لماذا يكرهون تيسير نظمي في الأردن ؟ Why Do They Hate Tayseer Nazmi In Jordan ?
تيسير نظمي Tayseer Nazmi |
لماذا يكرهون تيسير نظمي في الأردن ؟
Why Do They Hate Tayseer Nazmi In Jordan ?
على هامش انعقاد مؤتمر مستقبل الثقافة والفنون الأردني
تظاهرة سياسية بعناوين ثقافية استعراضية
الخميس
3/6/2004م
* تيسير نظمي
جاء انعقاد المؤتمر الثقافي الأردني (1-3 حزيران) في سياق قرارات القمة العربية تماماً واعداً بالإصلاح والتنمية والمتغيرات ومستجيباً شكلياً واحتفالياً لهموم وتطلعات بل وطموحات المشتغلين في الجسد الثقافي في الأردن ومنذ البدء حددت الناطق الرسمي باسم الحكومة وزير الدولة المنتدبة لإدارة شؤون وزارتي الثقافة والإعلام أسمى خضر ( حيث أسقطت حكومة فيصل الفايز من حساباتها لدى تشكيلها حقيبتي الثقافة والإعلام واعدة بتشكيل مجلس أعلى للإعلام ومجلس أعلى للثقافة والفنون وظل أمر حل الوزارتين معلقاً بين مؤيد ومعارض حتى الآن) حددت أسمى خضر في مؤتمر صحفي لها في المركز الثقافي الملكي قبل يوم من انعقاد المؤتمر صلاحياته وأبعاده وقالت أن حكومتها ليست ملزمة بنتائج وتوصيات هذا المؤتمر لكنها ستدرسها وتعمل إجرائياً وتشريعياً بالتالي على ضوئها حيث يطرح المؤتمر شعار (مستقبل الثقافة والفنون) وقد تجنب طرح شعارات أخرى مثل مستقبل الإنسان المثقف والفنان مبقياً سير أعمال المؤتمر عائماً في مطلق وعموميات الدراسات الأكاديمية التي طرحها في الغالب أساتذة جامعات وأكاديميون اعتادوا على إطلاق النظريات دون أن يستخدموا تلك النظريات أداة منهجية لمعاينة واقع الثقافة الفعلي في الأردن ورغم أن قاعة المؤتمرات في المركز الثقافي الملكي غصت بالحضور كتاباً وأنصاف كتاب وكتبة وفنانون ونصف فنانين وهواة وفضوليون وأعضاء مجلس نواب وموظفون وصحفيون أثناء الكلمات الافتتاحية المنتفخة إنشائياً بوعود كالبالونات وآمال متفائلة بتغيرات مستقبلية على الأبواب لحال الثقافة وأحوال المثقفين إلا أن الحضور الذي ملأ جميع المقاعد شيباً وشباباً ونساء وصبايا ما لبث أن تقلص إلى الربع تقريباً حالما بدأت الجلسة الأولى التي تناولت موضوعات مثل
"الثقافة في عالم متغير" د. هشام غصيب و " الثقافة والتنمية والمجتمع المدني" د. محمد مقدادي و " الثقافة والتربية" د. عبد الله عويدات والقاسم المشترك للأكاديميين الثلاثة رغم تباين موضوعاتهم واختلاف العناوين هو إسقاطهم للواقع الفعلي سواء في الأردن أم في الأوطان العربية الأخرى من طروحاتهم حيث ظلوا جميعهم يتحدثون كما لو أنهم يعطون محاضرات تقليدية عن العولمة وآفاق التنمية وتطلعات المجتمع المدني وأهمية التربية دون أن يتطرق أي منهم لذكر مثال من الواقع أو اسم لكاتب أو مثقف أو فنان ماثل للعيان، كلام نظري دون تطبيق وكلام نظري في المطلق لا يجرؤ أحد على تطبيقه على واقع الحال أما اليوم الثاني لهذه التظاهرة السياسية الأكثر منها ثقافية فحمل العناوين التالية:" المؤسسات والهيئات الثقافية وتحديات العمل الثقافي" د. باسم الزعبي و "البنى التحتية والموارد البشرية في العمل الثقافي" د. عبد السلام الطراونة و " هموم المبدع الأردني" صلاح حزين و " الحركة الثقافية في الأردن – الآداب – " د. إبراهيم خليل و " الفنون التشكيلية والتطبيقية – المآزق والحلول-" محمد أبو زريق و " الفنون الأدائية – الخروج من الدائرة المغلقة-" حيث تناول فيها د. عمر النقرش المسرح والسينما وتناولت ريم سعادة الدراما التلفزيونية وتناول د. عبد الحميد حمام الموسيقى والغناء ومن عناوين الجلسة الثالثة ليوم الأربعاء: " البحث العلمي" د. أنور البطيخي و " التأليف والترجمة" د. عبد الله الشناق و " النشر والتوزيع" فتحي البس و " الآثار والتراث" د. زياد السعد و " الثقافة ووسائل الاتصال الجماهيري" د. صالح أبو أصبع في حين حمل اليوم الثالث للمؤتمر العناوين التالية:"اقتصاديات الثقافة " د.