الملك: الملكية التي سيرثها ولدي لن تكون نفس الملكية التي ورثتها عن أبي








الملك: الملكية التي سيرثها ولدي لن تكون نفس الملكية التي ورثتها عن أبي
13/01/2013
قال الملك عبدالله الثاني في مقابلة مع مجلة "لونوفيل اوبزرفاتور" الفرنسية إن "ما نحاول تحقيقه في الأردن من خلال برنامجنا للإصلاح التدريجي والتحول الديمقراطي النابع من الداخل هو حماية التعددية وترسيخ الضوابط والرقابة التي تحكم الديمقراطية التي تعمل بشكل سليم، وتطوير ثقافة المجتمع المدني النابض بالحياة، وضمان المعاملة العادلة لكل القوى السياسية بحيث تتنافس بشكل عادل في الانتخابات، وحماية حقوق الأقليات وحقوق المواطنين وفقا للدستور".
وأكد جلالته، في مقابلة مع سارة دانييل محررة الشؤون الدولية في المجلة الفرنسية واسعة الانتشار "أن الأردن تقبل الربيع العربي وتبناه منذ بدايته، حيث شهد عملية إصلاح سياسي غير مسبوقة وتعديلات واسعة النطاق شملت ثلث الدستور، وإنشاء مؤسسات ديمقراطية جديدة مثل الهيئة المستقلة للانتخاب والمحكمة الدستورية، وآليات رقابة أقوى، وتعزيز الفصل بين السلطات، وضمان استقلال القضاء، وعدم تغول سلطة على أخرى".
وبين جلالته أن الأردنيين سيتوجهون في الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني (يناير) الحالي إلى صناديق الاقتراع "ليحددوا للمرة الأولى ليس فقط شكل البرلمان القادم، بل أيضاً الحكومة القادمة، حيث "سنبدأ" تجربة الحكومات البرلمانية، والتي تحتاج لعدة دورات برلمانية لتتطور وتنمو بشكل صحيح بالتوازي مع تطور الأحزاب السياسية في الأردن".
وأوضح جلالته، ردا على سؤال حول تطور الحياة السياسية في المملكة، أن نظام الحكم في الأردن يستند إلى الملكية الدستورية، ويتطور ويتغير مع تطور النظام السياسي، "وبناء على رغبة غالبية المواطنين الذين يساهمون بشكل مباشر في صنع القرارات التي تؤثر على حياتهم".
ولفت جلالته في المقابلة إلى أن "من الصلاحيات الدستورية للملك في الأردن تكليف وتعيين رئيس الوزراء، وبالرغم من ذلك، يتوجب على الحكومة المشكلة الحصول دستوريا على ثقة مجلس النواب المنتخب والمحافظة عليها، إلا أنه وابتداء من الانتخابات التي ستجرى في 23 من كانون الثاني (يناير)، سيعتمد تكليف رئيس الوزراء الجديد على بدء ممارسة آلية التشاور مع ائتلاف كتل الأغلبية في مجلس النواب إن وجد، أو مع مجمل الكتل إن لم تبرز أغلبية واضحة.
وبعد ذلك يقوم رئيس الوزراء المكلف بالتشاور مع الكتل البرلمانية لتشكيل الحكومة، والتي تظل ملتزمة بالتقدم للحصول على ثقة مجلس النواب والمحافظة عليها. ومع تطور الأحزاب السياسية مع الدورات البرلمانية، سوف تنشأ الكتل البرلمانية على أساس حزبي".
وأكد جلالته "أننا سنحتاج أيضا في الأردن للعمل الجاد لمأسسة دور المعارضة في مجلس النواب، حيث نريد لهذه المعارضة أن تنافس بجدية على تشكيل الحكومة، وأن تلعب دورا فاعلا في الرقابة على الحكومات. ويجب على قوى المعارضة أن تقوم فعليا بدور "حكومة الظل" كما هو الحال في الديمقراطيات البرلمانية، وأن تتنافس مع الحكومات العاملة في طرح الرؤى والبرامج والحلول ومراقبة أداء هذه الحكومات".
وأشار جلالته في المقابلة إلى أن التحدي الحقيقي الذي يواجه المعارضة اليوم يتمثل في تردد الناخبين في الانضمام للأحزاب السياسية، "ذلك أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن نحو 90 بالمائة من الأردنيين ينأون بأنفسهم عن هذه الأحزاب"، الأمر الذي يستدعي بذل جهود جادة من قبل مجلس النواب والحكومة القادمين، وكذلك المعارضة، لتطوير برامج تشجع المواطنين على الانضمام للأحزاب السياسية، وتستجيب لمصالح الناخبين وتحثهم على اتخاذ القرار بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات بناء على برامج هذه الأحزاب".
وفيما يتصل بعملية السلام، أكد جلالة الملك أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو السبب الرئيس لانعدام الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، معتبرا جلالته أن إيجاد حل لهذا الصراع يشكل أولوية السياسة الخارجية الأردنية.
وأضاف جلالته في هذا السياق "أنا أرى بوضوح وجود فرصة للوصول إلى حل للصراع لا يمكننا أن نفوتها من جديد"، وسوف تبرز هذه الفرصة ابتداء من الشهر المقبل بعد الانتهاء من تسلم الرئيس أوباما لسلطاته في فترته الرئاسية الثانية، وإجراء الانتخابات الإسرائيلية.
وأشار جلالته إلى أن هناك عدة عوامل سوف تجتمع معاً لتساهم في إعطاء دفعة قوية لحل الصراع الممتد على مدى 65 عاماً قبل أن يفوت الأوان على تحقيق حل الدولتين، من بينها الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأميركي الذي يفهم بشكل عميق تعقيدات هذا الصراع، بالإضافة إلى تشكل إرادة سياسية قوية عالمياً تؤكد على الحاجة الملحة لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي والصراع العربي- الإسرائيلي الأوسع.
