تيسير نظمي يدعو للوقف الفوري للمحادثات الفلسطينية الإسرائيلية وإلى تصفية القيادات
قال الكاتب تيسير نظمي في لقاء أجري معه مؤخرا في عمان عن رؤيته
للمستقبل القريب للقضية الفلسطينية :
إن عدم وجود قيادة فلسطينية تطرح رؤيتها في السلم أم في الحرب
لجماهيرها الفلسطينية المشتتة جغرافيا والمنهكة عموديا – طبقيا- سيقود إلى خسران
ثوابت الماضي وحلول الراهن – الحاضر – وآفاق المستقبل والسبب أن الأنظمة العربية
التي كان من المفترض أن تسقط هي التي يتأثر الشتات بثقافتها السائدة و القيادة
الفلسطينية غير مؤهلة ثقافيا وبالتالي سياسيا للتعامل مع متطلبات شعبها في السلم
أم متطلباته من/ في الحرب فهي لم تسمع ولم
تقرأ عن المانيفستو الذي كتبته ونشر جزء بسيط منه في "الزمان" العراقية
اللندنية ونشر بالكامل على مواقع حركة إبداع ضمن صفحات المانيفستو بعنوان "نحو خطاب ثقافي فلسطيني مغاير" و بالمثل نقدي للخطاب الثقافي العربي ودعوتي أيضا لخطاب مغاير ما قبل إعدام صدام حسين بل وما قبل سقوط بغداد . إن المحادثات
التي تدفع القيادة الفلسطينية إليها دفعا مع الإسرائيليين المحتلين وبضغوط شتى
وبخاصة من الأردن و الدول المانحة والممولة ليست نابعة عن رؤية ثقافية وسياسية
بعيدة المدى وإسرائيل هي المستفيدة دوما من هذا الخلل. و ضرب الكاتب والمفكر تيسير
نظمي على ما يذهب إليه مثالا بالقدس التي ليس عنها أية رؤية أو عمل أدبي يحددها و
يوضح مفهومها بعزله عن المفهوم الديني ليوصله إلى مفاهيمه الإنسانية . فالثقافة
العربية السائدة لخصت القدس واختزلتها بمسجد وبالأقصى و تجاهلت أن أكبر المستوطنات
الإسرائيلية غدت بمرور الزمن وهدره المجاني جزءا جغرافيا وديموغرافيا من المدينة –
القدس – و يساعد الثقافة السائدة في ديمومتها أيضا الجهل بثقافة الآخر ، ثم ضرب
أحد أكبر المثقفين العرب المطلعين على الأدب الإسرائيلي مثالا آخر من رواية الكاتب
الإسرائيلي عاموس عوز (ميخائيل الذي يخصني) قائلا أن الرواية صدرت قبل حرب 1967
بشهر تقريبا وتطرح التعايش في القدس الغربية فمالذي جعل هذا الكاتب يتراجع عن
طروحاته اليسارية و لا يتحدث في الموضوع نفسه عندما زار الأردن وظهر على شاشات
التلفزيون الأردني غير الجهل الأردني به حيث عاملوه كداعية سلام إثر فرحتهم الغامرة
باتفاقات وادي عربة و فرحتهم بغفلتهم وهم فعلا مغفلون حتى اليوم في كل ما يخص
مستقبلهم . يومها كتبت مقالة لحزب يساري لم يعد موجودا لعلي أقوم بتثقيف كوادره فووجهت
بجهلة آخرين ومن الفلسطينيين أنفسهم من حملة الجنسية الأردنية ومن الذين حصلوا
بصفاقة على التفرغ الإبداعي لأردنتهم بأنني كاتب مطبع أو تطبيعي وقد قاد تلك
الحملة أحد أعضاء الهيئة الإدراية لرابطة الكتاب – الكتاب الذين لا يقرؤون حتى
لبعضهم البعض – بل أن أحدا منهم لا يطرح ما يطرحه عاموس عوز في روايته (الحروب
الصليبية) التي ترجمها غالب هلسه ونشرت في الأقلام العراقية مع نقد سيء لترجمة
ممتازة لإبعاد أية شبهة و خدمة للشعار على حساب الرؤية التي قد تغير أو تجسر في
المفاهيم لأن الرواية بحث من جانب آخر في من يكون اليهودي . والثقافة الفلسطينية
الحالية لا هي حددت من هو الفلسطيني ولا من هو المسلم ولا من هو المسيحي ولا من هو
الذي كفر بالأنظمة العربية والعيش في كنف طغمها من الدرك والجهلة والبدو وما إلى
ذلك.
