هل كان البرادعي يشاهد (نادي السينما) شاباً؟
هل كان البرادعي يشاهد (نادي السينما) شاباً؟
سليم عزوز
JULY 19, 2013
تعلمون يا قراء ‘بحكم العشرة’ أنني صاحب
عاطفة جياشة، لكن ما لا تعلمونه أن عاطفتي في ظل النوازل التي تتعرض لها الثورة المصرية،
لم تعد كذلك، ومع هذا فوجئت وأنا بالقاهرة على الهواء مباشرة بالدمع يقف متحجرا في
عيني، فظللت اتحدث، ولم انتبه الى أن المذيع قد شكرني من بيروت وانهي الحلقة، وغادر
الى منزله، لولا ان موظفة الاتصال بالمحطة لفت انتباهي الى ذلك.
الحلقة كانت عن الاساءة للسوريات في بعض
الفضائيات المصرية، ولم أكن قد تابعت كل ما تم بثه في هذا السياق، اذ كنت أعتقد ان
قناة بعينها، وأن مقدم برنامج بعينه، هو من وجه هذه الاساءة، فاذا بالتقرير الذي تم
تقديم الفقرة به، يثبت انهم أكثر من شخص في أكثر من محطة تلفزيونية، على نحو كاشف على
أن هناك من يوجه، وأن الثورة المضادة التي شهدتها مصر في 30 يونيه، اعادت زمن المخلوع،
حيث حكم الأمن، الذي يتدخل في تفاصيل المادة الاعلامية التي تبث، والذي يجتبي ويختار.
ربما لا يعرف كثيرون مكانة السوريين في
قلوب المصريين، وهي مكانة لم تتأثر بفعل السياسة، عندما ألغيت الوحدة في زمن عبد الناصر،
أو عندما حدثت القطيعة في زمن السادات، وقد تعاطف المصريون مع مأساة الشعب السوري،
الذي هرب الى مصر، بفعل الحاصل هناك!
لكن اعلام الثورة المضادة، يخوض حرباً ضروساً
ضد الاخوان، لأن حكمهم هو افراز ثورة الخامس والعشرين من يناير، وكان صمود الاخوان
مفاجأة في مواجهة الانقلابيين لذا كان لابد من تشويه اعتصامهم في ميدان رابعة العدوية،
وكان مخطط الانقلابيين، هو ان الأمر سينتهي حتماً واذا كانت هناك مظاهرات ستتبع الانقلاب،
فالخطة تكون باغلاق المحطات التلفزيونية الموالية للشرعية، وتم اخذ بعض الفضائيات بالشبهة!
من سوء حظ أصحاب فضائية ‘امجاد’ انهم دعوني
قبل أيام من الانقلاب، وأنا كما تعلمون صاحب خطوة مباركة، فقبل ثورة يناير استضافوني
لاول مرة في قناة ‘الناس′، ولم تكد تمر أيام على هذا الحدث الجلل في تاريخ الامة، حتى
اغلقت القناة ضمن قنوات أخرى، ولم تعد للبث من جديد سوى بعد الثورة، لأن ثورتنا دعت
الى الحرية، على العكس من ‘ثورتهم’، التي سارت على مطالب ثورة يناير ‘بأستيكة’، وجاءت
الأمارة بانتهاك ما تحقق من حرية كان سقفه السماء، ولعل هذا هو الانجاز الاهم لثورتنا.
أضحك كثيراً، وشر البلية ما يضحك، عندما
يتحدث البعض عن ديكتاتورية الرئيس محمد مرسي واستبداده، والرجل بلغت به السماحة حد
أنه منح الاعلاميين التابعين للنظام البائد مساحة واسعة ليجربوا فيها شجاعتهم، فشاهدناهم
يتطاولون عليه بفحش القول، دون ان يقول لهم احد أف، على نحو جعلنا امام فوضى اعلامية،
كفوضى الشوارع، التي جرى احتلالها من قبل الباعة، في غياب أمني مقدر ومرسوم.