واعتبر جلالة الملك أن رفع تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة إلى مرتبة دولة مراقب غير عضو يعد إنجازاً تاريخياً وإستراتيجياً بالفعل. و "يجب علينا الآن استثمار ذلك للتأكد من اكتساب عملية السلام الزخم الذي تستحقه، وأن تتجدد المفاوضات، وأن تتطرق إلى كل قضايا الوضع النهائي على أساس حل الدولتين".
وحول الأزمة السورية، أكد جلالته "أن الأهم هو تحقيق التوافق حول خطة انتقال للسلطة من شأنها أن تضمن انتقالاً شاملاً للحكم وتحفظ وحدة الأراضي والشعب السوري، وتنهي العنف. ويجب أن تشعر كل فئة في المجتمع السوري، بمن فيهم العلويون، أن لهم دورا في مستقبل البلاد. وسوف يكون للتشرذم أو انهيار الوضع الداخلي عواقب خطيرة على المنطقة بأسرها، وقد تشعل صراعات تمتد لأجيال".
كما شدد جلالته خلال المقابلة على أهمية الإجماع على عملية انتقال سليمة للسلطة في سورية، لتقليص فرص بروز حالة من الفراغ الذي قد تملؤه العناصر المتطرفة التي تستغل احتمالية انهيار الدولة السورية والأوضاع الجيوسياسية في سورية لتأجيج حالة عدم الاستقرار والصراع فيها، وتهديد المنطقة.
وفيما يلي نص المقابلة:
• أين وصلنا في عملية السلام وما هو دوركم في جهود استئناف المفاوضات؟
- أنا متفائل بحذر، فالصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو السبب الرئيس لانعدام الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، ويعد إيجاد حل لهذا الصراع الأولوية الأولى في السياسة الخارجية الأردنية. وأنا أرى بوضوح وجود فرصة للوصول إلى حل للصراع لا يمكننا أن نفوتها من جديد، وسوف تبرز هذه الفرصة ابتداء من الشهر القادم بعد الانتهاء من تسلم الرئيس أوباما لسلطاته في فترته الرئاسية الثانية، وإجراء الانتخابات الإسرائيلية.
وأرى أن هناك عدة عوامل سوف تجتمع معاً لتساهم في إعطاء دفعة قوية لحل هذا الصراع الممتد على مدى 65 عاماً قبل أن يفوت الأوان على تحقيق حل الدولتين. أحد العوامل هو الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأميركي الذي يفهم بشكل عميق تعقيدات هذا الصراع، بالإضافة إلى تشكل إرادة سياسية قوية عالمياً تؤكد على الحاجة الملحة لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والصراع العربي - الإسرائيلي الأوسع.
وهناك عامل آخر وهو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير بالاعتراف بفلسطين كدولة مراقب غير عضو، وحقيقة أن مبادرة السلام العربية لا تزال مطروحة. وهناك أيضاً الضغوط الناجمة عن الربيع العربي الذي أبرز الحاجة للحرية والكرامة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية.
كل ذلك يفتح نافذة فرصة للدفع باتجاه إحياء عملية السلام. لن يتوفر لنا أربع سنوات أخرى في انتظار الرئيس الأميركي القادم ليعمل لصالح السلام في الشرق الأوسط، خصوصاً أن المستوطنات الاسرائيلية تبتلع الأراضي الفلسطينية، ما يهدد مبدأ حل الدولتين والتواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية.
ونحن نعمل بشكل وثيق مع عدة أطراف أوروبية، منها فرنسا، لاقتراح بعض الأفكار الفاعلة والناجحة، والتي من شأنها تمكين الولايات المتحدة من الانخراط في هذا الجهد ولعب دور في العملية السلمية في أقرب وقت بعد بدء الفترة الرئاسية الثانية للرئيس أوباما. وقد ثبت تاريخياً أن رؤساء الولايات المتحدة يكونون أكثر ميلاً في الفترة الرئاسية الثانية لاستثمار رأس المال السياسي في هذه القضية الصعبة والمعقدة.
ونحن بحاجة إلى كل الدول التي تشاركنا الرأي مثل فرنسا، والتي لها دور مهم في هذه الجهود، بالإضافة إلى ألمانيا والمملكة المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية، والدول العربية مثل السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى الأردن. وبإمكانك القول إننا نقوم بدورنا على أكمل وجه لتمهيد الطريق لاستغلال هذه الفرصة التي تتلاشى بسرعة لتطبيق حل الدولتين.
لم يحصل أبدا أن تخلى الأردن عن مسؤولياته وألقى بالعبء الكامل على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولن يفعل، وذلك ببساطة لأن السلام الفلسطيني - الإسرائيلي مصلحة استراتيجية للأردن. ففي أوائل العام الماضي، نجحت محادثات عمّان في كسر حالة من الجمود امتدت لتسعة عشر شهراً ونتج عنها جو إيجابي مكّن المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين من الاستمرار في الاتصالات المباشرة، وصلت إلى مرحلة تبادل الرسائل بين الزعيمين، ولكن للأسف لم يتحقق تقدم بعد ذلك.
• ما هو رأيك في تصويت الأمم المتحدة لصالح الاعتراف بفلسطين؟
- لقد كان رفع تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة إلى مرتبة دولة مراقب غير عضو إنجازاً تاريخياً واستراتيجياً بالفعل. ويجب علينا الآن استثمار ذلك للتأكد من اكتساب عملية السلام الزخم الذي تستحقه، وأن تتجدد المفاوضات وأن تتطرق إلى كل قضايا الوضع النهائي على أساس حل الدولتين.
وكما ترين، فإننا كمجتمع دولي نتحمل مسؤولية أخلاقية لإثبات أن المفاوضات والوسائل السلمية، وليس الصواريخ والغارات الجوية، هي الوسيلة المجدية التي تحقق النتائج.
