لأن هناك اليوم حراكاً أنا متفائل بقدرته على إحداث تغيير إيجابي. القضية الوطنية الفلسطينية تشهد تراجعاً حاداً، ومشروعنا الوطني أصبح غير واضح المعالم. القوى التقدمية التي انتميت إليها فكراً وسلوكاً، وما أزال بالطبع، غير قادرة على فعل أي شيء، ولا حتى على تقديم رؤية لأي حل. الشعوب العربية، ومنها الشعب الفلسطيني الذي لا يمكن لأي كان أن يزايد على تضحياته، وقدرته العجيبة على الصمود والمقاومة، بدا في بعض القضايا سلبياً، فجاءت تلك القصيدة صرخة عالية النبرة، وهي خروج على المألوف في أسلوبي الكتابي كما أشرتَ في السؤال.
عند محاكمة هذه القصيدة فنياً ستجد فيها الكثير من الثغرات، منها الإطالة، المباشرة، النبرة العالية، وأنا كاتب هذه القصيدة أقول بأن هذا اللون من الكتابة لا يعمر، لذلك أبتعد عنه كثيراً، إلا أنه في المقابل يفرض نفسه على الشاعر أحياناً.
** التطبيع وما أدراك ما التطبيع!!
·        أنت مسؤول لجنة الحريات ومقاومة التطبيع في الاتحاد العام للكتّاب ولأدباء الفلسطينيين..كيف تقيم مستوى الحريات المتاحة للأدباء في بلادنا في ظل انقسام يقتلنا من الوريد إلى الوريد؟ ومن جهة ثانية ألا تعتقد أن المؤسسات والأفراد الذي غرقوا في بحر التطبيع قد علا صوتهم فوق الجميع وقد نالوا المال الوفير ونهضوا بمؤسساتهم؟!
-          أقرُّ بأن حالة الانقسام قد أطاحت بالحريات العامة في بلادنا بشكل واضح، وهناك سياسة عقاب تمارس ضد المختلفين سياسياً، وحتى ثقافياً. وقد طالت هذه الحالة مصادرة كتب في قطاع غزة من المكتبات، منها رواية الكاتب السوري حيدر حيدر (وليمة لأعشاب البحر) ورواية الكاتب المصري علاء الأسواني (شيكاغو). قد نفهم، وإن كنا نرفض ذلك رفضاً قاطعا وبلا حدود، اعتقال صحفي على خلفية انتمائه السياسي في ظل حالة الانقسام الداخلي لأننا ندرك أن هذه الحالة ستنتهي مع انتهاء حالة الانقسام، ولكن مصادرة كتب من المكتبات تحت ذرائع أنها تسيء للدين، أو للعادات والتقاليد، فهو أمر في منتهى الخطورة. والأمر الأخطر أيضاً التفريق بين زوجين على خلفية حرية الاعتقاد الديني. في قطاع غزة صودرت الكتب، وفي الضفة الغربية جرى التفريق، إن ما يجري يعكس خطورة على المستقبل، كما أنه شكل من أشكال البؤس.
في البدء كان سؤالُ الدهشةِ عن أبسطِ الأشياء التي أصبحت أمراً عادياً في حياتنا اليوم. ونخشى أن ينطبق ذلك على قضية التطبيع مع العدو. فكما هي قضايا وطنية كبرى أصبحت تندرج، في ظل الانكسارات المتلاحقة التي عاشها جيلي على الأقل، في إطار مفاهيم وجهات النظر، فإن قضية التطبيع مع دولة الاحتلال، نخشى أيضاً أنها أصبحت تندرج في هذا الإطار.هل نقف نحن أمام سؤال إشكالي ؟!! أم أنّ القضية أبسط من تعقيدات الأسئلة، وبالتالي نحن نقف أمام سؤال واضح، في قضية واضحة تماماً بالنسبة لنا.
سؤال التطبيع مع العدو ليس سؤال اللحظة الراهنة، بل هو سؤال ولد مع مولد بدايات التشكل الفكري والسياسي لأبناء جيلي. وهو سؤال توريط بالنسبة لبعض الفلسطينيين، فكلما كان يجري حديث على المستوى القومي، وحتى على المستوى ألأممي عن مقاومة التطبيع، كان مَنْ يبرز من بين ظهرانينا ليقول: “إلا نحن، لأننا نعيش معهم، أو بينهم”، والحقيقة أننا نعيش تحت احتلالهم الاستعماري العنصري والاقتلاعي والاحلالي البغيض.
يجب علينا الوقوف أمام هذه القضية بحزم، لقد أعطينا عدونا الشيء الكثير بلا مقابل، فكفى. وبالنسبة لنا في الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين لن نتورع في فصل أي كاتب يثبت تورطه في قضايا تطبيع مع إسرائيل، كما أننا سنشهر به على رؤوس الأشهاد، فإذا كان الكتّاب والمثقفون سينجرفون في هذا التيار، فماذا بقي لنا، علينا السلام.