‘أمجاد’ فضائية سلفية، لكن من الواضح ان
خطها العام ليس سياسياً، لذا فلم تشملها حملة الابادة الاعلامية في البداية، عندما
عادت قوات الأمن الى سابق عصرها، أيام ولي نعمتها حسني مبارك، وكان يمكن أن يتم قطع
الارسال عن فضائيات الموالاة بهدوء ‘ويا دار ما دخلك شر’، لكن الذي خططوا له أن يتم
اقتحامها بتجريدات أمنية واعتقال العاملين فيها والضيوف، لتكون رسالة كاشفة عن أننا
عدنا في ثوان الى عهد ما قبل ثورة يناير. وقد كان التعامل مع الجميع بغلظة، فقد قررت
قوات الامن ان ترد الاعتبار لنفسها بعد هزيمتها في يوم جمعة الغضب، وها هي تنتصر فقد
شاركت في ‘الثورة الجديدة’، ووزير الداخلية السابق، المتهم بقتل الثوار في موقعة محمد
محمود الثانية، قاد مجموعة من الضباط يوم 30 يونيه، بملابس الشرطة وهم يهتفون: ‘ ثوار
.. أحرار سنكمل المشوار’.
رأس الذئب
لم تشمل التجريدة قناة ‘امجاد’ التي تعلمت
الدرس من رأس الذئب الطائر، فكانت برامجها كلها حشو.. مسلسلات كارتون.. وما شابه، لكن
الحكام الجدد تذكروها فأغلقوها بعد عدة أيام على حملتهم، ومع أنها بالاداء أكدت انها
بعيدة عن حالة الاستقطاب السياسي، لكن من يمكنه ان يتفاهم مع العسكر؟!
نجح الانقلابيون في حجب الصورة، لثلاثة
أيام، فلم نكن ندري ما يحدث في ميدان رابعة العدوية، وامام تمثال نهضة مصر، حيث اعتصام
من يدافعون عن الشرعية، فقد كان الهدف أن يعزلوا هؤلاء عن العالم فلا يشعر بهم أحد،
ليصدق الرأي العام العالمي الرواية المعلنة، وهي أن الشعب خرج يطالب باسقاط الرئيس
فلم يكن أمام قادة الانقلاب الا أن يتصرفوا على قاعدة: ‘دعاني لبيته’.. فالشعب يريد
وهم مع الشعب!
لكنهم لم يستمتعوا بفعلهم كثيراً، فقد قامت
بعض الفضائيات بنقل الصورة الأخرى، والرأي الآخر، والاتجاه المعاكس، واذا بمظاهرات
تخرج الى الكثير من الميادين المصرية دفاعاً عن الشرعية.
ونالت قنوات لم تكن نعرفها شهرتها من هذا
البث المباشر من ميدان رابعة العدوية، وأصبحت الفضائية الاردنية ‘اليرموك’ أشهر من
التلفزيون المصري، الذي لم ينقل هذه الصورة، ولا تثريب عليه، فهو دائماً رهن اشارة
ممن يحكم، وفي حكم المخلوع المخلوع كان التلفزيون الرسمي اداة للتشهير بمعارضيه، وعندما
قامت الثورة (ثورتنا) كان اداة لتشويه الثوار، الوحيد الذي كان يحكم ولا يملك التلفزيون
الحكومي، هو الدكتور محمد مرسي، الذي كان الهجوم عليه وعلي حكمه ينطلق من قنواته المختلفة،
ومع هذا سمعنا حديثاً الى حد الملل عن قيام صلاح عبد المقصود وزير الاعلام بأخونة التلفزيون.
لا بأس ها هو عبد المقصود يغادر لتحل درية
شرف الدين محله، وزيراً للاعلام على ذات قواعد الاختيار في عهد حسني مبارك، وفي حكومة
جاءت كلها على هذا النحو، وكانت تجميعاً ‘لتحالف قوي الشعب العامل’ فحتى اللصوص لهم
ممثل فيها، سبق له ان دفع 4 ملايين جنيه لجهاز الكسب غير المشروع على سبيل التصالح.
