الإنقلاب الثالث في مصر بأقلام كتاب حقيقيين من خارج الأردن
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
كتابٌ وليسو صحفيين يتناولون ما جرى في مصر :
الثورة والانقلاب: ماذا يجري في مصر؟
الياس خوري
لن يسعفنا اللجوء الى المقاييس الديموقراطية الليبرالية في وصف ما جرى، فهذه المقاييس سوف تسمّي ‘تمرد’ 30 حزيران/يونيو انقلاباً كلاسيكياً، لأنه اسقط رئيساً انتخب من الشعب، بقرار اتخذته قيادة الجيش المصري، وبتغطية من قوى سياسية واجتماعية وشبابية صنعت التظاهرات الصاخبة في جميع انحاء مصر.
كما لن تسعفنا العودة الى التقاليد الثورية الكلاسيكية، فنظام الاخوان لم يسقط في الشارع، وشرعية الثورة التي اطاحت به ليست مستمدة من شعب ثائر قام بالاطاحة بجميع مؤسسات الحكم. فالذي قدم الشرعية لـ ‘تمرد’ حزيران/ يونيو هو الدولة المصرية العميقة. اي تحالف الجيش والقضاء والأزهر. نحن اذا امام شرعية يختلط فيها الدولتي بالشعبي، بل يمكن القول انه لولا الدولة العميقة التي انقلبت على حكم الاخوان، لدخلت مصر في دوامة من العنف والفوضى.
كيف نقرأ ما جرى ويجري؟
قبل الدخول في محاولة فهم الحدث المصري، لا بد من قراءة معنى كلمة انقلاب في التراث السياسي العربي المعاصر.
كلمة انقلاب مثلما استخدمها المؤرخ والمفكر القومي قسطنطين زريق، كانت تعني شيئاً شبيهاً بالثورة، اي تغييراً عميقاً في بنية الدولة والمجتمع. لكن هذه الكلمة نفسها سوف تتحول مع صعود القوى القومية الى السلطة: الناصرية والبعث… الى بديل للثورة. مؤسس حزب البعث ميشال عفلق استخدم الكلمة في سياق بحثه عن ‘بعث’ الأمة من الرقاد، والناصرية اعتبرت الجيش طليعة الشعب في التغيير. اي ان الانقلاب بما هو استيلاء بالقوة على جهاز الدولة من دون اي مرجعية شعبية، صار بديلا من الثورة، بل صار هو الثورة!
هذا الالتباس ليس آتيا من لا مكان، فالانقلاب، وخصوصا حركة ‘الضباط الاحرار’ في مصر بزعامة جمال عبدالناصر، حقق تغيرات اجتماعية كبيرة، عبر الاصلاح الزراعي، والتأميم، وخاض معارك وطنية كبرى كمواجهة العدوان الثلاثي عام 1956، وادى الى تحولات اجتماعية وسياسية ليس في مصر وحدها، بل في المشرق العربي برمته. لكن الشكل الانقلابي افتقد الى اي رقابة شعبية على السلطة، وهذا ما جعل من الجيش اقطاعاً خاصاً، ما قاد الى هزيمته المروعة عام 1967.
بالطبع سوف تفترس البنية الانقلابية جميع الانجازات الاجتماعية مع عهدي السادات ومبارك، وسوف تتحول في الدول العربية التي سارت على هذا الدرب الى كاريكاتور مضحك للتجربة الناصرية، كما في ليبيا وسورية والعراق والسودان… وسوف تكون هذه الديكتاتوريات باب تفكك الاوطان ودمارها.
ما شهدته مصر في 25 كانون الثاني/يناير كان انتفاضة شعبية كبرى ضد حكم هرم وديكتاتوري ومتعفن، لكن هذه الانتفاضة لم تستطع ان تبني شرعيتها الثورية المستمدة من ميادين التحرير. اذ سرعان ما قام الجيش بانقلابه الناعم، وفرض تجربة حكم المجلس العسكري البائسة، التي سرعان ما تهاوت امام الثورة التي استمرت، ما اضطر الجيش الى الانكفاء واستدعاء الشرعية الليبرالية، اي شرعية صناديق الاقتراع.