إبراهيم بدران و " التشريعات الثقافية ومواكبتها للتطورات" د. قاسم عبده و " إدارة العمل الثقافي" د.صلاح جرار ثم أخيراً " العمل الثقافي في المحافظات – الواقع والطموح – " د. حسين محادين وشاركه د. يوسف غوانمة لينتهي المؤتمر بحوار مفتوح لمدة ساعتين يديره د. عدنان بدران وصولاً للجلسة الختامية والتوصيات التي أسلفنا في البدء أن الحكومة الأردنية غير ملزمة بها حيث أدار تلك الجلسة د. خالد الكركي. والظريف بالأمر أن جل المتحدثين شغلوا مناصب حكومية رفيعة فبينهم وزراء ووكلاء وزارات سابقون وأساتذة جامعات حكومية وأهلية بمعنى أن ليس الواقع الحقيقي قد تم إسقاطه وتجاوزه في هذا الاحتفال وحسب وإنما المبدعين والمثقفين والكتاب المحترفين الذين ليس لديهم غير حرفة الكتابة ليعتاشوا منها أو حرفة الفن كي يستمروا على قيد الحياة وهذا ما كان يؤمل أن يتطرق إليه المؤتمر وأن تلتفت إليه الحكومة إن كانت جادة في التنمية الثقافية هذه المرة بعد أن تحولت التنمية السياسية إلى تنمية العشائر وترضيتها وهو ما يطرح شكوكاً مشروعة لدى المتابع في مدى جدية الحكومات العربية وأولها الأردنية في تطبيق فعلي لبرنامج إصلاح يخفف العبء والاحتقان سواء للمواطن العادي أو لبعض المثقفين الذين يصفهم جرامشي بالمثقفين العضويين الملتصقين بهموم الشارع والناس المسحوقين بغلاء الأسعار والضرائب ومنها ضريبة المعارف والتلفزيون وغيرها
بتر الثقافة من الزمن بحدود المكان السياسية
المؤتمر (المنتدى) هو موضوع هذه المراجعة النقدية ومحفزها من حيث سياق انعقاده مكاناً وزماناً من ناحية ومن حيث السياق السياسي المحلي والعربي والدولي من ناحية ثانية، وفي اعتقادي المتواضع أنه شكل فضيحة ثقافية في سياقه الاجتماعي الاقتصادي على المستوى القطري( الأردن) وطرح تداعيات تاريخية ثقافية على مستوى المنطقة (المشرق العربي على وجه التحديد) رغم أن القائمين عليه حاولوا تكبيله في إطاره الضيق وقد استجاب جل المشاركين وليس كل المناقشين(المتداخلين أو طارحي الأسئلة) عن قصد وطيب خاطر( الغالبية أساتذة جامعات أردنية ورجالات حكم سابقين) لكل الأطر المكبلة للثقافة مكاناً ولغة وزماناً مما جعل المسكوت عنه والمهمش أكبر بكثير من المعلن، وحتى هذا المعلن الذي يتعلق بثقافة (المستقبل) الأجيال السابقة واللاحقة وواقع الراهن لم يجرؤ لا التلفزيون الأردني ولا الفضائيات ولا الصحافة على نقله لعموم الناس أو ما يدعى في الخطاب الديمقراطي (جمهور الناخبين) فقد غاب عن جلساته نواب الشعب في البرلمان وكأن الأمر لا يعنيهم رغم أن الشعار المطروح هو(مستقبل الثقافة والفنون) وعملياً كان المؤتمر المنتدى يريد أن يمهد الأجواء محلياً بالعدول عن حل وزارتي الثقافة والإعلام الأردنيتين والحصول على ما يشبه الاستفتاء في أطر النخبة على هذا الموضوع أو الحصول من المؤتمر على التوجهات المباركة لتشكيل مجالس عليا للثقافة والإعلام وطرح منافسة قبل التعيين الرسمي على المتسابقين على عضويتها لذر الرماد في العيون إذا ما صدرت قرارات التعيين التي باتت معظم الأسماء فيها معروفة ولكن بانتظار صدور القرارات وتحديد حجم الرواتب والنظر للاحتياجات والمطالب بغض النظر عن الواقع الراهن والقوانين المكبلة للحريات اللازمة للإبداع والمبدعين ومستوى إبداعاتهم خارج الحدود الجغرافية للدولة الأردنية على الأقل في إطار الإقليم الذي تقع فيه عواصم الثقافة مثل بغداد ودمشق وبيروت والقدس ومدينة مثل أريحا التي يبلغ عمرها الآن 12 ألف سنة وأربع سنوات ونصف بحسب المصادر التاريخية المجمع عليها دولياً،ففي السياق السياسي