لا اعرف ما هي القواعد التي بمقتضاها تم
اختيار المذكورة وزيراً للاعلام، فنحن نشاهد اختيارات لا تستند لأي قواعد، وكأنها حكومة
تم تشكيلها بالقرعة.
نادي السينما
بقواعد الشرعية الثورية، وباعتبار ان
30 يونيه هي الامتداد الطبيعي لـ 25 يناير، فان المذكورة لا تصلح وزيراً في حكومة ثورية،
فلو نفخ الله في صورة المخلوع وبقي في السلطة لكان من الطبيعي ان تتم ترقيتها الى منصب
وزير الاعلام في عهده، ومن المعلوم أن من بين الوزراء المختارين على ايقاع ثورة يونيه
‘المجيدة’ من كانوا وزراء في زمن مبارك، ورئيس الحكومة نفسه كان وثيق الصلة بلجنة السياسات
لصاحبها جمال مبارك، والسيدة والدته.
ولنا أن نعلم أن درية شرف الدين كانت عضواً
في محكمة الأحزاب، وهي محكمة ‘مزيكا’ اذ كان نصف اعضائها ممن يطلق عليهم الشخصيات العامة،
وكانوا اداة اهل الحكم في منع الموافقة على تأسيس اي حزب جديد لا يريدون الموافقة عليه
في حال ما اذا كان رئيس مجلس الدولة، الذي هو رئيس المحكمة، ليس على وئام مع السلطة،
ووزير العدل في حكومة الحزب الحاكم هو من يختار هذه الشخصيات.
لقد قال قادة حركة تمرد الذين مثلوا غطاء
ثورياً لما جرى يوم 30 يونيه ان مطالبهم في تشكيل الحكومة ألا تكون حكومة حزبية، وأن
تكون حكومة كفاءات مهنية، ولم يتحقق هذا فقد شاهدنا سيطرة جبهة الانقاذ على هذه الحكومة،
وبعض الوزراء اختير اسماً وجرت مناقشة أي وزارة تمنح لهم في وقت لاحق، مثل منير فخري
عبد النور القيادي بحزب الوفد، الذي اختير وزيراً، ثم فكروا وقرروا منحه وزارة الصناعة،
ثم قالوا انه سيعين وزيراً للاستثمار، ثم فوجئنا به تتم تسميته وزيراً للصناعة، وكل
خبرته في هذا المجال تتمثل في أنه صاحب مصنع ‘ فيتراك’ للمربي.. والمربي من الصناعات
الثقيلة كما تعلمون.
بمعايير الاختيار بالكفاءة لا أظن ان ذلك
يمكن المذكورة من احتلال هذا الموقع، فاذا كنا استمتعنا بها مذيعة في سن الصبا، عندما
كانت تقدم برنامج ‘نادي السينما’ فان نجاح برنامجها بمعايير زمانه ليس دالا على أنها
من أصحاب الكفاءات.. وفي هذه السن لو سألتني من يمكن ان يكون وزيراً للاعلام؟.. لقلت:
‘آبلة فضيلة’ مذيعة الراديو الشهيرة، التي كان تقدم يوميا برنامج الأطفال الشهير، وكان
موعده المحدد من العاشرة الا الربع الى العاشرة صباحاً.. يقال، والحجة على الراوي،
إنها لا تزال تقدمه الى الان.
‘نادي السينما’ كانت تقوم فكرته على عرض
فيلم اجنبي تقدم له درية شرف الدين وتستعرض احداثه وتناقشه مع احد الضيوف، وكانت تقدم
له بوقار، يزينه هدوء ملامحها، في زمن كانت فيه مذيعات التلفزيون المصري أكثر شهرة
من نجمات السينما، ولعل الانجاز الوحيد لانس الفقي وزير الاعلام في العهد البائد انه
اطلق محطة تلفزيونية كانت تعيد بث البرامج القديمة، ثم أوقف بثها على الرغم من نجاحها،
ثم قامت الثورة.