لقد كان رد الفعل الدولي على العدوان الذي حدث مؤخراً على غزة في سياقه الصحيح، ولكنه يوشك أن يبعث بالرسالة الخطأ إن لم نتابع المسألة باتخاذ خطوات ملموسة لاستئناف المفاوضات المباشرة. بالمقابل، فإن تصويت الأمم المتحدة أبرز موقفاً دولياً لصالح نهج السلطة الفلسطينية الشرعي والقانوني والسلمي نحو حل الصراع. وقد أثبت ذلك وجود دعم قوي للسلام والمفاوضات، إضافة إلى موقف قوي ضد المستوطنات، والتي نتفق على أنها أحد العوائق الرئيسية أمام السلام، خصوصاً في مناطق (E 1) والتي أثارت استنكاراً عالمياً قوياً واضحاً، خصوصاً من فرنسا.
جلالته يؤكد أن الأردن بحاجة لمأسسة دور المعارضة لتنافس بجدية على تشكيل الحكومة
• أنت تعرف بنيامين نتنياهو منذ وقت طويل. كيف تصفه؟
- عندما أستمع لحديثه عن مستقبل المنطقة أشعر أنه يعلم ما هو المطلوب لتحريك الأمور فيما يتعلق بحل الدولتين. ولكن أقواله لا تتناسق مع أفعال الحكومة الإسرائيلية على الأرض، وهذا ما يراه ويشعر به الناس في المنطقة وخارجها. وتمثل الانتخابات الإسرائيلية القادمة فرصة في غاية الأهمية لحل هذا الصراع الذي امتد لعقود بشكل نهائي.
• هل تعتقد أن الإسرائيليين مصممون على قصف المواقع النووية الإيرانية؟
- يبدو أن بعض السياسيين الإسرائيليين مصممون، وقد نشهد تجدد التهديدات لضرب إيران بعد الانتخابات الإسرائيلية. ومن خبرتي العسكرية، فلدي شكوك جادة حول جدوى السيناريوهات المتنوعة لأية حملة عسكرية إسرائيلية ضد مواقع إيران النووية. وباعتباري زعيم دولة في الشرق الأوسط، أستطيع القول ان المنطقة لا تحتاج إلى صراع آخر، وأرجو أن يدرك الشعب الإسرائيلي ذلك. لقد ظل الموقف الأردني حيال ذلك واضحاً تماماً، وهو أن علينا العمل الدؤوب نحو شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل وحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وهذا هو الطريق الوحيد لوقف التطرف والعنف وسباق التسلح في المنطقة برمتها.
• كم يستطيع النظام السوري الصمود حسب رأيك؟
- من الناحية العسكرية، لا أرجح سقوط النظام السوري بعد، ولكن يمكن للمرء أن ينظر أيضا للأمر من زاوية اقتصادية من حيث احتياطيات البنك المركزي والقدرة على توفير المواد الغذائية ومشتقات الوقود. فعندما ينفد المال والغذاء والوقود من نظام ما، فتلك هي النهاية، حتى لو توفرت له إمكانيات عسكرية قوية.
الأهم من كل ذلك هو تحقيق التوافق حول خطة انتقال للسلطة من شأنها أن تضمن انتقالاً شاملاً للحكم وتحفظ وحدة الأراضي والشعب السوري، وتنهي العنف. ويجب أن تشعر كل فئة في المجتمع السوري، بمن فيهم العلويون، أن لهم دورا في مستقبل البلاد. وسوف يكون للتشرذم أو انهيار الوضع الداخلي عواقب خطيرة على المنطقة بأسرها، وقد تشعل صراعات تمتد لأجيال.
• هل يمكن أن تفسر لنا ما يفكر به بشار الأسد؟ كيف يمكن أن تصفه؟
- لقد سألت نفسي هذا السؤال، والأغلب أنه وقع رهينة لنظام لا يسمح بالتغيير.
وفي مراحل مبكرة من الأزمة، أرسلت رئيس الديوان الملكي ليعرض عليه نصيحتي وينقل له مخاوفي حول إدارة النظام السوري للموقف. وكنت أعتقد أنه بالرغم من أن عملية التحول الديمقراطي في المملكة ليست بالمثالية التي نتمناها وهذه طبيعة الأمور، إلا أنه بإمكان الأردن أن يشارك الآخرين بعض تجاربه، من حيث إطلاق الحوارات والتواصل مع مختلف قطاعات المجتمع. ولكنه لم يبد اهتماماً بذلك.
• مع ارتفاع أعداد القتلى إلى ما يزيد على 45 ألفاً، فإن الثورة السورية تشهد العدد الأكبر من الضحايا في العالم العربي. كيف تفسر ذلك؟ هل يتحمل المجتمع الدولي جزءا من المسؤولية؟
- بداية أقول إن سورية هي الدولة الأكثر تعقيداً من الناحية الجيوسياسية والديمغرافية في المنطقة، وهذا أحد الأسباب التي أدت إلى انقسام المجتمع الدولي حول سورية. وهذا الانقسام واقع ليس فقط بين الغرب من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، بل إننا نشهد مقاربات متعارضة ضمن المنطقة أيضاً. ونظراً لاستمرار الأزمة منذ وقت طويل، فإن هذه المقاربات قد تجذرت وتحولت إلى كتل وانعكست في محاولات البعض للتوسع وممارسة التأثير من خلال دعم مجموعات معارضة بعينها.
• ما رأيك في الموقف الفرنسي حول الأزمة السورية؟
- لقد قمت بالتنسيق بشكل وثيق مع الرئيس الفرنسي، خصوصاً حول سورية، والعملية السلمية أيضا، فموقف فرنسا بشأن المستوطنات، كما ذكرت آنفاً، مهم جداً. وحقيقة أن فرنسا أول دولة أوروبية تعترف بالتحالف الوطني [السوري]، فإنها أثبتت بذلك مزاياها القيادية. وعلينا جميعاً مسؤولية البدء في التفكير في مرحلة انتقال السلطة في سورية، وهنا أؤكد ضرورة الحفاظ على وحدة أراضيها ووحدة شعبها.
