Tayseer Nazmi's Latest Written Short Story In A Jordanian "Afkar"
عصافير ملونة
تيسير نظمي
عن أصدقاء و رفاق كنا نتحدث. عن أسباب غيابهم . عن قسوة التنظيمات
الحزبية حينما تجمع على مهاجمة أحدهم بلا رحمة و بلا هوادة. لم أكن مشاركا بالحديث
لأسباب تتعلق بشرودي وتأملاتي فاكتفيت بالاستماع والتذكر. مرت بخاطري أسراب من
الطيور و فكرت أيضا بالفراشة التي ولدت شبه عمياء لا ترى ما يراه الآخرين في
جناحيها المزدانين بالألوان والنقوش والزخارف الطبيعية و لا ترى أيضا ربما كم هي
جميلة الفراشات الأخرى من حولها . تطورت أحاديث من حولي عن بعض المعتقلين من
الرفاق الذين ما أن خرجوا من المعتقل حتى فصلوا من أحزابهم بتهمة التعاون والتفريط
والانهيار داخل السجون مما حرمهم من مواصلة النضال من أجل مبادئ الأحزاب التي
اعتقلوا بسببها. لم يكن الحديث عادلا فقد كانت وجهات النظر سرعان ما تتقارب دون أن
ينبري الدفاع لمواصلة مرافعاته حتى النهاية . ولكوني ليس لدي المعلومات الكافية عن
بعض الأسماء التي تدور حولها الشبهات فقد كان من الصعب أن أغدو شريكا ذا بال
بالنقاشات. لا ضد و لا مع بل من النظارة الذين لا يعرفون من القضية سوى لائحة
الاتهام و ما تجود به جهود الدفاع أمام قاض وهمي هو في النهاية الحزب والكوادر
المتقدمة به و المهام المناطة بكل مناضل وأسباب وحيثيات اعتقاله و خروجه المبكر او
المتوسط او المتأخر من السجن. بدت الأحاديث مثل عصافير من لون واحد وكئيب الأمر
الذي ذكرني بعصافير ملونة ميتة و عصافير غير ملونة تتكاثر وتطير بمنتهى الحرية دون
أن يعترضها أحد أو تقع فريسة أفخاخ منصوبة أو طلقات نارية لصياد ماهر أو حتى لطلقة
عرس طائشة. أما حكاية العصافير الملونة التي وجدت ميتة دون أن تصاب بطلقة أو حتى
بحجر فقد نمت إلى علمي بعد كبير جهد بذلته بسؤال أهل الغور عن قصتها . فقد استغرب
في البدء من سألتهم عن تلك الظاهرة إلى أن استدل أحدهم على اجابة فسرت لي أمرها
تفسيرا أقرب إلى الحقيقة والمنطق. فقد تلقى أخوة اثنين علبا من الألوان الزيتية
والدهانات كهدية من معارفهم الذين يعيشون في العاصمة و لم يتلقوا القماش المناسب
لممارسة هوايتهم بالرسم والتلوين وكانوا أيضا يفتقدون الورق المقوى المناسب لسكب
تلك الألوان عليها في ما قد يبتكرونه من تشكيلات لونية ولم تضق بهم مساحات
الابتكار حين جمعوا ما بين هوايتهم القديمة بنصب الفخاخ للعصافير وما بين تلوينها
بعد صيدها ومن ثم اطلاقها في الفضاء وكأنهم أردوا في البداية تلوين السماء بها من
جديد واشراكها في فرحتهم بالألوان لتتغير ألوانها الكئيبة دون أن يدركوا ما سيلحق
بها من أذى نتيجة ممارستهم لتلك الهواية. فقد كان العصفور الذي يقع في الفخ ويتم
تلوينه وإطلاقه ثانية ليلتحق بالجموع يعاني من مشكلة لا يعرف أسبابها عندما تنبذه
بقية العصافير التي لم يلون لها أحد جناحيها أو ريشها . كانت العصافير غير الملونة
تنبذ بلا رحمة كل عصفور مختلف عنها وتستهجن وجوده بينها في حين أن العصفور الذي تم
تلوينه لم يكن يعلم بذلك ولا يرى نفسه ملونا أو مختلفا عن بقية السرب و بالتالي لا
يستطيع تفسير ابتعاد بقية العصافير عنه وهجرها له و استبعاده عن السرب مهما بذل من
تغريد أو حاجة لأن يتم معاملته على قدم المساواة كما بقية العصافير فيضطر في
النهاية للاستسلام لعزلته التي أكرهوه عليها فيسقط صريع الوحدة والعزلة والكمد
ميتا . فهو لم يعد قادرا على العودة للفخ الذي غادره ولا هو قادر على تغيير لونه
الذي وهب له دون أن يدري بنوايا ليس بالضرورة أن تكون شريرة. و عندما طالت فترة
عدم مشاركتي بالحديث أحسست أن كل من هم في المجلس قد بدؤوا يتهامسون في أسباب عدم
مشاركتي و ربما تفاهموا بالإشارة والأعين على أن يتم تغيير موضوع الحديث خشية أن
يكونوا مخترقين من قبلي أنا . فقد أحسوا أن صمتي تضامن غير معلن مع الخونة
والعملاء المجمع على تخليهم عن الحزب و اضطرار الحزب أن يتنكر ويتخلى لهم وعنهم.
حينذاك و فجأة تداركت الموضوع و بدأت أتفحص نفسي وأجنحتي الملونة لعلي أعثر على من
تجرأ و لونها لي دون ارادتي ورغما عني . و قبل أن أكتشف أنني بلا أجنحة وبلا الوان
غير اعتيادية كان الجميع قد انفضوا من حولي لأبقى وحيدا لا أعلم كيف ولماذا وكم
مضى على سهوي وشرودي بالتفكير بمن هم مثلي عصافير ملونة .
عمان – 8 أيلول 2012
تعليقات