النجاح النسبي لـ ‘نادي السينما’ وبمعايير
زمانه، لا يجعل صاحبته من أصحاب الكفاءات لتصبح جديرة بالمنصب، والا كان من المناسب
أن نقول أن باسم يوسف هو الاحق بحقيبة وزارة الاعلام.
الفشل
وبعيداً عن هذا فدرية شرف الدين سبق لها
أن تولت رئاسة الفضائية المصرية، وأثبتت فشلاً يُغني عن أي نجاح، وفي ظني ان من اختارها
للمنصب الوزاري لم يخترها لا على قواعد ثورية، ولا وفق القواعد التي وضعتها حركة تمرد
وجبهة الانقاذ، فربما كان البرادعي يشاهد ‘نادي السينما’ شاباً، فاختلطت لديه المعايير،
ومحمد حسنين هيكل الذي يقوم بالتنظير للعهد الجديد في مصر، هو صاحب مقولة: ‘ان الرئيس
محمد مرسي يخلط ما بين النجومية والقيمة’، وذلك عندما اختار فريقه الرئاسي وكان ملاحظاً
أنهم كلهم من نجوم الفضائيات!
فهل خلط القوم بين ‘النجومية والقيمة’ وتأثروا
بنجومية درية القديمة؟!، ولعلهم طلبوا منها ان تسمح لهم بالتقاط صور لهم بجانبها ليتباهوا
بها، تماماً كما حدث من ضابط الشرطة ‘ابو العز الحريري’ في مسرحية ‘شاهد ماشفش حاجة’
عندما فوجئ بأن المتهم بقتل جارته هو سرحان عبد البصير، أو ‘عادل امام’ وهو من يقدم
برنامج الاطفال في التلفزيون فطلب منه ان يكتب اهداء لابنته التي تشاهده!
ستغرق درية شرف الدين حتماً في شبر ماء،
لنقف على انها جاءت لمنصبها على ذات قواعد النظام القديم.. نظام مبارك، ضمن تشكيل حكومي
هو في الجملة بائس، على نحو يجعل واحداً مثلي في دهشة من امره لأن يكون هذا التشكيل
هو الذي كانت تريده المعارضة من الرئيس محمد مرسي.. لقد تمخض الجبل فولد فأراً ميتاً.
وليس هذا موضوعنا، فالأسلوب القديم.. قدم
هيكل، في حجب الصورة، وتغييب الرأي الآخر لم ينجح، ووقف العالم كله على أنه هناك من
بين الشعب المصري من يسمي ما جري في بداية هذا الشهر باسمه: ‘انقلاب عسكري’ وان هناك
شعباً يملاً الميادين يدافع عن الشرعية، ولم ينتبه القوم الى اننا في زمن السماوات
المفتوحة فكان لابد من البحث عن وسيلة لشيطنة من ينحازون لشرعية الرئيس محمد مرسي،
فكان الاستخدام السيئ للسوريات.
لقد سمعنا في أكثر من برنامج تلفزيوني،
وبتوجيه لا تخطئه اذن، عن ان السوريات يذهبن الى ميدان رابعة العدوية حيث اعتصام المؤيدين
للشرعية لكي يمارسن ‘نكاح المجاهدة’، وبكلام كاذب نعلم الجهات التي تفرزه.
تماماً كما جرى استخدام السوريين في التأكيد
على انهم من تمتلئ بهم الميادين المناصرة للشرعية، وأن من قتلوا في مذبحة الحرس الجمهوري
هم من السوريين.
وهكذا صار السوريون حاضرون في المشهد، من
قبل اعلام الثورة المضادة الذي انحدر الى مراتب الانحطاط.
ويا أيتها السوريات عذراً، فهؤلاء ليسوا
منا ولسنا منهم.
صحافي من مصر
تعليقات