و عن تصوره للمستقبل قال الخاطف السلمي لطائرة الأيرفرانس المتجهة من
الكويت للجزائر خلال توقفها في مطار باريس لمدة 12 ساعة ربيع 1987 : إن الثورة في
فلسطين (غزة – الضفة الغربية) وفي الأردن (الضفة الشرقية) لن تقوم مطلقا إلا بعد
عمليات نوعية لفريق عمل يقوم بالتصفيات والعمل الخارجي للقيادات الحالية الأمر
الذي نعم سيحدث فوضى في البداية ولكنه سوف يزيل الطغم المتنفذة التي لا تريد لا
الإصلاح الحقيقي ولا السلم ولا الحرب وتريد استعباد الشتات الفلسطيني خاصة في عمان
ورام الله مع استثناء نسبة ضئيلة من أصحاب رؤوس الأموال الذين سيهربون للغرب مع
أول اندلاع حقيقي للثورة و بغير ذلك فلن يكسب الفلسطينيون ولا العرب شيئا من
إسرائيل ولا من الأنظمة المتحالفة معها غير الفقر والإفقار والإذلال والتهميش وخسارة
الأرض والإنسان .
لا توجد قومية اسرائيلية واحدة بل اثنتان
ديمتري تشومسكي
هآرتس 9/10/2013
يبرز في قرار المحكمة العليا رفض استئناف مجموعة
اسرائيليين طلبوا أن تُحدد قوميتهم بأنها اسرائيلية لا يهودية، خطآن مركزيان. الاول
أن المحكمة العليا اخطأت بزعمها أنه لا يوجد برهان على وجود قومية اسرائيلية. وفضلا
عن أن القومية الاسرائيلية حية موجودة، الا ان الحديث ليس عن قومية اسرائيلية واحدة،
بل عن اثنتين: القومية اليهودية الاسرائيلية والقومية العربية الفلسطينية الاسرائيلية.
إن كل واحدة من هاتين القوميتين ترى نفسها
في الحقيقة منتمية الى قوميتين واسعتين خارج اسرائيل القومية (أو الشعب) اليهودية الموجودة
في اماكن الشتات، والقومية (أو الشعب) الفلسطينية المفرقة في أنحاء الشرق الاوسط وخارجه.
لكن لا شك في أن القومية اليهودية والقومية العربية الفلسطينية الموجودتين في اسرائيل
لهما جذور راسخة بقدر كافٍ في المجال الثقافي المحلي الاسرائيلي، كي يُلصق بكل واحدة
منهما صفة ‘اسرائيلي.
ويلاحظ خطأ المحكمة العليا الثاني بتفريقها
القديم بين ‘قومية مدنية’، حيث يوجد تطابق بين القومية والجنسية السياسية التي تقوم
على عقد اجتماعي، وبين ‘قومية عرقية ثقافية’ يكون فيها انتماء الفرد للمجموعة القومية
في الأساس هو نتاج خصائص مشتركة كاللغة والثقافة والدين. والحديث عن تصور ثنائي تبسيطي
لظاهرة القومية سيطر في الحقيقة على بحث القومية في القرن الماضي، لكن نفاذه البحثي
بين المؤرخين وعلماء الاجتماع والمختصين بعلم السياسة في أيامنا أخذ يتضعضع من سنة
الى اخرى.
من الممتنع في الواقع السياسي والاجتماعي
الثقافي المركب لنشوء الشعوب أن يوجد نمط ‘طاهر’ من ‘القومية المدنية’ من جهة ومن
‘القومية العرقية الثقافية’ من جهة اخرى. فمن الواضح مثلا أنه حتى في أوضح حالة من
حالات ‘القومية المدنية’ وهي الامريكية، يعتبر من كانوا يُعرفون حقبا طويلة بأنهم الخلاصة
التي تمثل الشعب الامريكي وحدها، يعتبرون في مجموعة ‘عرقية ثقافية’ هم البيض البروتستانت
بصورة واضحة. ومن الواضح في مقابل ذلك مثلا أن احد أبرز الحالات من ‘القومية العرقية
الثقافية’ في القرن الماضي وهي القومية اليهودية في بولندا بين الحربين العالميتين
تميزت ايضا بالسمات المهمة لـ’القومية المدنية’، في كل ما يتعلق قبل كل شيء بالسعي
اليهودي الى تحويل بولندا من الدولة القومية للشعب البولندي الى دولة كل مواطنيها.