• هل من الحكمة تسليح المعارضة؟
- هل يستطيع أحد أن يضمن أن الأسلحة المتجهة إلى مجموعة ما لن تقع في الأيدي الخطأ؟ إن كان الرد بالنفي، فهذا هو جوابك. وبما أنه تم التأكد من وجود تنظيم القاعدة في بعض المناطق في سورية، بالإضافة إلى المجموعات الجهادية التي نراها تنشط هناك، فإنني أحذر بشدة من هذه المخاطرة.
• هل أنت قلق حيال الأسلحة الكيماوية السورية، وإمكانية أن يستخدمها النظام؟
- كان الأردن أول دولة تحذر من خطر الأسلحة الكيماوية، والخوف الأكبر هو ما يمكن أن يحدث لو وقعت مخزونات هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ. ومسؤوليتنا هي الاستعداد لأي من أحوال الطوارئ هذه، ليس فقط لأن الأردن يشترك مع سورية بحدود طويلة، بل لأنه من حق شعبنا الأردني أن نكون جاهزين لضمان سلامته، وهي أيضاً مسؤولية المجتمع الدولي. وأعتقد أن استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل أي طرف سوف يقلب الأمور، ويغير قواعد اللعبة، ما يستدعي استجابة دولية فورية.
• هل أنت قلق من الاشتباكات بين الجيشين الأردني والسوري على الحدود؟
- لقد ظل أمن الحدود إحدى أولوياتنا منذ بداية الأزمة. وهذا درس تعلمناه منذ الغزو السوفييتي لأفغانستان، إذ أن مثل هذه الصراعات تولد التطرف والإرهاب. ففي تشرين الثاني الماضي، اكتشفنا مؤامرة كبيرة كان يدبرها السلفيون الجهاديون المرتبطون بالقاعدة لضرب أهداف في عمان.
يرزح جنودنا على الحدود الشمالية تحت ضغوط هائلة، إذ عبر الحدود إلى الأردن أكثر من 285 ألف لاجئ سوري هرباً من العنف. كانوا في بعض الليالي يعبرون بالمئات، وفي أخرى بالآلاف – عائلات بأكملها ورجال تعرضوا للتعذيب وعجائز فقدوا كل شيء ونساء حملن أطفالهن الرضّع أميالاً وهن يحاولن تفادي الرصاص للوصول إلى بر الأمان، وأطفال مرعوبون وجرحى. وكان أول ما يفعله جيشنا العربي وبدافع إنساني، هو إحضار حقيبة الإسعاف وتقاسم الطعام والماء معهم. ولا يستطيع المرء أن يأمر هؤلاء الناس بالانتظار حتى تتم عملية التدقيق الأمني. ولذا حصل في بعض الأحوال أننا اكتشفنا بعض الخلايا التي كان أفرادها يخططون لهجمات إما على سوريين في الأردن أو على أهداف أردنية وغربية. أما بالنسبة للاشتباكات على الحدود، فهي حقيقة واقعة، حيث حصلت بعض حوادث إطلاق النار، كانت في أغلبها تبدأ بإطلاق الجيش السوري النار على السوريين الذين يحاولون العبور إلى الأردن ويرد عليهم جنودنا. وقد أصيب أحد جنودنا في واحدة من هذه الحوادث الشهر الماضي. وهذا هو السبب الذي يجعل اهتمامنا ينصب على الحاجة الملحّة للإجماع على عملية انتقال سليمة للسلطة في سورية، لتقليص فرص بروز حالة من الفراغ الذي قد تملؤه العناصر المتطرفة التي تستغل احتمالية انهيار الدولة السورية والأوضاع الجيوسياسية في سورية لتأجيج حالة عدم الاستقرار والصراع فيها وتهديد المنطقة.
• كيف ترى الثورات التي اشتعلت في دول عربية الواحدة تلو الأخرى؟ هل أصبح الربيع العربي شتاءً إسلامياً؟
- عندما أنظر الآن إلى المنطقة عموماً، أرى خطراً كبيراً متمثلاً في حلول السلطوية الدينية مكان السلطوية العلمانية. فعندما تتراجع حقوق النساء، وتخشى الأقليات والمسيحيون وغيرهم على مستقبلهم، وعندما تقوض التعددية، فهذه ليست ديمقراطية.
وأمامنا الكثير من العمل الشاق لنضمن أنه عندما ننظر إلى الخلف يوما ما وحين تستقر الأحوال بعد خمس أو عشر سنوات، أن نقول إن الربيع العربي قد جلب معه بالفعل حياة أفضل وعدلاً وكرامة وفرصاً أكثر لشعوب العالم العربي. أنا من المتفائلين الذين ينظرون للنصف الممتلئ من الكأس، وأعتقد أننا سننجح.
ويجب على المجتمع الدولي أن يتفاعل مع المنطقة، وأن يتخلى عن المقاربة القائمة على مبدأ "لننتظر ونرى ماذا سيحدث". يجب على العالم أن ينخرط بروح مبادرة إيجابية للمساعدة في بناء الديمقراطيات التي تضمن التعددية التي انطلق الربيع العربي لأجل تحقيقها. وعلى الديمقراطيات المتقدمة التزام أخلاقي بدعم جهود التحول الديمقراطي النابعة من الداخل في منطقتنا.
• هل يقلقك فوز حركة الإخوان المسلمين في بعض هذه الدول؟
- أعتقد أن الإخوان المسلمين فازوا في هذه البلدان لأنهم كانوا أكثر تنظيماً، ولهم شبكات اجتماعية - اقتصادية عريقة ومجربة في العديد من المجتمعات. ما يقلقني ليس فوز الإخوان في الانتخابات، وهذا حق لأي طرف، لأن الناخبين في نهاية المطاف سيحكمون على أدائهم وعلى قدرتهم على إيجاد فرص العمل وتحقيق النمو الاقتصادي وإدخال وإدامة الإصلاحات الديمقراطية، لكن ما أخشاه هو احتمالية تقويض التعددية ومبدأ تداول السلطة عندما تفوز جماعة ما في الانتخابات، ثم تستخدم سلطتها لتغيير قوانين اللعبة لصالحها وتبقى في السلطة حتى بعد أن تفقد شعبيتها وشرعيتها.
