راجمات






رشاد أبوشاور
2011-07-05
في شهر أيّار/مايو الماضي أعلنت السلطة أنها ستكون عاجزةً عن صرف رواتب موظفيها، في حالة واصلت حكومة نتنياهو تجميد أموال الجمارك والضرائب الفلسطينيّة التي يتّم تقاضيها عن البضائع والسلع المستوردة لمناطق السلطة الفلسطينيّة.كان نتنياهو أمر بوضع اليد على الأموال في شهر أيّار/مايو، عقابا للسلطة على توقيع اتفاق المصالحة مع حماس، بالأحرف الأولى، في القاهرة، برعاية مصرية.بعد مناشدات، وتدخلات، بخاصة من إدارة أوباما التي لا تملك سوى مناشدة الحليف القوي باللوبي، والكونغرس، وصناديق الانتخابات، والإعلام..وكلها يحتاجها أوباما في معركته للفوز بفترة رئاسية ثانية، أفرجت حكومة نتنياهو عن حوالى مائة مليون دولار، فصرفت السلطة رواتب الموظفين!
في شهر حزيران لم تضع حكومة نتنياهو يدها على أموال الجمارك الفلسطينيّة، ومع ذلك خرج رئيس وزراء السلطة الدكتور سلام فيّاض يوم الأحد الماضي، في مؤتمر صحافي شرح فيه، بدون أن يقنع كثيرا من الصحافيين الحاضرين، وكثيرا من الفلسطينيين الذين شاهدوه وسمعوه، أحوال السلطة المالية، ووعد بصرف نصف راتب فقط عن شهر حزيران.. بسبب الضائقة المالية!عندما سئل الدكتور فيّاض عن الدول المانحة التي لم تف بحصتها في دعم مالية السلطة، تهرّب من الإجابة، ولفّ ودار، حتى أن صحافية حاضرة واجهته بالقول: أنت لم تجب على السؤال يا دكتور! ..وواصل الدكتور اللف والدوران، متهربا من تقديم إجابة مقنعة.
ثمّة أسئلة كثيرة لتطرح على الدكتور فيّاض، وأركان السلطة، لعلّ أولها: هل أن (المصالحة) المتعثرة التي لم تتم، هي السبب في (نصف الراتب)، وهو ما يدفع للقبول بالتفسير القائل بأن الدول المانحة ترفض المصالحة، بخّاصة إذا لم يأت الدكتور سلام فيّاض، من جديد، رئيسا للوزراء؟!بهذه الحالة، ألا يمكن أن نسأل مع السائلين: هل حقا السلطة مفلسة (ماليا)، وتعيش شهرا بشهر، وكأنها هي نفسها (موظفة)، ولذا فإنها ستبقى مهددة (براتبها) إن هي لم تقم بالأعمال المطلوبة منها خير قيام، وبنفس الطاقم؟!
وبما أنني من قدامى (المحاربين) أجد أن أسئلة كثيرة تتزاحم في رأسي وأنا أتأمل الحال الذي تردّت إليه (حالنا) التي تصعب حتى على بعض من هم ليسوا أصدقاء لنا: أين تبددت، واختفت مليارات الدولارات التي تدفقت على مالية السلطة الفلسطينيّة منذ عام 1994 وحتى العام 2011؟!وسؤال لا بدّ منه: ماذا عن المشاريع، وفي مقدمتها (صامد) ..هل انتهت بالخسارة، وكيف، من حاسب، ومن حوسب؟!
وماذا عن المشاريع الكثيرة التي بقيت خافية على اللجنة التنفيذية، والمجلس الوطني، وحتى المشرفين الماليين على الصندوق الوطني (المهمّش) كونه من بقايا منظمة التحرير الفلسطينيّة، وعلى مالية السلطة..وعلى الشعب الفلسطيني بقضه وقضيضه! المتابعون من شعبنا، يرون تحت أبصارهم، أفرادا بدأوا فقراء متواضعين، وفدوا إلى الثورة بنوايا ثورية، واستعداد للتضحية، ولكنهم مع الوقت تغيّروا، وصاروا في رمشة عين رجال أعمال، وبزانسة، يتنقلون بحقائب سامسونايت، ونظارات سوداء لزوم الغموض والتميّز وتغيّر الأحوال، وإعلانا عن القطع مع الماضي الكلاشنكوفي، والانتقال إلى طبقة رجال الأعمال 5 نجوم لباسا وفنادق للمترفين المنعمين!.تعلمنا مبكرا أن المال عصب الثورة، وقرأنا كيف نمّت الثورات أموالها، ومصادر دخلها، ولذا قبلنا في البداية ظهور جماعة السامسونايت، والنظارات السوداء، وتسامحنا بالفنادق الباذخة، على اعتبار أن (هم) يلتقون هناك برجال أعمال محترفين لا تهمهم الثورات، فهم فقط يسعون للربح في الصفقات التي يعقدونها.ولكن هؤلاء فجأة انسحبوا كالشعرة من العجين، و..ظهرت عليهم النعمة، وأي نعمة..بعد أن انخرطوا في البزنسة لأنفسهم، وباتوا يملكون شركات لها سفن تمخر البحار، ومستشفيات درجة أولى يموت الأخ والرفيق ولا يسمح له بعبور أبوابها، لأنه لا يملك المال الكافي للإقامة في غرف 5 نجوم، والتمتع بعلاج يقدم لمن يدفع!.
مناضلون يبيعون البالة، ويتنقلون بساق واحدة، بعد أن ضحّوا بساق للوطن والقضية، و..بعين واحدة، وبهامة محنية من ثقل عبء الأسرة، وبؤس النهاية، من ثائر للتحرير إلى بائع خضار متنقّل في البرد، وتحت الشمس، وفي الغبار.هؤلاء الثوّار القدامى المضحون، الذين يعيشون بأنصاف أجساد، ويتابعون أخبار من جاء إلى (الفاكهاني) وهو يمشي بشحاطة في قدميه لرثاثة حاله، فإذا به حاليا يتنقل بطائرة خاصة متفقدا مشاريعه، وشركاته المنتشرة في العالم شرقا وغربا، ويتردد اسمه في كازينو البحر الميّت المثير للجدل في الأردن، ربما بديلاً عن فشل مشروع كازينو(الواحة) قرب أريحا، وقبالة مخيّم (عقبة جبر) والذي تعطّل إبان انتفاضة الأقصى.المناضلون الذين يعيش واحدهم بنصف جسد، مطلوب منهم أن يعيشوا مع أسرهم بنصف راتب، وكذا المناضلون الذين نيّف كثير منهم على الستين، وتخلّوا عن دراستهم الجامعية، ووظائفهم، واندفعوا بعد هزيمة حزيران وحملوا السلاح بروح فدائية حاملين أرواحهم على أكفهم، مضحين بشبابهم كاملاً، وليس بنصف شباب، وبنصف روح فدائية مقاومة!الموظفون الذين ضمتهم السلطة لدوائرها، حلموا أن يسهموا في بناء( دولة) على جزء من أرض فلسطين، وفي خدمة شعبهم، وأنهم سيسهمون في دحر الاحتلال بالبناء المؤسسي..فهل يعاقب هؤلاء بمنحهم نصف راتب، ابتزازا، وامتهانا، وإذلالاً؟!
فلتان مالي، وفردية ضيقة الأفق مدمرة وضعت أموال الشعب الفلسطيني في أيدي مارقين اكتشفوا سهولة الاستحواذ على الملايين دون حساب وعقاب، ثمّ في نهاية الأمر، ومع دبيب الشيخوخة في جسد (الرجل المريض)، يتّم الاستحواذ على مئات الملايين، بصفقة بين مارق ورجال أمن يغطونه ويشاركونه!.ثمّ نسمع عن ديون قدّمت لدول، منها دولة أندونيسيا، وبمئات الملايين من الدولارات، ثمّ ..نسمع أيضا عن (سرقة) سندات الدين، ودون متابعة وتحقيق جدّي للوصول للحقيقة، والوحيد الذي يثير القضية هو سفير فلسطين السابق في أندونيسيا، والذي اطلعت على مذكراته التي وزع كثيرا من نسخها، وباتت متداولة، ولا من يهتم، أو يتابع، أو يحقق، أو يُسائل حتى نعرف الحقيقة!ومن الأسئلة ما يتردد بأفواه فلسطينيين مقهورين، يرون التبذير، والبطر، والبهورة، ومنها: لماذا السيّارات المصفحة، والتي تكلف واحدتها أكثر من ربع مليون دولار، وخرابها يحتاج لألوف الدولارات ثمنا للقطعة الواحدة في سيّارة القائد (المحروس)؟! ما هو مصدر الخطر مثلاً على عضو لجنة تنفيذية؟ من الاحتلال! الجميع في قبضة الاحتلال، فحواجزه تقطع الطرق، ودورياته تقتحم البيوت في رام الله عاصمة السلطة!أتراهم يخافون من الشعب الفلسطيني الذي يعيشون معه تحت الاحتلال؟!
نصف راتب!..هل يعيش الجميع بنصف راتب؟هل هناك مساواة، وأخوّة، وعدالة، وشفافية..بحيث يقتنع الشعب الفلسطيني، ويتحمّل، ويسهم في الخروج من الضائقة المالية؟هذه سياسة، يعرف شعبنا هذا، ومن يعارضون عودة فياض رئيسا للوزراء أيضا يلعبون سياسة، فهم موافقون على مواصلة الرئيس عباس لسنة كاملة للجهود السلمية..ومع ذلك يرفضون سلام فيّاض، ولا يطرحون منهجا مقاوما..وطبعا لا يفصحون عمّا يتدفق إليهم من أموال..لا نصيب فيها لأحد سوى محازبيهم!أما آن لشعبنا أن ينفجر في ثورة تصحيح جذريّة، إنقاذا للقضيّة، وليس للرواتب كاملةً..رغم أهميتها؟!



button-black-Scom.png
button-black-us.png
button-black-tn.png
button-black-tay.png
button-black-jeeran.png
RenderedbOMO.png
red-flower.JPG 







