حركة إبداع: على نهج المناضل الشهيد الفذ عبدالفتاح تولستان أيها الرفاق الشبان


سيبقى الشهيد عبد الفتاح تولستان حيا في ضمير شعبنا الأردني إلى الأبد..

عناد ابو وندي
الحوار المتمدن-العدد: 2926 - 2010 / 2 / 24 - 11:53
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية

استشهد المناضل الكبير عبد الفتاح تولستان في 24/2/1962 عضو مكتب منظمة عمان للحزب الشيوعي الأردني على يد خبير التعذيب الألماني الغربي.
اعتقل الساعة العاشرة من صباح يوم السبت الموافق 24/2 أثناء الدوام الرسمي في مدرسة الأمير محمد كونه كان يعمل مدرسا فيها في حملة الاعتقالات التي قامت بها السلطات. واخذ للتعذيب في وكر الخبير الألماني الوحش في الساعة السادسة مساء اليوم الذي اعتقل فيه، واسلم الروح عند الساعة العاشرة مساءا من نفس اليوم.
كان يغمى علية أثناء التعذيب وعندما كان يصحو يبصق في وجه جلاديه.. وكانت أخر كلماته قبل أن يتوقف قلبه عن الخفقان:"إني متأكد باني سأموت في هذه الغرفة..ومتأكد أيضا بان النصر لشعبنا ولنا نحن الشيوعيين".
لقد كانت أثار التعذيب على جثة الشهيد، فقد انتزعوا أظافر قدمي الشهيد وبوحشية تقشعر من هولها الأبدان كما كانوا يطفئون سجائرهم المشتعلة في جسمه، وفي كل ذراع من يديه إحدى وعشرون حلقة مسودة بفعل حرق أسلاك الكهرباء ولم يتركوا في جسمه موضعا ألا وفية كدمة أو حرق ولا عظما ألا وفية كسر.
الشيخ الذي غسل جثة الشهيد لم يتمالك ألا أن يصيح بأعلى صوته "الله اكبر يا ناس وين الدين، اللي بحكوا عنه، وين الإنسانية؟! الله اكبر يا ناس وين العدل، وفي حرمة شهر رمضان يفعلون هذا؟! يا ناس كل جسمه محرق ومكسر ما في رحمة!!.
وقد عبرت إحدى الفتيات عندما أبنت الشهيد قبل تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير بهذه الكلمات البسيطة والمؤثرة..."شيعوا البطل إلى مثواه الأخير..غدا سندوس الأوغاد بأقدامنا، وسنثأر ولو على أيد أخر طفل منا..ولك منا أحر وداعنا أيها البطل...".
لقد هزت هذه الجريمة البشعة حتى الأعماق ضمائر كل الشرفاء من أبناء شعبنا وبناته...هزت ضمائر العمال والفلاحين والطلاب والمعلمين والمحامين والأطباء والتجار والجنود والضباط الشرفاء في الجيش والشرطة، واجتاحت النقمة كل مدينة وقرية ومخيم في أردننا الحبيب.
وشكل الشراكسة في الأردن وفدا مكون من 40 شخصا لمقابلة الملك حسين بن طلال مستنكرين الجريمة البشعة مطالبا بضرورة إيقاع العقاب بقتلة الشهيد، وقد اعترف الملك ضمنا بالجريمة إذ قال أنها غلطة ارتكبت أثناء التحقيق ولن تتكرر، ووعد بان يأخذ الحق مجراه..
وعلق احد السياسيين الموالين على الحادث بقوله:"أن ما حدث في بغداد يوم 14 تموز سيصبح لا شي لما سيحدث في عمان إذا استمر هؤلاء على هذه الأعمال الإجرامية". كما علق شخص وطني وسياسي قائلا :"أن هذا الأمر لم يكن مفاجئا لي، فانا أتوقع أن يقوم الأوغاد بمثل هذه الأعمال، من البديهيات أن يكون الشهيد شيوعيا".. وعلق احد الناس العاديين على استشهاد الرفيق قائلا:"أن مبدأ يموت معتنقوه في سبيله سينتصر حتما". وعلق بعض القادة النقابين على الحادث بقولهم:"أن على جميع الوطنيين أن يتكتلوا أذا هم أرادوا الدفاع عن أنفسهم".
