دستور الجماعة (1-3) عمر أبو رصاع



دستور الجماعة (1-3)
عمر أبو رصاع

هذاغيضٌ من فيض العوار الكامن في طريقة اعداد الدستور وأهم مواده، ذلك الدستور الذي تدعمه جماعة الاخوان والجماعات السلفية وتعارضه بقية القوى السياسية والمجتمعية في مصر، نستعرضه من خلال ثلاثة محاور.
-       المحور الأول: دستور أحاديّ الجانب
نحن هنا امام حالة فريدة من نوعها، تمثل سابقة واستثناء خاص في تاريخ تأسيس الجمهوريات الديمقراطية إبان الثورات، حالة الرئيس مرسي التي شبّهها البعض خطأً ومجافاةً للواقعة بحالة الزعيم الفرنسي شارل ديغول مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة، على أساس أن كليهما حصل على تفويض برلماني بوضع الدستور، ديغول بشكل مباشر من المجلس، ومرسي بشكل غير مباشر بحل المجلس واحالة صلاحياته إليه، وجه الشبه إذن أنه من السلطة الممنوحة لكليهما استمد حق صياغة الدستور شرعيته.
لكن هذا تشبيه معيب ومختل فلا سبيل لمقارنة شرعية ديغول بشرعية مرسي، فديغول حصل على تفويض مجلس نواب حافظ على شرعيته، بينما حصل مرسي على صلاحيات التشريع بسبب حل المحكمة الدستورية لمجلس الشعب، ومارس التشريع من خلال تحصين التأسيسية من الحل، مع أن الشعب لم يفوضه حتى يمارس السلطة التشريعية إنما انتخبه ليمارس السلطة التنفيذية، فهو هنا ينتحل ويستعمل صلاحيات لم يفوضه الشعب اياها من حيث المبدأ، فضلاً عن كونه لم يستعمل تلك الصلاحية في أضيق الحدود كما وعد، وإنما استعملها في أوسع الحدود ومع أهم تشريع في الدولة على الاطلاق وهو الدستور، وقد كان الأولى به بدلاً من تحصين التأسيسية من الحل أن يعود مباشرة للشعب مصدر السلطات ينتخب تأسيسية جديدة تصوغ الدستور.
ديغول كان له أيضاً شرعية ثورية مجمع عليها، فقد كان زعيماً للمقاومة الفرنسية في الحرب العالمية الثانية ضد الاحتلال النازي، ورئيساً للحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية التي شكلها هو في المنفى، وكانت شعبيته كاسحة وغير قابلة للمنافسة عندما قدم دستوره للاستفتاء وحاز على أكثر من 80% من الأصوات.
مقابل ذلك، الرئيس مرسي هو المرشح الاحتياط لجماعة الاخوان وجاء ترشيحه صدفة، نتيجة منع خيرت الشاطر مرشح الجماعة من دخول سباق الرئاسة، وهو كذلك أبعد ما يكون عن حيازة لقب قائد ثورة 25 يناير ولا برز حتى كأحد قادتها المعروفين، كذلك لم يحصد مرسي في الجولة الأولى التي عكست الوزن النسبي للجماعة وحلفائها إلا ربع الاصوات، ولم يفز في الجولة الثانية على مرشح وصف بأنه من الفلول إلا بفارق أقل من 3%، مما يعني أنه لو كان في مواجهة أي مرشح غير شفيق لكان من المستحيل عليه أن يربح تلك الانتخابات، لكن اضطرار كل القوى الثورية للاصطفاف خلفه لمنع وصول شفيق مكنه في النهاية من النجاح.
كذلك هناك فارق رئيس هو أن دستور ديغول كان يحظى قبل طرحه للاستفتاء على بون واسع من الاجماع الوطني، على النقيض من دستور مرسي الذي اعلنت جميع القوى والمكونات عدا جماعة الاخوان والسلفيين رفضها ومعارضتها له.
وبشكل عام صحيح أنه في كثير من الحالات وضع الحزب الحاكم أو الرئيس الدستور، إلا أن الثابت تاريخياً أنه في الدول الديمقراطية لم يدفع ذلك الدستور للاستفتاء العام إلا إن كان هناك حالة توافق وطني واسعة عليه، والحالة التي نحن بصددها حالة لا تحدث إلا في الانظمة الديكتاتورية المستبدة، فدستور الجماعة والسلفيين أحادي الجانب يدعمه مكون واحد فقط من مكونات المجتمع، ويقف ضده الليبراليون واليساريون والقوميون والكنائس والاعلاميون والفنانون والقضاة والمحامون بل والدبلوماسيون، ويكفي هذا الدستور أنه لا يجد مسيحياً واحداً وازناً يؤيده بين ملايين المسيحيين المصريين ليكون دستور غير صالح للاستفتاء حوله.
اما اعجب عجائب هذا الدستور فهي أنه يُقَرُّ بأغلبية من حضر الاستفتاء، ولا يعدل إلا بأغلبية الثلثين!
أي يكفي 51% من اصوات المقترعين في الاستفتاء ليمر الدستور، بينما يحتاج تعديله إلى اغلبية الثلثين في مجلسي الشعب والشورى كل على حدة، كما انه لا يوجد، وعلى نحو مريب، حد ادنى لازم كنصاب لقبول نتائج الاستفتاء، فلا نصاب ولا أهمية لعدد المقترعين، وتكفي مشاركة مليون أو اثنين أو حتى عشرة من أصل أكثر من خمسين مليون مصري يحق لهم الاقتراع ليكون الاستفتاء شرعياً وصحيحاً.
الدستور يحدد شكل الدولة وطريقة ادارتها، والحريات والحقوق الاساسية للافراد والجماعات، وهو العقد بين مكونات المجتمع الذي بموجبه يعطى الحق لمرشح الاغلبية في تولي السلطة، ولهذا لا معنى للممارسة الانتخابية إن لم يكن هناك ابتداء توافق وطني حول العقد نفسه، ومن ضروب الاستبداد ان تنفرد أي قوة مهما كان حجمها الانتخابي بصياغة الدستور.
إذن ليست الديمقراطية في الشأن الدستوري كما تزعم الجماعة صندوق اقتراع بمن حضر وبأغلبية 50% +1، فوضع دستور ليس كانتخاب مرشح رئاسة، والتقاليد الديمقراطية تقتضي بأن يكون هناك على الأقل نصاب وازن لعدد المشاركين، كأن لا يقل عدد المشاركين في الاستفتاء عن 50% ممن يحق لهم الاقتراع، ولضمان درجة من التوافق الوطني أن لا تقل نسبة الموافقة عن 75% وأن لا تكون هناك أغلبية في أي مكون رئيس سياسي، أو جهوي، أو عرقي، أو ديني، تعارض هذا الدستور وذلك هو الشرط الأهم حتى يكون الدستور شرعياً.
الدساتير تصاغ لتوحد الشعوب، ودستور الجماعة أحادي الجانب شق الشعب المصريّ إلى قسمين، وبغض النظر أيهما الأكبر، فالنتيجة هي أن الدستور بدلاً من أن يعبّر عن وحدة المجتمع وعن توافقه على شكل دولته، أصبح هو بالذات عنواناً لقسمته.
-يتبع-

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نص قصيدة عماد الدين نسيمي كاملا حسب أغنية سامي يوسف

من اهم الكتب الممنوعه في الاردن: جذور الوصاية الأردنية وجميع كتب وترجمات تيسير نظمي

بيان ملتقى الهيئات الثقافية الأردنية وشخصيات وطنية حول الأونروا