** إعلاء الصوت
ناشدت الشاعر الكبير سميح قاسم في مقال لك بعنوان “مرثية السلام” بعدم المشاركة في مؤتمر الأدباء الدولي الذي عقد في مدينة حيفا والذي قاطعه العديد من الأدباء البارزين في الداخل..لماذا جاءت هذه المناشدة؟ وهل شاعر كبير مثل القاسم كان يحتاج لنصيحة مثل ذلك؟ ما هو الأثر الذي تركته هذه المناشدة؟
-          عند كتابة المقالة/المناشدة، لم يكن الشاعر سميح القاسم قد أعلن موقفاً من المشاركة في مؤتمر الأدباء الدولي المشار إليه، وكان المؤتمر بداية شهر كانون أول (ديسمبر) 2010، في حين اعتذر الكاتب سلمان ناطور، وغيره آخرون بالطبع عن المشاركة في وقت مبكر (آب – أغسطس) 2010. التأخير في الإعلان عن موقف أثار حالة التباس، وبخاصة أن الشاعر سميح القاسم كان قبل يومين من المؤتمر عندنا في قصر الثقافة في رام الله يلقي الشعر بين جمهوره الفلسطيني، وكان السؤال: هل ستذهب، وكيف؟
سميح القاسم لا يحتاج إلى ذلك، وعند قراءة (الرسالة) الموجهة إليه تكتشف ذلك، لكن، من وجهة نظري، كانت ضرورية، وكانت موجهة لغيره أيضاً. لقد تركت تلك الرسالة صدى واسعاً من قبل الكتاب والمثقفين الفلسطينيين في الشتات، وإن حملت توقيعي الشخصي، إلا أنها تمثل أيضاً موقف الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين الذي رماه كثيرون بأكثر من حجر، وحاولوا تشويه سمعة الاتحاد في زوايا أخرى غير هذه الزاوية، كونهم لن يستطيعوا الاقتراب منها لمعرفتهم المسبقة مَنْ نحن على هذه الجبهة وغيرها من الجبهات. نقل لي أن المقالة وزعت باليد في أكثر من مكان ثقافي في الأردن، وتوزيعها قد يعني أن هناك من يظن بأن الكتاب والأدباء الفلسطينيين، أو بعضهم مع التطبيع.
** الصحافة محرقة الإبداع
·        لقد عملت في الصحافة الثقافية في الكويت، ولكنك صرحت سابقا أن الصحافة هي محرقة الإبداع.. ولكن ألا تعتقد أن ذلك انتقاص لدور الإعلام الذي من الممكن أن يسلط الضوء على إبداعات ويساعدها على الانطلاق؟
- أعتقد أن ما حدث هو سوء فهم لِما صرحت به، إذْ قصدت أن عمل الكاتب في الصحافة اليومية سيؤثر على كتاباته من حيث الكم والنوع، لماذا؟. أطلقت تلك الصرخة عندما كنت أعمل محرراً ثقافياً في صحيفة يومية، ومن واجبات عملي الوظيفي أن أكتب زاوية يومية، ولك أن تتصور أي وقت للكتابة سيتوفر للكاتب لكتابة نص فني. هذا جانب، أما الجانب الآخر، وأنت في المهنة، فإن اللغة الصحفية، وهي غير لغة الفن، وبالتأكيد ستلقي هذه اللغة التي يتم التعامل معها يومياً بظلالها على لفة الفن، وبخاصة أننا نتحدث عن لغة الشعر هنا، وليس لغة النثر.
أما عن دور الصحافة في نشر الإبداع فهذا مهم وضروري، وبالتالي أشيد بهذا الدور. لقد بدأت كغيري في نشر قصائدي الأولى على صفحات الجرائد، وبالتالي كان لها الفضل في تقديمي للقراء، وإطلاق تجربتي، بل بالعكس إن مأخذي على الصحافة المحلية أنها لا تفرد مساحات أوسع لنشر النتاجات الأدبية الفلسطينية، وبالتالي أطالبها بفعل ذلك، وبخاصة في ظل غياب مجلة ثقافية متخصصة في الأراضي المحتلة، وأرجو أن أكون قد أزحت هذا الالتباس.   
** القصيدة الأولى
·        سميح محسن كتب أول قصيد لك في صحيفة الوطن الكويتية..لكن ديوانه الأول لا يتضمن هذه القصيدة لماذا؟ وماذا كان فحوى هذه القصيدة؟
-          هذا صحيح، ولكنني لا أذكرها الآن حقاً. القصيدة المنشورة الأولى لا تعني أنها القصيدة الأولى المكتوبة بالطبع، لأن تجربة الكتابة والتجريب تبدأ قبل ذلك إلى أن تُكتَب قصيدة تحمل المواصفات الدنيا من القصيدة. وللعلم أن تلك القصيدة بعثتها بالبريد العادي إلى صحيفة الوطن الكويتية، وفوجئت بنشرها في ملحق ثقافي وفني كان يشرف عليه الصديق الكاتب والناقد وليد أبو بكر. وأما بالنسبة لفحواها فلا أتذكره أيضاً، ولكن تلك المرحلة  من تجربتي كانت تحمل بصمات القصيدة الوطنية بمفاهيمها المباشرة.
** جدلية العلاقة بين الثقافي والسياسي
·        قلت سابقا إن المؤسسة الفلسطينية الرسمية رعت كتاباً بعينهم حتى الدلال وقمعت آخرين، والدول العربية برمتها لا ترعى كتابها إلا في إطار الدعاية…هل تعتقد أن  المثقف والمؤسسة الرسمية في بلادنا خطان متوازيان لا يلتقيان؟ العلاقة بين المثقف والمؤسسة الرسمية في أي إطار تضعها؟
-          جدلية العلاقة بين الثقافي والسياسي جدلية قائمة منذ نشوء التكوينين، الثقافي والسياسي. الثقافي له رؤيته العامة، الشاملة، الكونية من الأشياء، بينما للسياسي رؤيته من الأحداث والوقائع، وفي الوقت نفسه يحتاج كل منهما للآخر. احتاجت القبيلة في الجاهلية لشاعرها ليقول: {{إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ : تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا}}، وفي الوقت نفسه احتاج الشاعر لقبيلته من أجل حمايته. واحتاج كافور الإخشيدي لشاعر بحجم المتنبي لمدحه، واحتاج المتنبي لكافور عّله يوليه على ولاية.