جاء الملتقى (المؤتمر) في أعقاب مؤتمر القمة العربي الذي أعد جاهزيته الشكلية بالإصلاح قبيل انعقاد مؤتمر الدول الثمانية وقبيل طرح مشروع الشرق الأوسط الكبير، أي بمعنى أن الأنظمة العربية المشاركة قفزت بهذا الاستباق عن كافة الاستحقاقات بإصلاحات ديمقراطية جذرية وحقيقية كي لا تتم محاسبتها على الأقل حاضراً عن واقعها الراهن إن لم تكن المحاسبة بنيوية أو بأثر رجعي وقد بلغ عمر كل منها ما بلغ من (الاستقلال) الأردن مثلاً 58 عاماً، الأمر الذي لا يدعو صانع القرار في كل من واشنطن – تل أبيب والمشاركين بتشذيبه أو تعديله أو التحفظ عليه في كل من لندن – باريس – برلين- موسكو إلى الأخذ به لفترات تتعدى اعتباره نوعاً من المسكنات المرحلية والعلاجات المؤقتة لأنظمة تعاني من خلل تاريخي معاصر وبنيوي قائم بكل ترهلاته وفساده وظلمه وديكتاتورياته المقنعة بالحداثة والتكنولوجيا والادعاءات الديمقراطية الأمر الذي لن يقنع بلداناً وأنظمة مثل اليابان التي خاضت تجربتها الفريدة نوعياً منذ زمن ومثل الصين التي تغذ الخطى بتؤدة وصبر نحو قوة عظمى قادمة خلال الخمسين سنة المقبلة، وبلداناً أخرى أوروبية أخذت بنهج مغاير في تطورها ونموها وخاصة في الحقل الثقافي وجل هؤلاء مدركون أن ثمة نوع هو الأخطر من "الإرهاب" الذي يولد "الإرهاب" ألا وهو إرهاب الدولة البطيء الممارس على الأفراد من قبل البيروقراط كما هو من قبل الرأسمال الذي يخلو من قيم العدل وحقوق الإنسان والديمقراطية الحقيقية ذات المضامين الاجتماعية والاقتصادية التي لا تجعل اللعبة الديمقراطية بأيدي أصحاب سلطة الحكم أو سلطة المال, وهذا ما يجعل في دولة مثل الأردن سلطة المعرفة في أقبية عميقة مهمشة منبوذة لأن الدولة الأردنية لم تنم وتستكبر فيها وتتنفذ سوى سلطتين أو مؤسستين هما المؤسسة العسكرية والأمنية والمؤسسة المصرفية أي بمعنى سلطة العسكر والأمن وسلطة راس المال والتجارة وفي الأولى تنمو وتتسرطن قوة العشائر ونفوذها وقوانينها وبيروقراط الدولة وتشوهات الترهل وفي الثانية ينمو المعمار والأبنية والعقار ومخرجات التعليم الخاص وإفراغ القيم الإنسانية من محتواها والتمايز الطبقي والتجارة والعمولات والخصخصة،لا السلطتين تدوس بأقدامهما على ما يسمى سلطة المعرفة لدى المبدع والمفكر والمثقف العضوي المرتبط إبداعه بالمجتمع وحرياته وثقافته والمرتبطة حياته بحياة الناس وأحوالهم وفي هذه الحالة أي عندما ترعى السلطتان التخلف والجهل لدى جموع الناس سرعان ما ينقلب نفس المجتمع الاستهلاكي الذي يريد له المبدع مستقبلاً أكثر عدالة وحرية على هذا المثقف فيزدريه ويحط من شأنه وقد يخونه( بتشديد وكسر الياء أو بدون ذلك) لأنه لم يغيّر له أحواله بقصيدة أو لوحة أو قصة أو مسرحية بيوم وليلة لتتحسن أحواله فينقلب وضع المثقف (المأمول لدى جرامشي) إلى وضع سوريالي وتراجيدي ليقال عنه من قبل مثقفي السلطتين إما عدمي أو وجودي أو فوضوي أو طوباوي أو مريض نفسي أو شاذ أو مجنون، وهنا نفترض الوعي المتقدم إذا قلنا أو اعتقدنا أن التوصيفات الأولى الفكرية والفلسفية ممكنة في عمان (عاصمة الثقافة عام 2002) ذلك أن جل الناس ومنهم أساتذة جامعات لا يعرفون الفرق بين الستالينية والتروتسكية والماوية رغم تردي الأوضاع وتكاثر الأحزاب ووعود التنمية السياسية( تشكلت وزارة ضمن حكومة فيصل الفايز باسم وزارة التنمية السياسية لأول مرة وتدرس إمكانية مساهمة العشائر والأحزاب (بعضها عشائر حداثية أيضاً) للمساهمة في التنمية السياسية وبناء مؤسسات المجتمع المدني مع ملاحظة أن هنالك حزباً ديمقراطياً ويسارياً ليس في عضويته أية امرأة وله نواب وممثلين في مجلس الأمة الأردني ولم يسمع حتى الآن أنه عقد مؤتمراً عاماً رغم استحقاق الانعقاد منذ سنوات!
