د. مروان المعشر في الذكرى 41 لرحيل الملك طلال :الأردن على الإيقاع المصري
الأردن على الإيقاع المصري
07/07/2013
د. مروان المعشر
ستشهد الايام القادمة تحليلات كثيرة حول
ما جرى في مصر في الأيام القليلة الماضية، هل هو انقلاب على الشرعية أم تصحيح لها؟
هل هو خدمة للديمقراطية أم انتكاسة لها؟ هل ستحل مشاكل مصر بتغيير رئيسها أم ستستمر
مع أي نظام جديد؟ تبدو معظم ردود الفعل اليوم من الجانبين مفرطة في تبسيط الامور، ومغرقة
في النظر الى الوراء، ومصرة على سياسة اقصاء الآخر، فإما غالب او مغلوب. وما دام الوضع
كذلك، أشك أن تتحسن الاحوال في مصر، وكل جانب يتصرف وكأن الجانب الآخر غير موجود.
لقد اخطأ الاسلاميون حين تصرفوا وكأن الانتخابات
تعني كل شيء، خاصة في مرحلة انتقالية، من المفترض فيها التوافق على قواعد اللعبة السياسية
من قبل كافة قوى المجتمع، فتصرفوا وكأن هذا النجاح في الانتخابات يتيح لهم تمرير دستور
لا يحظى بتوافق وطني، ولا حتى بقبول أغلبية الشعب المصري (أقر الدستور بحوالي 32 %
ممن يحق لهم التصويت). ان الملايين غير المسبوقة، التي نزلت الى الشارع بأعداد مضاعفة
عن تلك التي أدت لاطاحة الرئيس السابق حسني مبارك، تثبث ان هناك جزءا كبيرا لا يمكن
انكاره من الشعب المصري، لا يشعر بتمثيل حقيقي له بعد عامين ونيف من الثورة. وقد اخطأ
الاسلاميون ايضا حين اعتقدوا أن نجاحهم في الانتخابات يتيح لهم محاولة فرض تفسيرهم
للدين على مجتمع محافظ ومتدين، ولكنه لا يريد من احد ان يلقنه كيف يمارس تدينه ومحافظته،
طبقا للقاعدة الفقهية “لا إكراه في الدين” (2 % من الشعب المصري يريد من البرلمان الاهتمام
بسن قوانين لها علاقة بالتصرف الاجتماعي مقابل 70 % ممن يريدون من البرلمان الاهتمام
بالشوؤن الاقتصادية حسب استطلاعات مركز غالوب).
ولكن القوى المدنية لا تتصرف بحكمة أكبر
هي الاخرى، فهي تعمل وكأن الانتخابات لا تعني شيئا. فلا يمكن إنكار ان الرئيس مرسي
انتخب انتخابا حرا من الشعب، وان من يسمح لنفسه تغيير الرئيس على هذا النحو، يسمح لغيره
ان يفعل ذلك ايضا. ولا يمكن لمن يريد الديمقراطية الحقة ان يفصّلها على مقاسه، فهي
مشروعة ما دامت تأتي بمن يريد للسلطة، وهي خارجة عن إرادة الشعب إن أتت بقوى لا يتفق
معها. الديمقراطية الانتقائية والحكم الشمولي سيان، لا يفصل بينهما أي خط.
بيت القصيد، ومصر تدخل مرحلة جديدة، أن
مجرد تغيير الاشخاص، وحتى الانظمة، سيبقى قاصرا عن حل مشاكل مصر، ما لم يدرك الجميع،
من قوى دينية ومدنية، استحالة الاستمرار بانتهاج نفس السياسات الماضية، وتوقع نتائج
مختلفة، فهذا حسب تعبير “اينشتاين” الجنون بعينه. لقد وقف الملايين العام 2011 ضد الاحتكار
المدني للسلطة، ويقف الملايين اليوم ضد الاحتكار الديني لها، وكأنهم يريدون أن يثبتوا
لمن كانوا يخافون قدوم الاسلاميين للسلطة والتشبث بها، وكما اثبتوا سقوط مرحلة الاحتكار
المدني الاحادي من قبل، ان عصر الاحتكار من أي كان في طريقه للاندثار.