جدلية العلاقة بين الثقافي والسياسي ما تزال قائمة، وستبقى، وهذه الجدلية أيضاً تنطبق على الحالة الفلسطينية. بكل أسى أقول بأن المؤسسة الرسمية الفلسطينية تعاملت مع المثقفين الفلسطينيين بحديّ نصل الرعاية الكاملة والدلال لكتّاب، ونصل التجاهل التام. في الشتات كنا نعاني نحن الذين كنا نرابط في التخوم البعيدة عن مركز بيروت من التجاهل، فكانت حظوظنا في النشر، وحضور المؤتمرات، والمشاركة في النشاطات الثقافية شبه معدومة، وكانت الحظوة لزملائنا الذين كانوا في المركز. في الشتات كان هناك تمييز بين كاتب وآخر، أما اليوم أضيف إليه التمييز بين مؤسسة وأخرى، هناك مبالغ طائلة تدفع لمشاريع ثقافية، مؤتمرات، ندوات وغيرها، بينما لا يُشترى جهاز كمبيوتر لاتحاد الكتّاب.
السياسي المسكون بمثالب الجنوح للسيطرة، والإدعاء بصحة موقفه، لا يحتمل الكاتب الجوهري الذي يقول لا، فهذا السياسي ينظر إلى الثقافي كأنه أداة من أدواته، بينما المثقف الجوهري يرفض هذه العلاقة. يبدو أن التباساً ما حدث في هذه العلاقة في الحالة الفلسطيني. الكاتب الفلسطيني يدافع عن قضية وطنية عامة، بينما السياسي اعتقد – على ما يبدو – أن الثقافي يتبنى وجهة نظره. ومن هنا أجد أن إشكالية العلاقة بينهما سوف تستمر.
في إطار هذا التوصيف أعتقد أنهما لن يلتقيا، ولماذا يلتقيان بالأصل، ولكن على المؤسسة الرسمية الفلسطينية أن تقرَّ بأن هناك حقوقاً للكتّاب، ولمؤسساتهم، ويجب الوفاء لهم بما يستحقون، وأتساءل أحياناً عن تصرف المؤسسة الرسمية الفلسطينية في تكريم كتابنا، أو رعايتهم في كهولتهم. لذا فأنا أضع هذه العلاقة في إطار علاقة الاشتباك، وعلى الكتاب أن يعلوا صوتهم في وجه المؤسسة الرسمية لا أن يهادنوها، ولن يفعلوا بما في وسعهم لفضح كل من تسول له نفسه المساس بالثقافة الحرة وبمثقفيها، فالكتابة هي الأبقى.



** لا أحد فوق النقد
·         أنت تعتقد أن الشاعر الكبير الراحل محمود درويش تحت النقد وليس فوقه، وتقول إن هناك من النقاد منْ كان يجامله، أو يجامل القضية التي حملها وحملته، داعيا إلى إعادة قراءة مشروعه الشعري بعيداً عن الإجحاف أو التأليه…هل تعتقد أن البيئة النقدية لإعادة قراءة مشروع درويش الشعري أو غيره متوفرة حقا وقادرة على إعطاء الرجل حقه دون إجحاف؟
-          بغض النظر عن جدية الشاعر الكبير الراحل محمود درويش في إطلاق صرخته المبكرة (ارحمونا من هذا الحب القاسي) من عدمها، إلا أنه، شأنه شأن غيره من الكتّاب تحت النقد وليس فوقه. لا أقول هذا الكلام بعد غيابه، بل قلته أثناء حياته، ولعلي مع كتاب آخرين، منهم القاص تيسير نظمي، والشاعر محمد الأسعد، قد أعلنا معارضة درويش في بعض القضايا، في وقت مبكر، دون إنكار شاعريته الفذة. كان لدرويش مشروعه الشعري الكبير والإبداعي، وتأثيره على جيلي، وكانت له مكانته التي لا يمكن لأحد المساس بها إلى في إطار الرؤية النقدية المشروعة.
بكل أسف أقول إن حالة النقد عندنا، رغم تواضعها مقارنة بعدد الكتّاب وحجم كتاباتهم، تشهد تراجعاً ملحوظاً الآن. قبل إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية كانت لدينا حركة، كان لدينا الناقد صبحي شحروري، والكاتب والناقد محمد البطراوي، ومن بين النقاد الأكاديميين د. عادل الأسطة، وأعتذر لمن لم أذكر أسماءهم. الآن نجد د. الأسطة يكتب بين فترة وأخرى، بل يشكو بأنه يكتب نقداً ولا يجد من ينشره. الناقد الأخير كان (الأكثر قسوة)!! على الشاعر محمود درويش، وحقيقة لا أدري إن كان الشاعر الراحل يتحمل ذلك النقد أم لا؟!!
هناك ضرورة لقراءة مشروع درويش الشعري قراءة نقدية علمية حتى نستفيد منها، وحتى تستفيد الأجيال القادمة، ولكن هل يستطيع نقادنا، سواء من هم بين ظهرانينا، أو من هم في الشتات، التخلص من سطوة محمود الشاعر لتحليل كتاباته الشعرية ؟!! أم أننا سنظل أسرى غيابه الطاغي، كما كنا أسرى حضوره الطاغي. محمود درويش كان علامة بارزة في مسيرة الشعر العربي، وبالتالي فإن قراءته يجب أن تكون في هذا المستوى.
** المكان
·        تنقلت بين فلسطين والأردن والكويت..هل تعتقد أن التنقل بين عدة بلدان يساعد الشاعر على إثراء تجربته؟كيف؟
-          المكان بالنسبة لأي كاتب هو جزء أساسي في كتابته، حيث يعكس نفسه فيها. عشت في الكويت أربعة عشر عاماً، وعدت منذ عشرين عاماً إلى البلاد، وكانت لي رحلة مرور من الأردن التي أزورها مرتين وثلاث مرات وأحياناً أكثر في العام.
