توجان فيصل تكتب عن الخذلان وشهادات الزور في الانتخابات الأردنية الأخيرة
خذلان .. وشهادات زور
توجان فيصل
لم يسبق أن مرت على الأردن انتخابات أسوأ من الأخيرة
التي جرت قبل أيام، وقيل فيها ما يكفي من النقد الموضوعي الهادئ ومن الغضب العارم وصولا
للسخرية غيرالمسبوقة التي ألزمت بها "مسخرة" تلك الإنتخابات، ما يغنينا عن
بيان ليس فقط عدم شرعية المجلس الذي زُعم أن تلك الإنتخابات أنتجته، بل وعن بيان تساقط
كل ما كان يسمى "شرعيات" استندت إليها تلك الإنتخابات.
ولكن السقوط تجاوز هذه المرة ذلك الداخل
المهترئ ليطال كيانات دولية كالإتحاد الأوروبي الذي أشادت بعثته المراقبة بنزاهة انتخاباتنا
وهي تغادر الأردن مسرعة مع إعلان أول دفعة من نتائجها، فيما ظلت تلك النتائج تتغير
لخمسة أيام تلت وكأنها صفقة فيما يسميه الأردنيون بـ "الحسبة",أي سوق الجملة
للخضار التي تباع أيضا في "صناديق". ففي الحسبة أيضا يجري التشكيك بوزن الصناديق
فيعاد وزن بعضها ويرفض وزن أخرى .. ويجري التشكيك في عدد حباتها وفي سلامة الحبات المخفية
في قاع الصندوق، فيجري أحيانا إفراغ بعض الصناديق المضومنة لعد حباتها أو نبش بضع حبات
من القاع لبيان وجهة نظر أحد المختلفين على حقيقة "المخفي".. وفي الحسبة
أيضا تجري مناقلة حبات من صندوق لآخر أو تترك حبات لتتساقط خارج الصناديق بزعم
"العجقة"، وفيها أيضا تظل هنالك صناديق مخفية في الداخل غير تلك المعروضة
تخرج فقط بضغط الشاري ورفضه الاكتفاء بما يعرض عليه .. وهكذا توالت اختلافات نتائج
"حسبة الأصوات" بتناقض كل فرز جديد للأوراق مع ما سبقه وتناقض ما يليه معه
.. وحتى بعد أن فُرض علينا مجلس"بالتلزيم" توالى ظهور الصناديق المخفية أو
المستبدله، ليس فقط من غرف مغلقة في مراكز الإقتراع (أغلبها مدارس وكليات ومباني بلديات)
بل ومن حمامات (أجلكم الله) مراكز الاقتراع التي يحتم الزحام ودوام أعضاء اللجان والمراقبين
لما يقارب يوما بحاله كثرة استعمالها من قبل هؤلاء "المسؤولين" عن سلامة
تلك الانتخابات!!
ومع ذلك لم نجد كلمة اعتذار لا من وفد المراقبين
الأوروبيين ولا من الناطقة باسم الخارجية الأمريكية، بل هم يطالبوننا بأن نبني على
"ما تحقق لنا من إصلاح" .. ما جعل الأردنيين يصنفون وفد المراقبين الأوروبي
في سوية من "ترزّقوا" بوجبة منسف في مقر مرشح "مال أسود", بقولهم:
"الأوروبيون أكلوا المنسف وروّحوا"..
وهو قول ليس تهمة ولا يأتي جزافا، فالأردنيون
سبق وسمعوا مرارا تبريرات قدوم وفود دافوس للبحر الميت بأنه يعود "للضيافة"
الأردنية في منتجع صحي نادر حيث الإقامة مريحة ومربحة، والوجبات المجانية لذيذة ..
كما اعترف صحفي شبه مداوم على حضور المؤتمر، وكما يبدو من الانحياز المكشوف للنظام
في تغطية كافة الصحفيين الموفدين للمؤتمر لقضايا الداخل الأردني وللربيع الأردني تحديدا،
وبما يصل حد قلب الحقائق. والإنحياز واضح بدءا بالأسئلة التي تطرح في المقابلات التي
تجرى مع كبار المسؤولين وتبدأ بمقدمات ومسلمات غريبة عن الواقع، وهي أقرب (وأنطلق هنا
من خبرتي في إدارة الحوارات التلفزيونية ومعرفتي بخفاياها) لكونها تمهيدا، بل وإعانة
على إجابات بعينها.
لهذا، لم تكن غالبية القواعد الأردنية تتوقع
خيرا من وفود المراقبة الدولية، والخيبة كانت للقلة من النخب التي عولت على المراقبة
الدولية، ليس لوقف تزوير الإنتخابات التي قاطعتها غالبية الشعب ابتداء، ولكن لوقف تزوير
آخر جار لشهادات صلاح وإصلاح تقدم للنظام بما يعني إعانته على إجهاض ربيع الشعب. ولكن
الفريق الأوروبي والخارجية الأمريكية عادتا لإصدار نسخ مكررة من ذات الشهادات ملحقة
بزعم أن انتخاباتنا كانت نزيهة، ولا يشوبها سوى أن عدد المقاعد المخصصة للمدن الرئيسة
قليل, بمعنى أنهم حريصون على أمر واحد هو زيادة التمثيل الفلسطيني، في حين أن الأردنيين
من أصول فلسطينية زاهدون بالمشاركة في انتخابات يعرفون أنها مزورة .. وهو ما يضع النخب
في حالة تساؤل عن مصداقية خطاب أوباما في حفل إعادة تنصيبه، من أن إدارته "لن
تخذل الشعوب المتطلعة للديمقراطية " .
لحينه، هذه الإدارة خذلت، وبشدة، النخب
المتواصلة مع الأحداث الدولية والمتابعة للسياسات الدولية بشأن مجمل كما تفاصيل قضايا
العالم العربي.
تعليقات