هل سيقع الشارع الاردني اسيرا لميول متطرفة تؤدي الى فوضى؟



الاردن.. التحديات المركزية وميزان الردع الداخلي
هل سيقع الشارع الاردني اسيرا لميول متطرفة تؤدي الى فوضى لا يمكن التحكم بها وتهدد بقاء المملكة؟
اودي ديكل واوريت برلوف
2012-12-17
إن تحليل السياقات الداخلية التي تجري في الاردن على أساس الخطاب في الشبكات الاجتماعية هو تحليل محدود وذلك بسبب رقابة النظام (في ايلول 2012 اقر قانون الرقابة على مقالات الرأي في الانترنت وفي الشبكات الاجتماعية) ولانه يصعب العثور على تحليل عميق ممن يتصدرون الرأي العام في الاردن. وبتأثير سياقات التغيير في العالم العربي، تطرح في الشبكات في الاردن مطالبات بالاصلاح وبنظام جديد. وتبدو واضحة مشاركة الشباب في الاردن، من اردنيين وفلسطينيين، ممن يفهمون قوة الوسيط الاعلامي الجديد. ويمكن أن نجد في الشبكات الاجتماعية ايضا محافل من القطاع الحزبي السياسي ومن رجال الاعمال ايضا، ولكن معدل مشاركتهم لا تشبه باقي الدول العربية. وقد تعاظم الخطاب بشكل كبير بعد احداث المظاهرات الاخيرة، مع التشديد على مظاهرات تشرين الثاني 2012، والتي اندلعت في أعقاب ارتفاع أسعار الوقود في الاردن.
ويتميز الاحتجاج في الشبكات الاجتماعية بموجات الانتقاد، التي تتأثر بالسياقات التي تجتازها المنطقة باسرها، ولكن بالاساس في ضوء سياقات اجتماعية وسياسية اردنية داخلية. باضطرابات تشرين الثاني، التي برزت في حدتها وشدتها، اتسعت لتغطي المملكة وحظيت بلقب 'عصيان تشرين الثاني'. فقد أخرجت مظاهرات الاحتجاج الى الشارع كل المحافل والتيارات التي تنتقد ما يجري في الاردن. وبالتوازي، وجدت في الشبكات تعبيرها ايضا احاسيس القلق واعرب عن التقديرات بنقص الثقة في قدرة المملكة على مواجهة عموم التحديات من الداخل ومن الخارج.
في ضوء عدم الاستقرار السياسي وقبيل الانتخابات التالية للبرلمان، في 23 كانون الثاني 2013، تطفو على السطح في الشبكات التوترات ومواضيع الخلاف حول عملية الانتخابات، المطالبة بمزيد من التغييرات على الدستور، مكانة المعارضة في الاردن، اهمال الحكومة، انتقاد الفساد، مشاكل اجتماعية ـ اقتصادية عسيرة، صراع النخبة الاردنية مع الاخوان المسلمين، مشكلة اللاجئين السوريين وكذا آثار الوضع في الضفة الغربية. وجملة كل هذه العوامل كفيلة بان تؤدي الى ضعضعة الاستقرار في الاردن ومزيد من الضرر بمكانة الملك. وتنشأ عن الخطاب في الشبكات الاجتماعية ثلاثة ميول اساسية:1. ميزان الرعب بين الاخوان المسلمين وبين الاردنيين. 2. ضعف الملك. 3. تأثير السياقات الاقليمية.
الاردنيون مقابل الاخوان المسلمين
يحلل رواد الرأي العام في الشبكات حركتي المعارضة، المختلفتين بطبيعتهما وبطبيعة معارضتهما للنظام في الاردن. المعارضة الاردنية ـ ولا سيما القديمة والشابة. فقد كان هؤلاء أول من أعربوا عن عدم رضاهم وكشفوا عن الشقوق الاولى في المجتمع الاردني مع اندلاع الهزة الاقليمية. ووصل الانتقاد العلني الذي اطلق ضد الملك ونظامه بالذات من اتجاه غير متوقع، من قاعدة الدعم المركزية للاسرة المالكة الهاشمية وجهاء القبائل والعشائر. وقد مارس هؤلاء ضغطا على الملك وبلاطه كي ينفذ اصلاحات اجتماعية ـ اقتصادية ويحول مزيدا من الاموال والميزانيات لقطاع القرى والمدن. ويتركز سوق العمل للسكان الفلسطينيين في الخدمة العامة، ولا سيما موظفي الدولة ورجال الجيش.
