تيسير نظمي يؤكد مجددا : حمارنا لا يرغب حمارتكم- Our Donkey Desires Not Yours - by Tayseer Nazmi
حمارنا لا يرغب حمارتكم
قصة: تيسير نظمي
1 - المقدمة
السيد صاحب الكلب يعلم أو لا يعلم أن نباح
كلبه المتواصل على حمارنا أستمر يومين و ليلة قبل أن يخرسه أحد ما بقطعة لحم فاسد أو
دجاجة معطوبة أو ما تبقى من فطائس عيد الأضحى الأخير. و القصة و ما فيها أن حمارنا
الأعرج لا يعرف الكثيرون عنه شيئاً غير الأقاويل. بل أننا خشية أن يلحق بنا العار لم
نتطرق من قبل للأسباب الموجبة لعرجته التي نحن سبب فيها، و هذا مبرر عنايتنا به على
قدم المساواة بمثل ما نعامل به ما تبقى لنا من خيول بعد أن بيع بعض منها و نفق منها
الكثير في جولات خاسرة. و السيد صاحب الكلب حتى لو علم بتفاصيل الحقيقة التي غالباً
ما تكون مملة لأمثاله لن يبيع كلباً من أجل حمار أعرج. قد يستبدله، هذا صحيح، بغيره
من الكلاب حسب قوتها و لياقتها و خدماتها و تكلفتها، لكنه لن يستبدله بحمار، فما بالك
إن كان الحمار أعرجاً ! هل يعيش هو الآخر بفضل حمار أو حمارة؟
خاصة بعد أن غنم بيتاً من الثورة و أصبح
لزاماً عليه حراسة أشياء كثيرة و من ضمنها البيت المشيد على شكل مشروع فيلا يمكن ركوبها
بطابق آخر، في حي الضباط و قرب مساكن المتقاعدين منهم، في حين أننا نحن، أقصد أمثالنا،
لا يجازفون بركوب حمار أعرج أو خيولاً عربية أصيلة باتت طيعة و مدجنة في إسطبلات القصور
لامعة نظيفة ليس مثل خيولنا التي زججنا بها في الملاجئ و الثكنات أو أطلقناها في فضاءات
جنوب شرق البلاد أو شمال شرق أو جنوب غرب أو شمال غرب البلاد،بل في شرق شرق وشمال شمال
البلاد أو الأمة، لا، شتان بين ركوب العقار و ركوب الخيل. أما حميراً فمنذ تلك الواقعة
لم نعد نركب لأن حمارنا كان أول الرافضين و عندما رفضنا نحن أن نفهم كسرنا بجهلنا ساقاً
له و أصبح في صورته الحالية و سمعته الحالية و قابلاً أن يتطابق مع كل الأقاويل. صبور
يذكرنا بما نحن عليه و بأقوالنا المأثورة و "إن الله مع الصابرين".
2- المؤخرة
بدأت الحكاية يا أنام و يا سامعي الكلام
إن سمعوا و ناموا بكثير من الزهو الذي أصاب العشيرة ،عشيرتنا، عندما تقدمت على خجل
سيدة الحمار من حمولة أخرى طالبة العون في المقلب الذي شربته عندما أقدمت على شراء
حمار بمبلغ زهيد و خجلت أيما خجل أن تعاينه إن كان ذكراً أم أنثى ليتبين لها أنه حمارة
لا تقوى على حمل شيئ، ففكرت على طريقة بطل قصة" وجه البقرة الميتة" للراحل
كبير من فكر و ناضل و أشعر في بلادنا، و ليس الأمين و حسب على قرميتنا بل أبو الأمين
طيب الله ثراه، فقالت لنفسها، ما دام الأمر هكذا في بلداننا ، ضاحك و مضحوك عليه، و
بائع و مبيوع، و حمار و حمارة، و ليست خمارة.
و خاسر و خسارة، فلا بد لعلاج سوء الحال
و المآل أن تتصرف بشطارة فتجد سبيلاً لأن تحمل الحمارة من حمار و تلد قراً أو قرة أو
قرار. و لما كان حمارنا شديد البأس شبق أيما شبق و ربيان بين صهيل الخيول حيث نقول
نحن في قرانا عن أنثى الحصان فرس فقد كان يناغي رغم حمرنته الفرسات البيض و الحمر في
مغارة أجدادنا الأوائل لا يفرق في إشهار سلاحه بين لون أو جنس أو عرق .
