توجان فيصل تكتب عن المستهدفين صراحة في الحرب المقبلة
المستهدفون صراحة
الأحد 19 آب/ أغسطس 2012
توجان فيصل
يجب أن نفصل بين الوضع الداخلي السوري
(الربيع السوري), وبين الحرب التي يُعد لها في المنطقة, والتي قد تندلع في أية لحظة.
فمطالب الربيع السوري تدعمها كل الشعوب العربية, أما دعم الأنظمة العربية لها فيجب
أن يقرأ في ضوء مؤشرين: الأول, كون تلك الأنظمة دعمت ثورات الربيع العربي من قبل.فالمبدأ
المحرك لتلك الثورات واحد, وهو وقف متلازمة القمع والفساد باستعادة الشعوب لحريتها
وحقوقها الديمقراطية لتحكم نفسها بنفسها. والمؤشر الثاني, أن لا يكون لدى تلك الأنظمة
ثورة أو انتفاضة, أو إرهاصات انتفاضة مماثلة, فالأولى حينها أن تبدأ تلك الأنظمة بإصلاح
ذاتها والتسليم لمطالب شعوبها قبل أن تمد خيراتها لآخرين.غياب هذين الشرطين أو أحدهما
يوجب, منطقيا, البحث عن أسباب أخرى لذلك الدعم. فلا يستقيم أبدا أن تتصدر دولة كالسعودية
عرفت بتوجسها الشديد من الربيع العربي حملة لدعم الربيع السوري وحده.والأعجب أن النص
الأساس لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة قدمته السعودية وسعدت بأصوات "مؤيديه
التي فاقت كل التوقعات", وهو يطالب بـ"انتقال سياسي يشمل الجميع ويقوده السوريون
إلى نظام سياسي ديمقراطي وتعددي".. وتلك ضالة كل الشعوب العربية, فلماذا تحصر
الدولة الشقيقة سعيها الخيّر بسوريا وحدها؟!والحقيقة أننا لا نتوقع أي دعم سعودي لربيعنا,
في حين لا ينكر عاقل أن كل ربيع يطمح لأن يحظى بتغطية متعاطفة من "الجزيرة",
إن لم يكن دعما صريحا من حكومة قطر. بل ونكرر هنا ما سبق وقلناه قبل سنوات عدة من أننا
لا نريد أي دعم مالي من السعودية لأنه يصب في برميلٍ نزع الفساد قاعه بالكامل, وأن
المعونة الوحيدة التي يمكن أن تقدمها لنا الشقيقة الكبرى هو أن تساعدنا على اقتفاء
أثر معوناتها السابقة.وبعدها رفضنا حديث السعودية عن ضمنا لمجلس التعاون الخليجي (غير
الممكن لكون تعريف العضو في نظام المجلس لا ينطبق علينا), وأجمع محللونا على أنها محاولة
لتوظيف قواتنا العسكرية والأمنية في قمع حراكات خليجية.ومن باب أولى ومنطلق قومي نرفض
أي تدخل أجنبي في أي شأن عربي, ولكن قولنا يتضمن أيضا تخوفات من مخاطر قُطرية ستطال
الأردن أولا, كما ستطال الشقيقة السعودية. ولا نستند هنا على ما يحاك في الخفاء بل
على حقائق موثقة ومعلنة.ونبدأ بأحدث تجليات هذه المخاطر, وهو تصريح مرشح الرئاسة الأميركية
مت رومني في زيارته مؤخرا لإسرائيل بشأن دعم أميركا المطلق لإسرائيل في أية خطوة تتخذها
ضد إيران. فرومني لا يضع هذا الدعم في إطار "مصالح مشتركة" بل يرقى به ليصفه
بأنه دعم "أخلاقي مبدئي", وهذا ينطبق على دعم إسرائيل في مواجهة من تسميهم
"أعداءها في الإقليم", أي حتى لو تضررت مصالح أميركا منه.وتلت هذا تطورات
عدة داخل إسرائيل, أبرزها أخذ نتنياهو التوكيل من مجلس وزرائه باتخاذ قرار توجيه ضربة
لإيران.وهذا ينقلنا قليلا للوراء لنعود إلى ما أعلنه اللوبي الصهيوني في أميركا عن
أعداء إسرائيل في الإقليم, وتحديدا ما أعلنته مؤسستان أميركيتان إحداهما صهيونية صراحة
وهي "المؤسسة اليهودية لشؤون الأمن القومي" JINSA، والثانية هي
"مركز الأمن القومي" CSP, والهيئتان مؤثرتان
بشخوصهما (منهم تشيني وبولتون وريتشارد بيرل ودوغلاس فيث) ووسائلهما في صنع القرارات
الأميركية وتهيئة الرأي العام لها.ففي تقرير مشترك في سبتمبر/أيلول 2002, تتحدث الهيئتان
عن "الضرورة الملحة لتغيير الأنظمة في العراق وإيران وسوريا والسعودية وفي السلطة
الفلسطينية بكل الوسائل اللازمة".وتسنى لهم تغيير النظام العراقي بعد عام واحد
وتغيير السلطة الفلسطينية بما يوازي تصفية منظمة التحرير ذاتها باغتيال عرفات بعد عامين
ونيف, ولا ينكر عاقل أن الأيدي الأميركية والصهيونية ضليعة في الكثير مما يجري في سوريا
الآن. وسنأتي لأحدث ما يعد لإيران التي تكتسب أولوية حجبت السعودية مؤقتا.وهذا يعيدنا
لأبعد قليلا لنرى أن النظام السعودي مستهدف قديما. ونعيد القارئ لتقرير شهير أصدره
عام 1996 "معهد الدراسات الإستراتيجية والسياسية المتقدمة" (IASPS) يسمى "Clean Break" ويعني "شق طريق نظيفة" أو انفصال عن نهج سابق بصورة
نهائية.