ويصطدم الجيل الشاب، الذي يرغب في الانخراط في سوق المهن الحرة، بالحواجز ولا ينجح في الانخراط في مجال التجارية، الاقتصاد والصناعة، الذي تحتفظ به بشكل تقليدي العائلات الفلسطينية. وأدى الانتقاد الشديد الذي وجه الى الملك الى تحويل اموال مثابة 'بدل صمت' لرؤساء القبائل. وكان الشرك هو أن دعوة رؤساء القبائل الملك لاجراء اصلاحات في الاردن أدت عمليا الى استيقاظ مجموعة المعارضة الثانية ـ الاخوان المسلمين. و 'ركبت' حركة الاخوان المسلمين موجة المجموعة الاولى وموجات الاحتجاج في ارجاء العالم العربي، مع التشديد على مكافحة الفساد ومطلب اجراء اصلاحات ذات طابع ديمقراطي جوهرها ـ تغيير الدستور، تقليص صلاحيات الملك واعطاء تعبير لقوتهم السياسية.
ونشأ نوع من ميزان الرعب حيث أنه لم تكن أي من المجموعتين معنية بالمساهمة في تعزيز المجموعة الاخرى. فالاردنيون غير معنيين بان تؤدي الاصلاحات الديمقراطية ومطلب الحكومة البرلمانية الى تعزيز بل وسيطرة نفوذ الاسلام السياسي والفلسطينيين في الاردن. كما أنهم يخشون من سحب البساط من تحت أقدام الاردنيين، الذين يحتفظون بمعظم المواقع الاساسية. ومقابلهم، فان الاخوان المسلمين معنيون باصلاحات سياسية، وبجعل الشعب صاحب السيادة وبتوسيع نفوذهم في الاردن. ومع ذلك، فانهم يخشون من خطوة ذات مغزى تثير عليهم الاردنيين.
دعوات علنية للاطاحة بالملك واسقاط النظام
في الاشهر الاخيرة، يظهر بوضوح في الشبكات الاجتماعية انتقاد متعاظم ضد الملك والحكومة في الاردن. وفي ضوء موجة الاحتجاج حل الملك على مدى السنتين الاخيرتين خمس حكومات. وكل المحاولات لاجراء نوع من الاصلاحات السياسية لم تنجح.
وشددت القوانين التي سنت من موجات الاحتجاج وجمدت على الفور. فاحتجاجات تشرين الثاني 2012 أخرجت الى السطح انتقادا شديدا على الملك ولاول مرة احرقت صور الملك على نطاق واسع، في ظل الدعوات للاطاحة به واسقاط النظام. ونجد أنه في الخطاب في الشبكات الاجتماعية كان الموقف من مطلب الاطاحة بالملك اكثر اعتدالا. وحسب رواية متباحثين في الشبكات، فان هذه خطوة تتناقض مع القانون ويتعاظم في اوساطهم الخوف من فقدان السيطرة، من تغيير قواعد اللعب ومن نشوء فوضى لا تكون في صالح عموم كل الاطراف. ومن جهة اخرى، فان ضعف الملك مدوٍ ويضغط رؤساء القبائل الاردنيين، الذين يعربون علنا عن عدم رضاهم من أدائه، بل ويدعون الى تعيين عم الملك، حسن بن طلال، رئيسا للوزراء، في هذه الفترة من الهزة ويطالبون باعادة لقب ولي العهد للامير حمزة بن الحسين، الذي يحظى بعطف شديد في اوساط الجيل الاردني الشاب.
تأثير الاحداث الاقليمية
ويتناول الخطاب في الشبكات تأثيرات الساحة الفلسطينية على المزاج في المجتمع الفلسطيني في الاردن، والتي تمنح ريح اسناد للاحتجاج السياسي من الاخوان المسلمين. وبالنسبة لسوريا، فان التقدير السائد في الشبكات هو أنه في كل السيناريوهات المحتملة ستكون الاثار على الاردن سلبية، سواء في جوانب الهدوء والاستقرار ام في المجال الاقتصادي. ويتعاظم هذا التقدير مع تعزز موجات اللاجئين السوريين، الذين يصلون الى الاردن (نحو 250 ألف لاجيء سوري)، والتي تفاقم المشاكل الاجتماعية ـ الاقتصادية، تدخل قوة عمل رخيصة الى الاردن، الى جانب احتدام المشاكل الامنية (التجارة بالسلاح، تسلل محافل الجهاد، الاغتصاب والقتل).