وقد شكلت الوفود المتعددة وذهبت إلى رئاسة الوزراء للتعبير عن سخطها واستنكارها للحادث مطالبة بضرورة معاقبة المجرمين.وعم الغليان جميع الطلاب والمعلمين في عمان والأردن... وبأمر من السلطات منع طلاب ومعلمو المدرسة التي كان الشهيد يعلم فيها من المشاركة في تشيع جثمانه، واجبروا أهلة على نقل الجثمان من البيت إلى المقبرة مباشرة.
وإمام النقمة العارمة التي اجتاحت أردننا الحبيب من أدناه إلى أقصاه، وإمام برقيات السخط والاستنكار التي انهالت على السلطات من منظمات النساء والشباب والطلاب والعمال في الأردن والوطن العربي ومن مختلف بقاع الدنيا، تستنكر الجريمة وتطالب بمعاقبة القتلة، واضطرت السلطات في الأردن أن توقف بعض ضباط المباحث المنفذين للجريمة وهم اسحق حلمي الكيلاني، احمد هاشم الصفدي، محمد سعيد،نعمة ناجي الفانك، وفالح الرفاعي، وعصمت أبو السعود، وتعلن عن عزمها على محاكمتهم،دون أن تمس خبير التعذيب الألماني الوحش.
ولد عبد الفتاح تولستان في حي المهاجرين الشعبي بعمان 29/6/1934 لأبوين فلاحين فقيرين وذاق منذ طفولته عمل مع والده في فلاحة الارض. وتنقل عبد الفتاح بين مدارس العاصمة عمان حتى أنهى دراسته الثانوية وعمل مدرسا في عدة مدارس بعمان.
ومنذ تفتحت عيناه على الحياة ساهم في مختلف النشاطات الطلابية والجماهيرية والوطنية، وكان مناضلا بارزا في نقابة المعلمين وعدد من النوادي الرياضية والثقافية واشترك في مختلف النضالات والمظاهرات الوطنية.
وفي عام 1954 انضم إلى صفوف الحزب الشيوعي الأردني،واستمر منذ ذلك الحين يناضل من اجل تحرر الأردن ومن اجل حقوق الجماهير الشعبية وحرياتها الديمقراطية والدفاع عن السلم العالمي. واشترك بنشاط في جميع النضالات والمعارك الوطنية التي خاضها الحزب الشيوعي الأردني في طليعة الشعب والحركة الوطنية، وتعرض أكثر من مرة للمطاردة والاعتقال والسجن. وتابع النضال ببسالة ونكران ذات، وتدرج في منظمات الحزب الشيوعي وهيئاته حتى أصبح عضوا بارزا في قيادة اللجنة المنطقية للحزب الشيوعي بعمان. واستمر يناضل بقوة وعناد مكرسا جهوده من اجل قضية نحرر الشعب ووحدة الحركة الوطنية إلى أن اختطفته المباحث وسيق للتعذيب وسقط شهيدا. وقد صان، بصموده واستشهاده، شرف الحزب الشيوعي ومجموع الحركة الوطنية.
لقد مات عبد الفتاح دفاعا عن قضية تحرر الشعب الأردني وتحرر الشعوب العربية، استشهد في سبيل الديمقراطية والسلم ومن اجل حقوق العمال والفلاحين وكل الجماهير الشعبية.
وسيبقى عبد الفتاح حيا في ضمير شعبنا إلى الأبد..
وسيبقى ذكراه وذكرى كل شهيد خالدة خلود الحياة...
وسلام على البطل في يوم مصرع البطل.

سيبقى الشهيد عبد الفتاح تولستان حيا في ضمير شعبنا الأردني إلى الأبد..

نظم الشاعر عبد الرحيم عمر قصيدة بعنوان إلى روح الشهيد عبد الفتاح تولستان:
خسئ الباغي وما شاء ودبر فالدم المطلول نيران تسعر
ويد البغي وان طالت فلا بد في يوم قريب تتكسر
صغر الجلاد يا "فتاح" من يتحدى الموت لا يعنو لأصغر
أنت رغم الموت حي لم تزل تلهب الثورة والحقد المظفر
خالد رغم الأعادي والردى بطل ما ذكر الأبطال تذكر
والدم الغالي على درب الفدى شعله تومئ للفجر المنور
إنا لا ابكي لأني جزع أو لأني قد أرى في القتل منكر
أو لأني ليس من يثأر لي فأنا أبصر يوم الثأر احمر
ويقيني يا رفيقي دربنا بضحايا الخلد والتحرر يزخر
نحن إن لم نمهر النصر ومانا ونفوسا طاهرات من سيمهر؟
إنما ابكي أيا "فتاح" أن عشت في ليل الخيانات المعثر
وحملت العبء حرا صادقا وحملت الرأي صلبا ليس يقهر
وتجرعت عذاب الصبر!ما أثقل الضيم على حر تصبر
وشهدت الأردن الغالي وقد سيطر المأجور فيه وتأمر
كم أهين النسر في أجوائه! وتعالى فيه بوم وتنسر
وادعى فيه جبان صولة فوق مهزوز من الصف مبعثر
فإذا ماغمة الليل انجلت وتبدى فجرنا أو كاد يظهر
كنت يا "فتاح" طعما للردى لم تعش حتى ترى شعبك يثأر
من اعزي فيك؟ حزبا؟وطنا؟ أم عروسا زادها دمع تحدر؟
أم رفاقا في المنافي سهروا في قيود الأسر أسدا تتضور؟
أم رفاقا في سراديب الوغى حرسوا حلما عليه عشت تسهر؟
من اعزي فيك؟قل لي يا رفيقي! ومصابي فيك يا "فتاح" اكبر!