عندما نتحدث عن تجربة الكويت، وهنا أتحدث بضمير الجمع، يلومنا الأصدقاء وكأنهم يقولون لنا بأن عجلة الزمن توقفت هناك. بالطبع لا. في تلك السنوات بدأت الحرب الأهلية اللبنانية، وطالت مختلف جماليات تلك الدولة، بما فيها صحافتها الحرة، فالتقطت الصحافة الكويتية الإشارة، وسعت لأخذ تلك المكانة إلى درجة أن المحافظين الكويتيين كانوا يقارنون بين علاقة حرية الصحافة اللبنانية والحرب الأهلية، وكأنهم يريدون القول أن حرية صحافة الكويت ستؤدي إلى حرب أهلية. وفي صيف عام 1986 أعلن أمير البلاد آنذاك الشيخ جابر الأحمد حل مجلس الأمة (البرلمان) ووضعت لأول مرة قيود على حرية الصحافة، وزرعت وزارة الإعلام رقيباً في كل صحيفة. ترافق مع حرية الصحافة قبل الحد منها حركة ثقافية نشطة كان يشارك فيها أبرز الكتاب والمثقفين والمفكرين والفنانين العرب، يضاف إلى ذلك عدم وجود رقابة على المطبوعات التي كانت تدخل إلى البلد، ما أتاح لنا الإطلاع على ما كان يمنعه قلم الرقيب، وعيناه في البلدان الأخرى، وكان لتلك التجربة الثرية تأثيرها الإيجابي علينا. وفي مجموعتي الشعرية الأولى (الخروج من الغرف الضيقة) يبدو المكان وتأثيراته بشكل جليّ.
عدت إلى البلاد لأجد وضعاً مختلفاً، وبالتالي توجهت القصيدة بي إلى آفاق أخرى، وتناولت موضوعات كغير تلك التي تناولتها في الكويت، فبدون المكان لا تكون الكتابة كتابة، بل تصبح تهويمات، ولكن على الكاتب أن يتنبه للمكان، لأن المكان لن يحمل نفسه، ثم يطير، ويهبط من تلقاء نفسه على الورق الأبيض.
** النثر
·        أين سميح محسن من القصة والرواية؟
-          مات محمود درويش وهو يحلم بأن يكتب رواية، وهو ناثر من الطراز الأول. وكان درويش قد صرح في أكثر من مرة إنه يحب الرواية أكثر من الشعر. وهناك كتاب قصة قصيرة لهم وزنهم لم يقدموا على هذه المغامرة، وفي المقابل هناك من أقدم عليها بالطبع، ومن بينهم شعراء أيضاً.
إلى عهد قريب لم أكن أفكر بكتابة نص نثري إبداعي إلى أن شاركت قبل عام في مؤتمر أدبي حول القصة القصيرة جداً، نظمه مركز (اوغاريت) الثقافي، ومن خلال التنظير لهذا الشكل من الكتابة، وبعد سماع نماذج محلية وعربية وأجنبية للقصة القصيرة جدا (استهوتني) الفكرة، وكتبت بخجل شيئاً تجريبياً أرسلته لرائد هذه القصة، الصديق والكاتب الكبير محمود شقير، وفاجأني في أول تعليق له عليها عندما قال أن المؤتمر كسب كاتب قصة قصيرة جداً، وشجعني على المواصلة حتى كتبت حوالي مئتي قصة، أرسلتها إليه، فاستثنى منها نحو ثلاثين لشطبها، أو إعادة النظر فيها، وفي أعقاب ذلك سلمت المجموعة لوزارة الثقافة، ولا أدري إن كانت ستأخذ طريقها للنشر أم لا؟!!
أما الرواية فأنا لم أفكر في كتابتها، وأظن أنني لن أفكر في المستقبل. ذهابي نحو القصة القصيرة جداً لم يجد مني أي عناء، وبخاصة توفر اللغة الشعرية، استخدامي لتكنيك القصة في كتابة القصيدة، وكتابتي لقصيدة النثر، فقد وجدت في هذا الشكل حلاً لإشكاليتي الخاصة مع قصيدة النثر، وبخاصة أن النقاد يتساءلون أحياناً عن الحدود الفاصلة بين قصيدة النثر والقصة القصيرة جداً.
** الداخل والخارج
·        لقد سبق وعقد أكثر من لقاء بين أدباء من الضفة ونظرائهم في الداخل..ما الذي تمخض عن هذه اللقاءات؟ وكيف تقيم المستوى الشعري والأدبي عموما لشعرائنا في الداخل؟ ومن برأيك أكثر تأثيرا في مسيرة الأدب الفلسطيني ذلك الذي أنتج في الخارج أم الداخل ولماذا؟
-          منذ تأسيس إتحاد الكتاب لم تعقد لقاءات مؤسسية بين أذرع اتحادات الكتاب الفلسطينيين إلا مؤخراً، وذلك بعد تشكيل اتحاد الكتاب الفلسطينيين – حيفا، حيث زار وفد من رئاسة الاتحاد المذكور الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، وخلال الاجتماع لم يتم فقط التأكيد على وحدة الثقافة الوطنية الفلسطينية، وإنما على وحدة المصير، ووحدة الكتّاب أنفسهم.
يتحدث السياسيون عن الدولة، وأما نحن الكتّاب فتحدث عن فلسطين. فلسطين بالنسبة لنا هي الماضي، الحاضر والمستقبل، هي الوعي وليست الدولة. السياسي يستطيع رؤية فلسطين بدون حيفا ويافا، أما نحن فنعتبرهما رئتينا اللتين نتنفس بهما عندما نطل على البحر، حتى لو كانت إطلالتنا في الخيال.
أما بالنسبة لسؤالك حول المستوى الشعري والأدبي لشعرائنا في الداخل كأنني لا أستطيع الإجابة إلى في إطار تشابه واقتراب التجارب فنياً، وهذا السؤال يحتاج إلى ناقد للإجابة عليه وليس إلى شاعر لا يمتلك أدوات نقد علمية.