إسرائيل والملكية الدستورية في الأردن

صالح النعامي
ذخر إستراتيجي وضرورة وجودية
تأمين الحدود
التعاون الاستخباري
المشاركة في حصار المقاومة
حقيقة الموقف من القدس
خريطة المخاطر
آليات التحرك الإسرائيلية
يحبس صناع القرار في إسرائيل أنفاسهم انتظاراً لنتائج التحركات الشبابية الداعية للإصلاحات السياسية في الأردن، فكما قال رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال يوسي باديتس فإن نجاح هذه التحركات في تحقيق أهدافها، لاسيما تحويل النظام في الأردن إلى ملكية دستورية يمثل تغييراً جوهرياً في البيئة الإستراتيجية لإسرائيل بشكل جارف، لأنه يعني إحداث تغيير جذري في صيغة الحكم ستفضي حتماً إلى تغيير طابع العلاقات التي ظلت تربط إسرائيل بالأردن على مدى عقود من الزمن. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: في ضوء الطابع الخاص للعلاقات بين النظام الهاشمي وإسرائيل، كيف يمكن أن يؤثر تحول النظام في الأردن إلى الملكية الدستورية على البيئة الإستراتيجية لإسرائيل؟، وما هي المخاطر التي يتحوط لها الكيان الصهيوني في حال تحقق هذا السيناريو؟، وما حدود هامش المناورة المتاح لإسرائيل لمساعدة النظام الأردني لدرء هذه المخاطر؟.
ذخر إستراتيجي وضرورة وجودية
على الرغم من أنه قد كتب الكثير عن طابع العلاقات الخاصة بين النظام الأردني الحالي وبين إسرائيل، فإنه نادراً ما أقر المسؤولون الإسرائيليون بما يدور في الخفاء بين الكيان الصهيوني والمملكة الأردنية.
"
أولمرت: النظام الأردني يمثل ذخراً إستراتيجياً لإسرائيل من الطراز الأول، وأي مخاطر تهدد بقاءه تعتبر تهديداً وجودياً لها
"
لكن الوثيقة التي نشرتها صحيفة هآرتس بتاريخ 16/3/2007 تكاد تكون الوثيقة الرسمية الوحيدة التي تعبر عن التقييم الإسرائيلي للدور الذي لعبه النظام الهاشمي ويلعبه في خدمة المصالح الإستراتيجية لإسرائيل، إذ جاء في الوثيقة التي كانت عبارة عن ورقة قدمتها دوائر التقييم الإستراتيجي في كل من جهازيْ "الموساد" والاستخبارات العسكرية ومجلس الأمن القومي لرئيس الوزراء في ذلك الوقت إيهود أولمرت، حيث جاء فيها أن النظام الأردني يمثل "ذخراً إستراتيجياً لإسرائيل من الطراز الأول، وأن أي مخاطر تهدد بقاءه تعتبر تهديداً وجودياً لإسرائيل". ولعل ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق والقيادي في حزب العمل بنيامين بن أليعازر عندما سئل عن تداعيات سقوط نظام الرئيس مبارك للإذاعة الإسرائيلية بتاريخ 15/2/2011، ذو دلالة خاصة، إذ قال: "إن الكارثة الأكبر ستحل بنا في حال تضعضع حكم جارنا الشرقي، فإذا طار هو فسنطير نحن".
ومما يثير الرعب في نفوس النخب الإسرائيلية من إمكانية تحول الأردن إلى ملكية دستورية حقيقة أن هذا التحول سيسحب البساط من تحت أقدام الملك، وسيحرمه من التأثير على مسار الأمور لتتولاها هيئات سياسية منتخبة معادية لإسرائيل حتماً، كما يقول رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق أمنون ليبكين شاحاك.ففي إسرائيل يعتبرون أن تحويل الأردن إلى الملكية الدستورية يعني نقل دائرة التأثير من الملك إلى الشعب الأردني، الذي يعتبر في نظر الإسرائيليين أحد الشعوب العربية الأكثر تطرفاً تجاه إسرائيل، كما قال يوماً الرئيس الإسرائيلي الأسبق إسحق نافون، وبالتالي فإن طابع العلاقات بين الجانبين سينقلب رأساً على عقب في أعقاب هذا التحول.
تأمين الحدود
إن أحد أهم بواعث الفزع لدى النظام الإسرائيلي من إمكانية التحول إلى الملكية الدستورية في الأردن هو الاعتقاد الجازم بأن هذا التحول يعني توقف الأردن عن تقديم الخدمات الأمنية لإسرائيل، وعلى رأسها تأمين الحدود، التي تعد الأطول بين الكيان الصهيوني ودولة عربية. وكما كتب الوزير الإسرائيلي السابق الجنرال إفرايم سنيه -الذي قاد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية- في هآرتس بتاريخ 13/8/2010، أن الآلاف من الإسرائيليين مدينون ببقائهم على قيد الحياة للجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية الأردنية، وعلى وجه الخصوص جهاز المخابرات العامة، لأن هذه الأجهزة تمكنت -على مدى عقود من الزمن- من إحباط محاولات التسلل التي قام بها أردنيون وفلسطينيون لتنفيذ عمليات في قلب إسرائيل والضفة الغربية، علاوة على أنها قدمت معلومات لإسرائيل كان لها دور حاسم في الحفاظ على أمن الإسرائيليين.
"
الملك الأردني عبد الله مخاطبا قادة منظمات يهودية:
فلتعلموا أيها الأصدقاء أننا أنقذنا أرواحاً إسرائيلية كثيرة "
وقد أقر رأس النظام الأردني بذلك، حيث وصل الأمر إلى حد تباهي الملك عبد الله بدور نظامه في حماية أرواح الإسرائيليين، فقد نقلت صحيفة معاريف في عددها الصادر بتاريخ 20/12/2002 عن الملك عبد الله قوله لمجموعة من قادة المنظمات اليهودية أثناء زيارته لواشنطن: "فلتعلموا أيها الأصدقاء أننا أنقذنا أرواحاً إسرائيلية كثيرة".ومما لا شك فيه أن النظام الأردني قد أسهم في تقليص الأعباء العسكرية الملقاة على كاهل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وحسب عوزي عراد -الذي شغل سابقاً منصب رئيس قسم الأبحاث في "الموساد" ورئيس مجلس الأمن القومي- فإنه لولا الدور الذي تقوم به العسكرية الأردنية في تأمين الحدود مع إسرائيل لاضطر الجيش الإسرائيلي إلى إرسال جميع ألوية النخبة للقيام بهذه المهمة، وهو ما يعني المس بإمكانية تفرغ الجيش لإجراء التدريبات والمناورات العسكرية.
التعاون الاستخباري
لقد تطور التعاون الاستخباري بين إسرائيل والنظام الأردني ليصل مستويات كبيرة جداً، وقد فتح جهاز الموساد مكتباً خاصاً له في عمان، كما دلت على ذلك التحقيقات التي أجريت في أعقاب محاولة الاغتيال الفاشلة التي نفذها "الموساد" ضد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في صيف عام 1997. وقد أقر إسحق مردخاي -وزير الدفاع الإسرائيلي وقت تنفيذ محاولة الاغتيال- بأنه لا حدود لحجم التعاون الاستخباري وتبادل المعلومات بين إسرائيل والأردن في مجال ما أسماها "محاربة الإرهاب". ويمتدح مردخاي سلوك الملك حسين الذي اكتفى بأن يتم إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين واثنين من مرافقيه من السجن الإسرائيلي مقابل إفراج الأردن عن عميليْ "الموساد" اللذين شاركا في تنفيذ محاولة الاغتيال، ويؤكد ياتوم أنه لو أصر حسين على الإفراج عن جميع المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مقابل عميليْ "الموساد"، لما ترددت إسرائيل في الاستجابة لطلبه.
"
يروي الكثير من الفلسطينيين أن المخابرات الأردنية تستجوبهم عند دخولهم المعابر الحدودية بناءً على اعترافاتهم لدى المخابرات الإسرائيلية
"
ومن الشواهد المرة على حجم التعاون الاستخباري بين الجانبين، الذي يستهدف كل ما تعتبره إسرائيل مصدر تهديد لها، ما أكدته وسائل الإعلام من أن المهندس ضرار أبو سيسي نائب مدير محطة توليد الكهرباء في غزة -الذي اختطفه "الموساد" مؤخراً أثناء وجوده في أوكرانيا قبل شهر تقريباً- كان قد خضع أثناء سفره عبر مطار عمان لتحقيق مكثف في أروقة المخابرات العامة الأردنية. ويروي كثير من الفلسطينيين الذين اعتقلوا في السجون الإسرائيلية وزاروا الأردن أن المخابرات الأردنية تستجوبهم عند دخولهم المعابر الحدودية بناءً على اعترافاتهم لدى المخابرات الإسرائيلية.
المشاركة في حصار المقاومة
لا تفوت الإسرائيليين الإشادة بدور النظام الأردني في محاصرة المقاومات العربية وتحديداً الفلسطينية. فعلى الرغم من أن الحكومة الأردنية قد عزت في حينه قرارها بطرد قيادة حركة حماس من الأردن إلى تجاوز هذه القيادة للقانون الأردني، فإن رئيس جهاز الموساد الأسبق داني ياتوم يؤكد أن هذا القرار اتخذ بالتعاون والتنسيق المسبق مع إسرائيل، وضمن التزام الحكومة الأردنية بتضييق الخناق على حركة حماس. ويمتدح الإسرائيليون كثيراً الدور الذي قام به النظام الأردني في محاصرة حكم حركة حماس وإصراره على عدم إجراء أي اتصالات معها. وما زال الإسرائيليون يذكرون المقابلة التي أجرتها القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي مع الملك عبد الله بعد انتهاء حرب لبنان الثانية، حيث عبر عن استيائه لفشل إسرائيل في حسم الحرب، حيث قال: "إن فشلكم فشلنا، والعكس صحيح".
حقيقة الموقف من القدس
على الرغم من الانتقادات التي يوجهها النظام الأردني لإسرائيل على خلفية المشاريع التهويدية في القدس وما يتعرض له المسجد الأقصى، فإنه تبين أن هذه المواقف لا تعدو كونها ضريبة كلامية، حيث كشف معلق الشؤون العربية في صحيفة هآرتس داني روبنشتاين بتاريخ 12/3/2007 النقاب عن أن هناك تعاونا بين الأردن وإسرائيل في إحباط الجهود التي يبذلها الشيخ رائد صلاح زعيم الحركة الإسلامية للدفاع عن المقدسات في القدس. ومن المفارقات ذات الدلالة، أن السلطات الأردنية تحرص على منع الشيخ رائد ونائبه الشيخ كمال الخطيب من دخول الأردن، مع أن هاتين الشخصيتين تحظيان بتقدير هائل لدى الشعوب العربية والإسلامية -وضمنها الشعب الأردني- لدورهما في الذود عن الأقصى وقضية القدس.
"
التحول في الأردن بعد سقوط نظام مبارك في مصر يعني أن إسرائيل فقدت أهم شركائها الإقليميين في محاربة المقاومة
"
خريطة المخاطر
إن كانت صيغة الحكم الحالية في الأردن هي التي سمحت لإسرائيل بتحقيق مصالحها على النحو الذي تمت الإشارة إليه لاحقاً، فإن التحول إلى الملكية الدستورية يؤذن بمواجهة إسرائيل مخاطر كبيرة. فالتحول في الأردن بعد سقوط نظام مبارك في مصر يعني أن إسرائيل فقدت أهم شركائها الإقليميين في محاربة المقاومة، وهذا يعني حتماً مضاعفة الأعباء التي ستكون ملقاة على عاتق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بشكل لم تعرفه من قبل، وسيؤثر بكل تأكيد على كفاءة هذه المؤسسة، مما يشكل ضربة قوية للأمن "القومي" الإسرائيلي. في نفس الوقت فإن تحمل حكومة منتخبة مقاليد الأمور في الأردن يعني تقليص قدرة إسرائيل على توجيه الضربات للشعب الفلسطيني ومقاومته، إذ إن الحكومات المنتخبة في الأردن كما في مصر لن تمر مرور الكرام على الممارسات القمعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ولو من باب مراعاة الرأي العام لديها. ويجزم الإسرائيليون بأن تغيير صيغة الحكم القائمة في الأردن يعني التمهيد لعودة خطر الجبهة الشرقية، وإمكانية استهداف الكيان الصهيوني من جهة الشرق. وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن التحولات في الأردن تعني زيادة الأعباء على كاهل الخزانة العامة الإسرائيلية، حيث إن إسرائيل ستكون مطالبة بإعادة نشر قواتها على طول الحدود وتخصيص إمكانيات ضخمة وتجهيزات لوجستية لضمان تحقيق الأمن، وهذا يتطلب تخصيص موازنات ضخمة.
آليات التحرك الإسرائيلية
لقد برهنت إسرائيل بالأفعال على مدى حرصها على بقاء النظام الأردني الحالي، حيث لم تتردد في التدخل لإنقاذه عندما تحرك الجيش السوري لإغاثة الفلسطينيين أثناء أحداث أيلول الأسود عام 1970، وحرصت تل أبيب على إبلاغ الإدارة الأميركية بتحفظاتها على مخططات انسحاب الجيش الأميركي من العراق، على اعتبار أن انسحاب الأميركيين بالكامل من العراق قد يؤدي إلى إسقاط النظام الأردني (هآرتس، 16/3/2007)، وقد أسهمت التحركات الإسرائيلية في تعديل مخططات الانسحاب عبر الإبقاء على عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين. يدرك صناع القرار في تل أبيب أن قدرتهم على التدخل حالياً فيما يجري في الأردن محدودة، بل إنه في حال تم لمس أثر أي نوع من أنواع التدخل، فإنه سيؤدي إلى نتائج عكسية. لكن هذا لا يعني أن إسرائيل لا تتحرك من وراء الكواليس، لاسيما عبر التنسيق الوثيق مع الإدارة الأميركية، حيث شكل نتنياهو خلية عمل من مكتبه والأجهزة الأمنية لتنسيق المواقف مع واشنطن، وقد تم التعبير عن ذلك بالحوار السري الذي جرى بين الإدارة الأميركية والحكم في الأردن، وتم نصح النظام بالتجاوب مع بعض مطالب الإصلاح دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير حقيقي في صيغة الحكم.
"
تطالب النخب الإسرائيلية نتنياهو بأن يضبط سلوك حكومته تجاه الفلسطينيين بشكل لا يسمح بتعزيز الاحتجاجات التي يقوم بها المطالبون بالإصلاح الحقيقي
"
وهناك دعوات تصدر عن النخب الإسرائيلية تطالب نتنياهو بأن يضبط سلوك حكومته تجاه الفلسطينيين بشكل لا يسمح بتعزيز الاحتجاجات التي يقوم بها المطالبون بالإصلاح الحقيقي. فعلى سبيل المثال بات هناك من يطالب في إسرائيل بعدم التوسع في تنفيذ عمليات القصف ضد قطاع غزة حتى لا يتم إحراج الأنظمة العربية، لاسيما النظام الأردني، تحديداً في ظل استعادة الشعوب العربية زمام المبادرة والثقة بالنفس.إن على الشباب الأردني الرائع الذي يثور مطالباً بالحرية والإصلاح السياسي أن يدرك أن نجاحه في تغيير الواقع القائم حالياً في الأردن لن يؤدي فقط إلى إسدال الستار على حقبة قاتمة في تاريخ بلدهم، بل إنهم سينجحون في إبطال مفعول أسطوانة الأوكسجين التي تمكن الكيان الصهيوني من التنفس الصناعي.