شقشق النور وحادي الصبح كبر واتى النصر شيوعيا مؤزر
وتعالت فوق أرجاء الدنيا راية العمال بالطغيان تسخر
وإذا بالمارد الغافي على ارض أفريقيا واسيا يتحرر
وإذا في ارض كوبا علقم بعد أن كانت لهم شهدا وسكر
كل يوم ثورة ميمونة ورؤؤس الخزي والطغيان تندر
كل يوم قصة جبارة قلعة تهوى وأخرى تتقهقر
ذا عزائي يا رفيقي،ولم يزل حلمك الثوري كالطوفان يغمر

ويد البغي وان طالت فلا بد في يوم قريب تتكسر

سعيد مضية ومقابلة تموز 2008 مع  الرفيق عبد العزيز العطي ( أبو الوليد)
السبت 26 تموز 2008
- هل تعطينا لمحة عن نشاطك السياسي المبكر؟
* تخرجت عام 1946 من كلية غزة الأهلية وحزت على شهادة المترك .يرجغ الفضل في إكمال التعليم الثانوي إلى المعلم هاشم البرقوني. كان هاشم البرقوني  معلما مغضوبا عليه نقل إلى بلدتنا ياسور، وأسكنه والدي في غرفة ببيتنا. (لم يذكر ابو الوليد ان والده كان من الملاكين بالقرية وعمل مختارا لها). انقطعت عن التعليم في مدرسة الرملة ؛ ولما وجدني لا أذهب إلى المدرسة أخذني إلى مدرسة غزة الأهلية، وسجلني تلميذا بالصف الأول الثانوي. كان قد اقام في غزة بعد ان استقال من المعارف وعمل موظفا بمؤتمر العمال العرب. وكنت أول طالب يسجل بالقسم الداخلي، ونظرا لكبر السن اوكل إلي مهمة إدارة النزل الداخلي بالمدرسة. قريتي ياسور من قضاء غزة، وبموجب قرار التقسيم تتبع الدولة الفلسطينية.
بعد التخرج طلب مني صديقي أحمد الهندي من بلدة يازور المجاورة تقديم طلب للتدريس بمدرسة يبنا ، لكن شفيق طرزي مدير مدرسة غزة الأهلية قرأ إعلان التوظيف في الصحيفة، ووجه وفدا من المدرسة يطلب مني العمل معلما بالمدرسة، وقبلت. واصلت الاضطلاع بمهمة إدارة القسم الداخلي.
أذكر ، وانا في الصف النهائي بالمدرسة ، أن نهض الطالب معين بسيسو ليقول ان اليوم يصادف ذكرى ثورة أكتوبر العظمى ، الثورة التي  سلمت السلطة في الاتحاد السوفييتي للعمال والفلاحين. كان في ذلك اليوم متأنقا يحمل في جيب جاكتته ومنديلا أحمر. رد عليه احد الطلاب، خليل الغلاييني، ساخرا . ولما دخل معلم العربية وكان معمما سأله ذلك الطالب عن الشيوعية ؛ رد المعلم أن الشيوعيين كالحمير يأكلون ويشربون وينامون.  اعترض معين واشتبك بالكلام مع المعلم، الذي أخرجه من الصف.  أعاده مدير المدرسة إلى الصف.