قبل خمسة وأربعين عاماً كان التأثير قادماً من الداخل، وذلك عندما أعلن الكاتب الفذ الشهيد غسان كنفاني عن كشفه العظيم آنذاك. لقد تأثرت الشعرية العربية بكتابات الرموز في ذلك الحين، حيث خرجت أصوات من خلف الجدار فاجأت الجميع، ولكن عندما أصبح الداخل خارجاً، وأعني هنا خروج محمود درويش، ينقلب السؤال، وكذلك المكان. هناك مَنْ سأل: ماذا لو بقي درويش في الداخل، هل سينجز مشروعه الشعري كما أنجزه؟ بالنسبة لي أشك في ذلك، لأنه بسفره فتح العالم وفضاءاته أمامه.
مشروع ثقافي
·         هناك من يعتقد أننا كفلسطينيين ما زلنا نفتقد لمشروع ثقافي واضح في مواجهة مشروع التهويد..ما هو رأيك في ذلك؟
-          وهذا سؤالي أيضاً، هل نمتلك نحن مشروعاً ثقافياً واضحا لمقاومة مشروع التهويد؟ بكل صراحة أقول: “لا”. في أكثر من مناسبة، بما في ذلك الآن، أتساءل عن رؤية الحكومة الفلسطينية للمشروع الثقافي الضد، فلا أجده. الحكومة لن تكتب لا شعراً ولا قصة ولا رواية ولا كتابا نقديا ولا تاريخيا، ولن ترسم لوحة تشكيلية، أو تقدم مسرحية أو فيلماً سينمائياً، وإنما من يكتب الشاعر والقاص والروائي والمؤرخ، ومن يرسم الفنان التشكيلي، ومن يقدم السينما والمسرح السينمائيون والمسرحيون، فهل هناك خطة لدعم هذه الإبداعات، وبشكل جدي؟!! من الواضح لي أنه لا.
الثقافة الفلسطينية هي رأس الحربة في إطلاق قول نفيّ رواية الآخر، وهي عنوان إبقاء القضية الفلسطينية حية ونابضة، وهكذا كانت في أحلك الظروف التي مرت علينا، وهي ضميرنا الجمعي، فلماذا يتم التعامل معها بهذه الطريقة. كيف سيكتب الشاعر قصيدته، والقاص قصته، والروائي روايته، وهو يعيش تحت الضغط، وفي كل الوقت، بحثاً عن حياة كريمة. ولماذا يكتب إذا وضع كتاباته حبيسة الأدراج؟!! نحن لا نريد وضع خطط لتحرير فلسطين في المؤسسة الثقافية، وإنما نريد وضع خطة إستراتيجية لدعم وتطوير الإبداع الفلسطيني.
** الشعر ديوان العرب
·        هل تعتقد أننا كعرب عموما وكفلسطينيين خصوصا أبدعنا شعرا أكثر مما أضفنا في الرواية؟ لماذا؟
-          (الشعر ديوان العرب) وله سحره الخاص في عالمنا وثقافتنا وموروثنا. لدينا قناعة مسلم بها بأن الشعر عمود هذه الثقافة، وهو جزء من تاريخنا، وحكايتنا، لذا نتعامل معه بشيء من القداسة. أما الرواية فهي ابنة الغرب، والغرب الرأسمالي منه، وإن حاول بعضنا البحث عن أساس لها في التراث العربي. إن إضافتنا في الشعر جاءت أكثر من إضافتنا في النثر مع العلم أن الأديب العربي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل للآداب هو روائي (نجيب محفوظ) وليس شاعراً، وإن سعى شعراء عرب عديدون لها، إلا أنها لم تقترب منهم حتى الآن. كما أن هناك روائيين عرب متميزين استطاعوا تقديم رواياتهم وفق المعايير الفنية الراقية، وقد ترجمت إلى لغات عديدة.
** قصيدة لم أكتبها 
·         أي قصيدة لم تكتبها بعد؟
-          هي كل القصائد التي لم أكتبها بعد. عندما كتبت قصيدة الذين استفاقوا على وحدتهم كان يشغل بالي كتابة مجموعة مراثي بأعزائي الذين تركوا أثراً كبيراً في حياتي، أو فتحوا جرحاً عميقاً في قلبي، ولكنني لم أستطع. أنا لم أكتب رثائية في والدي، ولا في شقيقتي الكبرى التي رحلتك في الخمسين من عمرها، وكانت بمثابة أمي الثانية، وهناك أصدقاء كانت لهم مكانة في القلب. تلك القصائد لم أكتبها بعد.
** الشاعر يجب ألا يموت
·        متى يموت الشاعر برأيك؟
- الشاعر قد يصاب بحالة إفلاس، أو يأس، أو انقطاع، وفي تلك الساعة يموت. في منتصف ثمانيات القرن الماضي أعلن الشاعر العراقي بلند الحيدري إنه اعتزل كتابة الشعر، وفي تلك الأيام كتبنا عن ذلك، وأذكر أنني قلت بأن الشاعر الذي يظل في حالة تماس دائم مع الناس لا يمكن له أن يصاب بالإفلاس لأن الناس، وقضاياهم وحركتهم ومكانهم المنبع الخصب الذي يمد الكاتب بالمادة الخام. منذ قرون غاب امرئ القيس ومن جاءوا بعده في عصر الجاهلية. غاب أبو الطيب المتنبي وأبو فراس الحمداني وأبو العلاء المعري، وأبو تمام، وابن الرومي. غاب ابن زيدون وولادة بنت المستكفي. غاب رواد شعر المهجر، وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأبو القاسم الشابي ومحمود سامي البارودي. غاب بدر شاكر السياب، نازك الملائكة ومحمد مهدي الجواهري. غاب أبو سلمى، راشد حسين، محمود درويش وتوفيق زياد. إلا أننا ما نزال نقرأ قصائدهم، وقصائد معاصريهم من مختلف الأجيال.