الشخشير يطالب بالتراجع عن الأردنة والعبادي يؤكد مفهوم المواطنة

الثلاثاء, 12 تموز/يوليو 2011
فجّرت ندوة عقدت مؤخرا في نادي الفيحاء قنبلتين من طراز الدعوة لتراجع الدولة الأردنية عن سياسة الأردنة، وما أنتجته من محاصصة جغرافية للمناصب الرئيسة في الدولة، والكشف عن أن الملك عبد الله فرض على الحكومة إدراج قضية فضيحة الكازينو على جدول أعمال الدورة الإستثنائية الحالية لمجلس النواب.المتحدثان في الندوة المهندس نجاتي الشخشير، والدكتور ممدوح العبادي، اتفقا على امرين رئيسين، اولهما التمسك بالمواطنة، وأن الملك عبد الله الثاني هو الذي يقود عملية الإصلاح السياسي في الأردن.الكلمة الأولى في الندوة كانت للمهندس نجاتي الشخشير، المرشح النيابي السابق، الذي خاض الإنتخابات مرتين، الأولى بشعار "كل الأردنيين اردنيون"، والثانية بشعار "اردنيون معا على طريق الإصلاح".وقد فجر الشخشير في كلمته دعوة لرفض المحاصصة، والأردنة التي أعقبت حرب أيلول 1970، وقرار قمة الرباط لعام 1974، التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، وذلك لانتفاء مبررات الأردنة..  تشمل مؤسسات الدولة الأردنية، رافضا المحاصصة بين مختلف مكونات النسيج الوطني الأردني على قاعدة جغرافية، لأنه في هذه الحالة يصبح الأردن في حاجة إلى رفع عدد اعضاء مجلس النواب إلى خمسمائة نائب.
انتفاء أسباب الأردنة
وقد بدأ الشخشير كلمته بالإشارة إلى أن "المجتمع الأردني واجهه الكثير من التحديات ما بعد حرب (1967) مع العدو الصهيوني، وما نتج عنها من تغييرات في شرق الأردن بشكل خاص، والوطن العربي بشكل عام"، معتبرا أن "أهم هذه التحديات حرب أيلول عام (1970)، وقرارات مؤتمر القمة العربي بالرباط عام (1974)، مما دفع أجهزة الدولة الأردنية في حينه لاتخاذ قرارات استراتيجية لحماية النظام السياسي من هذه المتغيرات، باعتماد سياسة أردنة مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية والحكومية والوظائف الحساسة بإعتباره الحل الأمثل لمواجهة هذه المتغيرات".وقال الشخشير "لا بد من الوقوف وبشكل جدي أمام هذه السياسة وتقييمها وتقويمها، وأن تعاد دراسة هذه الإستراتيجية، بناءً على شكل وتركيبة النسيج الإجتماعي للأردن من خلال تفهم الواقع الديموغرافي وايجاد حلول لاستيعاب هذا النسيج ورسم سياسة واضحة تحدد مفهوم المواطنة والوحدة الوطنية بعيداً عن الأصول والمنابت، وإعطاء المواطنين كافة حقوقهم كما كفلها الدستور".واتهم الشخشير قوى الشد العكسي بالعمل ضد التوجه الإصلاحي القائم على الحوار الوطني، واستغلال مواقعها السلطوية لتعميق التناقضات، تحت غطاء التوازن السكاني تارة، والحفاظ على القضية الفلسطينية وحق العودة تارة أخرى.وقال الشخشير إن انتفاء مبررات الأردنة يتمثل في قرار فك الإرتباط بين ضفتي الأردن، لعام 1988، توقيع اتفاقية اوسلو، ومعاهدة وادي عربا، وإنشاء السلطة الفلسطينية.وحين اعترض بعض الحضور على هذا الطرح، دافع الشخشير عما قاله بحقيقة وجود محاصصة تشمل توزيع المقاعد الوزارية إلى حصص توزع على التقسيمة الجغرافية للدولة، وكذلك مختلف التشكيلات الإدارية. وتساءل قائلا "لم ننكر وجود المحاصصة..؟!".ولفت إلى أن أحدا لم يتحدث عن قائمة الوطن في الإنتخابات البرلمانية، حيث انحصر السجال والجدل في حصص المحافظات، ومختلف التشكيلات الإدارية.واعترض الشخشير على قصر قائمة التمثيل النسبي على مستوى الوطن، في مخرجات لجنة الحوار الوطني على فقط خمسة عشر مقعدا برلمانيا من أصل مائة وثلاثون مقعدا. وقال إنه كان الأولى بلجنة الحوار الوطني أن تصارحنا بالقول إن الأردن غير جاهز لإعطاء الوطن حقه..!
محاور الحراك الشعبي
وقال الشخشير إن الحراك الشعبي في الأردن يتمحور ضمن ثلاثة محاور:
المحور الأول: رؤية جلالة الملك وتطلعاته الإصلاحية، والتي عبرعنها خلال العشر سنوات الماضية ضمن كتب التكليف السامي للحكومات المتعاقبة، وحث فيها على ضرورة البدء الفوري بعملية الإصلاح، معتبرا أن سقف مطالبات الملك الإصلاحية للسلطة التنفيذية تجاوز سقف مطالب الشارع الأردني.
المحور الثاني: الشارع الأردني، وقد إنقسم إلى طرفين:
الأول: يتمثل بالقوى الوطنية والنقابية وأحزاب المعارضة، وشريحة عريضة من الشباب الأردني، والتي عبّرت عن مطالبها بضرورة الإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي، وإطلاق الحريات العامة وتعديل القوانين الممهدة لذلك، وتعزيز المفاهيم الديمقراطية وتطبيق الدستور فيما يتعلق بالحقوق والواجبات، ومحاربة الفساد وأشكاله والقائمين عليه، والحد من تغول السلطة التنفيذية.
الثاني: إنبثق في مواجهة الفريق الأول وعبر عن نفسه بالموالاة، ويتمثل بمجموعة من أبناء الوطن لهم من مكتسباته القليل، اعتبروا مطالبات الإصلاح التي ينادي بها  الطرف الأول تطاولاً على الدولة و مفاهيم الولاء و الإنتماء لها.
الثالث: وهو الأخطر، يتمثل في السلطة التنفيذية وما يتبعها من مؤسسات، فقد استطاع هذا المحور قراءة الشارع الأردني وحراكه، وسارع إلى القيام بمجموعة من الخطوات وطرحها كخطوات اصلاحية بعد أن افرغها من مضمونها، وكانت لجنة الحوار الوطني أحد مخرجات هذا المحور، واستطاعت من خلالها تقزيم مفهوم الإصلاح والحوار الوطني وحصره في مهام محددة، مثل اعداد قانون جديد لإنتخاب مجلس النواب وتعديل قانون الأحزاب، مع الأخذ بالإعتبار ما يسمى بخصوصية الأردن.
ورأى الشخشير أن الأصل في الحوار الوطني أن يحل اشكالية مفهوم المواطنة كما كفلها الدستور، وأن يؤخذ بعين الإعتبار إختيار الأطراف المتحاورة على أسس ديمغرافية، وأن تأخذ اللجنة الصيغة الشعبية الممثلة لكافة شرائح الشعب الأردني، صاحب المصلحة الحقيقية بالتغيير، وأن تتناول هذه اللجنة كافة القضايا التي تتعلق بالمواطن الأردني، لتوفر له الأمن السياسي والإقتصادي والإجتماعي، بالإضافة إلى التعليم والصحة، ووضع خطة استراتيجية لضمان الفصل بين السلطات الثلاث، وسن وتعديل القوانين اللازمة لذلك، بحيث تنهي اللجنة أعمالها بمصالحة وطنية قائمة على مبدأ قبول الآخر بما كفله الدستور وتعهد به جلالة الملك.
لجنة الحوار.. تشكيلتها أسقطت أهادفها
وأبدى الشخشير أن "طريقة تكليف وتعيين لجنة الحوار الوطني، وتحديد صلاحياتها، اسقطت نتائجها قبل أن تجتمع، بحيث جاءت مخرجات لجنة الحوار كما كان متوقعاً لها ومنها، مخيبة للآمال، حيث فشلت اللجنة في الخروج بقانون انتخاب يمثل مكونات المجتمع الأردني، وحافظت على مبدأ المحاصصة التابع لخصوصية الأردن، المعطل الحقيقي للسير بعملية الإصلاح الى الأمام، والتي ضحدنا مبررات استمرارها كنهج وإستراتيجية سابقاً، والمخالفة أيضاً لنصوص الدستور"..
هذا المبدأ أي مبدأ المحاصصة، إذا أخذنا فيه العامل الديمغرافي، فإننا لن نتوافق على مجلس نواب يقل عدده عن (500) نائب، ومن ناحية أخرى لن أعترض هنا على عدم كفاية الضوابط الضامنة لنزاهة الإنتخابات، ولكني لا أجد أي تفسير في القانون للخروج من مأزق الدوائر الوهمية، إلى مأزق القوائم الوهمية، حيث سيعجز أي مفهوم ديمقراطي عن تفسير فشل مرشح من الوصول إلى المجلس بقائمة ما، بالرغم من حصوله على أصوات أكثر من مرشح آخر بقائمة أخرى بنفس الدائرة الإنتخابية،
 أما فيما يتعلق بقائمة الوطن والتي خصص لها (15) مقعداً، كان الأجدى بلجنة الحوار إلغاءها كلياً حين عجزت عن إيجاد صيغة بحيث تشكل فيها قائمة الوطن نصف عدد النواب، فالأصل أن يكون النائب نائباً للوطن، وإن لم نكن جاهزين لذلك، فإن الإنتظار أجدى لإعطاء الوطن حقه بالوقت المناسب،
أما فيما يتعلق بقانون الأحزاب، فالمأزق ليس بالقانون بحد ذاته، بل بالحقبة السابقة والتي ولدت لدى الشارع والشباب خصوصاً حالة من الفجوة والخوف من الإنتماء الحزبي، المشكلة بثقافتنا اتجاه الأحزاب ونظرتنا اليها، والتي أفرغت المفاهيم الحزبية من الأيديلوجيات والعقائد لتتحول هذه الأحزاب إلى شخصنة وجغرافيا تحت شعار التعددية الحزبية، والتي ما قبل الحوار الوطني كان عددها (17) حزباً، والآن هنالك العشرات منها إما تقدمت بطلب التأسيس، أو جاهزة لذلك، الأمر الذي سيجعل مبدأ تداول السلطة بناءً على الأغلبية النيابية مستحيلاً، لعدم وجود أحزاب إرتكاز قادرة على تحقيق الأغلبية.
 وكان الأولى بلجنة الحوار الوطني، أن تخرج برؤى لتغيير هذه الثقافة، وإيجاد الحوافز الداعمة لدمج الأحزاب الصغيرة والمتوافقة في طرحها، وخلق الأجواء الملائمة لإطلاق المزيد من الحريات  لتعزيز قدرة الأحزاب على استقطاب المواطنيين.
وخلاصة القول فإنني أرى في لجنة الحوار الوطني، انتصاراً لقوى الشد العكسي المقاومة للإصلاح الحقيقي، وإن الإصلاح في الأردن يكاد يكون مستحيلاً، إلا إذا جاء من خلال جلالة الملك بإعتباره صمام الأمان المتفق و المتوافق عليه.
كلمة النائب ممدوح العبادي
بدأ النائب الدكتور ممدوح العبادي، كلمته، بالإشارة إلى أنه بعد سقوط النظام الشمولي في اوروبا الشرقية، وحدوث تداول حقيقي للسلطة في هذه الدول, وانتقال حركة التغيير إلى اميركا الجنوبية، حيث أطيح بدكتاتوريات جمهوريات الموز، وأصبح حزب الرئيس سلفادور الليندي الذي أعدم في تشيلي, يشارك الآن في الحكم، وبقي العرب وحدهم في الكرة الأرضية يرزحون تحت الأحكام غير الديمقراطية، إلى أن أشعل الشهيد البوعزيزي احتقان العالم العربي.
وطالب العبادي بوجوب محاكمة من ارتكب فسادا قبل 10 سنوات ليتعظ حكام اليوم، ويدركوا أنهم سيحاكمون ولو بعد عشر سنوات أخرى. وأشار إلى أن الإصلاح الشامل هو مطلب كل الشعوب العربية، مؤكدا "نحن في الأردن لسنا جزيرة معزولة.. نحن شعب أو حكومة أو دولة أو نظام "اللي بشوف بجاره بشوفه بداره".
واستعرض العبادي كيف نزل للشارع في البداية لذلك بدأنا نحاول كشعب أولاً.. بدأ ينزل للشارع الشباب المتحمس الوطني النظيف البريئ الطاهر, للشارع.. الأسبوع الأول والثاني, حيث تمت المطالبة بمطالب اصلاحية كثيرة.. حريات ديمقراطية, قانون انتخاب, عدالة اجتماعية, محاربة فساد، وبعد ذلك بأسبوعين بدأ حراك الحركات السياسية، ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين. ولاحظ البعادي أن مواقع الكترونية وصحف انتقدت هذا التأخر بكل شدة.
وفال "الشباب جروا حركة الإخوان المسلمين للشارع, وكانت هذه فرصة لهم".. مذكرا أنهم "حين قاطعوا الإنتخابات البرلمانية الأخيرة (ايلول 2010) قالوا أنهم سيكونون في الشارع. وقد نزلوا للشارع بقوة, وبدأ الحراك المجتمعي المبارك في هذا الوطن يفرض نفسه على حساب اجندة الدولة الأردنية, لأنه يجب أن يكون هناك اصلاح حقيقي, لنبدأ بتغيير هذا الوطن, بعملية تغيير حقيقية وجادة, انتظرناها عشرات السنين".
الملك يقود الإصلاح
العبادي انتقل بعد ذلك للقول إن الناس بدأوا ينظرون بجدية للحوارات الجارية، مؤكدا وجوب أن يكون هناك اصلاحات حقيقية ترضي الناس. وأبدى إعتقاده في أن "الذي قاد الإصلاح في المرحلة الأخيرة هو جلالة الملك، الذي بدأ بمقابلة الناس على مختلف انسجتهم الإجتماعية والسياسية والقيادية والجغرافية، حتى أنه قابل قيادة الإخوان المسلمين".. وقال "أظن أنه لم يجتمع بهم منذ تولي العرش". ولفت إلى أن "الملك اجتمع مع نواب واعيان وعشائر ومخيمات, وزار مختلف المواقع في وقت تتواصل فيه المسيرات التي زاد عددها عن الف وخمسمائة مسيرة مطلبية وسياسية". مضيفا "بدأ الناس يتحسسون طريقهم, وكيف يكون طريق الإصلاح.. هل هو عبر حوار وطني, كما هو عنوان هذه الندوة، حيث شكلت لجنة حكومية للحوار الوطني". وأعرب العبادي عن أسفه "لأن هذه اللجنة شكلت برئاسة طاهر المصري رئيس مجلس الأعيان".. مبديا "أن رئيس مجلس الأعيان, وكذلك رئيس مجلس النواب, هما أعلى من رئيس الحكومة، إذ ينص الدستور على أن الشعب هو مصدر السلطات, والسلطة الأولى هي السلطة التشريعية, والسلطة الثانية هي السلطة التنفيذية (الحكومة), ثم تأتي السلطة القضائية ثالثاً". وتساءل "فكيف يقبل رئيس مجلس الأعيان أن يكون رئيساً للجنة تشكلها الحكومة..؟". وقال "كان يجب أن تكون لجنة الحوار الوطني لجنة ملكية, حتى تعطي لها قيمة معنوية عالية من جميع المواطنين".
وتابع العبادي "على كل حال, شكلت اللجنة بتركيبة لا ترتقي إلى مستوى الحوار الوطني الحقيقي. لقد استبعد منها الكثير من الجهات, بطريقة أو بأخرى. وكان داخلها الكثير من الجهات, التي لا تمثل إلا نفسها".
5 محاور لمخرجات الحوار
ثم قسم العبادي مخرجات الحوار الوطني الذي أجرته هذه اللجنة إلى خمسة محاور:
الأول: الديباجة, ونصح بقراءتها. وقال في قناعتي أنها أكثر من ممتازة. وهي تفي بالغرض.. يكفي أنها تتحدث عن المواطنة, وأن الحقوق والواجبات لا تتجزأ. وهذا عنوان اساسي ومهم.
الثاني: الإصلاحات الدستورية, وهذه طرحتها اللجنة خارج إطار التكليف, لكنه مطلوب وموافق عليه, ولا يشكل أي مشكلة. وقال "كل ما طرحوه مقبول ومطلوب, لكنه لا يحدث تغييرا جذرياً حقيقياً".
الثالث: قانون الأحزاب, وهو متفق عليه, ولا يوجد فيه أي اشكالية.
الرابع: قانون الإنتخاب, والقانون الذي وضعته اللجنة, هو نسخة عن قانون الإنتخاب السابق.
الخامس: النظام الإنتخابي, وهنا قال إنها تكمن عقدة العقد.
واضاف مخاطبا الحضور "صدقوني أن أكثرية اخواننا في هذه اللجنة, بعد أن صدرت القرارات, لا يعرفون ما هو قانون الإنتخاب.. أنا ممدوح العبادي, ابن الإنتخابات منذ كنت ولداً في المدرسة, في الجامعة, وفي النقابات, وفي النيابة, قرأت هذا النظام ولم افهمه..! وإذا أنا مش فاهمه, فكيف "ختيارة" في مخيم, أو في قرية, تريد أن تحمل الورقة وتذهب لتنتخب..؟!".
وتابع العبادي "سألت في أي بلد يوجد هكذا نظام, اجابوا أنه طبق في الإنتخابات العراقية الأخيرة". وتساءل "هل مطلوب نصير نذبح بعض كما يحدث في العراق على أساس طائفي..؟". وأبدى إعتقاده في "أن نظام الإنتخاب الذي وضع غير واضح, وغير سليم, ولا يستطيع أن يحقق ما نريده لبلدنا من تقدم".
واشار العبادي إلى وجود لجنة أخرى لبحث التعديلات الدستورية, مبديا اعتقاده في أنها "لجنة محترمة, لكنها من لون واحد, وليس هذا هو المطلوب. وقال "مطلوب أن يتمثل الرأي والرأي الآخر.. الرأي الوسطي, الذي ينبثق عن حوار.. الأصل أن يكون الحوار بين المختلفين, وليس بين المتفقين".
وأكد "الخطوات الإصلاحية ليست في الحوار وحده, وليست في قانون الأحزاب أو الإنتخاب".
الملك فرض ملف الكازينو على استثنائية النواب
وكشف العبادي عن أن حكومة الدكتور معروف البخيت لم ترد ادراج قضية الكازينو على جدول اعمال الدورة الإستثنائية الحالية لمجلس النواب، متسائلا كيف يمكن أن تحقق الحكومة الإصلاح..؟!"، وواصل كاشفا أنه "لولا تدخل الملك شخصياً, لما أدرج هذا البند على جدول اعمال الدورة".
واستطرد العبادي قائلا "مع ذلك, التغيير غير متوقع أن يتم بشكل جذري. التقدم والإصلاح يحتاج إلى وقت ليأخذ مجراه, وإلا فإن الدماء ستسيل، ونحن لا نريدها أن تراق".
وختم العبادي مؤيدا ما ذهب إليه المتحدث السابق (المهندس نجاتي الشخشير) من أن "المواطنة هي الأساس لأي مجتمع يريد أن يتقدم، بما تعنيه من مساواة وسيادة القانون, والحقوق, وهي التي لطالما كانت شعاري الإنتخابي الوطن للجميع".



button-black-Scom.png
button-black-us.png
button-black-tn.png
button-black-tay.png
button-black-jeeran.png
RenderedbOMO.png
red-flower.JPG 



مسئول اسرائيلي:

 حزب الله يستطيع إقفال المطارات والموانئ الإسرائيليّة
الجمعة, 19 آب/أغسطس 2011
المستقبل العربي
 قال الرئيس الأول لادارة مشروع حوما ضد الصواريخ في وزارة الأمن الاسرائيلية، وأحد مطوري منظومة الحيتس والقمر الاصطناعي التجسس اوفك، عوزي روبين، الذي يعد من كبار الخبراء في العالم لمنظومات الدفاع ضد الصواريخ، إن حزب الله قادر على إقفال مطاراتنا، مرافئنا، محطات الطاقة والمواقع الإستراتيجية. ويمكنني فقط أن آمل بأن يكون لدى الشعب الإسرائيلي ملاجئ جيدة.وأضاف، في مؤتمر عُقد بمدينة تل أبيب إن بحوزة المقاومة اللبنانيّة 13 ألف رأس متفجر قادر على إصابة تجمعات سكنية كبيرة في إسرائيل، أيْ حوالي 70 بالمئة من المواطنين في منطقة الساحل.وفي هذا المخرون موجود 1500 صاروخ قادر على إصابة تل أبيب، لافتًا إلى أنّ جزءًا من منظومات السلاح هذه، على سبيل المثال، صواريخ M600 المنصوبة في سورية ولبنان برعاية حزب الله، التي تمتلك قدرة عالية على إصابة الأهداف بشكل دقيق. وُتستند أقوال روبين على التحقيق الذي نشر في الآونة الأخيرة وأصدره مركز بيغين ـ السادات للبحوث الإستراتيجية في جامعة بار إيلان، ونُشر على الموقع الالكتروني للمركز.وقد أشار في التحقيق إلى أنّه أنه ليس فقط الحكومة الحالية تتحمل مسؤولية الإخفاق، الحكومة السابقة أيضًا قللت من أهمية تهديد الصواريخ على أهداف في إسرائيل وبذلك مهدت الطريق لتحوله إلى تهديد إستراتيجي. وقد أكد روبين أن الجيش الإسرائيلي لم يكتمل مع الحاجة إلى الدفاع عن مناطق الدولة من تهديد الصواريخ في الجنوب أو الشمال وأن اشتباكات موضعية على طول السياج من المتوقع أن تصعِّد إلى حرب استنزاف ضد وسط الدولة العبريّة.من ناحيته أعلن يوسي دروكر، رئيس إدارة الصناعات العسكرية (رفائيل) في المؤتمر عينه أن الانتهاء من إعداد منظومة (العصا السحرية) لاعتراض صواريخ بحرية، بحيث تصبح منظومة عملانية مطلع عام 2013، بمساعدة وتمويل أمريكي، ومشاركة شركة (رايتي أون) الأمريكية، كاشفاً عن بدء تطبيق تجارب ميدانية عليها مطلع العام المقبل، لأنها تهدف لاعتراض تهديدات أخطر ممّا تشكّله صواريخ القسام وغراد، وتشق طريقها نحو هدف قليل الارتفاع عن سطح الأرض، بحيث يصعب كشفها، وهي سابقة في مجالها، وليس ثمة دولة في العالم تتمتع بقدرات كهذه.وأضاف: تخضع المنظومة حاليّا لتحسينات في برنامجها ما سيزيد من نجاعتها، مشيراً بذلك إلى الخطر الذي ستشكّله التّهديدات القادمة من ناحية الشّرق، مما سيضطر إسرائيل لزيادة عدد المنظومات المضادة التي يشغّلها سلاح الجو بشكل ملحوظ، لكن ذلك لا يبدو ممكناً في إطار الموازنة الحاليّة.من ناحيته قال قائد الدفاع الجوي السابق شاحار شوحاط إن النجاح الذي سجلته منظومة (القبة الفولاذية) المتخصصة باعتراض وإسقاط الصواريخ قصيرة المدى خلال التصعيد الذي شهده شهر نيسان (أبريل) الماضي مع حركة حماس في قطاع غزة، منح القيادة السياسية في تل أبيب حرية أوسع في اتخاذ القرارات، وبالتالي نفى الحاجة لتنفيذ عملية هجومية جوية واسعة لوقف إطلاق الصواريخ، تشبه (الرصاص المصبوب)، وقارن شوحاط بين التصعيد الذي شهدته المنطقة الجنوبية نهاية عام 2008، وأدى في النهاية لعملية (الرصاص المصبوب) والتصعيد الأخير الذي عاشته المنطقة في نيسان (أبريل) 2011 قائلاً: قبل الحرب الأخيرة، وفي ظل غياب منظومات قادرة على اعتراض الصواريخ، تعرضت الحكومة لضغط جماهيري وجد ترجمته بضرورة العمل بكل الطرق والسبل لوقف إطلاق الصواريخ، حينها تقرر القيام بعملية برية كلفت مئات ملايين الشواقل يومياً من القتال، إضافة للإصابات في صفوف قواتنا، وأضرار البنية التحتية، وبعد عدة أسابيع جرى الاتفاق على وقف إطلاق النار.وأضاف: لكن الأمر تكرر في نيسان الماضي حين تجدد إطلاق الصواريخ والضغط الجماهيري، إلا أننا هذه المرة توفرت لدينا بطاريتان من القبة الفولاذية عملتا بشكل جيد، وأسقطت غالبية الصواريخ، دون الحاجة لعملية برية في عمق القطاع.من جهته، قال نائب مدير الصناعات الجوية الصهيونية يائير هرماتي، إنّ الجيش سيتمكّن بحلول مطلع عام 2012 المقبل، من إطلاق أول صاروخ من طراز (حيتس 3) المعدّل، المضاد للصواريخ طويلة المدى، بما فيها تلك المزودة برؤوس حربية غير تقليدية، مما سيمنح الدولة العبريّة الحماية ضد تهديدات الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، كما يعطيه القدرة على اعتراض أسلحة الدمار الشامل خارج الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية، على حد وصفه.جدير بالذكر أنّ قتل الكثير من المدنيين، هو أشد ما تخشاه إسرائيل لأنّ ذلك سيؤثر على استقرار المجتمع الإسرائيلي المهاجر وسيدفعه باتجاه هجرة معاكسة إلى خارج إسرائيل. وقد اتضح وتأكد الخوف الإسرائيلي، في مؤتمر الجو والفضاء الذي عقد مؤخرًا في القدس الغربيّة، حيث ألقى عوزي روبين محاضرة مقلقة، وقال الرجل الذي ترأس مشروع حوما لإنتاج صواريخ حيتس إنّ هدف العدو في الحرب المقبلة ضد إسرائيل سيكون مهاجمة المجتمع الإسرائيلي، وليس مهاجمة الجيش الإسرائيلي، وعن طريق استخدام أسلحة دقيقة شديدة القوة، سيحاول أن يخلق لنفسه تفوقا جويا من دون سلاح جو.ومعنى ذلك ببساطة هو انتقال المعركة المقبلة إلى أرض وأجواء الدولة العبريّة وموانئها، ومحطات الطاقة لديها، ومراكز المواصلات، ومراكز القيادة المدنية والعسكرية، ولذلك، فإنّ روبين أشار إلى أن هذا قد يكون دافعا جيدا لإعادة النظر في العقيدة القتالية الإسرائيلية التي تركز على العمليات الهجومية وتولي أهمية أقل للعمليات الدفاعية.

هل تذهب الحركة الاسلامية لمواجهة مفتوحة مع الدولة?

فهد الخيطان
الثلاثاء, 12 تموز/يوليو 2011
بينما تعمل فرق امانة عمان ببطء شديد على نبش ميدان جمال عبد الناصر "دوار الداخلية" الذي ذاع صيته بعد اعتصام 24 اذار الماضي واعادة تأهيله وزراعته بالاشجار بما لا يسمح لتجمع ثلاثة اشخاص, تحاول الاجهزة الحكومية معرفة موقع الميدان الذي ينوي شباب من حركة 24 اذار تنظيم اعتصام مفتوح فيه يوم الجمعة المقبل او ما بات يعرف باسم اعتصام 15 تموز.
يساور المسؤولين في الدولة قلق كبير من فكرة الاعتصام المفتوح, ويخشى كثيرون من سيناريو أسوأ مما حدث في 25 اذار الماضي, وتقول اوساط مقربة من الحكومة انها لن تسمح ابدا باعتصام مفتوح والتخييم في ساحات عامة. ويحذر هؤلاء من ان الاعتصام المفتوح يعني ان شعاراته ستكون مفتوحة ايضا على كل الاحتمالات ومن غير المستبعد ان يقدم المعتصمون على رفع شعار الثورات العربية الشهير: "الشعب يريد اسقاط النظام " عندها ستكون المواجهة كذلك مفتوحة على سيناريوهات مأساوية تجر البلاد الى صدام اهلي كارثي.
هل يمكن للحركة الاسلامية ان تذهب في المواجهة مع الدولة الى هذا الحد?
نطرح هذا السؤال لان المعطيات المتوفرة تشير الى ان فكرة الاعتصام المفتوح يتبناها شباب الحركة الاسلامية في "24 اذار", ودار حولها جدل طويل مع الاتجاهات اليسارية والقومية الفاعلة في حركة شباب 24 اذار, انتهى الى رفض هذه المجموعات مقترح الاسلاميين, وصدرت مواقف علنية بهذا الخصوص من عدة اطراف, لكن شباب الحركة الاسلامية ظلوا مصممين على الاعتصام, رغم مقاطعة شركائهم.
ثمة شعور لدى الحلفاء التقليديين للحركة الاسلامية انها تسعى لتوظيف اللحظة التاريخية باقصى قدر ممكن, او" ركوب " موجة التغيير كما تتهمها الحكومة للاستئثار بالسلطة مستندة في ذلك على حضورها القوي في الشارع كقوة وحيدة منظمة. وزاد من شعورها في القوة برأي هؤلاء توجه الولايات المتحدة الامريكية لفتح حوار مع الحركات الاسلامية في العالم العربي - "الحركة الاسلامية في الاردن رفضت الدعوة للحوار ووضعت شروطا لقبولها في المستقبل" - مما يؤهلها حسب الرأي نفسه لتكون شريكا مقبولا في الحكم من الجانب الامريكي.
يصعب على اي محلل مستقل ان يسلم بأن الحركة الاسلامية تتبنى رسميا سياسة التصعيد وفق المنطق المذكور, لكن المؤكد ان في اوساط الحركة تيار يحمل هذه القناعة ولا يبالي بنتائج المواجهة مع الدولة ورفع شعارات تخرق السقوف, وهذا ليس حال الحركة الاسلامية فقط, انما تيارات وحركات عديدة في البلاد, غير ان خطورته في حالة الحركة الاسلامية تأتي من كونها الحركة الاكبر والاكثر تنظيما.
ويبدو ان الحركة الاسلامية بدأت تستشعر المخاطر المترتبة على خيار الاعتصام المفتوح, خاصة بعد انفضاض الحلفاء من حولها ورسائل التحذير التي تلقتها من الدولة, اذ تشير آخر المعلومات المتوفرة الى ان قيادات الحركة الشبابية ستعقد غدا اجتماعا لحسم القرار النهائي بشأن اعتصام الجمعة وعلى الطاولة خيارات بديلة من بينها تأجيل الاعتصام, او الاكتفاء بتنظيم اعتصام لعدة ساعات في احدى الساحات العامة.
لكن البلبلة والقلق اللذين تسببهما مثل هذه التطورات ينبغي ان تدفع أصحاب القرار الى تسريع عملية الاصلاح واتخاذ ما يكفي من الاجراءات التي تطمئن الرأي العام بجدية الدولة في التغيير لتنزع بذلك الذرائع من جميع الاطراف, من دون ذلك فأن المواجهة تبقى امرا محتملا في اي وقت وفي اي ميدان وستدفع كل الاطراف تكلفتها ولا الحركة الاسلامية وحدها.
  fahed.khitan@alarabalyawm.net



لماذا يعارض بعض الأردنيين من أصل شرق أردني فكرة الملكية الدستورية؟

4-3-20-11
د. محمود الكوفحي
هذا السؤال كثر طرحه في الآونة الأخيرة مع تزايد الحراك الشعبي المطالب بتخلي الملك عن السلطة المطلقة، التي حكم بها الأردن لغاية الآن، والتحول إلى الملكية الدستورية. في هذه الحالة تسمي الأغلبية البرلمانية رئيس الوزراء ويقوم البرلمان بالرقابة والمحاسبة وفقا للدستور لقد استندت تلك المطالبات على تفشي الفساد وتزوير الانتخابات مرة بعد أخرى مع التعدي على حقوق المواطنين الانتخابية بقانون الصوت الواحد. وتنامي أشكال الفساد خلال العقد الماضي والتعدي على المال العام ومؤسسات القطاع العام الناجحة التي كانت تملكها الدولة، وتحويلها بعقود صورية إلى شركات مملوكة لعدد من الاشخاص...وأدت أيضا إلى مضاعفة المديونية قرابة ثلاث أضعاف خلال عقد من الزمن...بالرغم من كل ذلك، تجد أعدادا كثيرة من أبناء الأردن من أصل شرق أردني تقاوم فكرة المطالبة بتقليص سلطة الملك المطلقة والتحول إلى ملكية دستورية. لماذا يتخذ هؤلاء الأردنيون هذا الموقف الذي يتعارض مع الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد، ويظهرون وكأنهم يرغبون باستمرار الوضع القائم والدفاع عنه؟إن السبب الرئيس في هذا الموقف باعتقادي عائد لما تروجه عدة أجهزة محلية وعربية وأجنبية، من أن غالبية سكان الأردن الآن هم من أصل فلسطيني، وبالتالي فإن أي تحول ديمقراطي حقيقي سيؤدي إلى سيطرة الأردنيين من أصل فلسطيني على مقاليد الأمور وتحول الأردنيين من أصل شرق أردني إلى أقلية أو مواطنين من الدرجة الثانية في بلدهم. بالإضافة إلى ما تقدم، فإن هؤلاء يعتقدون أن استلام الأردنيين من أصل فلسطيني مقاليد الأمور سيحول الأردن إلى وطن بديل، حيث ستقول اسرائيل ومن يقف وراءها من الدول الغربية أنه لاحاجة لقيام دولة فلسطينية ثانية، وبذلك تحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن.هذه المخاوف يمكن للمراقب أن يتفهمها وأن يستوعبها لو كانت تستند على معطيات سليمة. ولكنها لا تستند إلى حقائق، وإنما على فبركات موجهة ومعلومات غير صحيحة، وقراءة مغلوطة للمستقبل. فليس الأردنيون أقلية في الأردن كما تروج تلك الأجهزة، كما أن التحول الديمقراطي والحرية الحقيقية لن يفرز برلمانا وحكومة مزورين يعملان لحساب مصلحة اسرائيل، كما كان الحال في برلماناتنا المزورة وحكوماتنا المتعاقبة خلال العقدين الماضيين، التي دأبت على قمع الحريات وقامت بالتحالف مع أعداء الأردن ضد إرادة الشعب الأردني في كثير من الأحيان. على العكس تماما، فأن التحول إلى الديمقراطية الحقيقية سيفرز برلمانا حرا وحكومة تعبر عن الشعب في الأردن تكون الحامي للوطن ومصالحه. وعندما تصبح لدينا دولة يحترم فيها القانون ويطبق على كافة المواطنين بدون استثناء، ولا يظل أحدا فوق القانون، فإن انتماء جميع الأردنيين من شتى الأصول للأردن الجديد سيكون من القوة بحيث لن يسمح لسيناريو الوطن البديل أن يتحقق.إن التحول إلى نظام حر يحفظ كرامة المواطن سيجعل كل من يحمل الجنسية الأردنية يعتز بها ويدافع عنها بكل ما يملك. فهكذا يغرس الولاء والانتماء للأردن وليس بالاستمرار بتجاهل حقوق المواطنين ورعاية الفساد. إن الذين يقاومون التغيير والإصلاح لا زالوا يعيشون أوهام الماضي، أما دعاة الانفتاح والتحول إلى الديمقراطية الحقيقية فإنهم يعيشون الحاضر والمستقبل، ويراهنون على وعي أبناء الأردن الواحد من جميع الأصول والمنابت ورغبتهم الحقيقية في صنع أردن قوي قادر على مواجهة تحديات العصر، يكون مصدر فخر واعتزاز لكافة الاردنيين. أما قضية فلسطين، فإن رواد التغيير، شباب هذه الأمة الذين بدأوا ثورتهم على الظلم والطغيان، سيكونون قادرين على إيجاد الحل المناسب لها وتحويل مخاوف الوطن البديل إلى قصص تحكي لأبنائنا عندما نتحدث عن تاريخ الأمة العربية في العقود الستة الماضية
.