• هل ترى أن هناك استثناء في الحالة المغربية والأردنية؟ وما هو هذا الاستثناء؟
- لا أستطيع التحدث نيابة عن المغرب، فلكل بلد خصوصيته. ولكن هناك خصائص مشتركة بين الأردن والمغرب، فالنظام في كلا البلدين ملكي دستوري وكلاهما يتمتعان بثقة الشعب، ويعرف عنهما تاريخياً أنهما يمثلان صوت الاعتدال ومن أنصار الإصلاح، وتعد الملكية في البلدين حجر الأساس للوصول للإجماع، ويقودان حالياً عملية التحول في مجتمعيهما والنظام السياسي في كل منهما. ففي الأردن نجد أن التعددية والتنوع – سواء كان دينياً أم عرقياً أم غير ذلك – وكذلك التعايش السلمي جزءا لا يتجزأ من الهوية الوطنية، وأن الملكية تعمل كمظلة للهوية الوطنية الجامعة.
وما نحاول تحقيقه في الأردن من خلال برنامجنا للإصلاح التدريجي والتحول الديمقراطي النابع من الداخل هو حماية التعددية وترسيخ الضوابط والرقابة التي تحكم الديمقراطية التي تعمل بشكل سليم، وتطوير ثقافة المجتمع المدني النابض بالحياة، وضمان المعاملة العادلة لكل القوى السياسية بحيث تتنافس بشكل عادل في الانتخابات، وحماية حقوق الأقليات وحقوق المواطنين وفقا للدستور.
• كان هناك العديد من المظاهرات في بلدكم، هل "الربيع العربي" قادم إلى الأردن؟
- لقد تقبل الأردن الربيع العربي وتبناه منذ بدايته. وكما تعلمين، فإن الأردن لم يشهد الأحداث الدرامية التي مرت بها الدول الأخرى، بل شهد عملية إصلاح سياسي غير مسبوقة وتعديلات واسعة النطاق شملت ثلث الدستور وإنشاء مؤسسات ديمقراطية جديدة مثل الهيئة المستقلة للانتخاب والمحكمة الدستورية، وآليات رقابة أقوى، وتعزيز الفصل بين السلطات وضمان استقلال القضاء وعدم تغول سلطة على أخرى، ومحددات جديدة على صلاحيات الملك الدستورية. ودعيني أركز على نقطة مهمة في هذا السياق وهي أن صلاحيات الملك في الأردن ظلت دائماً محددة بنصوص دستورية. وفي 23 كانون الثاني الحالي، سيتوجه الأردنيون إلى صناديق الاقتراع ليحددوا للمرة الأولى ليس فقط شكل البرلمان القادم، بل أيضاً الحكومة القادمة، حيث سنبدأ تجربة الحكومات البرلمانية، والتي تحتاج لعدة دورات برلمانية لتتطور وتنمو بشكل صحيح بالتوازي مع تطور الأحزاب السياسية في الأردن.
ومنذ البداية، فقد تعاملنا مع الربيع العربي باعتباره فرصة للدفع باتجاه الإصلاح السياسي الذي كان قد تباطأ بسبب المقاومة الداخلية من قبل بعض أصحاب المصالح.
ولأننا تعاملنا مع الربيع العربي كفرصة، فإن النهج الأردني في التعامل مع المظاهرات كان مختلفاً عن الدول الأخرى. وكانت أولى تعليماتي لقوات الأمن منذ المظاهرة الأولى هي عدم حمل الأسلحة، وكانت الخطوة التشريعية الأولى التي قمنا بها إلغاء شرط الحصول على إذن مسبق للتجمعات العامة، لذا أصبح بإمكان أي شخص أن يتظاهر بحرية. وهذا أمر صحي، وهذا ما يجب أن تكون عليه الأمور، وقد أصبح ذلك نمط حياة في الأردن.
أما الموجة الأخيرة من الاحتجاجات في تشرين الثاني الماضي، فقد كانت ردة فعل على قرار الحكومة رفع الدعم عن مشتقات الوقود. وأنا أتفهم تماماً الوضع حين يندفع أي مواطن إلى الشارع احتجاجاً لأن دخله لا يغطي نفقاته طوال الشهر. لقد كان قرار رفع الدعم عن الوقود مؤلماً، ولكنه كان في نفس الوقت ضروريا، إذ كان على الحكومة أن تتعامل مع ضغوط مالية غير مسبوقة ناجمة عن الأزمة الاقتصادية العالمية من جهة، وانقطاع إمدادات الغاز المصري من جهة أخرى، ما ضاعف قيمة فاتورة الطاقة لدينا. وعليه كان لا بد من تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية. لقد خرج الأردنيون في مظاهرات، تماماً كما فعل مواطنون في مختلف أرجاء أوروبا. ولكن بالمقابل حرصنا على إيجاد آلية تعويض – وضعت موضع التنفيذ، واشتملت على دعم نقدي مباشر لحوالي 70 بالمائة من الأردنيين، وهذه الآلية تعمل بشكل جيد الآن.
• كيف ترى التطور السياسي في الأردن في السنين القادمة، خصوصا ما يتصل بصلاحيات الملك؟
- عندما تم إجراء التعديلات الدستورية في أيلول من عام 2011، قلت حينها وبشكل مباشر إنها البداية فقط. نحن في الأردن ملكية دستورية، وسلطات الملك محددة تاريخيا كما ينص الدستور صراحة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التعديلات الدستورية الأخيرة، والتي شملت ثلث الدستور، وضعت محددات جديدة على صلاحيات الملك. إن نظام الحكم في الأردن يستند إلى الملكية الدستورية، ويتطور ويتغير مع تطور النظام السياسي، وبناء على رغبة غالبية المواطنين، الذين يساهمون بشكل مباشر في صنع القرارات التي تؤثر على حياتهم، وهناك مؤسسات ديمقراطية وليدة قد باشرت مسؤولياتها ومهامها. ولن تكون الملكية التي سيرثها ولدي نفس الملكية التي ورثتها أنا.