ألم نسمع صوت الشابي يتردد في العواصم العربية منذ شهرين، وإلى الآن. فهل مات الشابي حقاً؟!!
** الأجيال
·        ما هو الفرق بين أبناء جيلك من الشعراء وبين الجيل الذي سبقك؟
_ أستطيع وصف الجيل الذي سبق جيلي بجيل بأنه الجيل الذي تتلمذنا على شعره. قلت ذلك لأنني أعتبر أن هناك جيلاً بيننا وبينه، هو جيل عز الدين المناصرة، مريد البرغوثي، علي الخليلي، خليل توما، محمد القيسي، أحمد دحبور وآخرين التمس العذر منهم. أعتقد أننا تأثرنا بجيل شعراء المقاومة في البدايات ثم حاول كل واحد منا أن يبحث عن خلق تمايز بين قصيدته وقصائد الآخرين. الجيل الأول أسس لقصيدة المقاومة بالمعنى الحرفي للكلمة، لقصيدة التحدي ورفع القبضة في وجه الجلاد، وأما جيلي، الذي ولد من أحزان حزيران 1967 ذهب تارة باتجاه قواعد الثورة في لبنان، وتارة في اتجاه محاولة أنسنة القصيدة الفلسطينية، ولا يعني ذلك بالضرورة أن قصائد السابقين افتقدت ذلك البعد. ولكن جيلنا وقع عليه ظلم كبير من حيث النقد، ومن حيث الإشهار، والعديدون منا أخذوا الأمر على عاتقهم، ونشروا نتاجاتهم من مالهم الخاص، وبالتقسيط.
** الشعراء الشباب
·        ما رأيك بمستوى الشعراء الشباب في فلسطين؟
-          أي حركة ولادة، أي يجب أن تنتج شيئاً، والحركة الشعرية الفلسطينية هي كذلك أيضاً. أنا أقرأ نتاجاتهم، وبخاصة تلك التي صدرت عن مركز (أوغاريت) الثقافي، فضلاً عن قراءتي للنصوص التي تنشر في الصحف المحلية، وعلى الشبكة العنكبوتية. لا شك أن هناك تفاوتاً في تلك النصوص بين شاعر وشاعر، ولا أخفيك أنني ألمسَ تجريداً في بعضها، وعدم محاولة ملامسة الواقع، وليس بالضرورة هنا أن أتحدث عن الواقع السياسي، بل الاجتماعي، وهو الأهم من وجهة نظري حيث يجري تشكل كل شيء في الحياة. أنا لست مع التقاط القصيدة في الفضاء ومحاولة إنزالها على الأرض، بل مع التقاط القصيدة من الأرض وإطلاقها للفضاء لتبحر فيه كيف أشاء. لا أحبذ ارتداء جلباب واعظ، إلا أن الشعراء الشباب، قد يكون بعضهم وليس كلهم، يحاولون نفي تجربة الذين سبقوهم، وعلى رأي صديقي الشاعر مراد السوداني فإنهم “يريدون قتل الأب” ومراد أخ لهم وليس أبا ليوجه لهم اتهاماً قد يعكس قانون صراع الأجيال، وإن صح ذلك فإن تلك مصيبة. اختلف جيلنا مع جيل الكبار، إلا أننا كنا نحاول الاقتراب منهم أكثر مما حاولوا هم الاقتراب منا.
**لمن أكتب؟!
·        لمن تقرأ ولمن تكتب؟
-          هناك نوعان من القراءة، القراءة المتعمدة كأن تذهب إلى المكتبة وتشتري كتابا بعينه، والثاني هو ما أسميه بالقراءة (العشوائية) أي أن يصلك كتاب من كاتبه أو ناشره، وأنا أقرأ هذا وذاك، وأظن أن معظم القراء هكذا.
أنت تعيدني إلى السؤال القديم المتجدد: “لمن نكتب”؟!
هناك من الزملاء من يقول إنه يكتب لنفسه، وعلى من يريد القراءة فليتفضل، أما أنا فأكتب لنفسي وللناس، لنفسي استجابة لحالة الحاجة للكتابة نفسها، وللناس لأنني لا أعيش وحيداً في مغارة مغلقة. ولكن، هل نكتب نحن للنخب، أم لعامة الناس، هذا هو السؤال الأخطر. بمنتهى الجرأة أقول أننا نكتب للنخب، لأن الناس غير معنية أحياناً بملاحقة تهويماتنا ورموزنا الموغلة في الغموض، وفي نفس الوقت إذا لم نكتب بهذه الطريقة، فسوف نتحول إلى كتّاب بيان سياسي، وهذا ليس شأننا. وهذا الكلام قد يحمل إدانة لي كشاعر، وبالتأكيد يحمل قدراً كبيراً من التقدير والاحترام للناس الذين يقولون لا نفهم ماذا تكتبون، فالتوضيح مسؤولية الكاتب، وحل الرموز فلنتركها للناقد، وإن كنت أنا من شعراء الرمزية.
**إعادة نظر
·        هل شعرت يوما أنك نادم على عمل أدبي أنجزته،وكنت تود لو أنك كتبته أو صغته بطريقة أخرى ؟
-          رغم ما تحدثت عنه من إقلاق وتأني في الكتابة، إلا أن هناك كتابات ندمت على كتابتها ليس بالمعنى المطلق لكلمة الندم، ولا بمعنى التبرؤ مما كتبت، بل بالمعنى الذي أشرتَ إليه، وهو كان بالإمكان كتابته بطريقة أخرى. وهذا أمر مفيد في إطار المراجعة النقدية الذاتية.
**الإبداع
·        متى برأيك يكون الأديب مبدعا؟
-          يكون الأديب مبدعاً إذا قدم نصاً جيداً، يستوفي فيه الشروط الفنية، ويحمل جديداً.