"الشعبي للإصلاح":

 الخطوة الأولى هي إعلان الملك أنه رأس للدولة دون السلطات
الخميس 4 آب/أغسطس 2011
حصلت "حركة ابداع" على نص وثيقة قيد الإعداد النهائي للإصلاح في الأردن، أعدها التجمع الشعبي للإصلاح، الذي شكلت مبادرة الملكية الدستورية نواته الأولى، تعبر أن الخطوة الأولى على طريق الإصلاح هي إعلان جلالة الملك تؤكد ثقته بالشعب واحترامه لقوى الإصلاح بأن يعلن للأردنيين ما أعلنه للشعب الأميركي وهي تحويل الأردن إلى ملكية دستورية، وأنه يريد التحول إلى ملك دستوري، يكتفي بموجب ذلك بأن يكون رأساً للدولة، وليس رئيساً للسلطات.
الوثيقة التي حصلت "حركة ابداع" على نسخة منها هي الصياغة الثانية للوثيقة، التي يتواصل الحوار حولها.
وعلمت "حركة ابداع" أن قيادات بارزة في جماعة الإخوان المسلمين، من ضمن التجمع الذي يعتزم إعلان هذه الوثيقة بعد الإنتهاء من مناقشتها، والتوصل إلى صيغتها النهائية.
من بين رموز جماعة الإخوان المنخرطين في التجمع سالم الفلاحات، المراقب العام السابق للجماعة، الدكتور رحيل الغرايبة، رئيس الدائرة السياسية في الجماعة، الدكتور نبيل الكوفحي عضو المكتب التنفيذي السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي.
كذلك، يضم التجمع شخصيات بارزة من عيار الدكتور محمد خير مامسر، الوزير الأسبق، النائبين الأسبقين علي الضلاعين، ومحمد أبو عليم، محمد السعودي، واللواء المتقاعد موسى الحديد، وجمال الطاهات.
هنا نص الوثيقة:
 مقترح خطة وطنية للإصلاح
أولاً: مقدمة عامة
أهم ما يميز أي خطة إصلاحية، حتى تسمى خطة وطنية للإصلاح، أنها لا تستبعد أي طرف، وتسعى لإشراك الجميع في عملية سياسية وطنية جامعة، تستند إلى معايير واضحة، ومحطة محددة للوصول، وتحتكم فيها وجهات النظر إلى صناديق الاقتراع.
خطة الإصلاح يجب أن تبدأ من تأسيس الثقة المتبادلة. وهذا يتطلب، تعزيز فكرة الإصلاح في العمل الوطني، تأسيساً على ركنين هما: النبذ المتبادل للعنف من قبل النظام وقوى الإصلاح، والاحترام المتبادل. فمن دون هذين الركنين، لن يستطيع الملك أن يحقق الإصلاح منفرداً، كما لن تستطيع قوى الإصلاح أن تحقق الإصلاح منفردة أيضاً. إنفراد الملك بعملية الإصلاح، وسعي قوى الفساد لتغييب قوى الإصلاح عن مسيرة الإصلاح وخطواته، يفرغ الإصلاح من مضامينه، ويثير من الشكوك أكثر بكثير مما يعزز الثقة. كما أن نفي شراكة الملك في المشروع الإصلاحي، كرد فعل على استثناءه قوى الإصلاح، يدخل الحراك الإصلاحي إلى مستوى جديد من المطالب.  
الركن الأول لمسيرة الإصلاح: نبذ العنف، متحقق إلى درجة كبيرة، وهناك انتفاء كامل لشرعية استعمال العنف من قبل النظام وقوى الإصلاح. فالنظام بادر إلى العنف منخفض الشدة يمارس بطريقة استفزازية، وهو تكتيك لجأت له بعض دوائر الفساد والاستبداد التي تريد أن تتجنب استحقاقات الإصلاح بدفع البلاد إلى دوامة العنف، عبر استفزاز قوى الإصلاح. بالمقابل فإن قوى الإصلاح الجادة تصر على نبذ العنف والتأكيد على سلمية تحركها.
والركن الآخر لمعادلة الشراكة في مسيرة الإصلاح؛ الاحترام المتبادل، ما زال يقف على ساق واحدة. حيث يقوم النظام بالإصرار على مطلبه وهو أن تعبر قوى الإصلاح بشكل يومي عن احترامها للنظام، دون أن يبدي النظام احتراماً واضحاً واعترافاً بقوى الإصلاح، كمكون حيوي وأساسي من مكونات الدولة. فقوى الاستبداد والفساد تكثر من استعمال مفهوم "لي الذراع"، للقول بأن الملك وحده هو الذي سيقوم بالإصلاح، وهي تحرض الملك ضد قوى الإصلاح، لضمان استبعادها وإقصائها عن المشروع الإصلاحي. وتحالف الفساد والاستبداد يلجأ لمثل هذه الغاية بالقول بأن قوى الإصلاح مجرد أقلية، وأنها لا تعرف ما تريد. وأن هذه القوى جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل. مما يمهد لحالة سياسية، يصبح الملك فيها بالنسبة لقوى الإصلاح جزءاً من المشكلة، وليس جزءاً من الحل.
غياب الاحترام المتبادل القائم على الاعتراف المتبادل، والذي نجحت قوى الاستبداد والفساد في تحقيقه، أغلق الكثير من قنوات التواصل، وهو يمثل تهديداً يومياً لتوازن العلاقة بين النظام وقوى الإصلاح، كما أنه يهدد التوازن القائم على نبذ العنف. فحتى يتحول نبذ العنف إلى مكون موضوعي وحقيقي للحياة السياسية لا بد وأن يدعّم بالاحترام المتبادل.
المطلوب الآن، مواقف واضحة وبدايات جدية تعيد الثقة بين أطراف العملية السياسية، وتمكن من بدء مسيرة مشتركة قائمة على وحدة الأهداف، ووحدة المعايير. فما زالت المساحات المتاحة للاختلاف ضبابية، مما يؤذي وضوح مساحات الاتفاق.
من جهة؛ التجمع الشعبي للإصلاح، قام على أساس السعي لإصلاح النظام، حيث تبنى منذ أيامه الأولى مبدأ الملكية الدستورية، وإعادة السلطات للشعب، دون تهديد لديمومة النظام. مع إصرار صريح وواضح على أن تكون كل تحركاته سلمية.
المطلوب الآن، خطوات مقابلة من قبل الملك، تؤسس للثقة تبدأ من التعبير عن احترام الشعب الأردني، والثقة بقوى الإصلاح. وهذه الخطوة ضرورية لبدء عملية إصلاح متدرجة زمنياً، ومتصاعدة، بحيث يمكن الانطلاق من كل خطوة نحو الخطوة التي تليها.
النقطة المهمة التي يجب أن يشار لها بوضوح، أن الإصلاح ليس مشروع ومقاولة، وليس مجرد مهمة شكلية يقوم بها الملك منفرداً مع القوى التي قادت البلاد إلى ما هي فيه الآن. ومن جهة التجمع الشعبي للإصلاح، فإنه يرى أن الإصلاح مهمة لا تتم دون مشاركة الملك والشعب. فإنفراد الملك بخطوات دون إشراك الشعب، مثل لجنة الحوار ولجنة تعديل الدستور، خيارات غير صحيحة سياسياً، وتمثل استمراراً لنهج الاستئثار بالحكم والسلطة، وهو النهج الذي فقد شرعيته وأصبح يمثل استفزازاً حقيقياً لقوى الإصلاح. كما أن فرض الإصلاحات من الشارع يخرج فكرة الإصلاح عن مسارها. المطلوب صيغة تبدأ بموقف فكري جديد قوامه: أن الملك لا يستأثر بالسلطة، ولا يريد أن يكتفي بتنفيذ إصلاحات شكلية تمكنه من الحفاظ على المعادلة الاجتماعية الراهنة للسلطة. الإصلاح يبدأ من نقطة الاعتراف المتبادل، القائم على الاحترام والثقة المتبادلين. فكل من الملك وقوى الإصلاح مكونات موضوعية للحل، وليست أسباب للمشكلة.
الخطوات الموضحة تالياً هي مقترح لحوار وطني بين كل مكونات العملية الإصلاحية، لا يستثنى منها أحد. على أن لا يفرض عليها أي شخص متورط بممارسات فاسدة، أو معادية للإصلاح.
وخطة الإصلاح المقترحة، يمكن إنجازها خلال عام واحد. على أن تقوم على أساس أن كلاً من الملك وقوى الإصلاح طرفين مركزيين للحل، وعدم النظر لأي منهما باعتباره جزءاً من المشكلة، بل كلاهما جزأين متكاملين للحل. ويمكن تحويل الخطة الموصوفة تالياً إلى مصفوفة ببرنامج زمني يعبر عن التزام كل الأطراف بخطة إصلاح وطني متكاملة.
الخطوات الأساسية للمسير
الخطة المقترحة ليست وصفاً للمسارات، بل هي وصف لخطوات عمل. المسارات التي ينفرد فيها طرف واحد لتحديد المسارات، ليست مسارات من أجل المستقبل، بل هي مجرد تصورات فارغة لتضليل كل من يريد العمل من أجل المستقبل. وهي تعمق الأزمة وتزيدها حدة، وتزيد كلف الخروج منها. لهذا اعتمدت الخطة المقترحة على خطوات مشتركة لكل أطراف العملية السياسية. فهناك خطوة مقترحة للملك تنطلق من أنه جزء من الحل وليس جزءاً من المشكلة. وهناك خطوة مقترحة لقوى الإصلاح تنطلق من حقيقة أن هذه القوى جزءاً من الحل، وليست جزءاً من المشكلة.     
الخطوة الأولى هي: مبادرة ملكية تؤكد ثقته بالشعب واحترامه لقوى الإصلاح بأن يعلن للأردنيين ما أعلنه للشعب الأميركي وهي تحويل الأردن إلى ملكية دستورية: وهذه الخطوة تكون على شكل خطاب ملكي موجه للشعب الأردني بأنه يريد التحول إلى ملك دستوري، يكتفي بموجب ذلك بأن يكون رأساً للدولة، وليس رئيساً للسلطات، وتقديم ضمانات حقيقية ضد تزوير الانتخابات تستند إلى فكرة أساسية وهي: تجريم تزوير الانتخابات واعتبار أي فعل من شأنه تزوير إرادة الناخبين عمل من أعمال العدوان، واعتداء صريح على إرادة الشعب، وهو فعل مساوٍ للخيانة العظمى، وعقوبته عقوبة جريمة الخيانة العظمى.
هذه الخطوة تحدد المحطة الأساسية لمسيرة الإصلاح. فنحن لا نمضي في عملية الإصلاح على غير هدى، ودون تحديد للمحطات الرئيسية لهذه المسيرة. كما أن المسير المشترك يحتاج إلى معيار يحترمه الجميع وهو صندوق الاقتراع. وتجريم تزوير الانتخابات هو ضمانة لوحدة المعيار الذي سيطبق على الجميع. فكما تحترم الدول موازينها، ونظم القياس فيها، (وحدة المعايير والموازين هو الذي مكن من نشوء الدولة الحديثة ومن احترام الدولة ومؤسساتها والثقة فيها) يجب احترام صناديق الاقتراع، والتأكيد على أن المس "بموضوعية" الانتخابات، ونزاهتها وشفافيتها، هو اعتداء صريح على كل الدولة. وهذا يقتضي إضافة إلى الرقابة من قبل هيئة مستقلة على الانتخابات، تأمين إشراف قضائي شامل، والسماح بكافة أنواع الرقابة، ما دام لا يوجد ما يدعو للخجل، وما دامت الانتخابات تجري بشفافية. مع قانون انتخابات واضح يعتبر تزوير الانتخابات جريمة خيانة عظمى.
الخطوة الثانية هي استجابة إيجابية من قوى الإصلاح للخطوة الملكية: وذلك بأن تنخرط قوى الإصلاح بتأسيس جمعية وطنية تشترك فيها كل مكونات الطيف السياسي والاجتماعي في الدولة. مع ضرورة استثناء كل من تورط بالفساد، أو مارس الكذب المنهجي، أو أعلن عدائه للإصلاح.
الجمعية الوطنية ضرورية لضمان شرعية كل الخطوات التي ستتم لتنفيذ عملية التحول نحو الملكية الدستورية. والضرورة الأخرى لهذه الجمعية هي الاتفاق على الخطوات الضرورية للانتقال نحو الملكية الدستورية خلال عام واحد، وتقديم الضمانات المتبادلة للمستقبل.
الجمعية الوطنية تلتئم لتنفيذ المهام التالية:
أولاً: تحديد التعديلات الدستورية (المواد التي يجب تعديلها) التي تحقق المبادئ التالية:
1-      الشعب مصدر كل السلطات. وهذا يقتضي إعادة كامل السلطات للشعب الأردني، بحيث يكون مصدراً مباشراً لشرعية ممارسة السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو صاحب قرار الحرب والسلم، وإقرار المعاهدات وإبطالها، ويكون الملك رأساً للدولة، وليس رئيساً للسلطات، ويجب النأي بموقع الملك عن الانشغال بالأمور التنفيذية.
2-      مجلسي النواب، والأعيان يمثلان الشعب الأردني، فلا بد من أن يكونا منتخبان انتخاباً حراً ومباشراً، وفقاً لقانون انتخابات ديمقراطي، يكرّس التنافس بين القوائم والبرامج السياسية. وأن يكون المجلس محصناً من أي إرادة تعلو فوق إرادة الشعب، فلا يحل، ولا تعلّق أعماله، ولا يمدد له، ويمارس سلطاته حال انتخابه، ويملك وحده قرار الانتخابات المبكرة.
3-      تلازم السلطة والمسؤولية، بحيث لا يتولى السلطة التنفيذية من ليس له تمثيل شعبي، وكل من يتولّى المسؤولية يجب أن يخضع للمحاسبة والمساءلة والرقابة، وإلغاء الحصانة عن رئيس الحكومة والوزراء وأن يخضعوا للقضاء المدني. فمن أمن العقوبة أساء التصرف.
4-      القضاء المستقل هو الضمانة المركزية والأساسية للعدالة. وهذا يتطلب عدم إلحاق القضاء بالسلطة التنفيذية أو بالملك، وتمكين القضاء المدني من بسط رقابته الكاملة لضمان العدالة. وهذا يتطلب إلغاء المحاكم الاستثنائية ومحكمة امن الدولة، وإلحاق هيئة مكافحة الفساد بالجهاز القضائي، واعتماد مبدأ الانتخاب داخل المجلس القضائي.
5-      الجيش والأجهزة الأمنية مؤسسات وطنية مستقلة، وجدت لخدمة الدولة وحراسة الشعب الأردني وتحقيق أمنه، ولذلك يجب عدم الزج بها في الاختلافات السياسية، كما لا يجوز استخدامه لإلحاق الأذى بالشعب أو بأي فئة من فئاته. ولضمان ذلك لا بد من إنشاء لجنة الدفاع والأمن في مجلس الأمة، وتفعيل وزارة الدفاع.
6-      إرادة الشعب مصونة، ويعبّر عنها بالانتخابات، ولا بد من النظر إلى تزوير الانتخابات والتلاعب بإرادة الشعب باعتباره جريمة خيانة عظمى، وأن تشرف على الانتخابات هيئة وطنية عليا مستقلة.
7-      الحقوق الفردية والحريات العامة مصونة بنصوص دستورية ثابتة لا يجوز مصادرتها أو الاعتداء عليها أو الانتقاص منها، تحت أي ذريعة من الذرائع. وهذا يقتضي تشكيل محكمة دستورية على أسس ديمقراطية تضمن عدم وجود قوانين تمنع أو تعيق تمتع الأردنيين بحقوقهم الأساسية.
8-      المال العام، بلا استثناء، بما في ذلك موازنات الجيش والأمن والديوان الملكي، يخضع لرقابة مجلس الأمّة، ويجب أن يكون مصوناً من الاعتداء أو العبث، ويجب أن يبسط مجلس الأمّة رقابته على جميع مؤسسات الدولة بلا استثناء. وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على إلغاء كافة عمليات نقل الملكية غير الشرعية التي تمت على أراضي الخزينة والشركات والمؤسسات العامة.
9-      رفض مشاريع التوطين، وإفشال مؤامرة الوطن البديل، وتوحيد قوى الشعب الأردني في مواجهة الاحتلال الصهيوني، والسير على طريق تحرير الأرض والمقدسات، وعودة اللاجئين والمهجرين إلى أرضهم وديارهم.
10-    الأردن جزء من الأمة العربية الإسلامية. وهذا يتطلب التكامل والتنسيق مع الشعوب والأقطار العربية في جميع المجالات، وعلى جميع الأصعدة لتعزيز علاقات الأخوّة وحسن الجوار مع دول العالم الإسلامي والتعاون في بناء المشروع النهضوي العربي الإسلامي الكبير على المستوى العالمي.
ثانياً: تحديد الجدول الزمني للتعديلات الدستورية التي سيتم بموجبها رد السلطة للشعب، وضمان عملية التحول الآمن إلى الملكية الدستورية.
ثالثاً:الضمانات الأساسية والمتبادلة لعملية التحول.
•        يترافق الإعلان عن تشكيل الجمعية الوطنية، حل مجلسي النواب والأعيان، وإحالة صلاحيات المجلسين بشكل مؤقت للجمعية الوطنية.
•        يتم الإعلان عن مهام الجمعية الوطنية، ويقسم كل أعضائها في جلستها الأولى بأنهم سيقومون بالعمل على تنفيذ المهام على أكمل وجه.
•        تحدد الجمعية بجلستها الأولى طريقة اتخاذها للقرارات النهائية، إضافة إلى تسمية مكتب رئاسة ولجنة تنسيق وسكرتاريا.
•        تعتبر الجمعية الوطنية بحكم المنحلة حال مصادقة مجلس النواب الجديد على كافة التعديلات الدستورية التي تم إقرارها من قبلها.
 الخطوة الثالثة هي المهمة الأولى للجمعية الوطنية:
تقوم الجمعية الوطنية بمناقشة وإقرار قانون انتخابات جديد. يلتزم بما يلي:
1.       ضمان الحفاظ على الهوية الأردنية للدولة.
2.       ضمان نزاهة وشفافية الانتخابات من خلال، تجريم أي شكل من أشكال التزوير، والتأكيد على أن التزوير جريمة اعتداء على إرادة الأمة، وهي مساوية للاحتلال الأجنبي. ويجب أن تكون جريمة تزوير الانتخابات مساوية من حيث العقوبة لجريمة الخيانة العظمى، فكلاهما اعتداء على الإرادة الحرة للشعب.
3.       ضمان تمثيل كل مكونات المجتمع، عبر التأكيد على النظام الانتخابي المختلط، واعتماد القوائم المغلقة على مستوى المحافظات وعلى المستوى الوطني. على أن تحصل القوائم الوطنية على حد أدنى من الأصوات في كل محافظة، حتى تبقى القوائم الوطنية معبرة عن كل الوطن، ولا تستثني أي جزء منه. 
الخطوة الرابعة هي الخطوة الثانية للجمعية الوطنية:
انتخاب حكومة انتقالية، من بين أعضائها، تقوم على تنظيم الانتخابات، حسب القانون الذي أقرته الجمعية الوطنية. يلتزم أعضاء الجمعية الوطنية بعدم الترشح للانتخابات النيابية.
الخطوة الخامسة هي الخطوة الثالثة للجمعية الوطنية:
تشكيل لجنة فنية لصياغة تعديلات دستورية محددة وإقرارها من قبل الجمعية الوطنية بشكل أولي، وتحول لمجلس النواب الجديد ليقرها بشكل نهائي، وذلك حسب آلية عمل مناسبة. وتنحل الجمعية الوطنية حكماً بعد إقرار كافة التعديلات الدستورية المقرة منها من قبل مجلس النواب الجديد. 