من الصلاحيات الدستورية للملك في الأردن تكليف وتعيين رئيس الوزراء، وبالرغم من ذلك، يتوجب على الحكومة المشكلة الحصول دستوريا على ثقة مجلس النواب المنتخب والمحافظة عليها، إلا أنه وابتداء من الانتخابات التي ستجرى في 23 من كانون الثاني، سيعتمد تكليف رئيس الوزراء الجديد على بدء ممارسة آلية التشاور مع ائتلاف كتل الأغلبية في مجلس النواب إن وجد، أو مع مجمل الكتل إن لم تبرز أغلبية واضحة. وبعد ذلك يقوم رئيس الوزراء المكلف بالتشاور مع الكتل البرلمانية لتشكيل الحكومة، والتي تظل ملتزمة بالتقدم للحصول على ثقة مجلس النواب والمحافظة عليها. ومع تطور الأحزاب السياسية مع الدورات البرلمانية، سوف تنشأ الكتل البرلمانية على أساس حزبي.
وسوف نحتاج أيضا في الأردن للعمل الجاد لمأسسة دور المعارضة في مجلس النواب، حيث نريد لهذه المعارضة أن تنافس بجدية على تشكيل الحكومة، وأن تلعب دورا فاعلا في الرقابة على الحكومات. ويجب على قوى المعارضة أن تقوم فعليا بدور "حكومة الظل" كما هو الحال في الديمقراطيات البرلمانية، وأن تتنافس مع الحكومات العاملة في طرح الرؤى والبرامج والحلول ومراقبة أداء هذه الحكومات.
إن التحدي الحقيقي الذي يواجه المعارضة اليوم يتمثل في تردد الناخبين في الانضمام للأحزاب السياسية، ذلك أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن نحو 90 بالمائة من الأردنيين ينأون بأنفسهم عن هذه الأحزاب، الأمر الذي يستدعي بذل جهود جادة من قبل مجلس النواب والحكومة القادمين، وكذلك المعارضة، لتطوير برامج تشجع المواطنين على الانضمام كأعضاء في الأحزاب السياسية، وتستجيب لمصالح الناخبين وتحثهم على اتخاذ القرار بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات بناء على برامج هذه الأحزاب.
• على المستوى الشخصي، شرحت جلالتك في كتابك أنك لم تكن تتوقع أن تصبح ملكا؟
- عندما أنظر للوراء، أشعر أن والدي كان يجهزني لهذه المسؤولية طوال الوقت. لقد كان القرار الأخير لرجل فاق كل التوقعات، وظل يلهمنا نحن الأردنيين وغيرنا لنشر النوايا الحسنة والسلام في جميع أنحاء العالم. إنني أتواضع أمام هذا الشرف الكبير. كان هذا شعوري، ولا زلت أشعر بالشيء ذاته كل يوم منذ 14 عاما تقريبا. صحيح أنني عشت أوقاتا شعرت فيها بثقل التحديات، ولكن لا يخطر ببالي نعمة أعظم وأقدس من خدمة بلدي وشعبنا الأردني العزيز، الذي نفتخر به.


خطة سلام أوروبية بعد الانتخابات الإسرائيلية

13-1-2013
يعد الاتحاد الاوروبي خطة جديدة مفصلة لاستئناف محادثات السلام الاسرائيلية-الفلسطينية ويتوقع ان يعرضها بعد الانتخابات التشريعية الاسرائيلية المرتقبة هذا الشهر كما افادت صحيفة يديعوت احرونوت الاحد.ونقلت الصحيفة الواسعة الانتشار عن مصادر دبلوماسية في القدس المحتلة قولها ان الخطة هدفها "الوصول الى اقامة دولة فلسطينية على اساس حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية".واضافت ان الخطة ستشمل "جداول زمنية واضحة لاستكمال المفاوضات حول المواضيع الاساسية خلال عام 2013".
وقالت الصحيفة انه من المتوقع تقديم الخطة في اذار/مارس لافساح المجال امام تشكيل حكومة اسرائيلية جديدة بعد الانتخابات العامة المرتقبة في 22 كانون الثاني/يناير.واوضحت الصحيفة ان الخطة "ستشمل كما يبدو طلبا لتجميد كل اعماء البناء في المستوطنات".
واشارت يديعوت احرونوت الى ان وزارتي الخارجية البريطانية والفرنسية تتوليان رعاية المبادرة التي تدعمها ايضا المانيا ويمكن ان يتبناها كل الاتحاد الاوروبي.ونقلت الصحيفة عن مسؤولين سياسيين اسرائيليين رفيعي المستوى قولهم "هناك كثير من العمل الذي يجري خلف الكواليس".
واضافوا ان "الاوروبيين ليست لديهم القدرة على فرض اتفاق علينا، لكنهم بالتاكيد يمكنهم ان يحرجونا".وتابعوا "من المعقول الافتراض ان الفلسطينيين سيقبلون وثيقة من هذا النوع، لكن ذلك سيكون صعبا على اسرائيل، وسيحشرنا في الزاوية".وتوقع المراقبون منذ فترة طويلة ان تجدد المجموعة الدولية جهودها لاستئناف مفاوضات السلام المباشرة بين الطرفين المجمدة منذ ايلول/سبتمبر 2010، بعد انتهاء الانتخابات الاسرائيلية.والسبت، بدا ان مرشحة المعارضة ووزيرة الخارجية الاسرائيلية السابقة تسيبي لينفي اشارت الى الخطة الاوروبية المحتملة محذرة من انه "في اذار/مارس سيضع العالم خطة سلام على الطاولة".واضافت "اما ان يتم فرضها علينا واما بامكاننا عرض خطة خاصة بنا".