ومقدم التقرير هو ريتشارد بيرل (السناتور
الأميركي عضو لجنة الدفاع المسلح, مساعد وزير الدفاع في حكومة ريغان ورئيس مجلس مستشاري
الدفاع) وليس عضوا إسرائيليا في المعهد, وقدمه كإعلان مشترك ما بين إسرائيل والمحافظين
الجدد في أميركا ليشكل "مخططا أوليا" لسياسة حكومة نتنياهو الأولى
"لحل مشاكل إسرائيل الأمنية في المنطقة".ويقول التقرير بوجوب فك حكومة نتنياهو
لكل ما ارتبطت به إسرائيل في اتفاقية أوسلو والبدء بفرض مطالبتها بكامل الضفة الغربية
وقطاع غزة.ولأجل ترتيب "محيطها الإستراتيجي", يتوجب إسقاط صدام حسين وإحلال
ملكية هاشمية محله في العراق, وذلك كخطوة أولى في سبيل القضاء على كل الأنظمة المعادية
لإسرائيل في سوريا ولبنان والسعودية وإيران".
وبالعودة للحاضر نجد أن إيران بالمقابل
-المدركة للأخطار المحدقة بها وليس المنكرة لها كما هو حال العرب- وضعت كل ثقلها وراء
النظام السوري، ومثلها روسيا التي لن تفرط بوجودها في أهم منطقة إستراتيجية, وهي الشرق
الوسط. وبوتين تحديدا سيتمسك بالدور الدولي كونه يواجه الآن تحديا داخليا لحكمه أقرب
"للربيع العربي".ولكن حتى لو نجح الربيع الروسي فإن من سيخلف بوتين يتوجب
عليه منافسة سلفه في الدور الدولي الهام لأمن روسيا الإستراتيجي وليس التخلي عنه. وإن
تعذر قيام سوريا بحرب بالوكالة عن القوتين (الدولية روسيا والإقليمية إيران) فإن معارك
(إن لم تكن حربا) بالأصالة ستبدأ. ودخول إسرائيل فيها يعني, في ضوء ما بيناه من تماهي
سياسات البلدين, دخول الولايات المتحدة بأوضح مما هو الآن.ولمعرفة إن كانت إسرائيل
ستدخل الحرب أم لا, نعود لأهم إستراتيجية لدى إسرائيل تعني بقاءها ذاته. فكل قادة إسرائيل
يعلنون أن الخطر الديمغرافي الفلسطيني هو ما يتهدد إسرائيل التي تريد الآن صراحة الاحتفاظ
بالضفة الغربية على الأقل إن لم يكن غزة معها.ومقولة بن غوريون "الأمور التي تبدو
مستحيلة في الأحوال العادية تصبح مقبولة زمن الكوارث, والفرصة يجب أن لا تفوت",
مقولة يكررها نتنياهو. وقد استغل بن غوريون حرب 48 لترحيل 750 ألف فلسطيني يشكلون
80% من الشعب الفلسطيني حينها.وإسرائيل تحض الآن على كارثة جديدة لترحل من تبقى من
الفلسطينيين بعد حربي الـ48 وبعد الـ67.وحتى الآن لم تبادر إسرائيل لضرب إيران, فإن
أي فعل تهجيري جمعي ستعتبره الأطراف كلها -العربية حتما ولكن أيضا الإقليمية (إيران
وتركيا) والدولية (روسيا وربما الصين)- فعل عداء لأنه يؤثر على أكثر من مكون رفعت كل
الأطراف المتورطة درجة حساسيته مؤخرا في المنطقة, حتى لو كانت تلك المكونات في حال
اقتتال كما تخطط إسرائيل وأميركا.ويعني ذلك جر المنطقة لحرب ساخنة، وليست باردة, قد
تستمر لعقود كونها تبدأ باقتتال داخلي يجري بالوكالة التي ستصل لأصغر طائفة, وستستحدث
"طوائف" كما جرى لحينه تحت أسماء القاعدة وجند الإسلام وغيرها.لكن المتأثر
الأكبر والمتأثر كارثيا هو الأردن دولة وشعبا ونظاما, تليه سوريا ثم السعودية المؤجلة
