الذكرى الرابعة لرحيل الروائي الجزائري الطاهر وطار
في ذكرى الروائي الجزائري الطاهر وطار الرابعة
الطيب ولد العروسي
AUGUST 21, 2013
مرت أربع سنوات على وفاة الروائي الجزائري الطاهر وطار، بعد حياة مليئة بالعطاء والكفاح كمجاهد في صفوف جيش التحرير الوطني، وكمناضل سياسي في الحزب الشيوعي الجزائري، ساهم وطار في ترسيخ الرواية الجزائرية باللغة العربية صحبة صديقه عبد الحميد هدوقة، حيث كان لهما الفضل في تجسيد قالبها الفني الموسوم بسمة عربية لتصبح أعمالهما موضوعا للكثير من الدراسات والأبحاث الأكاديمية والنقدية، ومحورا للكثير من اللقاءات والندوات المحلية والدولية، كما تمت ترجمتها إلى العديد من اللغات.
جسّد الطاهر وطار في أعماله هموم الجزائريين بمختلف شرائحهم الاجتماعية، لأنه عبّر عن مكنوناتهم وطموحاتهم وويلاتهم ووخيبات آمالهم، واستطاع عبر أعماله رسم ملامح الشخصية الجزائرية أثناء ثورة التحرير وبعد الاستقلال، وعلاقة الجزائر مع بقية الدول العربية والغربية، فتطرق في روايته ‘اللاز′ إلى عنفوان الإنسان الذي ضحى بكل شيء من أجل أن تعيش بلاده حرة كريمة، كما ناقش ميادين الضعف لدى بعض الشخصيات التي اختارت الخيانة، أو وقفت مع المستعمر، ومع مجيء الاستقلال احتلّ البعض منها الصدارة في السلطة، أو في شبكتها المقربة منها باسم ‘الجهاد’ الكاذب والخادع، واحتلت مواقع القرار فأقصت المجاهدين الحقيقيين، وكانت هذه المعطيات محورا للكثير من انشغالاته الإبداعية من رواية وقصة ومسرحية، وهذا ما أكده في عمله الأخير ‘قصيدة في التذلل’ التي كتبها على فراش المرض ، صدرت قبل أسابيع من موته، عاد فيها لمعالجة نفس القضايا: البيروقراطية، التخلف الاجتماعي، المحسوبية، نشوء طبقات ثرية، إذ نرى أن هناك خيط رفيع ولكنه قوي وقار يربط أعمال الطاهر وطار ويجمع هذه الانشغالات المتمثّل في ثورة التحرير الوطني التي دنّسها أشباه المجاهدين والمتآمرين على طموح الشهداء الذين ماتوا من أجل أن يعيش الإنسان الجزائري حرا مستقلا متمتّعا بثروات بلده، وهو في جو من الاطمئنان النفسي والمادي والأمني والمعنوي.
وهذا ما نراه مجسّدا في روايته ‘قصيد في التذلل’ التي تناول فيها شريحة المثقفين وعلاقتهم بالسلطة في الثقافة العربية ، وعن الممارسات التي تقوم بها النخب العربية من أجل إرضاء الحاكم في تجنّب التطرّق إلى المشاكل الموضوعية ،التي يعاني منها الناس في حياتهم اليومية، وتطرّق إلى تحليل الأسباب التي أدت بهم إلى هذا المصير المتشابك ، لأن الطاهر وطار كان معروفا بشجاعته وبإثارته لمواضيع حساسة تدخل في سياق المسكوت عنه ، فكان يحرّك بها الأجواء الثقافية الراكدة، ومنذ موته يلاحظ أغلب المهتمين بالشأن الثقافي الجزائري، بأن لا أحد استطاع أن يعوّضه في طرح قضايا معقّدة تثير الحراك الثقافي، وقد صرّح قائلا: ‘هوموضوع يشغلني منذ الخمسينيات وكتبت فيه تحديدا روايتي ‘ تجربة في العشق’ التي كانت عن علاقة المثقف بالسلطة وهي أيضا موضوع روايتي الأخيرة ، فبالنسبة لي وبقطع النظر عن حقيقة أن كل سلطة لا بد لها من مثقفين ومن ركيزة، لكن علاقة المثقف بالسلطة يجب أن تكون علاقة تجاوز من طرف الأول، فمن خصائص السلطة الثبات والبقاء، بينما الشاعر والكاتب والفنان أوالمبدع بصفة عامة يتجاوز في كل لحظة نفسه ومحيطه وسلطته’ ثم يواصل ليؤكد هذه العلاقة المشبوهة ‘ ومن يقحم نفسه في خانة السلطة وداخل خضمها، يكون قد رهن حريته ويكون قد رهن قدرته على قول الحقيقة كاملة غير منقوصة، ومع الأسف الشديد في