في السياق العربي
لا يختلف الحال في جل أقطار الإقليم (الشرق الأوسط الصغير) عنه في الأردن إلا في النسب من حيث حجم المديونية وتعداد السكان ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين وأوضاعهم المأساوية والإنسانية وإن كانت الأوضاع في الضفة وغزة أو ما يسمى بمناطق السلطة الفلسطينية الأكثر مأساوية وفقراً وتحطماً وكذلك في العراق الذي يمر بمخاضات عسيرة ويحبل يومياً بالمفاجآت غير الظاهرة على السطح حتى الآن رغم تطلعات أبنائه ومثقفيه ومبدعيه الأكثر عطاء وزخماً في المنطقة خاصة وأنه شعب متعدد التوجهات والمعتقدات ويحفل بتعدديات نادرة وأغلبيات تحمل في ذاكرتها الجمعية ذاكرة حضارات وصراع أحزاب وقوى ثورة العشرينات المبكرة وهو حقاً ليس لأنه دولة نفطية وحسب يشكل حجر الأساس للمنطقة بل أيضاً لأن لديه الطاقات الثقافية والفنية والروحية لهذا الشرق المتعوس والمنهوب فيه النفط والمقدرات والزمن وليس مستقبل الإنسان وحقوقه وحسب.
الثقافة - التكنولوجيا
منذ اتفاقات أوسلو( قبل أحد عشر عاماً على الأقل) لم يتوصل المثقفون العرب إلى تعريف مشترك للثقافة العربية، وعلى الأقل لماهية الثقافة في ظل التوجهات السياسية التي أفرزها الخطاب الثقافي العربي المعلن لهذه الجماهير العريضة المغيبة سواء عن اتخاذ القرار أو تداول السلطة أو الحياة الحرة وأدنى شروطها الكريمة. لكن المواطن العربي المعني في الأمر وخاصة في الأردن ما بعد اتفاقات وادي عربة بدأ يتلمس وبخاصة أولئك الأردنيون من أصول أقصد كافة الأصول والمنابت، في المخيمات المنتشرة من جنوبه حتى شماله، أن حياة من ظلوا في الناصرة وحيفا والجليل ويافا وأم الفحم.. الخ ، بقيت أحسن حالاً في ظل الدولة الإسرائيلية الناشئة من أحوالهم هم وخاصة أحوال المخيمات في دول ما كان يسمى دول الطوق وأن بيت الشعر القائل
يا أم عوف عجيبات ليالينا يعلين ناساً على ناس ويدنينا
بات لسان حال ليس أبناء المخيمات في الأردن أو سوريا أو العراق و(رويشد) ولبنان، بل بات لسان حال الأسرة الواحدة ولسان الحال بين الأخ وأخيه فغياب الوطن في الذاكرة من ناحية وغيبوبة الوعي بالحاضر والتشرذم من ناحية أخرى جعلت أبناء مخيم البقعة في طرف وقاع عمان أوبمحاذاة الطريق المؤدي إليها من جرش وعجلون واربد ينظرون نظرة عدائية للنائب العربي، الفلسطيني، في الكنيست الإسرائيلي، السياسي والكاتب عزمي بشارة وياللمفارقة في مقدار التحولات والإحساس العميق بالغربة (غربة الأخ عن أخيه وغربة أبناء الشعب الواحد عن بعضهم البعض) فأي ثقافة تلك التي تصنع هذا وما تزال تسمى ثقافة عربية واحدة ؟ ثمة ليس خلل واحد وحسب بل حطام واضح للعيان وما يسمع أو يقرأ عن الحقوق المنقوصة ليس حكراً على الفلسطينيين في هذا القطر أو ذاك فهنالك أيضاً حقوق منقوصة وطنياً وعربياً وعالمياً للعراقيين تحديداً الذين حرم كثير منهم من الخيرات النفطية وعوائدها لوطنهم عقوداً من الزمن وعليه ألا يشكل هذا الواقع في الأردن والعراق وسوريا ولبنان و(حدث ولا حرج ) وفلسطين (أي مناطق السلطة) سبباً لطرح الأسئلة بانفعال؟ خاصة في مؤتمر ثقافة لا تطرح أسئلة وإنما كل ما لديها أجوبة ووعود سرعان ما تتبخر بمجرد انتهاء المؤتمرات وظهور الصحف في اليوم التالي ليمارس كتابها وصحفيوها لعبة تخدير الناس وإبقائهم أي من يقرأ منهم ويتابع في دوامة التيه والضياع؟ أ ذكر ذات مرة في أيلول 1993 أنني قرأت مقالاً في جريدة الدستور الأردنية للدكتور أسعد عبد الرحمن أو ربما في أكتوبر من ذلك العام عن التطبيع الثقافي ولم أتوصل إلى موقف واضح إن كان من يدير الشأن الثقافي في مؤسسة عبد الحميد شومان آنذاك يريد أم لا يريد ذلك التطبيع، وحتى الآن لم أصل إلى نتيجة لا منه ولا من غيره وأظن أن د. أسعد عبد الرحمن طلب التنازل عن جنسيته الأردنية بعد أن انتقل إلى رام الله لاستلام مسؤولياته وموقعه في السلطة الفلسطينية ومع ذلك ما زلت أبحث له ولغيره بما فيهم وزير الثقافة الفلسطيني الحالي يحيى يخلف عن موقف واضح من الثقافة المنشودة (فلسطينياً على الأقل) أما مواقف المؤرخين الإسرائيليين القدامى منهم والجدد فهي واضحة حتى بما يمكن أن نسميه انقلابات في مواقفهم مثل بيني موريس، أفرايم كارش، عاموس عوز وغيرهم إن موقف الصحفية عميرة هاس الإسرائيلية في صحيفة ها آرتس أشد وضوحاً من مواقف وزارة الثقافة الفلسطينية والكتّاب الأردنيين بشقيهم اتحاد الكتّاب ورابطة الكتّاب الأردنيين، فمن هو الطرف الذي ما يزال يمارس الكذب لإنقاذ ماضيه وحاضره ومستقبل أبنائه الشخصي وتحت مسمى الثقافة والفنون والآداب والإعلام والانتقال من فرصة عمل إلى فرصة عمل أخرى برواتب أفضل وسيارات أكثر تطوراً وموبايلات متطورة تكنولوجياً وثقافة كومبيوتر وقنوات فضائية في الوقت الذي ما يزال المبدع والكاتب والمفكر الحقيقي أمثال إسرائيل شاحاك، نعوم تشومسكي، يزهار سميلانسكي، وآخرين معتم عليهم ومحاصرين حتى وإن ظهر أمثالهم ومريديهم للعيش بقناع المترجمين في هذا القطر العربي أو ذاك، ونريد مع ذلك بقرار من رئيس وزراء أية دولة أن نرسم معالم ثقافة المستقبل، دون أية تنازلات من بنية أي نظام تجاه الديمقراطية والحرية أو في اتجاهات قيمية تحفظ للتعددية كرامتها خارج ثقافات السوق الاستهلاكي.
فجوات جوهرية
المؤتمر المنتدى المشار إليه غابت عنه وجوه كثيرة أبرزها وزراء ثقافة سابقون ليس كلهم( 26 وزيراً) في ذمة الله، خشية المحاسبة وغاب عنه كتّاب ورؤساء رابطة الكتاب وواحد منهم كان رئيساً لاتحاد الكتّاب العرب ذات يوم وغاب عنه رؤساء أقسام الصفحات الثقافية في الصحافة الأردنية والمحررون الثقافيون جداً، وغاب عنه الفنانون ورؤساء فرق مسرحية ومسرحيون وغاب عنه مدراء مهرجاني جرش وأيام عمان المسرحية وغاب عنه أيضاً وزير التربية والأمناء العامون الاثنين لوزارة التربية ومدراء التعليم الخمسة في عمان الكبرى وبقية المحافظات، كما غاب أصحاب الصحف ورؤساء التحرير وكتاب فلسطينيون أردنيون ومندوبو صحف عربية وخليجية والصحافة الأجنبية ومنع به استخدام اللغة الإنجليزية رغم وجود ورقة عمل تتعلق بالترجمة كما منع عنه وجبات الطعام أوالمناسف فلماذا تم انعقاده ؟ تطورات حزيران هذا العام ستشير بوضوح الإجابة
من كتابات تيسير نظمي عام 2004 !!