جرت الدورة الانتخابية الرئاسية الثانية بين مرشحين: مرشح الاخوان: محمد مرسي، ومرشح النظام القديم الذي اصطلح على تسميته باسم الفلول: احمد شفيق. هذا لا يدل فقط على تشرذم القوى الثورية المدنية التي اطلقت الثورة، وعدم جهوزيتها، بل يدل ايضاًعلى مفارقة لا سابق لها، وهي ان يكون للنظام القديم الذي اسقطته الثورة مرشحه، واكثر من ذلك ان تكون حظوظ هذا المرشح كبيرة، الى درجة جعلت البعض يشكك في نزاهة النتائج النهائية للانتخابات.
بدل بناء شرعية ثورية في الشارع تطيح النظام القديم، تم اللجوء الى الديموقراطية الليبرالية التقليدية، حتى قبل كتابة دستور للبلاد، ما ادى الى سنة الغموض والتوترات التي صاحبت عهد مرسي.
لست معنيا بالتشكيك في نتائج الانتخابات الرئاسية، فالاخوان كانوا التنظيم السياسي الوحيد الذي يمتلك نصاباً تنظيمياً حقيقياً، لذلك فان فوز مرشحهم، خصوصا بعد فشل مرشحي الميدان في الوصول الى الدورة الثانية، كان منطقيا.
لكن ماذا فعل الاخوان بالثورة التي اسلمتهم قيادة البلاد؟
تصرف الاخوان كأنهم قادوا انقلابا، وليس بوصفهم جزءا من نسيج ثوري متعدد اللون. بدلا من حكومة وفاق وطني ثوري، تجمع القوى التي شاركت في الثورة، قاموا بالانفراد في الحكم، معتقدين ان التفويض الشعبي هو دبابتهم للانتقام من دبابات ناصر التي سحقتهم في الخمسينات.
وبدا ان مكتب الارشاد هو رئيس رئيس الجمهورية، وان الجماعة لا تسعى الا الى شيء واحد هو اخونة الدولة. وهذا بالطبع مناقض للعرف الليبرالي الديموقراطي الذي يتباكون عليه الآن.
ففي العرف الليبرالي فان الحزب الفائز يدير الدولة ولا يستولي عليها، فقط الانقلاب هو من يسعى الى هذا الاستيلاء. اما الثورة فتسعى الى تدمير جهاز الدولة القديم من اجل بناء جهاز جديد ومختلف.
لم يكن بمقدور الاخوان وحدهم قيادة عملية ثورية حقيقية، كما ان هذا ليس في برنامجهم، فهم قوة محافظة سياسياً ونيوليبرالية اقتصادياً، لذا استخدموا فوزهم الانتخابي المستند الى انتفاضة 25 يناير، مطية نحو حكم انقلابي كامل.
وهذا سبب سقوطهم المدوي يوم 30 حزيران/يونيو.
(لن ادخل هنا في كواليس الصراع على السلطة التي اشار الى بعضها محمد حسنين هيكل في مقابلته مع قناة ‘سي بي سي’ المصرية، والجهة التي كانت تسنّ السكاكين انتظارا لهذه اللحظة. هل كان الاخوان يستعدون للاطاحة بقيادات الجيش، ام ان الجيش كان ينتظر اللحظة المناسبة التي وجدها في مبادرة ‘تمرد’؟ فهذه المسائل متروكة للمؤرخين، وهي على اهميتها التفصيلية ليست سوى جزء من مسار صدامي كان يتنامى في صراع الدولة مع الاخوان).