عين فائق وراد وبطرس صلاح ( من القدس) معلمين بالمدرسة في ذلك العام. وعمل  فائق في العام الفائت معلما في قرية بيت فجار. جاء فائق واستقبلته؛ مررت به على أقسام المدرسة وتناولنا طعام الغداء. سألني أن أدله على مقر مؤتمر العمال، سرت معه ، وهناك عرفني على فهمي السلفيتي وعلي عاشور. اطلعت على مجلة الغد. كنت أعتقد أنني عضو بالعصبة ؛ لكن فائق وراد أفهمني ان العضوية تشترط بتقديم طلب الانتساب ومصادقة اثنين من الأعضاء على تزكية الطلب. احضر فائق وراد لي طلب الانضمام لعصبة التحرر الوطني ووقع على الطلب مؤيدا قبولي، ووقع أيضا فهمي السلفيتي؛ .  انعقد مؤتمر العصبة في غزة وترشحت مع فائق وراد لعضوية لجنة المنطقة ونجحنا. كان باللجنة أيضا علي عاشور  وفخري مكي ومحمد خاص.
خلال عضويتي بلجنة المنطقة تبين لي أن معين بسيسو غير مسجل ضمن عضوية عصبة التحرر. كان في العام الفائت يفاخر بعضويته في العصبة؛ والآن يدرس بالجامعة في مصر. ربطتني به صداقة وترددت على بيته وتعرفت على أسرته ونمت لي علاقة جيدة بالأسرة.
في الصيف عاد معين من الجامعة، ولمته لأنه ليس عضوا بالعصبة، لم يقدم طلب العضوية . حينذاك أدرك مثلي أن عضوية العصبة ليست تلقائية ؛ فقدم الطلب وزكيته وقبل عضوا بالعصبة.
انقضى عامان 1947 و1948 وجاء أبو خالد ( فؤاد نصار) ليختفي في غزة، اعتقادا أنها أكثر أمنا. واختفى معه أسعد مكي وعلي عاشور، وهما نقابيان من غزة. كانت القوات الصهيونية تحتل المواقع الفاصلة بين غزة والضفة ، وخشينا ان ننقطع عن الأهل. سمح لفائق بالعودة إلى بيتين، وطلبت من مدير المدرسة السماح لي بالتوجه إلى البلدة فالناس يهجرون من ديارهم ولا أحد يدري أين حملهم الترحال؛ اشترط المدير علي تنظيم شهادات الطلبة. طلبت من خياط تفصيل قمباز. عرض عليه أصدقاء من بلدة حمامي ( بلد الشيخ أحمد يس) نقله بواسطة البحر ثم يتوجه برا إلى ياسور؛ لكنه وجد باصا يزمع التحرك فصعد إليه . وصل الباص الفالوجه ؛ نزلت منه وتوجهت سيرا  على القدمين إلى صمويل وأقمت تلك الليلة عند أسرة الحاج أحمد سلمي، وهم من معارف أسرته. عند الصباح أحضروا لي فرسا ومضيت إلى تل الصافي ( أول قرية تسقط من قضاء الخليل)،ثم المسمية. تناولت طعام الغداء وتوجهت إلى ياسور التي تبعد أربعة كيلومترات. أعلنت الهدنة يوم وصوله البلدة. جلست على تلة تشرف على أسدود، ثم توجهت إلى البيادر ؛ لم أكد أغفو حتى انهمر الرصاص من فرقة هاغاناه. احتلت الفرقة القرية وانسحب الجميع إلى المسمية ومكثت الأسرة هناك طوال فترة الهدنة.
منع أهالي المسمية الناس من العمل المسلح؛ أعلنوا أنهم مسالمون. بعثت قيادة الهاغاناة المحلية تطلب أبو نجيب مهنا ؛ ولما عاد على فرسه سئل فلم يجب. أخيرا تكلم وقال أنهم طلبوا منه تسليم سلاح الأهالي والنزوح خلال 24ساعة إلى بيت دجن.
نصح عبد العزيز الأهالي البقاء بالبلدة ، أما زعيم المسلحين، عبد الله نمر مهنا فأشار على القوم بالرحيل وترك المسلحين يقاومون.
أرسلت الأسرة الأثاث إلى تل الصافي ريثما يصلون ؛ لكن القرية احتلت قبل المسمية. رحلنا بالأبقار عبر حقول الذرة؛ ووجدنا القرى عجور وزكريا وبيت جبرين مهجورة. أقامت الأسر تحت أشجار الزيتون. جاءنا موسى جبران وطلب منا الرحيل إلى ترقوميا ثم سعير. أقامت الأسرة في حلحول، نصبت خيمة ثم رحلت مع موسى جبران إلى سعير.