المادة 23 معدلة بقانون مكافحة الفساد تئد المعارضة في مهدها
الأربعاء, 21 أيلول/سبتمبر 2011
العنوان أعلاه، يلخص مضمون مقال الزميل يحيى شقير المنشور اليوم الإربعاء في الزميلة "العرب اليوم".
هنا نص المقال:
في الأخبار أن الحكومة اعادت إلى مجلس النواب مشروع القانون المعدل لقانون هيئة مكافحة الفساد لسنة 2011 الذي كانت سحبته من المجلس في وقت سابق لاجراء تعديل عليه بعد إصرار النواب على شطب المادة 23 منه ورفض الاعيان شطب المادة المذكورة.وللتذكير تنص المادة 23 في القانون قبل ان تسحبه الحكومة "كل من اشاع أو عزا أو نسب من دون وجه حق إلى احد الاشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت ايا من افعال الفساد المنصوص عليها في المادة (5) من هذا القانون ادى إلى الاساءة لسمعته أو المس بكرامته أو اغتيال شخصيته عوقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر وبغرامة لا تقل عن الف دينار ولا تزيد على خمسة الاف دينار".وبمقتضى التعديل الذي اجرته الحكومة على المادة تم شطب عقوبة الحبس ورفع الغرامة بأن لا تقل عن ثلاثين الف دينار ولا تزيد على ستين الف دينار.وقبل الدخول في الأساس فإن الدستور ينص في المادة 95:
1- يجوز لعشرة أو اكثر من أعضاء أي من مجلسي الأعيان والنواب أن يقترحوا القوانين ويحال كل اقتراح على اللجنة المختصة في المجلس لإبداء الرأي فإذا رأى المجلس قبول الاقتراح أحاله على الحكومة لوضعه في صيغة مشروع قانون وتقديمه للمجلس في الدورة نفسها أو في الدورة التي تليها.
2- كل اقتراح بقانون تقدم به أعضاء أي من مجلسي الأعيان والنواب وفق الفقرة السابقة ورفضه المجلس لا يجوز تقديمه في الدورة نفسها.وبما أن الحكومة قامت بسحب مشروع القانون في الدورة نفسها فمن باب أولى أن لا يجوز لها التقدم بمشروع القانون على الأقل في الدورة نفسها.وبما أن مجلس النواب يناقش التعديلات الدستورية بإنشاء المحكمة الدستورية أود الإشارة إلى ما قررته المحكمة الدستورية العليا في مصر (قضية رقم 37 لسنة 11 قضائية المحكمة الدستورية العليا دستورية 6/2/1993) أنه: إذا تضمن القرار بقانون قيدا على حق أو حرية عامة يعطل الانتفاع بها أو يضيق من نطاقها, وقع هذا القرار في حومة المخالفة الدستورية لخروجه على الحدود التي رسمها الدستور في مجال تنظيمها.بالتالي أن يكون انتقاد العمل العام من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل التعبير وأدواته حقا مكفولا لكل مواطن, وأن يتم التمكين لحرية عرض الآراء وتداولها بما يحول- كأصل عام- دون إعاقتها أو فرض قيود مسبقة على نشرها. وهي حرية يقتضيها النظام الديمقراطي, وليس مقصودا بها مجرد أن يعبر الناقد عن ذاته, ولكن غايتها النهائية الوصول إلى الحقيقة من خلال ضمان تدفق المعلومات من مصادرها المتنوعة, وعبر الحدود المختلفة, وعرضها في آفاق مفتوحة تتوافق فيها الآراء في بعض جوانبها أو تتصادم في جوهرها ليظهر ضوء الحقيقة جليا من خلال مقابلتها ببعض, وقوفا على ما يكون منها زائفا أو صائبا, منطويا على مخاطر واضحة أو محققا لمصلحة مبتغاه, ومن غير المحتمل أن يكون انتفاد الأوضاع المتصلة بالعمل العام تبصيرا بنواحى التقصير فيه, مؤديا إلى الإضرار باية مصلحة مشروعة. وليس جائزاً بالتالى أن يكون القانون أداة تعوق حرية التعبير عن مظاهر الإخلال بأمانة الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة أو مواطن الخلل في أداء واجباتها, ذلك أن ما يميز الوثيقة الدستورية ويحدد ملامحها الرئيسية هو أن الحكومة خاضعة لمواطنيها, ولا يفرضها إلا الناخبون . وكلما نكل القائمون بالعمل العام- تخاذلا أو انحرافا- عن حقيقة واجباتهم مهدرين الثقة العامة المودعة فيهم, كان تقويم اعوجاجهم حقا وواجبا مرتبطا ارتباطا عميقا بالمباشرة الفعالة للحقوق التي ترتكز في أساسها على المفهوم الديمقراطي لنظام الحكم, ويندرج تحتها محاسبة الحكومة ومساءلتها وإلزامها مراعاة الحدود والخضوع للضوابط التي فرضها الدستور عليها.ولا يعدو إجراء الحوار المفتوح حول المسائل العامة, أن يكون ضمانا لتبادل الآراء على اختلافها كي ينقل المواطنون علانية تلك الأفكار التي تجول في عقولهم- ولو كانت السلطة العامة تعارضها- إحداثا من جانبهم- وبالوسائل السلمية- لتغيير قد يكون مطلوبا . ولئن صح القول بأن النتائج الصائبة هي حصيلة الموازنة بين آراء متعددة جرى التعبير عنها في حرية كاملة, وإنها في كل حال لا تمثل انتفاء من السلطة العامة لحلول بذاتها تستقل بتقديرها وتفرضها عنوة, فإن من الصحيح كذلك أن الطبيعة الزاجرة للعقوبة التي توقعها الدولة على من يخلون بنظامها, لا تقدم ضمانا كافيا لصونه, وإن من الخطر فرض قيود ترهق حرية التعبير بما يصد المواطنين من ممارستها, وأن الطريق إلى السلامة القومية إنما يكمن في ضمان الفرص المتكافئة للحوار المفتوح لمواجهة أشكال من المعاناة- متباينة في أبعادها- وتقرير ما يناسبها من الحلول النابعة من الإرادة العامة. ومن ثم كان منطقيا, بل وأمرا محتوما أن ينحاز الدستور إلى حرية النقاش والحوار في كل أمر يتصل بالشئون العامة, ولو تضمن انتقادا حادا للقائمين بالعمل العام, إذ لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتا ولو كان معززا بالقانون, ولأن حوار القوة إهدار لسلطان العقل, ولحرية الإبداع والأمل والخيال, وهو في كل حال يولد رهبة تحول بين المواطن والتعبير عن آرائه, بما يعزز الرغبة في قمعها, ويكرس عدوان السلطة العامة المناوئة لها, مما يهدد في النهاية أمن الوطن واستقراره.وحيث إنه على ضوء ما تقدم, فإن انتقاد القائمين بالعمل العام وإن كان مريرا- يظل متمتعا بالحماية التي كفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء بما لا يخل بالمضمون الحق لهذه الحرية, أو يجاوز الأغراض المقصودة من إرسائها . وليس جائزا بالتالي أن تفترض في كل واقعة جرى إسنادها إلى أحد القائمين بالعمل العام, أنها واقعة زائفة أو أن سوء القصد قد خالطها. كذلك فإن الآراء التي تم نشرها في حق أحد ممن يباشرون جانبا من اختصاص الدولة, لا يجوز تقييمها منفصلة عما توجبه المصلحة العامة في أعلى درجاتها من عرض انحرافهم, وأن يكون المواطنون على بينة من دخائلها. ويتعين دوما أن تتاح لكل مواطن فرصة مناقشتها واستظهار وجه الحق فيها.أن أكثر ما يميز حرية النقد- إذا كان بناءً- إنه في تقدير واضعي الدستور ضرورة لازمة لا يقوم بدونها العمل الوطنى سويا على قدميه, وما ذلك إلا لأن الحق في النقد - وخاصة في جوانبه السياسية - يعتبر إسهاما مباشرا في صون نظام الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية, وضرورة لازمة للسلوك المنضبط في الدول الديمقراطية, وعائقا دون الإخلال بحرية المواطن في أن يعلم, وأن يكون في ظل التنظيم البالغ التعقيد للعمل الحكومي قادرا على النفاذ إلى الحقائق الكاملة المتعلقة بكيفية تصريفه, على أن يكون مفهوما أن الطبيعة البناءة للنقد - التي حرص الدستور على توكيدها- لايراد بها أن ترصد السلطة التنفيذية الآراء التي تعارضها لتحديد ما يكون منها في تقديرها موضوعيا, إذ لو صح ذلك لكان بيد هذه السلطة أن تصادر الحق في الحوار العام, وهو حق يتعين أن يكون مكفولا لكل مواطن وعلى قدم من المساواة الكاملة.وما رمى إليه الدستور في هذا المجال هو ألا يكون النقد منطويا على آراء تنعدم قيمها الاجتماعية كتلك التي تكون غايتها الوحيدة شفاء الأحقاد والضغائن الشخصية أو التي تكون منطوية على الفحش أو محض التعريض بالسمعة. كما لا تمتد الحماية الدستورية إلى آراء تكون لها بعض القيمة الاجتماعية, ولكن جرى التعبير عنها على نحو يصادر حرية النقاش أو الحوار كتلك التي تتضمن الحض على أعمال غير مشروعة تلابسها مخاطر واضحة تتعرض لها مصلحة حيوية. إذ كان ذلك فإن الطبيعية البناءة للنقد لا تفيد لزوما رصد كل عبارة احتواها مطبوع, وتقييمها- منفصلة عن سياقها- بمقاييس صارمة, ذلك أن ما قد يراه إنسان صوابا في جزئية بذاتها, قد يكون هو الخطأ بعينه عند آخرين, ولا شبهة في أن المدافعين عن آرائهم ومعتقداتهم كثيرا ما يلجأون إلى المغالاة, وأنه إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس في المجال الذى لا يمكن أن تحيا بدونه, فإن قدرا من التجاوز يتعين التسامح فيه.ولا يسوغ بحال أن يكون الشطط في بعض الآراء مستوجبا إعاقة تداولها. وتقتضى الحماية الدستورية لحرية التعبير, بل وغايتها النهائية في مجال انتقاد القائمين بالعمل العام, أن يكون نفاذ الكافة إلى الحقائق المتصلة بالشئون العامة, وإلى المعلومات الضرورية الكاشفة عنها متاحا, وألا يحال بينهم وبينها اتقاء لشبهة التعريض بالسمعة, ذلك أن ما نضيفه إلى دائرة التعريض بالسمعة- في غير مجالاتها الحقيقة- لتزول عنه الحماية الدستورية, لا بد أن يقتطع من دائرة الحوار المفتوح المكفول بهذه الحماية, مما يخل في النهاية بالحق في تدفق المعلومات, وانتقاد الشخصيات العامة بمراجعة سلوكها وتقويمه, وهو حق متفرع من الرقابة الشعبية النابعة من يقظة المواطنين المعنيين بالشؤون العامة الحريصين على متابعة جوانبها السلبية وتقرير موقفهم منها. ومؤدى إنكاره أن حرية النقد لن يزاولها أو يلتمس طرقها ألا أكثر الناس اندفاعا أو أقواهم عزما. وليس أدعى إلى إعاقة الحوار الحر المفتوح من أن يفرض قانون جنائى قيودا باهظة على الأدلة النافية لتهمة التعريض بالسمعة. (انتهى اقتباس المحكمة الدستورية في مصر)ولو كانت عندنا محكمة دستورية فمن السهل عليها بيان أن المادة 23 بصيغتها التي قدمتها الحكومة تنطوي على إهدار لنص المادة 15 من الدستور الأردني حول حرية الرأي وحرية الصحافة.ومثل هذه المادة كانت موجودة في الولايات المتحدة الاميركية قبل 222 سنة في قانون الإزدراء لعام 1789 الذي كان يعاقب بغرامة 5 آلاف دولار وخمس سنوات سجن اذا قام اي شخص بكتابة أو طبع أو نشر أية اشياء مغلوطة ضد حكومة الولايات المتحدة أو الكونغرس أو أعضائه أو الرئيس بنية تعريض اي منهم للإزدراء أو كره الناس في الولايات المتحدة.وقد استمر تطبيق هذا القانون بضعة أشهر وقام الرئيس الاميركي توماس جيفرسون بالعفو عن جميع الذين ادينوا لمخالفتهم ذلك القانون وتمت إعادة الغرامات التي دفعوها اليهم.ومع أن المحكمة العليا الاميركية لم تفحص دستورية هذا القانون لأن أحدا لم يطعن عليه بعدم الدستورية, إلا أنها اشارت اليه في قضية صحيفة نيويورك تايمز ضد سوليفان وقالت أنه على المسؤول الحكومي الذي يطلب تعويضا عن تشهير خاطىء أن يثبت سوء نية actual malice الصحافي.وأشارت المحكمة إلى قول الرئيس الاميركي الرابع جيمس ماديسون أن هناك درجة من سوء الاستخدام لا يمكن فصله عن الاستخدام الأمثل لكل شيء, وأكثر ما ينطبق ذلك على الصحافة.وهكذا يتبين أن شطب عقوبة الحبس في المادة 23 المذكورة ورفع الغرامة بأن لا تقل عن ثلاثين الف دينار ولا تزيد على ستين الف دينار هو تحايل قانوني تقوم به الحكومة لأن الغرامات المُبالغ فيها تعني في النهاية الحبس وترفع من سقف الرقابة الذاتية عند أي شخص يريد التحدث عن الفساد حتى لو كان يمتلك معلومات ووثائق مؤكدة خوفا من مثل هذه المبالغ الفلكية التي هي أغلى غرامة في تاريخ الأردن عن رأي.كما أن هذه الغرامات على فرض ثبوت الفعل تدخل إلى الخزينة العامة للدولة وليست من باب التعويض للشخص الذي تمت الإساءة اليه.وحتى لا يقال انني أدافع عمن يستغل حرية الرأي والتعبير للإساءة للآخرين فلا يوجد ما يمنع من تعويض المتضرر بمبلغ مماثل إذا ثبت أن الإتهامات كانت عن سوء نية وغير مبنية على اساس وأحدثت ضررا على الشخص الذي تمت الإساءة اليه.