وبتأثير دعاية الحكومة تبدو في الشبكات الاجتماعية بوضوح أحاسيس المرارة تجاه دول الخليج ولا سيما تجاه السعودية، التي لا تهرع لمساعدة الاردن، دون أن تفهم الاثار المتوقعة عليها في سيناريو تنهار فيه المملكة 'الحاجز الاخير لدول الخليج في وجه طوفان فوضى الموجة الاسلامية'.
اتجاهات لاحقة
هذه هي المرة الاولى التي تطرح فيها أحاسيس عسيرة في الشبكات بان المملكة لن تنجح في مواجهة سلسلة التحديات المعقدة ويبدو واضحا الخوف الشديد من موجة فوضى تستغلها محافل متطرفة من الداخل ومن الخارج. ومع ذلك، فالتقدير في الشبكات هو أن التصعيد في الاحداث لن يؤدي بعد الى تحطيم قواعد اللعب، بسبب ميزان القوى الداخلي. فحركة الاحتجاج الاردنية غير معنية بسرقة الاوراق من جديد، خشية أن يؤدي الامر الى سيطرة الاسلام السياسي والتأثير الفلسطيني المتعاظم في الاردن. ومقابلها، فان حركة الاخوان المسلمين ترفع علم العدالة الاجتماعية وتطالب باصلاحات ديمقراطية ودستورية. والتقدير في الشبكات هو أن حركة الاخوان المسلمين لم تراكم بعد الكتلة الحرجة للتأييد بين الجمهور الفلسطيني في الاردن.
توجد تقديرات متضاربة حول التطورات المحتملة. فمن ناحية، يعرض التخوف من صراع دموي وحشي في الاردن، لان الاردنيين لن يسلموا بسيطرة الاخوان المسلمين. ومن جهة اخرى توجد اصوات في الشبكة تعتقد بان 'ايلول 1970 لن يعود'.
تعرب المحافل المختلفة في الشبكات عن انتقاد غير مسبوق على الملك وقدراته على قيادة الاردن في فترة كثيرة التقلبات من عدم الاستقرار الاقليمي والداخلي. وبقدر ما يحاول الملك تعزيز السيطرة من خلال تشريع قوانين مقيدة، فانه يفقد تأييد الجماهير. ويحظى الملك في الشبكات بالقاب 'الضعيف، القابل للضغط، وعديم العمود الفقري'.
الشارع في الاردن يحتل مكان اللاعب المركزي في الساحة السياسية والاقتصادية الاجتماعية والسؤال هو هل اللاعبين الرئيسيين الاخوان، جبهة الاصلاح الوطني والمعارضة الاردنية سيتحكمون في ميول الشارع ويجندون الجماهير للمضي قدما في تحقيق اهدافهم، بل سيقعون اسرى الميول المتطرفة في الشارع، الامر الذي سيؤدي الى فوضى لا يمكن التحكم بها والى التهديد لبقاء المملكة. الاختبار التالي للملك هو الانتخابات. والسؤال هو هل سيؤيد تغيير قانون الانتخابات بحيث تأتي نتائجها تمثيلية، والحكومة القادمة تكون برلمانية وأكثر شرعية، أم سيتمسك بقراره الاخير الامر الذي من شأنه ان يؤدي الى مقاطعة الانتخابات من حركات المعارضة. الايام ستروي لنا.

نظرة عليا 17/12/2012

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نص قصيدة عماد الدين نسيمي كاملا حسب أغنية سامي يوسف

من اهم الكتب الممنوعه في الاردن: جذور الوصاية الأردنية وجميع كتب وترجمات تيسير نظمي

بيان ملتقى الهيئات الثقافية الأردنية وشخصيات وطنية حول الأونروا