**الفرح والحزن
·        ما الذي يضحكك وما الذي يبكيك كشاعر؟
-          الصفة الأولى للشاعر هي إنسانيته، ومن اسمه الموصوف يجب أن يمتلك قدرات عالية على تلمس مشاعر الناس. في حياتي الظاهرة أميل للنكات، وأخرجها بصورتها المرة أحياناً، ولكن في داخلي أنا إنسان حزين، وقد لمس كثير من أصدقائي ذلك الحزن في كتاباتي. الحزن والفرح سمتان إنسانيتان أحافظ عليهما. ما أضحكني حقيقة في الأيام الماضية ما أخرجته خفة الدم المصرية أثناء ثورة الغضب، وكنت أبحث عنها على الشبكة العنكبوتية، لقد أعادتني تلك اليافطات التي حملها شبان وشابات الثورة إلى عصر النكتة السياسية المصرية خفيفة الدم، وانبهرت فيها. أما ما يحزنني فأنا إنسان هش من الداخل، لا أسيطر على دمعتي أمام مشهد مؤلم، سواء في الحياة، أو في التمثيل. وأحياناً يزيد ألمي تفكيري بمن حولي في حال فقدان عزيز يكون على فراش المرض، وأدخل نفسي في دوامة نهايتها مؤلمة بالنسبة لي.
ألمم قديمي
·        ما هو جديدك؟هل لك ان تطلعنا على خططك المستقبلية؟
-          إلى وقت قريب لم أدخل على استخدام التكنولوجيا في نشر نتاجاتي إلى أن عملت مدونة قبل شهرين تقريباً. انشغلت بالآونة الأخيرة في تلك المدونة من خلال لملمة بعض الكتابات المتناثرة، وإعادة صف مجموعاتي الشعرية ونشرها عليها. وكذلك نشر بعض المقالات التي تمكنت من جمعها، فأنا شخص فاشل في قضايا أرشفة ما أكتب، باستثناء الشعر.
رسالة إلى قراء القدس الثقافي
·        هل لك من رسالة أخيرة لقراء “القدس الثقافي”؟
-          احترام الناس وآرائهم أمرٌ مقدس بالنسبة لي، والكذب شيء مكروه عندي، لذا أجبت على أسئلة هذا الحوار بمنتهى الشفافية، وبدون تجميل. أشكر قراء جريدة القدس بشكل عام، وقراء (القدس الثقافي) بشكل خاص على جلدهم في قراءة هذا الحوار. كما وأشكر صديقي الصحفي أيهم أبو غوش الذي أجاد في إدارة هذا الحوار، وفي انتقاء أسئلته، وحرصه على أن يكون هذا الحوار شاملاً.
إن أحد أسباب صمودنا وسر حفاظنا على هويتنا الوطنية، هو ثقافتنا الوطنية التي راح على مذبح الدفاع عنها كتّاب وفنانون ومفكرون عظام، لذا علينا أن ندافع عن هذه الثقافة التي تدافع عنا.    



سيرة ذاتية
شاعر، باحث وناشط حقوقي
مواليد قرية الناقورة/ نابلس 1956
أنهى دراسته الثانوية في فلسطين عام 1974، وحصل على الشهادة الجامعية في اللغة العربية وآدابها من جامعة بيروت العربية عام 1978.
عمل في الصحافة الكويتية محرراً ثقافياً من عام 1980 وحتى عام 1990
عمل محرراً صحفياً في جريدة الطليعة المقدسية من عام 1991 وحتى عام 1995
رئيس تحرير مجلة حقوق الناس من عام 1997 وحتى عام 2001
عضو هيئة تحرير مجلة (تسامح) التي تصدر عن مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان
عضو مجلس إدارة، وأمين السر في مركز أوغاريت الثقافي
عضو في الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، وهو مسؤول لجنة الحريات العامة ومقاومة التطبيع
يعمل في مؤسسات حقوق الإنسان منذ عام 1995 ويعمل الآن بوظيفة منسق أعمال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في الضفة الغربية.
شارك في عشرات المؤتمرات والندوات المحلية والعربية المتخصصة في حقوق الإنسان، وقدّم العديد من الأبحاث فيها.
أصدر ونشر عدة أبحاث ودراسات في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.