العالم العربي، والجزائر جزء منه، هناك من المثقفين من يعتبر السلطة تشريفا، المتنبي سعى للسلطة، حسب ما تعلمنا به الرواية، لكن السلطة رفضته، وكأني بها وقد قالت له: أنت لا تستحق أن تذل وأن تهان،أما الأمراء فاستكثروها عليه، لأنه لوتمكن منها لظفر بالإمارتين، إمارة الإمارة وإمارة الشعر، وهم لا يملكون سوى إمارة واحدة، فلم يعطوه السلطة بالرغم من أنه سعى إليها، أما عندنا فالسلطة هي التي تجري وراءك قد جسّد محور المثقف وعلاقته بالسلطة ، في حين انحاز المثقف عن دوره في العالم العربي وأصبح خادما للسلطة و بمثابة بوق لها، ناسيا وظيفته الأساسية وهي إنارة الطريق للمجتمع، والعمل الجاد لاستشراف مستقبل الأجيال القادمة، ولذا فإن ارتباطه بالسلطة هوعمل عكسي لما هومنتظر منه، وبالتالي مشي في دوامة الوصولية ، وهذا احد الأسباب التي تركت هؤلاء الذين يسمون ‘المجاهدين’ أو’الثوار’ في العالم العربي ينقلبون على الثوار الفعليين ويوظفون بعض المثقفين لخدمتهم مقابل مناصب فضفاضة.
ولذا فإن الطاهر وطار كما صرّح يشكّل هذا الموضوع عنده هاجسا كبيرا منذ عدة عقود، لما له من أهمية كبرى في حياة المجتمعات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى معايشة وتجارب الطاهر وطار تركته يضع يده على أحد عوامل التخلف في المجتمعات العربية، حيث اتفقت السلطة القامعة مع بعض المثقفين لتفرض هيمنتها وحكمها وقمعها. صرّح الكاتب الجزائري أحمد منور قائلا أن الطاهر وطار كشف في روايته ‘ قصيدة في التذلل ‘ عن أمر يتعلق بالراهن الجزائري بما فيه من تناقضات، حيث تناول فيه موضوع الفساد على جميع المستويات’ وكانت معالجة الموضوع من هذه الناحية معالجة فنية روائية تعتمد على تشخيص الواقع، مضيفا ‘أن هذا العمل الروائي يشبه الواقع ولكن ليس هوالواقع′.. ويعتبر أن هذه الرواية ‘ تشكل قراءة للراهن، ولا يمكن فهم واقع الرواية إلا بفهم تلك العقود وربطها بأعمال الكاتب السابقة ‘الزلزال’، ‘العشق والموت في الزمن الحراشي’ كما يمكن أن نضيف لها رواية اللاز والشهداء يعودون هذا الأسبوع، وغيرها من أعمال فقيد الرواية الجزائرية الذي توفي يوم 12 أوت 2009 عن عمر يناهز الأربع والسبعين سنة بعد مرض أجبره على التنقل بين الجزائر وفرنسا دام عدة أشهر، وهويعتبر من بين مؤسسي الأدب العربي الحديث في الجزائر، وكان من بين أهم المدافعين عن اللغة العربية ، كما عرف بانتقاده للتيار الفرانكوفوني ، ترك وطار مؤسسة ثقافية بامتياز المجسدة في جمعية ‘الجاحظية’ التي أسسها سنة 1989، وهي تحمل شعار ‘لا إكراه في الرأي’. كما اشتهر بشجاعته وتحدّيه لكل أنواع آليات القمع، حتى أنه فقد منصبه في الإذاعة، ومن قبله في حزب جبهة التحرير الوطني ، ووقف ضد إلغاء المسار الانتخابي في الجزائر الذي جاء بالإسلاميين إلى السلطة، وبقي في الجزائر متحدّيا آلتها، ومعايشا للأوضاع التي عرفتها الجزائر في العشرية السوداء حيث يقول: ‘لم أصمت إطلاقا، فقد قلت في جميع وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية: إنني كديمقراطي وكمناضل سياسي رفضت إجراء إلغاء الانتخابات التي فاز فيها الإسلاميون، وأرفض التعسف في حق الشباب، بإرسال ما يزيد عن 25 ألف إلى المحتشدات في الصحراء الكبرى دون أية تهمة أومحاكمة أ ربما حتى ملف إداري.. ‘
هكذا كان يوفّق الطاهر وطار بين ما كان يؤمن به وما يكتبه، كما كان يحسب لتصريحاته ومواقفه الكثير من الحسابات، وتعطى لها الكثير من الأهمية خاصة من الشباب المتعطش لمعرفة الحقيقة..
تعليقات