"لماذا الأردن..؟".. كتاب مثير للجدل للكاتب وهيب عبده الشاعر (2)
الإثنين, 03 تشرين1/أكتوير 2011
النقاش الذي دار بين الكاتب ونخبة مختارة من ابناء المجتمع الأردني، في مقر منتدى الفكر الديمقراطي، مثل محفزا لا يقاوم لنشر هذه الحلقات.."لماذا الأردن..؟" كتاب جديد لإبن السلط وهيب عبده الشاعر، يتولى "المستقبل العربي نشر عرض له على حلقات، اعتبارا من اليوم، يتحمل الكاتب وحده كل المسؤولية عما ورد فيه من افكار ومواقف..ولا شك في أنه كتاب مثير للجدل، مثل سابقه "الأردن إلى أين..؟" الذي اصدره الكاتب قبل ست سنوات..نقول ذلك ليس تنصلا، وإنما توضيحا للقراء الأعزاء الذين نعتقد أن الكتاب سيقدح افكارهم تعليقا، واعتراضا في بعض الأحيان.. واحتراما لإنتاج الكاتب الجدلي، يندرج تحت بند عدم السطو على افكاره التي يظن "المستقبل العربي" أنها غير مسبوقة لجهة النشر، من قبل، بمثل هذه اللغة الجامعة والواضحة.يسجل الكاتب في بداية صفحات كتابه الـ 200 من القطع الوسط، شكره لمن ساعدوه في إعداد كتابه، الذي أنجزه في آيار/مايو 2009، ولم ير النور حتى الآن، وهم "الأصدقاء الدكتور عبد الرحيم ملحس، والأستاذ موفق محادين، والأستاذ عبد الملك ياسين، والدكتور حسني الشياب، والأستاذ أحمد النمري والباحث عبدالله حموده وغيرهم من خلال الحوارات العديدة المعمّقه في الكثير من محتوياته".عنوان الفصل الثاني من الكتاب: "الأزمات الكبرى المتتالية".. ولئن كان الكاتب غلّب اللغة السردية في هذا الفصل، لكنها لغة سردية تستدعي إلى الذهن "نقدا تلقائيا" يأتي من داخل القارئ..!
يقول الكاتب في مقدمة هذا الفصل:
يتميز الأردن عن الكثير من البلاد العربية والأجنبية بتوالي الأزمات الخانقة وكثافتها، والتي لا يمكن اعتبارها مجرد أحداث اعتيادية. فقد وُلد الكيان الأردني المستجد ورسمت حدوده عام 1921 بعملية قيصرية أجرتها بريطانيا بعد أن أجهضت فرنسا الدولة السورية الفيصلية عام 1920 في معركة ميسلون. وكانت تلك الدولة تشمل كامل بلاد سورية الطبيعية بما فيها الأردن منذ عام 1918، طوعاً ودون إجبار أو أي امتناع أو احتجاج من أهالي تلك البلاد عامة، بل بحماس ظهر في اختيار مندوبي الولايات المختلفة للمجلس التمثيلي في دمشق . وكان ذلك التشويه والتفتيت لسوريا الطبيعية بموجب اتفاقية سايكس بيكو البريطانية الفرنسية لعام 1916 ووعد بلفور عام 1917.
تكوين الأردن
ثم يورد الكاتب فقرات عن تكوين الأردن، يقول فيها:شكل احتلال فرنسا لسوريا في معركة ميسلون عام 1920 وطرد الحكومة الفيصلية التي كانت تشمل كافة مناطق سوريا الطبيعية ضربة قاسية لسكان الأراضي الأردنية. فقد خلق ذلك الاحتلال الذي رسم حدوده بموجب اتفاق سايكس بيكو بريطانيا وفرنسا، ما ترك الأردن خارج المناطق التي احتلتها  فرنسا. وبذلك دخل أهل الأردن في فراغ وحيرة أدت إلى إعلان عدة حكومات هزيلة. وكان ذلك بمثابة أزمة وضياع سبق قيام إمارة شرق الأردن.وتجدر الإشارة الى أن التقسيمات الإدارية للأراضي الأردنية الفلسطينية منذ بيزينطيا والرومان وما بعدهم كانت أفقية بين الصحراء والبحر وليست عمودية كما اختارت بريطانيا.وقد ساعد في ذلك سيطرة بريطانيا على كامل الشرق الأوسط وتواجد جيوشها الكبير بما فيها شرق الأردن على إثر خروج العثمانيين.وكان سكان ما سمي بشرق الأردن على درجة من الضآلة والفقر والتخلف والبداوة، بلغ بمجموعه أقل من ربع مليون نسمة، نصفهم من بدو الصحراء الذين تجمعهم الروابط القبلية والتاريخية مع أقرانهم في نجد والعراق وسوريا وجنوب فلسطين وسيناء.وكان النصف الثاني من أعداد أخرى صغيرة من أجزاء سوريا الطبيعية الأخرى أو الولايات العثمانية كما في حينه، وأهمها ولايات دمشق وبيروت والحجاز. وشمل هؤلاء السكان القلائل كذلك أقليات من القوقاس وكردستان وأرمينيا وكذلك وافدون من سوريا وفلسطين منذ القرن التاسع عشر الذين وفدوا بدوافع اقتصادية وأمنية. وقد انضم إليهم مرافقو الأمير عبدالله من بضعة آلاف من الحجاز سكن جلهم مدينة عمان التي أصبح سكانها عندئذ حوالي أربعة آلاف، بمن فيهم العرب المحليون والسوريون واللبنانيون وكذلك الشركس.وتجدر الإشارة إلى أن هذه العناصر الوافدة، التي جاءت من خلفيات اجتماعية وثقافية أخرى، بدأت بتوظيف العروبة والإسلام، ومن ثم مالت الشرائح التجارية من بينهم إلى الخطاب الأردني القطري والهاشمي.وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن حال المهاجرين بداوفع اقتصادية وأمنية لا تؤهلهم عادة، قبل مرور أجيال طويلة تؤدي إلى الانصهار والتوطين الثقافي والاجتماعي، لكي يكونوا مادة لصناعة الأوطان والانتماء إليها، وينسحب هذه الأمر على الغالبية القصوى إذا جمعنا كافة هذه العناصر الوافدة إلى البدو الصحراويين.وبذلك شكلت تلك الولادة  القيصرية والحكم المركـزي الوافد ، والهوية المصطنعة والانفصالية - خاصة عن فلسطين وسوريا، والمفروضة من الخارج والمجهضة للحلم العربي - إفرازات حديثة ومستجدة. فقد شكلت هذه الخلفيه الأزمة الأولى في تاريخ الأردن . وتأكدت هذه الأزمه الأولى في تاريخ الأردن من خلال فقدان الكيان الأردني المستجد مؤهلات الدولة والمجتمع الواحد والإرادة الوطنية الحرة. وتعويضاً عن ذلك وفرت بريطانيا للأردن الرعاية الأمنية والسياسية والاقتصادية والإدارية بسخاء، ما مكنه من تجاوز تلك الأزمة وصعوباتها، خاصة في ظل غياب حركة شعبية استقلالية بسبب غياب العناصر الضرورية لذلك.وقد تكررت الانتفاضات والتمردات المناطقية والقبلية في السنين الأولى من حياة الأردن الجديد ،  مثل تمردات العدوان والشريدة وغيرهم كثيرون، والتي لم يكن ممكناً السيطرة عليها وضبطها إلا بالقوات البريطانية المقيمة وتجهيزاتها المتطورة. ولكن لا يمكن أيضاً أن توصف هذه التمردات والحكومات المحليه من قبلها بأنها مؤشرات للتحرك الوطني الأردني الذي لم تتوفر له المؤهلات الموضوعية الأساسية.وقد رافق هذه الاهتزازت الوضع المفروض من الخارج وعوامل متناثرة اخرى مثل لجوء جزء هام من رجال الدولة الفيصلية مثل نوري السعيد وجعفر العسكري ورفاقهم، الذين أصبحوا رؤساء حكومات في العراق فيما بعد. وقد سُمي هؤلاء بالاستقلاليين والذين كانوا أكثر تطوراً ثقافياً واجتماعياً وسياسياً. وتلاهم بعد ذلك فلول الثورة السورية الدرزية بقيادة سلطان باشا الأطرش. وقد رافق قيام الإدارة الأردنية الجديدة صرخات ذات مضامين محلية ومصلحية، وليست وطنية قطرية، بأن "الأردن للأردنيين" التي أطلقها أشخاص مؤثرون مثل مصطفى وهبي التل، احتجاجاً على استقدام الموظفين الحكوميين من فلسطين ولبنان وغيرهما في الإدارة الناشئة.إن أهمية فهم المكونات الحقيقية للمجتمع الأردني تكمن في أنها غير مؤهلة لإنتاج الوطنية الطبيعية ومستحقات هذه الوطنية. فلا تتوافر في مكونات المجتمع الأردني مؤهلات الوطن والوطنية في وحدة الهوية والعصبية والتجانس وكذلك المشروع الوطني المشترك، وتشكل هذه الحقيقة ركنا مكوناً لأزمات الأردن المزمنة.
عناصر الأزمات الأساسية
ويستعرض الكاتب بعد ذلك "عناصر الأزمات الأساسية"، مقررا:استمرت العناصر الأساسية في هذه الأزمة الأولى في التفاعل منذ أولى مراحل الأردن دون تغير يذكر حتى الآن، أي بعد مرور تسعة عقود. وقد تمثلت هذه العناصر في الأساس بدورالإرادة الأجنبية في تأسيس الكيان ورسم حدوده، وهشاشة الهوية الوطنية وعصبيتها، وإقامة الفواصل القطرية ، رغم بقاء الانتماء القومي العفوي لدى الشعب، و كذلك اعتماد الحكم على الخارج في كل من المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والإدارية دون تعاطف المجتمع مع استحقاقات هذا الاعتماد، لا بل الاستياء الشديد لدى النخب والمثقفين الجدد منه. وأسست هذه العناصر الفجوة الفاصلة بين الحكم والمجتمع ورسّختها، مما أدى إلى تنامي وتعاظم اعتماد الحكـم على الأساليب الأمنية والقمعية. وقد أضاف البعد الفلسطيني في العقود اللاحقه مزيداً من التأزيم والتعقيد لهذه العناصر الذي شكّل خلفية الأزمـات الأردنية المتكررة والمزمنة، كما سوف يتم توضيحه لاحقاً.وكان الأردن قد تعرض منذ ولادته القيصريه عام 1921، وخلال العقود التسعة من حياته إلى حراك عربي وإقليمي كثيف وتغيرات جذرية في المسرح الدولي والمشروع الصهيوني ونكبة فلسطين والنفط العربي بإيجابياته وسلبياته، وقد مرّت كل من هذه العناوين في مراحل وتغيرات عميقة مازالت مستمرة.ثم يبدأ الكاتب باستعراض الأزمات التي تتالت على الأردن:
الأزمات الأولى
في العام 1923 قررت بريطانيا حسم علاقة التبعية مع إمارة شرق الأردن بعد عامين من الطموح الهاشمي لتحقيق درجه عالية من الاستقلال الفعلي. وكان ذلك تحت وطأة الاحتلال العسكري البريطاني، والتمويل للإرادة الناشئة، والسيطرة الإدارية عليها. وبذلك أكدت بريطانيا طبيعة العلاقة التي دامت إلى أن ورثتها منها الولايات المتحدة وحتى الآن. وكانت تلك العلاقة وحسمها لصالح بريطانيا قد خلف ارتجاجات في دوائر الإمارة الهاشمية لم تصل بوضوح إلى عامة الشعب.وجاءت الأزمة التالية في أواخر العشرينات عندما اجتاحت الأردن المستجد قوى الإخوان الوهابيين السعوديين حتى جنوب عمان عدة مرات، وذلك بهدف ضم هذه البلاد للدولة السعودية الناشئة، ومشروعها الوهابي المتطرف. وكان ذلك بعد عدة تحرشات أقل أهمية منذ بداية العشرينات. وقد أدى ذلك إلى استقدام بريطانيا جلوب باشا من العراق عام 1930 لتشكيل القوات العسكرية من عشائر الصحراء الأردنية لصد ذلك الاجتياح المتكرر.وقد بقيت العلاقات الأردنية البريطانية السعودية متوترة لسنوات طويلة على خلفية الخصومة الهاشمية السعودية الشديدة منذ القرن التاسع عشر والتي خسرها الهاشميون في النهاية عند ضم الحجاز لمملكة نجد عام 1925، ولكن على خلفية أكثر أهمية وحسماً من قبل بريطانيا التي كانت قد وضعت حدوداً للتوسع السعودي ، كما حصل مع إمارات الخليج. وتبع ذلك خلافات رسم الحدود بين الكيانين الحديثين وأهمها وادي سرحان الواسع. ولكن تحرشات الإخوان الوهابيين لم تنجح في إثارة المشاعر الشعبية المتجاوبة معها بصمت وهدوء بسبب غياب نشاطها الدعوي في الأردن واعتمادها على امتدادتها العشائرية.ولكن سرعان ما نجح الإخوان المسلمون في هذه الدعوة بعد بضعة عقود انطلاقاً من مصر عام 1928. وكان قد نشأ اصطدام جماعات الإخوان الوهابيين مع الحكم السعودي الذي كان على علاقة استراتيجية قديمة مع بريطانيا، ويسعى لكسب ودّها والاتفاق معها على الحدود وغير ذلك. وكان هذا النمط قد تكرر مع إمارات الخليج تحت الوصاية البريطانية، ومن مؤشرات ذلك أن بريطانيا كانت قد منحت الملك عبد العزيز آل سعود وسام الفارس البريطاني.وفي فترة مابين الحربين العالميتين تنامى دور النفط في الاقتصاد والاحتياجات العسكرية في أميركا والعالم، وظهرت في هذه الفترة بعض المؤشرات لوجود النفط في منطقة الخليج العربي على أيدي مغامرين أميركيين اكتسبوا مهارات التفتيش عن النفط في بلادهم. وقد أسست هذه الاكتشافات للاهتمامات الأميركية في الشرق الأوسط، والتي نضجت في الحرب العالمية الثانية واستمرت بشكل خاص بعد حرب السويس عام  1956.وفي عام 1936، أعلن الإضراب الفلسطيني الذي كان عامّاً. وقد لقي ذلك تجاوباً من كافة الشعوب العربية بما فيها الأردنيين. ولكن الأمير عبدالله بالتعاون مع بعض القادة العرب سعى لإنهاء هذا الإضراب فقاد ذلك إلى إجهاضه، وقوبل ذلك باستياء عام. وفي عام 1941، وبعد أن طردت الثورة العراقية بقيادة رشيد عالي الكيلاني العائلة الهاشمية من العراق دون إلغاء العرش كلياً، بقي الشريف شرف وصياً على العرش.وكان الهاشميون قد لجأوا بسبب ذلك إلى الأردن. فجيّش البريطانيون قوات بريطانية وأردنية مشتركة لهزيمة الثورة العراقية الوليدة وإعادة العائلة الهاشمية الحليفه لها للحكم في العراق. ورغم تعاطف الأردنيين الصامت مع شعارات ثورة الكيلاني ذات اللون القومي ضد بريطانيا في ظل تنامي المشاعر القومية والاستقلالية في كامل المنطقة العربية، أكد الهجوم البريطاني الهاشمي دور الدولة الأردنية الوظيفي في خدمة أغراض وسياسات وحاجات المستعمر والمحتل البريطاني في الشرق العربي. وقد كشف ذلك مراراً طبيعة الكيان الأردني الجديد وحكمه ودوره.وفي عام 1946 منحت بريطانيا الأردن استقلالاً شكلياً لم يثر المشاعر الشعبية، حيث بقي الجيش وقوى الأمن وبعض الإدارات الأمنية والمدنية بقيادات بريطانية. وبقيت الخزينة معتمدة على الدعم البريطاني الكبير بالنسبة لحجم الأردن. كما بقيت دوائر رسمية هامة مثل دائرة الأراضي والآثار بإدارة بريطانية. وهكذا لم يأت الاستقلال في الأردن نتيجة نضال ومقاومة كما كان الحال في سوريا ولبنان ومصر وبعدها اليمن والجزائر ...ألخ.وفي هذه المناسبة تم تغيير اسم الكيان الأردني من إمارة شرق الأردن إلى المملكة الأردنية الهاشمية خلافا لما تم في العراق عند تأسيسه، إذ اكتفى هذا الأخير باسم مملكة العراق دون إضافة " الهاشمية " له. وكذلك الحال مع مملكة الحجاز وسوريا، حيث حكم الملكان فيصل وعلي الهاشميين دون إضافة اسم العائلة الهاشمية لتلك الكيانات. واستمر هذا التوجه في تسمية المؤسسات العامة والشوارع وغير ذلك بأسماء الملوك والأمراء والشرفاء. وقد رفد ذلك حتى الآن نشاط أفراد العائلة الهاشمية في الظهور كقيادات لكافة النشاطات الاجتماعية وظهورهم المكثّف في الإعلام المحلي. ولم يلق ذلك ردود فعل إيجابية شعبية، وربما كانت تسمية المملكة العربية السعودية عام 1934 نموذجاً احتذى به الهاشميون.
أزمة فلسطين
جاءت حرب فلسطين عام 1948 على خلفية أزمة دولية إقليمية دامت ثلاثة عقود قبل ذلك، وكان للحكم الأردني دون الشعب دورٌ فيها. وكان الأمير عبدالله أثناءها طموحاً أحياناً وغير مبالٍ أحياناً أخرى في الساحة الفلسطينية. وأدت هذه الحرب التي هُزم فيها العرب إلى تهجير حوالي مائتي ألف فلسطيني إلى الأردن للعيش بمخيمات بائسة، وذلك رغم حضور الجيش العربي الأردني على الساحة الفلسطينية وبقيادة بريطانية، مما أكد فقدان الأردن للإرادة الــوطنية أمــام قرارات بـريطانيا الحاضنة لإسرائيل والصهيونية، والمقررة مسبقاً لكل مجريات الحرب الفلسطينية، وكذلك لحدود الهدنة التي أصبحت ثابتة حتى اجتازتها إسرائيل عام 1967، وما تلا ذلك من تطورات.وقد شكّلت هذه الإضافة السكانية حوالي 50% من السكان المحليين في الضفة الشرقية حينئذً. وكانت نسبة هامة من سكان الأردن قبل ذلك أصلاً من منابت فلسطينية مهاجرة خاصة إلى السلط والكرك. وبذلك شكّلت هذه الهجرة ضغوطاً اقتصادية ونفسية واجتماعية للجميع. وكانت كذلك بداية لقضية الأصول والمنابت على خلفية الفوارق السياسية والثقافية والاجتماعية الموروثة منذ القرن التاسع عشر، خاصة وأن الحكم الأردني في الثلاثينات كان يتدخل بنشاط خلافي شديد على الساحة الفلسطينية قبل ذلك، مما أدى في حينه إلى انقسام بين قيادات الشعب الفلسطيني بين متعاون معه ورافض له. وعلى فداحة تلك الأحداث والإشاعات التي رافقتها علت تهم التخوين والعمالة التي لم يستطع نظام الحكم الأردني الدفاع عنها حتى الآن، خاصة بعد ظهور الوثائق والكتب التاريخية.لقد استمرت وتفاقمت هذه الحال في الأزمة الأردنية الراهنة المتمثلة بشعار أو فزّاعة الوطن البديل في الأردن، الذي قد يكون الحل النهائي للقضية الفلسطينية. فبينما ينظر الفلسطينيون إلى هذا المشروع الصهيوني الأميركي على أنه إلغاء لحقوقهم التاريخية في بلادهم وليس احتلالاً للأردن، يهاب النظام والليكود الأردني من ذلك على مكاسبهم في الأردن الممولة من الخارج، مما يوحي بأن الوطن البديل هو خطرعليهم وليس حرمان الفلسطينيين حقوقهم الوطنية.
أزمة العائلة الحاكمة
بدأت الأزمة التالية بتوالي أحداث خلقت فراغاً في مؤسسة العرش، أولها قتل الملك عبد الله بن الحسين عام 1951 على أيدي مجموعة فلسطينية، وقد أدى إلى تأجج جزء من الشارع الأردني المفتعل أو المدفوع ضد الفلسطينيين. ثم ظهر بعد اعتلاء الملك طلال العرش بعام وعلى خلفية شعبية دافئة وعاطفية وعفوية بأنه يشكو من حالة صحية جدية. وقد أدى ذلك إلى إعفائه من مسؤوليته، واستبدلت به جلوب باشا ومن خلفه بريطانيا بمجلس وصاية لحين بلوغ الأمير حسين السن القانونية التي حددها الدستور بثمانية عشر عاماً هجرياً، وقد بلغها في عام 1953.وفي ظل هذا الفراغ الدستوري الطويل الذي استمر عامين، بين الجد والحفيد ، ظهرت بشكل حيوي أهمية الوصاية البريطانية على الأردن التي تمثلت بقيادة الجيش العربي (الأردني)، وخاصة شخص جلوب باشا القائد العام وقادة كافة الفرق والكتائب في الجيش العربي. وكانت هذه الوصاية البريطانية على الأردن جزءًا من الوجود البريطاني في الشرق الأوسط، وكان هذا الوجود قد شكّل آخر مراحل الإمبراطورية البريطانية التي سرعان ما خلفتها الولايات المتحدة عندما خرج البريطانيون من الأردن عام 1956 حين أكمل الملك حسين عامه العشرين، وقد خلق ذلك تساؤلاً حول دوافع وآليات هذا التحول، ومن الذي قام به بالفعل.
أزمة الحقبه الناصرية