علمنا أن المصريين شرعوا يعتقلون أعضاء العصبة في غزة. قرر الحزب توزيع بيان في مدينة الخليل وكلف موسى جبران  ومحمد عبد الواحد ( أبو كامل) وعبد العزيز بالتنفيذ. توجه الثلاثة إلى المدينة وسمعوا أذان الصبح وهم على أطراف المدينة. شرعوا يوزعون في السوق المسقوف، اجتازوا قنطرة الشلودي ووصلوا ساحة البلدة ( القديمة). ألقى أفراد من الحرس الوطني التابع للجنة القومية القبض على موسى؛  سألهم أبو كامل لماذا يمسكون بالرجل فاعتقلوه أيضا ؛ مر عبد العزيز وتوجه إلى ساحة المطحنة . اشتبه الطحانون به على أنه سارق حمير ، وأخذوا يحققون معه. تطوع احد البدو لمساعدته وخلصه من أيديهم ، فتوجه خارج المدينة ووصل حلحول. توقفت سيارة بيك اب ونادي السائق على من يرغب السفر إلى بيت لحم ، وكان هناك بيت للحزب مسئول عنه موسى حشيمه. ولما وصل وجد ان المذكور قد احضر أسرته وذويه للإقامة بالبيت.
مضى يتجول في المدينة والتقى بعامل كان يعمل في مقهى مؤتمر العمال بغزة. عرفه على شقيقه ونام ليلته عند بائع هريسة ووجد اثنين آخرين ينامان بالغرفة. توجه في اليوم التالي إلى سعير وكان المطر يهطل بغزارة، وعلم من الأسرة أنهم ينوون الانتقال إلى أريحا . وبالفعل رحلوا إلى موقع قريب من قصر هشام ثم انتقلوا إلى العوجا، حيث وزعت عليهم الخيام .
شرع عبد العزيز ينظم شباب العوجا في العصبة ، وعلم أن أبو خالد هرب من معتقله في عمارة بيت لحم وأقام بالقدس؛ توجه إلى القدس وأقام عند بيت الأنصاري خادم الأٌقصى.
- كيف شرع أفراد العصبة النضال بعد النكبة
* لم يهادنوا دخول الجيوش العربية ، لأنهم يدركون ارتباط الأنظمة بالدول الداعمة للمشروع الصهيوني في فلسطين. لم تنطل عليهم خدعة "إنقاذ" فلسطين؛ بل إنهم تنبأوا بمصير تشريد الجماهير الفلسطينية من ديارها وحذروا من هذا الخطر. بقيت جريدة العصبة الجديدة " المقاومة الشعبية" تصدر مرة كل شهر. تطبع في مطبعة مخبأة في بيت عبد الله البندك، خلف كنيسة المهد من الجهة الجنوبية. عمل بها سالم متري والياس شماع. كان عبد العزيز يحضر المواد بعد إقرارها ويحمل النشرات المطبوعة ويسير بها إلى القدس ورام الله ونابلس.
طلب أبو خالد من عبد العزيز التوجه إلى عمان لإصلاح أسطوانة المطبعة، والاستعانة بجهود الدكتور نبيه ارشيدات في عمان.  أحضر احد أبناء الأنصاري جواز سفر له. وفي عمان توجه إلى محل ساعات أوصي بالاستعانة به؛ المحل تحول فيما بعد إلى مطعم السردي. وجد صاحب المحل، واسمه نجيب ، الذي أبلغه أن نبيه ارشيدات معتقل في باير؛ لكنه وعد بأن يسلمه لشخص آخر بعد أن ينهي الموظفون الدوام. جمعه مع فايز الروسان. في اليوم التالي سلمه فايز أسطوانة جديدة اشتراها من حسابه الخاص، وقال أن الأسطوانة الأولى لا يمكن إصلاحها. في طريق العودة سئل عما يحمله فقال أنها اسطوانة لمطبعة دار الأيتام.
انتقل فؤاد نصار للإقامة عند رشدي شاهين في بيت دجن. كان عبد العزيز ينقل الجهاز الخاص للقدس ورام الله ونابلس على ظهره من بيت لحم إلى القدس حيث يسلمه لداوود ترجمان ، ثم رام الله ويسلمه إلى طلعت حرب، ثم نابلس ويسلمه إلى خلدون عبد الحق. طلب منه فؤاد نصار الانتقال إلى سلفيت والإقامة عند فهمي  وتم ذلك. تردد على البيت أبو رفعت (صهر أبو سليم)، مع شقيق عربي عواد . قيل لهم أن قائد المخفر سأل عمن يقطن البيت؛ فرحلوا وأقاموا على مصطبة في كرم . لم يداهم البيت أحد فعادوا إلى البيت، ثم تقرر ترك سلفيت. توجه عبد العزيز إلى رام الله وطلب من طلعت حرب البحث عن بيت حزبي، وأنجز طلعت المهمة. 
