بن ـ درور يميني:لكل شعب نكبته

لكل شعب نكبته

بن ـ درور يميني
شهر أيار يدعونا، بفارق اقل من اسبوع لاحياء ذكريين. في 9 يار احتفل العالم الحر بالانتصار على الالمان في الحرب العالمية الثانية. وفي 15 ايار جرت أحداث يوم النكبة في أرجاء العالم. انتصار قوات التحالف على المانيا لم ينتهِ باحتفالات المصالحة. بل العكس، بين 12 و16 مليون الماني عرقي طردوا من دول وسط أوروبا مع نهاية الحرب وبعدها. بين 600 الف الى 2 مليون قتلوا في اثناء الطرد، الذي تضمن عددا لا يحصى من المذابح والاعتداءات. سفينة اللاجئين ‘فيلهم غوستلوف’ اغرقت في كانون الثاني سنة 1945 من قبل الاسطول الروسي وكان عليها 9.500 شخص. من يتذكر؟ رغم ذلك فان ممثلي المهزومين واللاجئين لم يدعوا الى احتفالات 9 ايار. وروايتهم لم تعرض. وها هم اولئك الذين احتفلوا بالانتصار، انتقلوا بعد اقل من اسبوع الى الطرف الاخر، لغرض احداث احياء الظلم الذي احيق بالفلسطينيين. وهم لم يحلموا باحياء النكبة الالمانية. احيوا النكبة الفلسطينية.
هنا وهناك طرحت فكرة لدفع تعويضات للمطرودين الى المانيا. الدول ذات الصلة، مثل تشيكيا وبولندا، رفضت الفكرة تماما. لا احد يتنكر للاعتداءات وللطرد الوحشي. ولكنها توضح بانه اذا ما ادعى ضدنا احد فاننا سنطالب بتعويضات من المانيا على اضرار الحرب. والزمن يمر. والجراح تلتئم. لا تعويضات. وبالتأكيد لا عودة. المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان تصدت هنا وهناك لدعاوى المطرودين. ورفضتها رفضا باتا.
الالمان العرقيون، والكثيرون منهم ابرياء، لم يكونوا الوحيدين الذي اضطروا الى اجتياز النزوح الاكراهي. عشرات الملايين في اوروبا وفي آسيا اجتازوا تجارب مشابهة في ذاك العقد، قبله وبعده. هذا ما حصل لنحو700 الف من عرب فلسطين. هذا ما حصل لـ 850 الف يهودي. نكبة يهودية ايضا، فلسطينية ايضا، المانية ايضا وكانت ايضا نكبة بولندية، ونكبة هندية، النكبة كانت النمط الوحشي لذاك الزمن. نكبة عالمية. كل شعب ونكبته.
حسب الباحث الفلسطيني المتشدد، عارف العارف، فان نحو13 الف من عرب فلسطين قتلوا في حرب الاستقلال. ينبغي الاسف على كل قتيل. وينبغي أن يضاف انه حسب مقياس موضوعي لعدد المصابين، بالنسبة للسكان اولعدد الفارين والمطرودين فان النكبة الفلسطينية هي أخفها. وفقط لغرض التشبيه، في تبادل السكان في تلك السنوات، بين بولندا واوكرانيا، قتل نحو100 الف نسمة من اصل 1.4 مليون طردوا من محافظات وطنهم. فهل احد ما ينظم احتفالات في ارجاء العالم لذكراهم؟ وها هي بالذات النكبة الفلسطينية تخلد في أرجاء العالم.
الفلسطينيون عانوا. كل المبعدين عانوا. وقد دفعوا ثمنا على افعال الزعماء. الفلسطينيون اوقفوا على رأسهم الحاج امين الحسيني. في السنوات الاخيرة انكشفت المزيد فالمزيد من الشهادات على دور الرجل في تشجيع ابادة اليهود. كما أنه اوضح بان ‘شرطنا الاساسي للتعاون مع المانيا كان يد حرة لابادة يهود فلسطين والعالم العربي’. وقد كان بين مبادري ‘فرهود’ في العراق، الاعتداء الاول ضد اليهود في دولة عربية، بالهام نازي. وقد أقام وحدات من المسلمين النازيين. عمل ضد صفقة تحرير اطفال يهود. وكان من مبادري ‘حملة أطلس′ التي كان يفترض ان تسمم مياه الشرب في فلسطين لقتل ربع مليون يهودي. لم يكن الوحيد الذي تماثل في تلك الايام مع النازيين. فوزي القاوقجي وآخرون كانوا بالضبط في ذات الجانب.