جاء سقوط الاخوان في سياق عملية سياسية معقدة، وغامضة الملامح، فهناك انتفاضة شعبية حقيقية ضدهم قامت الدولة باستقبالها بانقلاب لم يقم به الجيش وحده، رغم انه تصدّر المشهد.
النقاش حول هل نحن امام ثورة او انقلاب هو نقاش خارج الموضوع، فما يجري هو عمل انقلابي شعبي، لكنه ليس ثورة، وليس انقلاباً كلاسيكياً.
زمن الانقلابات ولّى، اما زمن الثورات، فهو يفتقد الى طليعة ثورية متماسكة مضى زمنها منذ افول الشيوعية السوفياتية.
مصر تعيش زمناً ثورياً، ومن المؤكد ان ‘تمرد’ 30 حزيران/يونيو ليس نهاية مطافه، انه احد مراحله، لذا لا لزوم لاستعجال الاستنتاجات عن نهاية الاسلام السياسي، او تبني مقولات ليبرالية جامدة عن ان اسقاط رئيس مدني منتخب يعني عودة الجيوش.
مصر ومعها المشرق العربي في مخاض ثوري كبير، وهو مخاض يحتاج الى ادوات فكرية جديدة من اجل فهمه وتحليله. لكنه يحتاج اساسا الى انخراط الديموقراطيين واليساريين الديناميكي فيه، لأن مهمة الثقافة الثورية صارت اليوم تفسير العالم في سياق تغييره، من اجل بناء معاني الحرية والعدالة الاجتماعية والديموقراطية من جديد
مجزرة مصر مشروع فتنة
عبد الباري عطوان
المجزرة التي وقعت امام مقر الحرس الجمهوري في القاهرة امس وراح ضحيتها اكثر من خمسين انسانا ومئات الجرحى، مشروع فتنة يتحمل مسؤوليتها الجيش المصري الذي من المفترض ان يكون اكثر انضباطا واشد حرصا على دماء ابناء الشعب المصري.. يتحمل مسؤوليتها ايضا لانه الحاكم الفعلي حاليا للبلاد، وحماية ارواح المصريين من اهم مسؤولياته.
القول بأن هناك مجموعة ارهابية كانت مندسّة بين المعتصمين من الصعب ان يقنع الكثيرين، فمهما كانت هذه المجموعة خطرة او مسلحة، فإن قتل خمسين انسانا واصابة المئات ، نسبة كبيرة منهم جروحهم خطيرة، يؤكد ان هناك نية مبيتة للقتل والاستخدام المفرط للقوة.
مصر تنجرف نحو العنف والفوضى الدموية، والوضع الامني فيها بات يخرج عن السيطرة، ومن كان يتصور ان الجيش المصري الذي قام بالانقلاب تحت عنوان الحفاظ على الامن القومي، قادر على ضبط الاوضاع واهم، ولا يستطيع قراءة المشهد المصري الحالي قراءة صحيحة ومعمقة.
ان يعتكف الدكتور احمد الطيب احتجاجا على تدهور الاوضاع فهذا من حقه، ولكن هذا الاعتكاف الاحتجاجي لن يكون له اي تأثير، واذا كان له تأثير فسيكون عكسيا، فالشيخ الطيب الذي نكن له كل الاحترام والتقدير لما يتمتع به من علم، ارتكب خطأ كبيرا عندما تدخل في السياسة واعطى مباركته للانقلاب، في الوقت الذي كان يتوقع الكثيرون منه، ونحن منهم، ان يكون وسيطا محايدا، يقف على مسافة واحدة من جميع الاطراف.
نلوم الرئيس محمد مرسي على الكثير من الاخطاء التي ارتكبها اثناء فترة رئاسته القصيرة التي لم تزد عن عام، ولكننا لا نلوم انصاره من حركة الاخوان، ونحن نختلف معهم في الكثير من مواقفهم، اذا ما تظاهروا في الشوارع، وبطريقة سلمية احتجاجا على الاطاحة برئيسهم المنتخب، ايا كانت الاسباب والذرائع.