استأجر أبو وليد البيت باسم خليل جاد وحضر أبو خالد وفهمي الذي طلبته شرطة  سلفيت. تردد رشدي شاهين على البيت، حيث يقيم فيه بضعة أيام؛ وتردد أيضا فائق وراد . 
تشكلت قيادة مركزية للعصبة ضمت فؤاد نصار وفائق وراد وفهمي سلفيتي ورشدي شاهين وعبد العزيز العطي ورشيد الهباب( وكان من قبل عضو لجنة مركزية لعصبة التحرر الوطني).
حضر عبد العزيز مؤتمر أريحا عام 1949. كان أحد أقاربه قد عرض عليه مصاحبته إلى المؤتمر؛ وحضر المؤتمر 40-50 شخصا ممن ارتبطوا بالانتداب البريطاني من قبل. وبحجة إنقاذ ما تبقى من فلسطين قرر المؤتمر إرسال وفد إلى الشونة لمبايعة الملك عبد الله. أيد عبد الله الريماوي قرارات المؤتمر وشارك في الانتخابات البرلمانية التي أعقبت إعلان الوحدة ودخل البرلمان.
زاره في العوجا نهاد أبو غربية وعرض عليه فتح مدرسة لأبناء اللاجئين . أسس المدرسة وعين الرفاق معلمين وهو المدير. لكن أبو خالد طلب منه تسليم الإدارة لشخص من المعلمين ( احنا صادين لمدرسة ومعلمين؟ علينا مهمات!)
أعلن عن نية عقد مؤتمر للاجئين وطلب من كل منطقة اختيار عشرة يمثلونها . وقع أهالي مخيمات أريحا على عريضة ترشح عبد العزيز وشقيق محمد اديب العامري. عقد المؤتمر في فندق كازابلانكا. وشكل المؤتمر لجنة تنفيذية من احد عشر عضوا منهم عبد العزيز. كما ضمت كلا من المحامي عزيز شحاده وعبد الرحمن السكسك ومحمد صالح البرغوثي ومحمد اليحيى ( شقيق عبد الرزاق اليحيى)، وصالح عوض الله وسعيد العزة ومحمد نمر الهواري وخضر نمر حمود. أيد الحزب النشاط داخل المؤتمر وكان يوجه الرفيق عبد العزيز في نشاطه داخل اللجنة التنفيذية.
نشأ داخل اللجنة التنفيذية خلاف بصدد الاشتراك في مؤتمر لوزان الذي دعت إليه حكومتا بريطانيا والولايات المتحدة. عارض الحزب المشاركة في المؤتمر وسافر محمد نمر الهواري وعزيز شحادة وشخص ثالث لا يذكره الرفيق. رجع اثنان واتفق الهواري مع إسرائيل على العودة بعد أن تفاهم مع مبعوث حكومة إسرائيل.
تكرر تعطيل اجتماع اللجنة بسبب عدم حضور النصاب. احتج عبد العزيز وقال أنه يبيع من حصته في الطحين كي يدبر أجرة السفر. وهنا سأله المحامي عزيز شحادة ألا يعمل في وظيفة فرد بالنفي. وبعد يوم اتصل به عزيز شحادة وقال أنه وجد له عملا مدير مشروع العلمي بأريحا. رفض عبد العزيز الوظيفة لأنه عرف سلفا أن فؤاد نصار سيعارض؛ وشغلها بعد ذلك وصفي التل.
اختفى فائق وراد بعد ان طلبتهالشرطة في بلدته بيتين، وانتقل إلى نابلس. ألقي القبض على فهمي وعبد العزيز في البيت الذي اختفيا فيه مع أبو خالد .( بالصدفة خرج أبو خالد من البيت لقضاء الحاجة في مكان بعيد عندما جاءت الشرطة. اشتبه أحدهم وكان يعرف عبد العزيز عندما عرف أنه يعرف باسم خليل، وبلغ الشرطة. حكما بالسجن لمدة عام ؛ولما خرجا من السجن سلمه رشيد الهباب مشروع بيان بتشكيل الحزب الشيوعي الأردني مع مشروع برنامج للحزب تمهيدا لمناقشته . تضمن البرنامج بند العمل من اجل إقامة الدولة الفلسطينية وتحرير الأردن من النفوذ البريطاني. ناقش الكوادر والمنظمات الحزبية مشروع البيان وأقر عام 1951 . 