 أ ف ب

تساؤلات تطرح على اوباما: هل يكون الأردن أول ملَكية عربية تسقط؟
12/01/2013
ديفيد شينكر
"هذا المقال هو جزء من سلسلة من المقترحات السياسية للفترة الثانية من ولاية الرئيس الأميركي بعنوان «أوباما والشرق الأوسط: الفصل الثاني» ، يقدمها زملاء معهد واشنطن."
بعد عامين من اندلاع ما يطلق عليه بـ "الربيع العربي" تبدو المحصلة لجمهوريات الشرق الأوسط قاتمة ومروعة. فقد تم حتى الآن إسقاط ثلاث حكومات كانت جمهورية اسماً، أما الرابعة - وهي سوريا - فسوف تتبعها لا محالة في عام 2013. ورغم مشاكل الحوكمة القائمة منذ فترة طويلة ومخالفات حقوق الإنسان، إلا أن الأنظمة الملكية العربية نجت إلى حد كبير من الثورات الشعبية التي أطاحت بجيرانها النظم الأوتوقراطية. وحتى الآن عمل "الخط الأحمر" لهذه الملَكيات على حماية المصالح الأميركية. وفي النهاية، وحيث توجد علاقات ودية تربط الولايات المتحدة مع هذه الممالك والإمارات، لن تستفيد واشنطن الكثير من سقوط هذه الأنظمة مثل قطع الدومينو، فقط لكي تحل محلها أنظمة إسلامية معادية.
لكن الخط الأحمر للأنظمة المَلَكية لن يدوم إلى الأبد، وسوف تواجه واشنطن سلسلة من التحديات الاستراتيجية الجديدة عندما يتم تجاوز هذه العتبة وإذا ما تم بالفعل تجاوزها. إن نهاية النظام الملكي في الأردن سوف يشكل صفعة بالغة الخطورة لمصالح الولايات المتحدة. وإذا ما سقط النظام، فسوف تخسر واشنطن أفضل حلفائها العرب الباقين، كما ستخسر اسرائيل آخر شريك موثوق في عملية السلام.
كان النظام الأردني على مدى التاريخ قادراً على تحمل السخط الشعبي من خلال اعتماده على دعم سكان الضفة الشرقية - وهم الأردنيون الذين سكنوا المنطقة قبل وصول اللاجئين الفلسطينيين الأوائل عام 1948. وقد وقف هؤلاء السكان إلى جانب النظام الهاشمي خوفاً من وصول أغلبية من ذوي الأصول الفلسطينية إلى السلطة إذا ما وقعت ثورة في البلاد. لكن على مدى العامين الماضيين، عانت المملكة من احتجاجات مستمرة تركزت على التباطؤ الاقتصادي وانتشار الفساد - وهي قضية ربما تعمل للمرة الأولى على توحيد المحتجين من سكان الضفة الشرقية ومن ذوي الأصول الفلسطينية. وفي حين أن تحسن الاقتصاد الأردني - الضعيف على الدوام - سيستغرق بعض الوقت، ينبغي على واشنطن تشجيع الملك عبد الله على أن يتخذ الآن خطوات جريئة لاستئصال الفساد وتحصين نظامه، وذلك لكي تضمن الولايات المتحدة بقاء النظام الملكي على المدى الطويل.
[وتجدر الإشارة هنا] إلى أنه في تقريرها السنوي حول "مؤشر مدركات الفساد" وضعت "منظمة الشفافية الدولية" الأردن في المرتبة 58 من بين 176 دولة، وهي بذلك تحتل مرتبة من بين أفضل المراتب في منطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك، لا يزال الفساد يمثل مشكلة حساسة في الأردن، وهي مسألة لها دويها وأثرها بين أنصار الملكية القبليين التقليديين ومنتقديها الإسلاميين. إن الأردن هي دولة صغيرة تنتقل فيها الشائعات بسرعة بالغة وتحظى البلاد بمعدلات عالية من انتشار الإنترنت، لذا فإن تقارير الفساد المالي وإسراف القصر قد أنتشرت في كل مكان على مدى العقد الماضي.
وإذا تسأل الأردنيين عن الفساد فسوف يتحسرون على غياب الشفافية في بيع الأراضي الحكومية - على سبيل المثال بيع مقر "القوات المسلحة الأردنية" في عمان، وشبه بيع مركز "الملك حسين الطبي" - وعملية الخصخصة غير التنافسية لصناعة الفوسفات الوطنية. كما سيبثون إليك شكواهم من غياب المحاسبة عن الخسائر المالية الهائلة المرتبطة بتوقيع امتياز حكومي لإنشاء كازينو على شواطئ البحر الميت ثم إلغائه بعد ذلك. بل إنك قد تسمع عن خالد شاهين، رجل أعمال مُدان كان يقضي حكماً بالسجن لمدة ثلاث سنوات في قضية فساد مالي، لكن سُمح له على نحو لا يمكن تفسيره بمغادرة الأردن لعلاج طبي مطول في الولايات المتحدة - إلا أنه لوحظ بعد ذلك وهو يتسوق مع عائلته في محلات "هارودز" في لندن.
إن قائمة مزاعم الفساد المرتبطة بكبار صناع القرار في عمان طويلة، لكن الأكثر ضرراً - والأكثر معضلة بالنسبة للملك عبد الله - هو التصور المتنامي بأن الفساد والانحلال وصلا إلى القصر. فقد بدأت المشكلة بعد فترة وجيزة من اعتلاء العاهل الأردني العرش، حيث اتهمه بعض الأردنيين بالاستيلاء على بعض الأراضي "القبلية" بشكل غير مشروع. ومنذ ذلك الحين تنامى ذلك التصور. وإذا لاحظنا أيضاً أنه في عام 2011 - وفي أعقاب حفل ميلادها الأربعين المسرف الذي شهد تغطية إعلامية كبيرة - كتب زعماء 36 قبيلة في الأردن خطاباً عاماً ينتقدون فيه فساد الملكة رانيا. ومؤخراً، أبرز الموقع الإلكتروني الأردني Jo24.net تسليم طائرة فاخرة جديدة للملك عبد الله من طراز إيرباص 330، وهي طائرة لكبار رجال الأعمال يقال إن تكلفتها بلغت 440 مليون دولار. والقائمة لا تنتهي.