‘ ‘ ‘
الاحتجاج السلمي مشروع لجميع فئات الشعب المصري، فمثلما كان من حق ‘حركة تمرد’ ان تجمع الملايين في الميادين الرئيسية في القاهرة، ومختلف المدن الاخرى للاطاحة بالرئيس مرسي، فإن انصاره يملكون الحق نفسه للتظاهر للمطالبة بإعادته الى قصر الرئاسة، باعتباره رئيسا منتخبا في انتخابات حرة نزيهة.
احداث العنف التي شاهدناها خلال الايام القليلة الماضية اصابتنا بالصدمة، فلم يخطر في بالنا في اي يوم من الايام، ونحن الذين عشنا سنوات في مصر، ان نرى شابا مراهقا يقذف به الى حتفه، من فوق خزان ماء، بطريقة اجرامية تكشف عن حقد اسود، ورغبة انتقامية دموية، فماذا فعل هذا الشاب غير كونه اختلف سياسيا مع قاتليه.
هذه ليست مصر التي نعرفها، وهؤلاء الذين ارتكبوا الجريمة لا يمكن ان ينتموا اليها، وشعبها الطيب المسالم، بل لا نبالغ اذا قلنا ان هؤلاء لا يمكن ان ينتموا الى الاسلام، دين التسامح والرأفة ونصرة الضعيف وحقن الدماء.
من المؤكد ان هناك طرفا ثالثا لا يريد الخير لمصر، وينتمي الى عصر الفساد والتوريث، يتفنن في اشعال فتيل الفتن، لجرّ البلاد الى حرب اهلية تمتد الى سنوات، وتحصد ارواح الآلاف، والمؤلم اننا لم نر تحقيقا حقيقيا يكشف المسؤولين عن هذه الجرائم.
للمرة الألف نقول، ونحن الذين بدأنا نؤمن بنظرية المؤامرة منذ اكذوبة اسلحة الدمار الشامل، ان مصر تواجه المخطط نفسه الذي دمر العراق، وحل جيشه وقتل خيرة علمائه واغرقه في مستنقع الطائفية وتقسيماته، ورمّل مليون امرأة ويتّم اربعة ملايين طفل، وهو المخطط الذي يتكرر حاليا في سوريةايضا.
‘ ‘ ‘
لا نضيف جديدا عندما نوصف المشهد المأساوي بانه يتبلور بأبشع صوره امام عيوننا، ولكننا قد نساهم في تقليص الخسائر ان لم يتأت وقفها، اذا ما طالبنا جميع الاطراف بالتراجع عن عنادها، وتقديم التنازلات من اجل وفاق يحمي مصر ويقضي على الفتنة في بداياتها قبل ان تحرق البلاد والعباد.
عقلاء مصر وحكماؤها يجب ان يعودوا الى الواجهة، ويتقدموا بمبادرة يتوافق عليها جميع الاطراف، وتركز على رد الاعتبار للرئيس مرسي والاعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية في غضون شهرين على الاكـــثر، وفق دستور تضــــعه لجنة مـــن الخــبراء، تستند الى ما جـــرى الاتفــاق عليه من بنود اثناء اجتماعات اللجنة التأسيسية قبل انسحاب المستقلين وممثلي الاحزاب الاخرى منها، فنقاط الاختلاف كانت لا تزيد عن عشرين في المئة، مما يعني ان مهمة لجنة الخبراء ستكون اكثر سهولة واقصر زمنا.
ترك البلد يحترق وينجرف الى حرب اهلية دموية، والانشغال بالتشائم وتبادل الاتهامات هو ذروة انعدام المسؤولية، والتمترس في المواقف لن يزيد الامور الا تعقيدا، وقطعا لن يكون هناك منتصر، وانما خاسر واحد وهو الشعب المصري، واسألوا اهلنا في الجزائر والعراق واخيرا سورية.
تعليقات