أسعد عبدالرحمن و يوسي بيلين يكتبان عن المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية


«المفاوضات» الفلسطينية - الإسرائيلية: جذر المشكلة
د. اسعد عبد الرحمن
في ظل الظروف التي تعيشها المنطقة، لعل «مشكلة المشاكل» تكمن بقبول القيادة الفلسطينية الإملاء الإسرائيلي برفض التعاطي مع أي طرف دولي، سوى الولايات المتحدة، منذ نهاية الثمانينيات. ومن واقع المواقف والأحداث، لا يمكن اعتبار الولايات المتحدة متحررة أساسا، فهي غالبا مضطرة لاتخاذ الموقف المؤيد لإسرائيل، والمستخدم لأسلوب التهدئة مع الفلسطينيين، رغم وعيها بإن إطالة الوقت تصب في طاحونة المشروع الإسرائيلي في المنطقة. وتحت التأثيرات الإسرائيلية/ الصهيونية ذاتها تأتي العاطفة الجياشة في الأحاديث والمواقف الأمريكية تجاه إسرائيل، مع تجاهل كبير للمأساة الفلسطينية: أرضا وشعبا وتاريخا.
حاليا، يتزايد الرهان على فشل المفاوضات الجارية. فالحديث عن «اتفاق سلام» مع الإسرائيليين لا يبدو واردا، لأن الإسرائيليين «فرضوا» نسبيا وجهة نظرهم على الأمريكيين. وقد تجلى الأمر أخيرا، خلافا لما التزمت به الإدارة الأمريكية، شفهيا، للجانب الفلسطيني داخل الغرف المغلقة، حينما كشفت تلك الإدارة عن حقيقة موقفها إزاء بلورة متذاكية لخطة إسرائيلية صرف، أعيد تدويرها بإطار أمريكي، وبطلها وزير الخارجية (جون كيري)، تتبنى بشكل واسع مطالب حكومة الإحتلال الإسرائيلي إرضاء لها بحجة تبديد هواجسها الغاضبة بعد توقيع اتفاق جنيف بشأن البرنامج النووي الإيراني.
لقد تبين أن الإدارة الأمريكية لا تملك قدرة على حل الصراع على أساس قرارات الأمم المتحدة التي تتسم بالوسطية. فقد أكد (كيري) في المؤتمر الصحفي المشترك، إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، «تجديد التزام الولايات المتحدة المطلق بأمن اسرائيل (اليهودية)»، الذي يقع على رأس سلم أولويات البيت الأبيض. من جهته، يعيد (نتنياهو) على مسامعنا شروطه التعجيزية رهنا باعتراف الجانب الفلسطيني «بيهودية الدولة والتخلي عن حق العودة»، فضلا عن سياسة الاستعمار/ «الاستيطان» التي تهدد بضم أجزاء من الأراضي المصنفة «ج» لدولة الإحتلال. بل إن خطة (كيري) تجاوزت عديد الخطوط الحمراء. ففي حين كان الحديث الأمريكي دائما عن حدود 1967، تخطى (كيري) هذا الموقف واقترب من الموقف الإسرائيلي في موضوع المطالبة بأغوار وادي الأردن. وقد شجع هذا الموقف «اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون سن القانون» للإسراع بإقرار اقتراح قانون لضم «المستوطنات» في غور الأردن الى إسرائيل، وكذلك ضم الشوارع التي تربطها، وأيضا دون أن يتم تحديد البناء في هذه «المستوطنات». كما يرى «القانون» المقترح أن «منطقة الأغوار هي خط الدفاع الأول عن أمن إسرائيل على حدودها الشرقية»، رغم علم الجميع أن إسرائيل تجني (620) مليون دولار سنوياً من استثمارها في الاغوار، وهو ما يفند ادعاءاتها بالسيطرة على هذه المنطقة لدوافع أمنية، بل هي أساسا دوافع اقتصادية، مع الرغبة والعمل لتفريغها لاحقا من سكانها تحت ذات الذرائع الممجوجة: عدم حصولهم على تراخيص بناء، أو لدواعٍ أمنية وإجراء التدريبات العسكرية، والأهم رفضها وجود أي طرف ثالث لتوفير «الحماية» لإسرائيل على الحدود الشرقية سواء كان أمريكيا أو «أطلسيا»، وكل ذلك يخفي أطماعها لاقتطاع أجزاء واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة في الأغوار تشكل مساحتها الإجمالية حوالي 28% من مساحة أراضي الضفة الفلسطينية المحتلة وهي السلة الغذائية لدولة فلسطين المستقبلية. وهذا الموقف «الأمني» التعجيزي لإسرائيل، المدعوم حتى اللحظة أمريكيا، يضرب أي أمل «لتسوية» يقبلها الطرف الفلسطيني. فمبادرة (كيري) تتضمن بقاء الاحتلال، لسنوات طويلة، في غور الأردن، فيما كانت المفاوضات أصلا على أساس تحرير أراضي 1967، ناهيك عن الرفض الإسرائيلي لبدهية أن «التنسيق الأمني» في داخل الضفة الغربية المحتلة يطال الحدود أيضا!!! فما تقبل به (بل وتتغنى به) إسرائيل في رام الله ونابلس والخليل مثلا من «تنسيق أمني»، بات مرفوضا في شريط الحدود!!! إذن، نحن أمام إملاءات إسرائيلية وليس تفاوضا على أساس الحدود الدنيا للحقوق الفلسطينية!!!