ومما يدعو للأسف، أن الشعب الأردني شعب صبور، لكن الصحوة العربية أضرت باقتصاد المملكة العليل منذ فترة طويلة. وحيث تواجه البلاد عجزاً في الميزانية يبلغ نحو 30 بالمائة هذا العام، أعلنت الحكومة في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 أنه تمشياً مع التزاماتها تجاه "صندوق النقد الدولي"، فإنها سوف تخفض الإعانات على الغذاء والطاقة. وقد أدى قرار التقشف، الذي فاقم من حدته إسراف القصر المتصور، إلى دفع البعض إلى الدعوة لـ "الثورة".
ويقيناً، بينما كانت الاحتجاجات في المملكة - والتي تمثلت بالمطالبة بتحقيق انفراجة اقتصادية وزيادة الدعم والتحرر السياسي وإنهاء الفساد - روتينية ومستمرة منذ مطلع 2011، إلا أن المظاهرات لم تقترب من الكتلة الحرجة. فقد تمكن الملك عبد الله - على الأقل في البداية - من نزع فتيل المسيرات والمظاهرات من خلال مجموعة من الإنفاق المعتمد على الاقتراض والإصلاح الدستوري الجاد لكن المحدود. ويبدو أيضاً أن الخوف من الفوضى على غرار ما حدث في سوريا قد ثبط عزيمة العديد من الأردنيين الذين كان يحتمل أن يكونوا من المحتجين. وبالمثل احتوى العاهل الأردني المعارضة من خلال القيام بأشكال أخرى من الضغط غير المهلك، بما في ذلك شن حملة متواصلة من الاعتقالات.
إلا أن خط التوجه غير مطَمئِن. والأمر الأكثر إزعاجاً هو أنه على مدى الثمانية عشر شهراً الماضية ظهر ائتلاف معارضة مثابر لا يشمل معارضي النظام الملكي الإسلاميين الدائميين فحسب، بل أيضاً عدداً متزايداً من "سكان الضفة الشرقية". وعلى الرغم من أن المشاعر في صفوف هذه المجموعات، المعروفة باسم "الحِراك"، ربما لا تكون واسعة الانتشار بين قبائل المملكة، إلا أن أعضاءها متماسكون وأبدوا وقاحة غير عادية في انتقاد الملك عبد الله، حيث انتهكوا كافة الأعراف والقوانين في الأردن التي تحظر تشويه صورة أفراد العائلة المالكة.
وكان أشهرها قيام متظاهري "الحِراك" من محافظة الطفيلة ومنطقة الطفيلة في عمان - المعروفين بولائهم للنظام الملكي - برقص "دبكة الفساد"، وهي رقصة محلية تقليدية تتمثل في خطوتين رافقتها احتجاجات تتهم العاهل الأردني وعائلته بالفساد، لدرجة وصف الملك بأنه يمثل "علي بابا والأربعين حرامي". بل إن بعض أفراد العائلة المالكة دعوا إلى خلع الملك عبد الله واستبداله بأخيه الأصغر غير الشقيق، الأمير حمزة.
لدى واشنطن مصلحة واضحة في بذل كل ما في وسعها لضمان استمرار بقاء النظام الملكي. وفي حين لا تستطيع الأردن التراجع عن سياسة التقشف الحالية، بإمكان إدارة أوباما المساعدة على التخفيف من حدة المتاعب التي تواجهها المملكة من خلال إقناع "مجلس التعاون الخليجي" - الذي التزم في عام 2011 بإعطاء الأردن 5 مليارات دولار على مدار خمس سنوات - بتوفير دعم فوري للميزانية، بما في ذلك تقديم مدفوعات نقدية إلى الملك، لمساعدته على تعزيز قاعدته القبلية.
والأهم من ذلك، وبالتأكيد من منظور شعبي، ينبغي على واشنطن الضغط على الملك عبد الله من أجل شن حملة حقيقية لمكافحة الفساد، من شأنها إزالة "ملفات الفساد" من سريات البرلمان ونقلها إلى جهة أكثر شفافية. إن الخطوات الرمزية إلى حد بعيد التي تم اتخاذها حتى الآن - والتي شملت بعض جلسات استماع برلمانية حول فضيحة كازينو البحر الميت وإلقاء القبض على رئيس بلدية عمان وإدانة رئيس استخبارات سابق والحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 13 عاماً - لم تكن كافية لاستعادة الثقة.
وفي مطلع كانون الثاني/يناير، اتخذت الأردن خطوة غير مسبوقة بإصدارها مذكرة اعتقال بحق عم الملك عبد الله الهارب، وليد الكردي، المتهم باختلاس مئات الملايين [من الدينارات] من صناعة الفوسفات الأردنية. إن إجراء محاكمة علنية لأحد أفراد العائلة المالكة قد يقطع شوطاً طويلاً نحو طمأنة الجمهور - لا سيما في دوائر الضفة الشرقية الداعمين للنظام الملكي - حول التزام العاهل الأردني بمحاربة الفساد. ينبغي على واشنطن أن تشجع الملك عبد الله على المضي قدماً في محاكمة الفساد العلنية هذه وغيرها من المحاكمات، بهدف تحسين صورة العاهل الأردني المشوهة في الداخل وزيادة احتمالات نجاته من الاضطرابات الإقليمية الحالية.
*ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نص قصيدة عماد الدين نسيمي كاملا حسب أغنية سامي يوسف

من اهم الكتب الممنوعه في الاردن: جذور الوصاية الأردنية وجميع كتب وترجمات تيسير نظمي

بيان ملتقى الهيئات الثقافية الأردنية وشخصيات وطنية حول الأونروا