بعد تشكيل الحزب الشيوعي الأردني تقرر نقل الكوادر النشيطة إلى مدينة عمان ونقل فائق وراد قائدا لمنطقة عمان. كما نقل عبد العزيز قائدا لمنطقة إربد.

ما هي مضامين البيانات التي كانت تنشر وتوزع من قبل القيادة المركزية للعصبة ؟
*فضح مؤامرة التشريد المبيتة ضد الشعب الفلسطيني من خلال الحرب،
* قرار التقسيم ليس أفضل الحلول، فهو جائر؛ لكنه، وقد أقر في الأمم المتحدة، يظل أقل البدائل سوءا.
* أصدرت العصبة " طريق فلسطين إلى الحرية " قبل صدور قرار التقسيم. وبعد صدور قرار التقسيم صدر بيان في صحيفة الاتحاد يحمل نفس المضمون.
* أول بيان صدر عن العصبة بعد قرار التقسيم دعا الجيوش العربية للعودة إلى بلدانها وتوجيه السلاح إلى صدور الحكام . وزع البيان في خنادق الجيش المصري بواسطة شيوعيين ارتبطوا بالعصبة.
* اقترح عبد العزيز الاسم " المقاومة الشعبية" لنشرة العصبة. قبل سقوط الفالوجة كلف عبد العزيز بتوصيلها إلى غزة ؛ سافر بواسطة الباص، وسلمها إلى فايز أبو رحمة( ضابط شرطة سابقا). قضى ليلته بمدينة غزة؛ والتقى في الصباح بشخص من عائلة أبو رمضان، عرف عنه اتصاله بالمخابرات المصرية. في موقف السيارات وجد سيارة تكسي ينقصها راكب؛ صعد إلى السيارة وكان الركاب يعرفونه، حيث عملوا بالمجدل مدرسين. جاءت وحدة شرطة وداهمت الباص الذي كان يستعد للانطلاق. وعند قرية دير اسنيد أوقفت سيارة التاكسي التي يسافر بها عبد العزيز عند حاجز؛ وكان يرتدي القمباز. سأل الشرطي احد الركاب ممن يرتدون بدلة عن اسمه. سأله الرجل لماذا تسأل ، فأجاب نفتش عن شيوعي.
- وبعد تشكيل الحزب الشيوعي الأردني؟
* نقلت المطبعة إلى عمان في بيت يشرف عليه أبو أمل ( جابر حسين جابر) مع أسرته. كان أبو محمد مسئول منطقة عمان وأبو الوليد مسئول منطقة اربد والسلط.
- من تذكر من كوادر ذلك الجيل؟
* المهندس أحمد الناصر خصاونة ، ومن اربد الرفاق عيسى عويس، وديع الشاعر، سلطي التل. من السلط حنا حتر  ومنصور النبر. 

-  وكيف تم اكتشاف المطبعة؟
*  كان أبو محمد وأبو سليم وأبو الوليد  ينتظرون محمد أبو شميس لإحضار الجهاز. تأخر عن الموعد . توجه أبو سليم يستطلع الأمر ولاحظ حركة، فأدرك ما جرى. عاد إلى الرفاق كي يبلغهم ويخلوا المكان. حمل أبو شميس المطبوعات على ظهره ومر من امام المخفر ؛ اشتبهجنود المن به وفتشوه.
- وكيف اعتقل للمرة الثانية؟
* كان ذلك في نابلس، وفي نفس البيت الذي سكنه أبو خالد . كان يقيم به رشيد الهباب.
يقول الرفيق أبو الوليد: وصلت البيت منقولا إلى منطقة نابلس. لم يكن في البيت طعام ولا دخان. كان رشيد الهباب ينتظر حتى يحضر له الطعام احد رفاق المنطقة في المساء. في ذلك المساء أحضر الرفيق خلدون عبد الحق الطعام وكان طبيخا مع عدد من الأرغفة. حضر اجتماع لجنة ناحية سلفيت في كرم زيتون. تسلمنا التقرير التنظيمي والتقرير المالي مع عشرين قرشا. كان اكبر اشتراك يدفع حينذاك خمسة قروش.