من كتابات تيسير نظمي عام 2004 !!
مهرجان جرش يحتفي بالموسيقى ويدمرها في
آن واحد
تيسير نظمي
كغيره من المهرجانات، لا ينتبه القائمون
على مهرجان جرش في دورته الثالثة والعشرين إلى أن الثقافة والفنون لا تحتمل أنصاف وأرباع
الحقائق، بل أن وظيفة الثقافة والفن أساسا منذ أرسطو على الأقل وكتابه عن المسرح المسمى
"فن الشعر" ومروراً ببريخت وليس انتهاء بجاك دريدا ظلت نتاجاً حضارياً لحقائق
الجنس البشري بغض النظر عن الجنس والعرق والمرحلة. ولذلك، أي لهذه الحقيقة الناصعة
ما يزال لدينا من يقرأ الشعر الجاهلي وشكسبير وأليوت وماركيز وفوكنر وبوشكين ونجيب
محفوظ والسياب ودرويش وغيرهم. ومن يستمع لفيروز وموتزارت وعبد الحليم وغيرهم.لكن فكرتنا
منذ مائة عام على الأقل عن انفسنا صنعها لنا العالم الغربي تحديداً، وليس الصين أو
اليابان.ولذلك أصبح كل ما هو آخر أفضل من كل ما هو "نحن". وحتى تتعزز هذه
النظرة الاستشراقية الاستعلائية باتت مهمة كثير من المهرجانات التي تنتحل لسبب أو لآخر
صفة الثقافة والفن بل والإبداع أيضا..! هي تكريس الغرب بصفته العالم واقصاء حضارات
وشعوب وثقافات غير غربية واقصاء مبدعين عرب آخرين أيضا بتقديم وتعميم وتكريس ما هو
اكثر هشاشة وخاصة من أدعياء الشعر في ظل غياب النقد والنقاد. فكيف تجلى كل أو بعض هذا
في مهرجان جرش الأخير.في ندوة "القصيدة العربية المعاصرة والآخر" كانت التوجهات
معدة مسبقاً والأسماء كذلك للإستمرارية في التوجه المشار إليه وعلى المتابع ببسالة
وشجاعة أن يلتفت ويتساءل، لماذا تم اختزال الندوة من جلستين إلى جلسة واحدة اتقاء للفضحية
التي كان ممثل حركة ابداع الثقافية موشك على اشهارها كما فعل العام الماضي عندما استخدم
كلمة "عيب" في ختام جلساتها، وقد كانت بعنوان "القصيدة والحدث" محتجاً على اختزال الثقافة العربية بالقصيدة المختلف
على مدى أهلية مدعيها بالشعر أساسا وعلى الحرب على العراق واحتلاله التي تم اختزالها
أيضا بمجرد "حدث"..! وهذه السنة
أدرك الراصد للمهرجان أن الموال اياه الذي بدأه مهرجان جرش في دورته الحادية
والعشرين عن "الآخر" يقصد به كلمة حق يراد بها باطل، وقد تساءل موقع حركة
ابداع قبل بدء المهرجان إن كان المقصود بالآخر كونفوشيوس وطاغور وحضارات الشرق الصينية
واليابانية والهندية والعربية أم الغرب الإستعماري واسرائيل على وجه التحديد.جاء الناقد
والشاعر اللبناني عباس بيضون وعلى عجل فأنقذ
الموقف النقدي البائس الذي قدم فيه ثلاثة من المتداخلين أوراقهم في ذات التوجه وأحدهم
ـ صبحي الحديدي ـ بين بين حفظاً لخطوط الرجعة. عباس بيضون تناول نموذجاً من أدونيس وهو قصيدة
"نيويورك" فنسف تماما مقولة الندوة وتوجهاتها البائسة في ظل غياب كثير من
المثقفين والنقاد ، كون أدونيس متماهياً أصلا في نيويورك وبيروت ودمشق وغيرها من العواصم
مثل عمان لا تعني شيئا بالنسبة له إن لم تكن أصفاراً. فعن أي آخر يا ترى تحدث فخري
صالح منتحلاً ادوارد سعيد ومفترضاً أننا لم نقرأه بعد وعن أي آخر تحدث د. وليد حمارنة
القادم من احدى جامعات كندا مسقطاً الآخر الذي هو "نحن" من تاريخ فرنسا الكولنيالية..؟
مدير الجلسة، حسن نجمي ، ربما كان أكثرهم
فطنة بحيث جعل عباس بيضون آخر المتحدثين. ولذلك قيل للأخير: لولا أنك انقذت الوقت والمعنى
لكان لنا معكم حديث آخر. لكن ماذا عن بقية