اقترح أحد باحثي القومية المركزيين في أيامنا
وهو عالم الاجتماع الامريكي روجرز بروبيكر قبل أكثر من عشر سنوات التمييز البديل من
ثنائية ‘القومية المدنية’ ازاء ‘القومية العرقية الثقافية’، وهو التفريق بين ‘قومية
في اطار الدولة’، وهي قومية تؤسسها دولة ما وتتماثل معها، وبين ‘قومية مضادة للدولة’
تكون مفصولة عن مؤسسات الدولة التمثيلية، بل إنها تكون في احيان كثيرة في صراع معها.
اذا طبقنا تفريق بروبيكر على حال القوميتين
اللتين تشكلتا في الفضاء المحلي الاسرائيلي حصلنا على صورة معوجة ومقلقة جدا. فالقومية
اليهودية الاسرائيلية التي هي انتماء عدد من مواطني الدولة هي القومية ‘في اطار الدولة’
الوحيدة، وهي تتمتع باعتبارها كذلك بسيطرة غير مضعضعة على مواردها، في حين أن القومية
العربية الاسرائيلية الفلسطينية هي ‘قومية مضادة للدولة’ مُقصاة عن مؤسسات تمثيلها
الرسمية وتُدفع الى صراع معها أكثر فأكثر.
إن هذا الوضع الذي تُختصر فيه التجربة المدنية
المشتركة بين المجموعتين القوميتين الرئيستين لمواطني اسرائيل، في الأساس بوعي الصراع
القومي، هو وضع غير سوّي على نحو واضح. لكنه ليس وضعا لا يمكن تقويمه. إن وعي الشراكة
المدنية في دولة متعددة القوميات يحدده واقع الشراكة المدنية لكل قومياتها في صوغ صورة
تلك الدولة ومستقبلها. وفي الحال الاسرائيلي فان الطريق الى انشاء واقع مدني اسرائيلي
مشترك هو السعي الى تحويل القومية العربية الفلسطينية الاسرائيلية من قومية ‘مضادة
للدولة’ الى قومية ‘في اطار الدولة’ باشراكها الكامل في السيادة الحاكمة لاسرائيل الى
جانب القومية اليهودية الاسرائيلية.
إن اجراء كهذا لا يمكن أن يُدفع به قدما
باستئنافات الى السلطة القضائية، بل بالنضال في اطار السلطة التشريعية. فليقم اذا المواطنون
الاسرائيليون من أبناء الشعبين اليهودي والفلسطيني الذين يؤمنون بفكرة الدولة المدنية
الاسرائيلية، وليُنشئوا لهم حركة سياسية اذا نجحت في إرسال ممثليها الى الكنيست فستحارب
فيها لأجل تعريف اسرائيل الدستوري الجديد بأنها دولة القوميتين الاسرائيليتين، اليهودية
الاسرائيلية والفلسطينية الاسرائيلية أو باختصار الاتحاد الاسرائيلي.
إن الاتحاد الاسرائيلي الذي سيجمع القومية
اليهودية الاسرائيلية والقومية العربية الفلسطينية الاسرائيلية سيكون قائما على التوازن
الدقيق بين ‘القومية العرقية الثقافية’ و’القومية المدنية’. وهو من جهة لن يطمح الى
تذويب الهويتين القوميتين العرقيتين الثقافيتين اليهودية والعربية الفلسطينية في فئة
مجردة من اسرائيلية عديمة الاختلافات العرقية الثقافية الداخلية ومقطوعة عن الواقع
المتعدد الجماعات المحدد للمجتمع الاسرائيلي. ومن جهة اخرى سيعكس الاتحاد الاسرائيلي
كما يناسب مفهوم ‘الحلف’ العقد الاجتماعي بين القومية اليهودية الاسرائيلية والقومية
العربية الفلسطينية الاسرائيلية. وبهذا يضع الأسس السياسية الحقيقية لبناء القومية
العليا المدنية الاسرائيلية المأمولة التي ستتألف من القوميتين العرقيتين الثقافيتين
المحليتين وتعبر تعبيرا صادقا عن السيادة الديمقراطية لكل مواطني اسرائيل.
تعليقات