من المؤكد أن الحال الإسرائيلي الرافض لأي مشاركة أمريكية جدية في المفاوضات الجارية أدى إلى جعل حكومة الاحتلال تضغط على السلطة الفلسطينية باتجاه القبول بالاملاءات والاشتراطات التي تؤمن جانب الكيان الصهيوني من خلال مسيرة تسوية ترسم معالمها حكومة الاحتلال على أرض الواقع من خلال «الاستيطان» والتهويد. إذن، في رفض إسرائيل تمكين الولايات المتحدة من المشاركة الحرة في المفاوضات مع إصرارها على رفض أي مشاركة (ولو رمزية) لدول أخرى غير الولايات المتحدة يكمن جذر المشكلة التفاوضية، في الماضي والحاضر. أما بشأن جوهر الحل، فهذا ما سنتناوله في المقال القادم.

حلول عملية لمفاوضات الحل النهائي مع الفلسطينيين!
يوسي بيلين
اسرائيل اليوم 10/1/2014
إن تصميم وزير الخارجية الامريكي جون كيري يستحق التقدير. فما زال لم ينكسر بعد عشر جولات بيننا وبين الفلسطينيين وبقي التزامه بالمساعدة على احراز اتفاق سلام بين الطرفين متينا كما كان برغم الماء البارد الذي يصب عليه في اثناء الجولات وبينها. وينظر كيري الى الصراع ولا يفهم لماذا لا يمكن انهاؤه.
الحل معروف للجميع، وفي الطرفين اكثرية واضحة تؤيد تسوية الدولتين، واستعداد لانهاء الصراع بطريقة سياسية؛ وفي الطرفين زعيمان يلتزمان بالسلام علنا على الاقل والتكاليف التي تصاحب هذا السلام. ويغضبه ان الامر استمر هذا الزمن الكثير وهو يدرك تأثيرات الحل في الدول العربية وفي المنطقة كلها، وهو مؤمن بقدرته على التقريب بين الفروق في مواقف الطرفين. ولا يضعف ساعده وإن خاب أمله لهذا الموقف أو ذاك، وسيأتي في الاسبوع القادم ويحاول أن يجد حلا.
حاول كيري أن يفضي الى بدء تفاوض دون اتفاق مسبق على قاسم مشترك. وكان الشيء الوحيد الذي تم الاتفاق عليه مسبقا أن تفرج اسرائيل عن سجناء فلسطينيين قدماء وألا يتجه الفلسطينيون الى مؤسسات الامم المتحدة في خلال اشهر التفاوض التسعة المتوقعة، ولم يتم الاتفاق على أي شيء جوهري، وكان يأمل أن ينشأ في اثناء المحادثات قاسم مشترك يمكن أن يقوم عليه الحل المعلوم مسبقا لكن ذلك لم يحدث. كان مطلوب كيري من البداية التوصل الى تسوية دائمة في خلال الفترة التي حددت مسبقا. وتعجب الجميع لكن اذا كان وزير الخارجية الامريكي شديد التصميم فلن نجادله لأنه ربما يعلم شيئا لا نعلمه نحن. وربما توجد مع كل ذلك اتفاقات سبقت. رفض كيري كل فكرة تسوية تدريجية في الطريق الى تسوية دائمة. وقبل الطلب الفلسطيني وهو التوصل فورا الى تسوية دائمة خشية من أن كل تسوية ليست كهذه ستصبح هي نفسها تسوية دائمة والتفضيل الاسرائيلي القاطع الذي لا لبس فيه لاتفاق سلام كامل يشمل في جملة ما يشمل انهاء المطالب المتبادلة، وكان ذلك ادعاءا كبيرا جدا لأن حكومة نتنياهو غير مستعدة لدفع الثمن الذي يفترض أن تدفعه اسرائيل في الاتفاق المعلوم مسبقا. وأما م.ت.ف برئاسة عباس فلا تستطيع أن تأتي الى الطاولة بتسليم حماس للاتفاق. ولا تستطيع أن تشمل قطاع غزة في التسوية التي سيتم الاتفاق عليها.
حتى لو تم التوقيع على اتفاق دائم فلا يمكن أن يتحقق في هذه المرحلة إلا في الضفة الغربية. وحكومة نتنياهو غير متجهة الى تقسيم القدس الشرقية أو الى حل رمزي لمشكلة اللاجئين أو الى تخلي عن اريئيل. ولن يحدث هذا في جولة كيري الحادية عشرة ايضا كما يبدو. ويصعب أن نفهم لماذا اعتقد كيري أنه سيمكن التوصل الى ذلك في الظروف الحالية.