إصداراته
في الشعر
الخروج من الغرف الضيقة/ 1988
الممالك والمهالك/ 1996
صورة في الماء لي / 2005
رؤياي لي / 2008
جمرة الماء/ 2010 / تحت الطبع
في القصة القصيرة جداً

سماء ثامنة/ 2010 / تحت الطبع


الانهيار
سميح محسن
* إلى تيسير نظمي
تَضِيقُ بِنَا الأَرْضُ
نَتْرُكُ أَوْرَاقَنَا فِي الطَلِّيعَةِ (1)
نَخْرُجُ
بَحْثَاً عَنِ التَبْغِ
                   وَالأَصْدِقَاءِ
فَنَمْضِي إِلَى شَارِعٍ
تُهْدَمُ فِيهِ العَمَارَاتُ
تُمْسِّي خَرَاباً
حَدِائِقَ لِلَّهْوِ
أَوْ مَجْمَعَاً لِلعَقَارَاتِ
تَزْحَفُ فِيهِ الكَوَارِثُ
                             وَالانْهِيارَاتْ…

أُحَدِّثُهُ عَنْ شَوَارِعِ بَيْرُوتَ
عَنْ أَصْدِقَائِي البَعِيدِينَ
عَنْ وَالِدِي فِي الجُيُوشِ التي لَمْ تُحَارِبْ سِوَانَا
يُحَدِّقُ فِي الأَرْضِ حَيْثُ الرُكَامُ
يُشِيرُ:
{{ هُنَا كَانَ طِفْلٌ
أَرَاهُ صَبَاحَاً
يُغَادِرُ بَابَ العَمَارَةِ
يَحْمِلُ فِي يَدِهِ الكُتُبَ المدْرَسِيَّةْ،
يَسَيرُ،
تُطَارِدُهُ العَرَبَاتُ
الخَرَائِبُ
والملْتِحُونْ…
يَعْبُرُ شَارِعِ الفُقَرَاءِ
وَيَدْخُلُ مَدْرَسَةً ابْتِدَائِيِّةْ،
يَجْلِسُ فِي آخَرِ الفَصْلِ
يَقْرِأُ قُرْآنَهُمْ،
يَعُودُ
يُؤَدِي وَظِيفَتَهُ المنْزِلِيَّةْ،
مَسَاءً يَنَامُ عَلَى الأَرْضِ
                             يَنْمُو
تَضِيقُ المسَاحَةُ
                    يَنْمُو
تَضِيقُ الصَنَادِيقُ
                   يَنْمُو
تَضِيقُ الشَوِارِعُ}}

عِشْرُونَ عَامَاً
وَيَخْرُجُ مِنْ بَابِ جَامِعَةِ الخَالِدِيَّةْ… (2)
تَأَبَّطَ بَينَ يَدَيِّهِ الشهَادَةَ
ذِكْرَى العَذَابِ الطَوِيلِ
انْهِيَارِ الحَضَارَاتِ
والعَائِلاتِ الفَقَيرَةْ …
أَنَا
أَنْتَ
                   وَالبَحْرُ
نَعْرِفُهُ
والصَعَالِيكُ
                   (صَالِحْ صَلاحْ)
                                      (أَبُو النِمِرِ) (3)
                                                          حَيفَا…

أَتَذْكُرُ حَيفَا ؟!!
يُحَدِّثُنِي عَنْ طُفُولَتِهِ الصَعْبَةِ
الانْتِفَاضَاتِ
عِصْيَّانِهَا المدِنِيِّ
المرَاكِبِ والصَائِدِينَ
أَبِيهِ الذِي اقْتِيدَ لِلسِجْنِ مِنْ سَاحَةِ الدَارِ
والعَائِلاتِ التي ضَيَّعَتْنَا
المطَارَاتُ
تَذْكُرُ حَيفَا إِذَنْ؟!!
يُحَدِّثُنِي عَنْ شَارِعٍ عَرَبِيٍّ بَسِيطٍ
يُحَاصِرُهُ فِي الجِهَاتِ
شُمُوخُ العَمَارَاتِ
والوُسَطَاءُ
السَمَاسِرةُ الجَشِعُونْ…
وَتَحْكُمُهُ الصَفَقَاتُ التِجَارِيِّةُ
الجَهْلُ
          وَالجُوُعُ
                   وَالعِسْكَرِيُّوُنْ…

تُرَى: أَحَيفَا عَلَى بُعْدِ مَرْمَى حَجَرْ ؟!!
وَحَيفَا عَلَى بُعدِ هَذِي العُصُورِ
جَفَافٌ يُلازِمُ هَذِي الحُقُوُلْ
وَشَعْبٌ يُقَاتِلُ فَوْقَ الرِّمَالِ
جَمِيعَ القَبَائِلْ
يُصَارِعُ هَذَا الخَرَابْ

لِمَاذَا تَضِيقُ بِنَا الأَرْضُ
فَلَسْطِينُ فَاتِحَةُ الوَطَنِ العَرَبِيِّ
وَبَوَابَةٌ لا تَضِيقُ
اسْتِبَاقُ الحَضَارَاتِ
طَيّرُ مِنَ العُشْبِ
كِتَابٌ سَيَحْفَظُهُ القَادِمُونَ مِنَ الظِلِّ
مِنْ مُدُنِ اللهْ،
فَلَسْطِينُ لَوْنُ الشُمُوسِ التي رَسَمَتْ فِي الزَمَانِ
خَرَائِطَ لِلسُحُبِ القَادِمَاتِ مِنَ المتَوَسِطْ
  تَضِيقُ بِكَ الأَرْضُ
قُرَى لا تُنَادِيكَ بِاسْمِكَ
لا تَحْتَوِيكْ
وَحَيفَا الجُمُوعُ الفَقِيرَةُ
سُوقُ الخُضَارِ
البُيُوتُ القَدِيمَةُ
حَيفَا الأَزِّقَةُ
عِصْيَانُهَا المدَنِيُّ
أَبُوكَ الذِي اقْتِيدَ لِلسِجْنِ حِينَ المَطَارَاتُ
كَانَتْ تَعُجُّ مَدَارِجُها بِالرِجَالِ الأَنِيقِينَ
بِالعَائِلاتِ التي ضَيَّعَتْنَا
فَلَسْطِينُ طَيّرٌ مِنَ العُشْبِ
فَاتِحَةُ الوَطَنِ العَرَبِيِّ
وَبَوابَةٌ لا تَضِيقُ
لِمَاذَا
          إِذَنْ
                   تَضِيقُ بِنَا الأَرْضْ ؟!!
15/5/1982
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجلة كويتية كان يصدرها تيار حركة القوميين العرب في الكويت
(2) منطقة في ضواحي الكويت كانت تضم عدداً من كليات جامعة الكويت

(3) شخصيتان وردتا في المجموعة القصصية الأولى للكاتب تيسير نظمي، وكانت بعنوان (البحث عن مساحة) 
An interview with the Palestinian poet Sameeh Mohsen in Alquds daily

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نص قصيدة عماد الدين نسيمي كاملا حسب أغنية سامي يوسف

من اهم الكتب الممنوعه في الاردن: جذور الوصاية الأردنية وجميع كتب وترجمات تيسير نظمي

Tayseer Nazmi Ended 2022 As A Poet In Afkar 405 تيسير نظمي ينهي عام 2022 في أفكار 405 شاعرا