فعاليات المهرجان ومن ضمنها محاضرة عن التنمية السياسية في الأردن للوزير محمد داودية
التي لم يحضرها من المثقفين والشعراء المدعوين غير شوقي بزيع وكاتب هذه السطور الذين
لم تغط الصحافة المحلية ما قاله جميع الحضور وأحدهم مراسل وكالة الأنباء الروسية لمعالي
الوزير. كما لم تشر الصحافة لدلالة استنكاف المثقفين والشعراء أو مدعي ذلك عن الحضور
والمناقشة. شوقي بزيع تساءل عن الكيفية التي يوفق بها المثقف بين مهامه الثقافية ووظيفته
في السلطة متمنياً أن يرى إنتاجاً ثقافياً للسيدين د. خالد الكركي ومعالي الوزير داودية
بصفتهما أعضاء في رابطة الكتاب الأردنيين وشغلا حقائب وزارية في حكومات سابقة وتيسير
نظمي طالب بالمزيد من الحريات الأكاديمية اللازمة للمثقف الذي لا يمتلك سوى سلطة المعرفة
كي يتمكن المثقف والمؤرخ والأكاديمي الأردني من الرد على المؤرخين الاسرائيليين الجدد
ملمحاً لمقالات وكتب بيني موريس وآفي شلايم.
أما فعاليات الشعر أو ما يسمى كذلك فقد
بدأت بداية باهتة حتى رغم حضور الشاعر محمود درويش الذي لم يقل شيئا جديداً لمحبيه
ومنتظريه غير رثائه لأدوارد سعيد، ومن بعده بدأت مهزلة الشعر الذي ليس بشعر تسببت للحضور
القادم في الغالب للمجاملة أو "انصر اخاك ظالما أو مظلوما" فتغيرت المواعيد
وتغير البرنامج ولم يتغير مدعي الشعر خاصة من المشاركين العرب الذي تحكمهم مقولة
"عنزة ولو طارت" وتسندهم دور نشر ولوبي مهرجان كبير وتكريس اللا معنى كي
يضطر المستمع أو المشاهد أو القارىء لسماع Playback أليسا أو الفرجة على أداء نانسي عجرم بعيداً عن كل ما يمت للثقافة بصلة.
بالطبع يتصور القائمون على المهرجان أنهم بدعوتهم لشعراء ـ شاعرات هذه المرة ـ أجانب
فإنهم يسوقون "شعراء اردنيين" و"الأردن" للعالم..! وهذا اعتقاد
خاطىء، فقد اهتمت الشاعرة الرومانية روديكا والشاعرة الإيرلندية شنيد والشاعرة الاسبانية
جوزيفا بفن الرقص وفن القصة وفن الترجمة وفن النقد اكثر من اهتمامهن بفن الشعر الحداثي
وما بعد الحداثي وبفذلكات النثر الذي يراد تسويقه على أنه شعر. لذلك جاء مهرجان فن
العزف على القانون ببعض فرسانه منقذاً أيضاً للمهرجان خاصة وأن خليل كردمان، معلم وعازف
القانون العالمي كان بين الحضور، هو والعازف السويسري الفرنسي جوليان والعازفة اللبنانية
ايمان الحمصي، ومن الطريف أن مهرجان جرش يحتفى بالموسيقى والعزف على العود والقانون
ولا يحتفي بالموسيقى في الشعر..! بل يتعمد جهابذة مهرجان الشعر أن يدمروا الموسيقى
خير تدمير ويجهزوا على الثقافة والذائقة بحجة أنهم عرب واردنيين. وهذا لا يخدم شعار
"الأردن أولا" على الإطلاق. إلا إذا كان مهرجان جرش معني بتدمير فنون الكلمة
محلياً اولاً ومن ثم الانتقال للعواصم العربية الأخرى التي ما يزال للشعر والقصة والرواية
مكانة تحترم فيها. من طرائف المهرجان أن الزائرين العرب والأجانب أرسلوا ببطاقات ورسائل
الشكر لشخص غير مدعو للمهرجان ولكنه كان متابعاً وبمثابة الدليل السياحي أو الثقافي مع بعض المدعويين ولذلك
حظي أيضا بوجبات طعام لم يكن يتصور أنها موجودة في المناطق السياحية في الأردن وبدعوات
وحفلات كان بعض من لا يعرفوه يظنونه فيها قادماً من باريس أو لندن، خاصة عندما تبين
أن له علاقة بالثقافة واللغات الأجنبية اكثر من بعض القائمين على المهرجان.