حينما أدرك وزير الخارجي الامريكي أن التفاوض في مستوى لفني عريقات قد انتقض، وعلق في مستوى نتنياهو عباس كيري عاد ليبحث عن القاسم المشترك الذي يُمكن من ادخال التفاوض في اطار يثمر نتائج. وهو يتحدث عن اتفاق اطار لأنه لا يريد الابتعاد عن هدفه الاول اتفاق كامل لكنه لا يتحدث في الحقيقة عن اتفاق اطار بل اتفاق بين بيغن والسادات في 1978؛ بل يتحدث عن خطوط متفق عليها لادارة التفاوض. ويحاول وزير الخارجية أن يفعل في كانون الثاني ما لم يتم فعله في تموز من العام الماضي حينما اعلن كيري عن بدء المحادثات: فهو يجلب معه المباديء التي ستكون الاساس لاستمرار التفاوض بين الطرفين في الاشهر القريبة آملا أن يوافقا على قبول اقتراحه وأن يوافقا على اجراء تفاوض طويل يتجاوز شهر نيسان، كما تم الاتفاق.
بيد أن كيري دُفع هنا الى تضارب مصالح: فبنيامين نتنياهو سيبارك استمرار التفاوض لأنه لا يسرع الى أي مكان، وكلما استمر التفاوض قل خطر التهديدات والقطيعات من قبل العالم. وانهاء التفاوض دون شيء ولا سيما اذا لم يوجد تفسير يبين أن الطرف الفلسطيني مذنب لذلك، سيجعل اسرائيل تواجه وضعا سياسيا شديد التعقيد. وانهاء المحادثات بمصالحات سيجعل نتنياهو يواجه ازمة في داخل حزبه، ويسعده في ظاهر الامر أن يؤجل لحظة الحقيقة هذه بقدر المستطاع.
وفي مقابل ذلك يجري رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التفاوض في ظروف صعبة عليه لأنه ليس الحديث فقط عن حماس التي ترفض هذا التفاوض من البدء ولا عن منظمات الرفض الفلسطينية الاخرى؛ بل الحديث عن فتح وعن اقرب الناس اليه، فليس لعباس اكثرية في داخل اللجنة المركزية في فتح ولا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية للاستمرار في اجراء التفاوض. وقد استقال المفاوضان منذ زمن، وتصدر عن الدكتور صائب عريقات في احيان متقاربة اقوال يأس تتعلق باحتمالات الاجراء.
إن الدعوى التي تسمع على عباس هي أنه يجري مسيرة سياسية جوفاء لا أمل منها ويمتنع بذلك عن التوجه الى مؤسسات الامم المتحدة والحصول منها على اعتراف بالدولة الفلسطينية. وهو يبين أن عليه أن يضمن العلاقة الطيبة بين م.ت.ف والولايات المتحدة، وهو ينجح بواسطة حيل سياسية في الاستمرار في التفاوض.
يلتقي كيري زعيمين سياسيين ليس لأحدهما أكثرية في حزبه ليستطيع دفع ثمن السلام، وليس للآخر اكثرية في حزبه للاستمرار في التفاوض دون شق طريق مهم الآن. فليس الحل الاكثر عملية مثاليا لكنه افضل كثيرا من السير المعلوم الى فشل معروف مسبقا.
والحديث عن انشاء دولة فلسطينية فورا تستطيع أن تستوعب فورا اللاجئين الفلسطينيين الذين يهربون من سوريا منذ أكثر من سنتين.
ستكون حدود الدولة مؤقتة، لكنها سيادتها ستكون كاملة، وسيكون التفاوض في التسوية الدائمة على أساس مباديء يقترحها الامريكيون ويجري بين حكومة الدولة الفلسطينية التي ستنشأ وبين حكومة اسرائيل في مدة زمنية متفق عليها مسبقا. اذا لم يكن يوجد أرانب في قبعة كيري فلا مناص سوى محاولة العمل بكامل الجهد في هذا الاتجاه بدل الحديث الفخم عن اتفاق دائم الآن ومواجهة دعامة مكسورة قُبيل نهاية الأجل الذي ضُرب مسبقا لاجراء التفاوض الحالي. ومن الحسن أن الازمة نشأت في كانون الثاني لا في نهاية شباط، ومن الحسن أن يُكشف عن الحقيقة الآن لا في اللحظة الاخيرة. فما زال من الممكن حرف المقود الى الاتجاه العملي الذي يمنع التحطم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نص قصيدة عماد الدين نسيمي كاملا حسب أغنية سامي يوسف

من اهم الكتب الممنوعه في الاردن: جذور الوصاية الأردنية وجميع كتب وترجمات تيسير نظمي

بيان ملتقى الهيئات الثقافية الأردنية وشخصيات وطنية حول الأونروا