هنا وهناك طرحت ادعاءات بانه ‘لا صلة بين مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وبين اللاجئين اليهود من البلدان العربية. هذا ادعاء سخيف. سلسلة اعمال اعتدائية اجتازها اليهود في الاربعينيات، ولا سيما في العام 1948، في عدن، في سوريا، في ليبيا، في العراق، في المغرب كان خليطا من مناهضة الصهيونية واللاسامية. كما أن قرار الجامعة العربية في تلك السنة، بمصادرة الحسابات البنكية لليهود قضى بان ينقل المال لتمويل الجهد الحربي ضد ‘التطلعات الصهيونية في فلسطين’. كان هذا صراع عربي، أدارته الجامعة العربية واللجنة العربية العليا، برئاسة الحسيني، بحيث أن هناك سخف ما في الادعاء بان ‘لا صلة’.
مشكلة اللاجئين الفلسطينيين تخلدت لان العالم العربي عارض بشكل ثابت كل اقتراح لاعادة تأهيلهم. وحتى قرار 194 للجمعية العمومية للامم المتحدة الذي يمنح امكانية العودة بشروط معينة، عارضه العرب لانه كان يستوجب الاعتراف بدولة يهودية حسب قرار التقسيم. في السنوات الاخيرة اصبح هذا القرار سلاحا، لغرض فرض العودة الجماعية، رغم أنه لا توجد أي سابقة تاريخية لعودة جماعية من هذا النوع. كما أنه لا يوجد مثل هذا الحق. وفي كل حال، كان قرار 194 واحدا فقط في سلسلة قرارات. قرارات الجمعية العامة 393، 394 و513، التي اتخذت لاحقا توجد في مكانة قانونية مشابهة، استوجبت نقل المسؤولية واستيعاب اللاجئين الى الدول العربية. من يعرف؟ من يتذكر؟
هكذا بحيث أن كل الذين شاركوا في احتفالات النكبة في الاسبوع الاخير لا يخدمون حل المشكلة. هم يخدمون رواية الدعاية التي تخلد المشكلة. ويطورون وهم العودة. فقد أوضح الناطقون العرب المرة تلوالاخرى بان مطلب العودة يستهدف هدفا واحدا: تصفية دولة اسرائيل.
رغم الحقائق الاساسية المعروفة والواضحة، تحولت النكبة الفلسطينية، بما في ذلك في نظر بعض الاكاديميين الى ‘الجريمة الاكبر في العصر الحديث’. الكذبة تنتصر. في الجامعات الامريكية، درج طلاب من التيار المناهض لاسرائيل الى توزيع ‘اوامر اخلاء’ في منازل الطلبة لاستعراض فعلة الطرد الاجرامية التي ارتكبتها اسرائيل. ويتماثل معظم الطلاب مع الضحايا. فهم لا يعرفون الحقائق الاساسية. لا يعرفون عن النكبة اليهودية والعالمية. لا يعرفون عن الصلة العربية بالنازيين. لا يحيون النكبة الالمانية، لان المانيا كانت الطرف المعتدي. ولكنهم يحيون النكبة الفلسطينية رغم أن الطرف العربي كان المعتدي.
توجد حاجة الى المصالحة، توجد حاجة الى الاعتراف بالظلم. فاتسلاف هافل عندما كان رئيس تشيكيا، قام بفعل نبيل. اعتذر عن الفظائع التي ارتكبتها تشيكيا ضد الالمان الابرياء. اسرائيل، مثل هافل، يجب أن تطلب المغفرة عن المعاناة التي لحقت بالابرياء ايضا. المغفرة. لا التعويض ولا العودة. وينبغي الامل في أن يفهم العالم العربي فيطلب المغفرة عن اضطهاد اليهود ومصادرة أملاكهم والدعوات للابادة وتعاون قسم من زعمائه مع النازيين.
ان الاعتراف بالظلم يجب أن يكون على المستوى الانساني. لا السياسي. في لندن وفي موسكولم يتبنوا في 9 ايار الرواية الالمانية. لا توجد اي حاجة لتبني الرواية العربية عند الانتقال الى الشرق الاوسط. المصالحة لم تتحقق من خلال دعاية الاكاذيب التي تجعل ولادة اسرائيل جريمة. المصالحة لا تتحقق الا عندما تنتصر الحقيقة.
يديعوت 18/5/2014
بن ـ درور يميني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نص قصيدة عماد الدين نسيمي كاملا حسب أغنية سامي يوسف

من اهم الكتب الممنوعه في الاردن: جذور الوصاية الأردنية وجميع كتب وترجمات تيسير نظمي

بيان ملتقى الهيئات الثقافية الأردنية وشخصيات وطنية حول الأونروا