يواصل الرفيق عبد العزيز القول:عدنا إلى البيت ؛ تعشينا ولم نكد نتمدد حتى سمعنا طرقا شديدا بالباب. دخل عدد من أفراد المخابرات مع المختار. استطاع عبد العزيز تمزيق التقرير الإداري وأمسك المهاجمون بالتقرير المالي. استدعي المدعي العام ، ورفض عبد العزيز الإجابة على أسئلته؛ قال أحدهم نحن نأخذه إلى اسطبل الخيل ونجعله يتكلم. سجل المدعي العام رفض إعطاء الإفادة وقدم للمحاكمة، وكان القاضي (... )هاشم عضوا فيها. قابلوا القضاة بالهتافات والأناشيد . استدعى قائد المنطقة عبد العزيز في مكتبه وجه له بعض الأسئلة بصدد الفوضى التي يحدثونها بالمحكمة، ثم غافله وضربه بقبضته عند حنكه. هجم  عبد العزيز على الضابط فأشهر هذا مسدسه وصوبه إلى رأس عبد العزيز. تدخل أحد أفراد الشرطة وسحب عبد العزيز؛ فلم يتمكن من الانتقام.
بعد الإعلان عن الدعوة لانتخابات برلمانية تقرر ترشيح فايق وراد عن منطقة  رام الله الانتخابية، وحضر عبد العزيز وفهمي السلفيتي المهرجان الذي خطب فيه فائق وراد بمناسبة خطبة طلعت حرب.
-والآن ننتقل إلى المظاهرة الحاشدة التي استعرض بها الحزب قوته قبيل انقلاب نيسان 1957.
- كانت مظاهرة حاشدة أعد لها الحزب جيدا . وذلك إثر رفض سليمان النابلسي إشراك الحزب في المسيرة التي نظمت على أثر إلغاء المعاهدة البريطانية الأردنية. رد الحزب بتنظيم مظاهرة احتفالية حاشدة ملأت شوارع عمان. تعرض لها الإخوان المسلمون ولكنهم أسكتوا.
-كيف هربت من الاعتقال أثناء الهجمة التي أعقبت الانقلاب؟
•لجأت إلى بيت كان يشرف عليه الرفيق إبراهيم يوسف ( أبو مايك) في مدينة القدس. علمت أن نعيم الأشهب متضايق فبعثت من يحضره . ثم جيء بمنير شفيق ثم أحمد معروف. أرسل نعيم ومنير إلى بيت لحم وانتقل أبو الوليد إلى نابلس، حيث تقرر تنظيم انتفاضة مسلحة . عارض الحزب الفكرة في البداية؛ لكن عبد الحميد السراج مارس ضغوطا على الجميع حتى أذعنوا. تم نقل الأسلحة إلى منطقة نابلس؛ كان تجاوب الفلاحين ضعيفا ومعدوما ، وعانى الرفاق الأمرين وهم يتجولون بين الجبال. وأخيرا تقرر العدول عن الانتفاضة المسلحة . اعتقل عدد من الرفاق ممن حملوا السلاح، وانتقل الرفيق عبد العزيز إلى عمان ليشترك مع رشدي شاهين وفهمي سلفيتي في اللجنة القيادية للحزب.
-وما هي ذكرياتك عن اغتيال عبد الفتاح تولستان؟
•كنت سألتقي معه في اجتماع لجنة منطقة عمان ليلة استشهاده. انتظرت من يأتي ويأخذني إلى مكان الاجتماع. جاء وأخبرني أن عبد الفتاح اعتقل من الصف المدرسي صبيحة ذلك اليوم.  كان عبد الفتاح يردد انه سيلقنهم شو يكون الإنسان شيوعي . ونظرا لحنقهم عليه ضربوه طويلا وهو فاقد الوعي . قال الضابط الأجنبي انه يتخابث وأمر بالمزيد من الضرب ؛ لكن لم تبدر من الرفيق أي استجابة . جس أحد الضباط نبضه وتأكد له أن الرفيق قد فارق الحياة.
وبعد الجريمة جرى الاستغناء عن جميع الخبراء الأجانب في التحقيق.


يرجى من كل من حمل ذكريات عن وقائع المقابلة أن يقدمها ، كي تكتمل الصورة المشرقة لتحدي النكبة .  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نص قصيدة عماد الدين نسيمي كاملا حسب أغنية سامي يوسف

من اهم الكتب الممنوعه في الاردن: جذور الوصاية الأردنية وجميع كتب وترجمات تيسير نظمي

بيان ملتقى الهيئات الثقافية الأردنية وشخصيات وطنية حول الأونروا