بل و حتى ذكور الخيل التي كانت تقمعه و
تحد من تطلعاته نحو إناثها تم بيعها أو التضحية بها في الميادين و الساحات. و لم يبق
في بيت أجدادنا الأوائل سوى حمارنا ذكراً بين ما تبقى من الخيل و صوناً لسمعة الخيل
التاريخية لم تلد لنا أية فرس بغلاً لا سمح الله و لذلك قصدتنا تلك المرأة الغلبانة
لحل مشكلتها حسب الاختصاص. يوم ذاك ادعى كبير البيت عندما أسرت له زوجته بالأمر أن
حمارة المرأة الغلبانة عطشى و جائعة، و هي كذلك على أية حال، و أن حمارنا كذلك ، و
هو كذلك في كل الأحوال لأن خيولنا تأكل زاده و زواده، و إن علينا نحن الفتية المراهقين
أن نسوقهما سوياً للخلاء، ففهمنا رغم صغر السن في الستينيات من القرن الماضي المسألة.
و بزهو عشائري قبل أن يتحول إلى زهو تنظيمي
ربتنا على ظهر حمارنا و ربتنا على ظهر حمارتها بتشف عشائري أن حمارنا هو الراكب و حمارة
حمولتها هي التي ستحمل قرار الود و المصالحة بين حمولتين من حمائل البلد، أي بين الحارة
الشرقية و الحارة الغربية أو بين عائلتين طالما سمعنا أن ثمة ثارات قديمة بينهما و
أنه لولا الغلب الذي حل بالمرأة الغلبانة و الكبرياء الذي كان له معنى غامض لدى حمولة
المرأة بأن لا تقع علاقة غير متكافئة بين الحمولتين حتى في ما تمتلكانه من ماشية أو
دواب و الزهو كذلك بالنفس لدى عشيرتنا التي ما أن خطت المرأة خطوتها الأولى بحمارتها
نحونا حتى خطونا معها و لما تطلبه عشرات الخطوات نحو السهوب والبراري. لكن الأمر لم
يسر حسب النوايا الطيبة و صفاء السريرة والطوية الذي أشك بوجودها حتى اليوم، فالحمار
بعد أن شرب و أكل وكذلك الحمارة، لم ينشأ أي ود بينهما أو إثارة.
بل أن حمارنا شنّك أذنيه لدى سماعه غزل
النهيق لحمارة بعيدة لم تكن في متناول يديه، و كان في طريقه أيضاً قبل أن يشرب أو يأكل
يشمشم روث حمارات أخرى كلما صادف واحدة منها في الطريق الترابي المزدان بأزهار و ورود
ربيع ما قبل النكسة، نكستنا، و قد خيبّ ظننا و خاب معه رجاء المرأة و توسلها. و حينذاك
أخذتنا الحمية و الفزعة لامرأة استجارت بنا فقطعنا المطاريق أنا و أخوتي و أبناء عمومتي
و بقوة الشقاء رحنا نضرب حمارنا دون أن يستجيب. و نقربه منها، من مقدمتها و من مؤخرتها
فلا يستجيب. أما هي فقد كانت خائفة مطواعة و لم تكن بحاجة لأية لكزة من جانبنا لتقترب
من حمارنا. قال كبيرنا أيام ذاك: إنها حردانة، و كفى. و قال آخر:
لا يريد و الأمر ليس بالقوة. و قال ثالث:
دعونا نبتعد عنهما فلربما يخجلان أو يتهيبان منا. و قال رابع و خامس و سادس أيام ذاك.
آه من أيام ذاك و من الخامس و من السادس. انتكسنا يا سادة فماذا نفعل نحن الفتية الذين
كانت أعمارنا لا تتجاوز الخامسة عشرة؟ و ما العمل؟ جربنا كل الوسائل، و لم تجد نفعاً.
حمارنا غير راغب بحمارتهم. و الأقاويل في عموم البلد شاعت و انتشرت أن حمارنا شوهد
يسير جنباً إلى جنب مع حمارتهم.