في مخططات حلف أميركا إسرائيل. ولكن التأجيل الشعبي غير وارد, فلكل الشعوب العربية
(باستثناء قطر وجزر القمر وربما موريتانيا) ربيع معلن بدرجة أو بأخرى, وأية فوضى أو
عنف تجعل رأس النظام مطلوبا, وهو ما حدث في سوريا رغم إقرار قادة في المجلس الوطني
السوري بأن جزءا من "الفظائع" ارتكبها معارضون مسلحون.والأردن هو المتأثر
الأول, فمع أن رفض السعودية لاستعمال أجوائها لن يردع إسرائيل عن ذلك كما صرح باراك,
إلا أن ذلك يزيد من خطر أن الأردن أولا في قلب القتال بأرضه وليس فقط بأجوائه. والـ"ترانسفير"
ذاته فعل عدواني مركب ضد الأردن.وسبق في نيسان عام 2002 أن أعلن مؤرخ عسكري إسرائيلي
بارز عن سهولة قيام الترانسفير للأردن وتحويل الأردن "لخرابة" باستغلال ظروف
الحرب على العراق. حينها طلب الأردن تطمينات بألا يجري ذلك فرفض شارون إعطاءها.وهذا
يؤكد أن المنوي ليس حتى تحويل الأردن "لوطن بديل" كما يتداول, بل تدميره.
وقد جرت مسبقا, بعد "وادي عربة" وفي طور الإعداد لها, تدخلات إسرائيلية في
أمن الأردن كما بمقدراته.ولهذا رفض استخراج ثروات الأردن التي لا تقل عن، بل تزيد على
ثروات جيرانه النفطيين. وإذا أضفنا موقعه الإستراتيجي على أطول حدود مع الدولة التي
ستصبح يهودية خالصة, فإن تلك الدولة لن تدع دولة تضم الغالبية العظمى للفلسطينيين المهجرين
قسرا تتحول "لوطن" مستقل لأي كان من سكانه المتضررين جمعيا والمعتدى على
حقوقهم منذ ما قبل قيام دولة الأردن.وهذا يحدد أولويات جيشنا العربي في الأردن لحماية
الوطن الأردني من عدوه الأوحد (الحديث الإعلامي عن إطلاق نار حماية لطفل سوري لاجئ
لا يبرر معركة تكشف الوطن), وهو بالكاد ما تؤهله له إمكاناته التي اختزلت عمدا بعد
وأثناء الإعداد لوادي عربة. كما يحدد أولويات الجيش العربي السوري بإنقاذ سوريا من
التقسيم والحرب الأهلية -وهو الذي فوضته السعودية لمهمة مماثلة في لبنان- بالعمل كمظلة
لانتقال آمن لحكم ديمقراطي منتخب.أما السعودية فستظل مستهدفة ليس فقط لنفطها بل لكونها
دولة مسلمة كبرى تتهمها الصهيونية التي تضم ساسة أميركيين, بأنها وراء تغذية الإسلام
المتطرف, رغم أن التغذية السعودية كانت بتنسيق مع أميركا.. فكيف حين تستغني أميركا,
ثانية, عن تلك التغذية ويعود من لا يتقنون سوى جز الأعناق لدولهم العربية؟وحتى لو أعلنت
السعودية نفسها دولة علمانية مدنية فلن تنجو من مخططات التقسيم الذي يستهدف "جغرافية"
أية دولة عربية كبرى.. ولهذا سوريا والسودان وليبيا بغض النظر عما وفرته أنظمتها من
تسهيل للمهمة بتغييب حريات وحقوق شعوبها.والوعود التي قد تكون تساق أميركيا للنظام
الأردني أو لغيره للتدخل العسكري والأمني في الشأن السوري, يجب أن تقرأ في ضوء مآل
الوعد بتنصيب ملكية هاشمية في العراق. فبالرغم من قدوم "الشريف علي" للعراق
وبقائه هناك لأشهر, إلا أنه لم يجد أي التفات عراقي, ولم تتعب أميركا نفسها بفرضه على
العراقيين. وكان هذا قبل الربيع العربي الذي أصبحت فيه الشعوب هي القوة الوحيدة التي
يحسب حسابها ويطلب رضاها دوليا.
تعليقات