او ليس هذا الدرس الأبلغ، الذي تعلّمه مصر
لنفسها ولنا وللآخرين؟ إن أية خريطة طريق جديدة للخروج من محنة مصر السياسية والاقتصادية
لن يكتب لها النجاح ان استمر كل طرف بمحاولة اقصاء الآخر، وان لم يتم الاتفاق على مدونة
حقوق، تضمن حق الجميع في العمل السياسي، وتمنع مصادرة هذا الحق من أي كان، مدونة تمنع
سَن اية قوانين تتعارض مع ذلك، كما تضمن التداول السلمي للسلطة وعدم التدخل في الحياة
الشخصية للمواطنين والمواطنات. ان تم ذلك، فسيهيئ المناخ لكتابة دستور توافقي عصري،
يضمن حقوق الجميع، ويوفر الطمأنينة لكافة القوى، ما يتيح التعاون فيما بينها، وخاصة
لحل مشاكل مصر الاقتصادية. ليس المطلوب ان تقتنع القوى الدينية والمدنية بوجهات النظر
الأخرى، ولا حتى ان تثق احداها بالاخرى، ولكن المطلوب بلورة اطار مجتمعي، وقانوني ومؤسسات
تتيح للجميع العمل دون خوف من اقصاء الآخر، وتتيح ايضا التعاون لمصلحة البلد.
ماذا يعني كل ذلك لنا في الاردن؟ الكثير.
وضعنا افضل من مصر بمراحل، وما من شخص يريد لهذا البلد الا دوام الاستقرار، وتحقيق
الازدهار المستدام. نتمتع بقيادة هاشمية عليها إجماع من مختلف القوى السياسية والاجتماعية
والعرقية والدينية. وبهذا، لدينا مرجعية لا تتوفر في الدول التي تشهد اضطرابات عدة
في الوطن العربي. ولكن هذا لا يعني انه ليست لدينا مشاكل، وان الناس لا تريد تغييرا
جذريا في طريقة ادارة الدولة، ولا يعني الارتخاء وكأن ما يجري من حولنا لن يؤثر علينا،
بل يجب أن يشكل حافزا، من حيث تمتعنا بالأرضية الملائمة، التي تتيح لنا التقدم نحو
الاصلاح، بخطا ثابتة وتدريجية وجدية، فتحصن جبهتنا الداخلية، وتجنبنا الاضطرابات، وتصل
بنا الى الاستقرار المنشود.
لنكن صريحين مع انفسنا. فقد تكلمت السلطة
التنفيذية عن الإصلاح حد الإشباع، بينما واصلت ادارة الامور كما في السابق، لا يمنعها
عن ذلك اصلاحات تجميلية، لم تنل الجوهر، ليس آخرها قانون انتخابات، دافعت عنه الدولة
باستماتة، ونعتت معارضيه بالسذاجة كحد ادنى، وها هي أول من يدفع نتائجه.
لنكن صريحين ايضا: متى تفهم القوى الدينية
والمدنية في الاردن ايضا استحالة اقصاء الاخر؟ اردن اليوم ليس اردن العشرينيات، او
الخمسينيات او التسعينيات، لا يمكن الاستمرار بادارته، وكأن المجتمع هو هو، والمنطقة
هي هي، وكان العالم لم يتغير.
حان الوقت في الاردن لعقد اجتماعي جديد،
يبدأ ايضا بمدونة حقوق وواجبات، تتفيأ ظلال المظلة الهاشمية، وتنطلق منها، لضمان العمل
السياسي للجميع دون احتكار من احد، بناء على مفهوم حداثي للمواطنة، “بحيث تكون حقوق
المواطنة الاطار الاول والمنظم لعلاقات المواطنين بالدولة والمواطنين بعضهم بعضا. ان
مفهوم المواطنة هو الاطار المؤسسي الذي يضمن حق التباين والتنوع في اطار من الانتماء
والوحدة للمواطنين كافة”. والاقتباس من الاجندة الوطنية، التي بات حتى الحصول على نسخة
منها، نوعا من الشقاء. ان حققنا ذلك يمكن لنا الاتفاق على خريطة طريق سياسية واقتصادية
توافقية، تمكننا من الخروج من عنق الزجاجة وتحقيق الازدهار المستدام، ذاتي الدفع.
ما يزال لدينا طبقة سياسية ترفض العمل الا
وفقا لسياسة الاقصاء، حماية لمصالحها في الدرجة الاولى، تغلفها بحجة غيرتها على مصلحة
الوطن، وهي ذريعة ما عادت تنطلي على السواد الاعظم من الناس، ولدينا قوى دينية خطابها
السياسي لم يقنع بعد من لا يريد احتكارا للسلطة او الحقيقة من أحد. هل نتعظ مما يجري
من حولنا، ونحن من نملك مقومات للنجاح تسمح بتخطي المرحلة، أم نواصل الإصرار على تجاهل
دروس التاريخ والجغرافيا؟!
* نائب الرئيس للدراسات بمؤسسة كارنيغي
للسلام في واشنطن.
تعليقات