و حمولتهم شرعت حتى قبل العودة تتوعد و
تهدد باغتيال الجحش و الخيل و ربما ذبحي أنا، إذ كانوا يعتبرونني مثال حمار جدي رحمه
الله و بالاً على ورود القرية و نوارها منذ أن عدت مع أسرتي من بلاد برة ممشط الشعر
حسن الهندام و معطر الملابس و عامل تسريحة " كوكو" منذ صغري. ما العمل يا
شباب؟ تساءلت. فقال المتمرسون بالسمعة العشائرية أكثر مني من أبناء العمومة: علينا
بحمار آخر لأن حمارنا مقتول مقتول لا محالة. فقلت مدافعاً: لكنه لم يفعل شيئاً يستفز
الحمولة الأخرى؟
فقال: حتى و لو.. فالسمعة شاعت في البلد
عنه و عنها. و شرف الحمولة الأخرى أصبح مهاناً و المرأة أورطتنا. قلت أيضاً مدافعاً:
لكن الحمارة لن تعشّر و هذا دليل براءة حمارنا مما قد ينسب إليه. فقال محتملاً براءتي
و تحضري قليلاً: قد تحمل من حمار آخر و التهمة يأكلها حمارنا. و عدنا بخفي حنين ممطرين
حمارنا باللكمات و المطاريق و العصي و الرفس كأننا أصبحنا نحن الحميرالذين لم يفهموا
لماذا خذلنا حمار لنا هو حمارنا. و في طريق العودة كان أبناء الحمولة الأخرى قد نصبوا
لنا كميناً بعصي أشد بأساً مما نحمله من عصي ومطاريق. و هكذا يا سادة أسفرت المعركة
التي خضناها أيام ذاك عن كسر في إحدى قوائم حمارنا و عن رضوض في المؤخرة.
3-الوسط
السيد صاحب الكلب لم يفهم حتى الآن أن الحمارة
مريضة، و لا السيدة صاحبة الحمارة كانت صريحة بما يكفي لتقول لنا أن حمارتها مريضة
و ليس لديها ثمناً لعلاجها، فقد كان العلاج مفتقداً حتى للبني آدميين أمثالنا أيا م
ذاك و لم تكن البلاد قد تطورت لدرجة أن عيادة خاصة تم إنشاؤها لعلاج الكلاب و القطط
والحمير و ما شابه في مدينة الفحيص الأردنية ترتادها كلاب الصويفية وعبدون و الجبيهة
وإن كانت مناطق أخرى مثل طبربور سائرة على طريق النهوض والتطورواللحاق.
الحمارة كانت مريضة و لذلك ماتت بعد أيام
قليلة من خروج الحمار مكسوراً من تلك المعركة. و المسألة باختصار أن الحمار فهم ذلك
، أي كونها مريضة، قبلنا و لم يغادر مثلنا، بل ظل وفياً لما يشم ولما يحس ويفهم لوطنه،
أجل، كان يمكن تلخيص الحكاية و باختصار دون نباح و دون عواء و دون تشويه سمعته على
أمر لم يقترفه. لكن الحقيقة شيء و وسائل الإعلام التي تطورت شيء آخر. كان يمكن اختصار
المسألة بكلمات قليلة:" حمارنا غير راغب بحمارتكم" يا سادة.
4- خاتمة الخواتم
قال محدثي الساهر من فرط عواء الليل والمعدة:
وما علاقة صاحب الكلب بالمسألة؟
فقلت بعد أن انتهت الحكاية: فتش عن البغل
قال: وما علاقة البغل؟
قلت: إذا كانت الحكاية بكل هذا الوضوح ولا
توجد بغلة أو بغل فلا وجود أساساً لصاحب الكلب. وما دمت لم تفهم العلاقات بين الناس
وبين الكلاب وبين الخيول وبين الحمير فإن وجود البغل هو الذي يجعل الأمور غامضة لأننا
غائبون عن الحقيقة إن كان في عصرنا من أب أم من أم مارس أحدهما الخطيئة وكان البغل
نتيجة. فما بالك والحكاية فيها ما فيها من الوطن السليب ومن السياسة والتياسة والكياسة
والساسة؟
للقصة مرجعياتها في الأدب الفلسطيني مثل مجموعة " حال الدنيا
" القصصية لتوفيق زياد ورواية إميل حبيبي " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد
أبي النحس المتشائل"
تعليقات