السلطات الأردنية حاولت اعتقال تيسير نظمي
وتسليمه لسلطة عباس في مطار ماركا العسكري
15/9/2009
روما – حركة إبداع و دنيا الوطن :
كشفت حركة إبداع في تقريرها السنوي الذي
صدر هنا لأول مرة بعد أن كان يصدر في كاليفورنيا أن تيسير نظمي هو الذي أرغم السلطات
الأردنية على دخول وفد رابطة الكتاب لوداع محمود درويش في مطار ماركا العسكري وأن الحرس
حاول اعتقاله بعد أن راح يردد أشعار محمود
درويش على مسمعهم " .. واسحب ظلالك من بلاط الحاكم العربي لئلا يعلقها وساما
" لكن وجود عدد كبير من أعضاء الرابطة الذين لم يسمح لهم بالدخول أحرج السلطات
الأردنية ممثلة بجنديين حراسة وجنديتين على الباب. وكان الشاعر الفلسطيني تيسير نظمي
ملتزما الهدوء على الباب بادئ الأمر فلما شاهد رئيس رابطة أصبح للأسف عضوا فيها يهان
هو وعضو هيئة إدارية الدكتور سليمان الأزرعي الذي رفض نشر رواية "وقائع ليلة السحر"
في عهد أسمى خضر ويجرجران أذيال الخيبة لعدم السماح للأزرعي بالدخول لأن اسمه لم يكن
مدرجا مع المودعين استشاط نظمي غضبا فأنشد للحاضرين ومن بينهم سعد الدين شاهين وجهاد
هديب و نهاية الجمزاوي أشعارا منتقاة لدرويش فخشي الحرس أن يتحول الجمع الخفير على
الباب إلى ما يشبه المظاهرة فأرسلوا في طلب حبيب الرزيودي الذي جاء لنظمي ببطاقة صحفية
تسوغ دخوله لوداع صديقه اللدود فرفض نظمي العرض قائلا أنه شاعر وليس بصحفي فتدخل الحرس
شادا نظمي من يده لإدخاله بحجة أنه يريد السلام عليه فقال له نظمي بالعامية "
شو بدكم تسلموني لعباس ؟ " حيث كان ياسر عبدربه وسفير فلسطين والزعنون متواجدين
بالداخل. وبالتالي اضطر الحرس لإدخال جميع المتواجدين الذين رفض نظمي الدخول وتركهم
على الباب غير أن تيسير نظمي بعد أن شاهد آخرهم يدخل غادر المكان فورا بأول سيارة سيرفيس
إلى وسط البلد تاركا من يريد أن يتصور مع جنازته أن يتصور فناقد بحجم تيسير نظمي ما
كان يرتضي لنفسه أن تتواصل علاقته بدرويش في عبدون مثل بقية المتزلفين والمقربين من
محمود بصفتهم موالين ومداحين لا يجرؤ أحد منهم على إبداء ولو ملاحظة سلبية واحدة على
درويش ومن بينهم خري مصور وآخرون يحاولون الآن الظهور حتى من خلال أشعار درويش وليس
أشعارهم مثل كورس فقد المايسترو أو جنرالات فقدوا الامبراطور.على صعيد آخر أدان التقرير
السنوي مهرجان أيام عمان المسرحية الماضي والمثقفين العرب الذين لبوا الدعوة رغم علمهم
بأن السلطات الأردنية أخلت بالقوة الجبرية منزله وحجزت على موجوداته بغطاء من قرار
محكمة قابل للإستئناف رغم أنها أي السلطات الأردنية لم تبلغه بأي إنذار أو قرار سابقا
أو تمكنه من الاستئناف بل وكانت تريد اعتقاله لإبعاده عن المهرجان ومع ذلك لم يتضامن
معه أحد من العرب (المثقفين) لا في أيام عمان ولا في مهرجان الأردن أو ملتقى القصة
القصيرة الذي تمخض عن فضيحة لأمانة عمان ألصقتها بظهر رئيس الدائرة الثقافية السابق
فيها. وذكر التقرير الذي صدر باللغتين الإيطالية والإسبانية المثقفين العرب المتواطئين
اسما وراء اسم وأحيانا الاسم الرباعي للمثقف العربي متجاهلا الأردنيين منهم تماما لعدم
اعتراف حركة إبداع بهم.
تعليقات