في بقية عقد الخمسينات وإبان المد الثوري القومي الملتهب بقيادة جمال عبد الناصر،  التحمت غالبية الشعب الأردني الفلسطيني مع هذا التيار، بما في ذلك ضباط الجيش، مما قاد إلى أزمة أمنية استدعت عودة القوات البريطانية للأردن عام 1958 لحماية نظام الحكم من شعبه.وكان الملك حسين الذي بدأ عامه الواحد والعشرين قد عرّب الجيش بإخراج جلوب باشا والضباط البريطانيين في بداية عام 1956 بمساعدة أميركية حسبما أكدته المصادر. ثم أجرى الحكم انتخابات شبه نزيهة أتت بحكومة سليمان النابلسي القومية والناصرية. ولكن الحال لم يدم طويلاً بعد ذلك، حيث قام الحكم في الأردن بانقلاب على الحكومة بواسطة قوات الأمن، مما عمّق الشرخ بين الحكم والشعب. فلجأت بريطانيا المطرودة شكلاً وبتوجيه من الولايات المتحدة، إلى إلحاق الأردن بالعراق باتحاد هاشمي رداً على وحدة مصر وسوريا، لكن هذا الاتحاد سرعان ما انهار بعد بضعة أشهر في ثورة تموز 1958.وقد ساد في الأردن في هذه المرحلة الحكم العرفي والقمع والتوتر الشديد بمظلة الأحكام الأمنية، بما في ذلك مقتل رئيس الوزراء هزاع المجالي عام 1960، ومحاولات الانقلاب  العسكري المتعددة، والاعتقالات الواسعة بين صفوف الناشطين السياسيين ذوي الاتجاه القومي واليساري. وكان لذلك استحقاقات سياسية واقتصادية واجتماعية سلبية جدا ساعدت المعونات الأميركية في احتوائها، بينما نجح الحكم في استمالة الإخوان المسلمين الذين حصلوا مقابل ذلك على سيطرة على وزارة التربية. واستمال الحكم أيضا الحزب السوري القومي لكي يقاوم التيار القومي و اليساري في الأوساط الشعبية.وفي هذه الظروف المضطربة، وبالنظر لضيق المسرح السياسي والاجتماعي الأردني ، حصلت تداخلات غير متوقعة أو مألوفة. ومن إفرازات ذلك تحالف الحركة الإسلامية الأردنية - والتي هي امتداد للإخوان المسلمين في مصر - وكذلك الحزب السوري القومي، مع نظام الحكم الأردني في مواجهة القوميين واليساريين والبعثيين والناصريين والشيوعيين. وقد أدت هذه التجربة إلى قدر كبير من التمزق الشعبي في الساحة الأردنية، في مناخ تسوده العشائرية والأصول والمنابت والأديان وغير ذلك، ومن إفرازات هذه الخلفية التوجه الجماعي العائلي العشائري نحو التيارات السياسية المتنافسة، ناقلين معهم الثقافة العشائرية.وبعد المصالحة العربية الأولى في عهد عبد الناصر التي أدت إلى عقد مؤتمر القمة العربية الأولي عام 1963، أُعلن عن بدء عمليات "فتح" المقاومة الفلسطينية، وكذلك منظمة المؤتمر الإسلامي التى قادها الملك فيصل آل سعود لمناهضة التيار القومي واليساري المتحالف مع الاتحاد السوفياتي. وقد بدأت فتح عملياتها الفدائية من الأردن التي افتتحها ياسر عرفات ضد إسرائيل، كما اتضحت هوية وأهداف المؤتمر الإسلامي في مناهضة القومية العربية بقيادة مصر عبد الناصر.وبذلك عاد المناخ السياسي والأمني الإقليمي للتوتر من جديد، خاصة بعد ثورات حزب البعث عام 1963 في كل من سوريا والعراق اللتين أدتا سريعاً للانقسام الداخلي والاحتراب بين البعثيين والناصريين في العراق، وبين أجنحة البعث في سوريا. وقد أخذ الأردن الرسمي جانب السعودية والمؤتمر الإسلامي بينما بقي حذراً في التعامل مع المقاومة الفلسطينية، بين التحفظ الأمني والمسايرة السياسية، بسبب حجم وأهمية الأصول والمنابت الفلسطينية فيه، وعجز الأردن عن الفعل الجاد العلني والمقنع على المسرح الفلسطيني.وفي كافة هذه الاصطفافات الإقليمية والدولية كان التباين واضحاً بين الدولة والحكم من جهة وبين التوجهات المجتمعية من جهة أخرى والتي لم تكن فيما بينها موحدة. وقد أكد هذا المشهد التأزم الحاد بين خيارات الدولة وانقسامات المجتمع.

أزمة 1967 والصدام مع الفصائل الفلسطينية
في عام 1967 اختار الأردن الدخول في حرب خاسرة بداهة مع إسرائيل، دون توافر أي استعدادات أو أمل بالفوز أو على الأقل لحماية أراضي المملكة بقدرة الأردن الذاتية أو بقدرات أشقائه المحيطين به أو الحماية الدولية من الحلفاء. وقد كان الاعتبار الحاسم في هذا الخيار أمن النظام وليس الوطن بسبب الشعبية الجارفة للتيار القومي بقيادة عبد الناصر عندئذٍ، وقد أدى ذلك إلى ضياع الضفة الغربية وتهجير أكثر من ثلاثمائة ألف لاجئ فلسطيني إلى الأردن. وقد خلق ذلك بدوره مناخاً مأزوماً وكابوسياً، إذ تبين أن النظام اختار أمنه خوفاً من القوى الشعبية بدلاً من أمن البلاد، فهو لم يحتط عسكرياً وسياسياً لهذه المواجهة. ولكن الهزيمه العربية الشامله أعطت الحكم الأردني شيئاً من الحماية.لقد كشفت هذه الأزمة بوضوح كامل محدودية الأهمية والوزن اللذين يتمتع بهما الكيان الأردني والنظام الهاشمي في حسابات القوى الغربية المحسوب عليها والمتحالف معها. وكشفت أيضاً أنه في منطقة تسودها الأطماع الإقليمية والهيمنة الأميركية، فإن الكيانات العربية مهما كبر أي منها لا تستطيع حماية نفسها والدفاع عنها دون مشاركة شعبية حقيقية كما ثبت لاحقاً في لبنان وغيره، وكما ثبت أيضاً في حروب الاستقلال الوطني. وكشفت أيضاً أن أنظمة الحكم التي تفقد دعم شعوبها تسهل هزيمتها. بينما كشفت العقود اللاحقة كيف أن منظمات حزب الله وحماس اللتين أثبتتا فاعلية في مواجهة اسرائيل بتوظيف كميات ضيئلة من العدد والعتاد المتوفر لدى الجيوش العربية، وذلك من خلال توافر الإرادة والصدق لديهما، وما زالت هذه المعادلة قائمة حتى الآن حيث إن أولوية الغرب هي إسرائيل .ثم اندلعت المقاومة الفلسطينية من الأراضي الأردنية وأدت في النهاية إلى المواجهة مع القوات المسلحة الأردنية، رغم انتصار غالبية الشعب الأردني، الذي أصبح أكثر من نصفه من الفلسطينيين لجانب تلك المقاومة، وكذلك رغم دخول القوات السورية إلى شمال الأردن وإن بشكل خجول. ورغم أن الخسائر المادية والبشرية كانت محدودة للغاية عام 1970 غير أن العالم العربي شجب السلوك الأردني وعاقبه وعزله وحاصره. ولكن القوى الإقليمية والدولية المؤثرة لم ترغب بأن تسيطر فصائل المقاومة على الحكم في الأردن بسبب مخاطر ذلك على مصالح الغرب في المنطقة العربية. وزاد في ذلك عدم اشتراك الأردن في حرب 1973 والإشكاليات التي شدت الشعوب العربية أملاً في الانتصار.وخلق ذلك حالة من البؤس الشعبي والقهر الجماهيري، مما قاد بدوره إلى قرارات مؤتمر قمة الرباط عام 1974 وفيها فقد النظام الأردني الورقة الفلسطينية التي انشغل بها الملك عبد الله قبل خمسة عقود، وذلك رغم التحام شعب الأردن العميق بالقضية الفلسطينية من خلال انتمائه القومي والمباشر، وكذلك من خلال الجوار والتاريخ. وقد أسست تلك المواجهة للتمايز المصطنع في حقوق الأصول والمنابت. ومن إفرازات تلك التجربة المرة أن اضطر الجيش السوري للانسحاب من شمال الأردن بسبب الطائرات العسكرية الإسرائيلية التي طارت منخفضة فوقه بترتيبات أميركية لحماية نظام الحكم في الأردن.ولكن لا بد من الإشارة الى أن مشروع إعادة ترتيب البيت الأردني على أساس الأصول والمنابت وتوزيع الأدوار بينهما، وما تلا ذلك من خطاب سياسي وإعلامي ومؤسسي رسمي زرع الشرخ بين مكونات المجتمع، وخلق حاجزا وفجوة سياسيه أمنية وعضوية بين هذه الأصول والمنابت رغم بقاء العرى الاجتماعية والاقتصادية طبيعية.ولتعزيز هذا الترتيب الجديد نشأ لدى بعض الشرائح من الأصول الأردنيه كمية من التشويش في قناعاتهم التاريخية الموروثة، وذلك تأسيسا لما بات يسمى "الليكود الأردني" الذي بنى ثقافة انعزالية ومعادية للفلسطينيين في الأردن الذين يشكلون غالبية السكان. وقد تركزت هذه الثقافة المستجدة والمتنامية في الأجيال الجديدة والأجهزة الأمنية والإعلامية والأقليات الدينية والوافدة، وكذلك عموم الأجهزة الإدارية والتعليمية والقضائية، وقد كان وقودها المكاسب والانتفاع الشخصي. وبعد أن التأم جرح الأردن محلياً وعربياً الناجم عن أحداث عام 1970، ومن ثم عدم المشاركة الفعلية  في حرب 1973، وبعد ذلك قرارات مؤتمر القمة العربية في الرباط عام 1974، وبعد أن بدأ العالم العربي ينهل من الفوائض المالية العربية النفطية الكبيرة التي أسست للانتعاش الاقتصادي الإقليمي، تكرس كل ذلك في مؤتمر القمة العربية في بغداد عام 1978 الذي أخرج مصر من الحاضنة العربية وأعاد الأردن كلياً إليها نظاماً وشعبا ، وقدم المعونات المالية لدول المواجهة. وبذلك طُويت أزمة شديدة وخطيرة وطويلة.
الأزمة قبل الراهنة
بعد ذلك دخل العراق بتشجيع أميركي واضح حرباً لكبح تمدد الثورة الإيرانية الإسلامية غرباً إلى البلاد العربية، وخاصة التي تحوي أعداداً كبيرة من الطائفة الشيعية. ووقف معظم الشعب الأردني والعربي مع العراق وإن كان ذلك بشكل متراخٍ فيما أخذت الحركات الإسلامية وبعض القوميين والديمقراطيين موقفاً متردداً ومعارضاً. أما الملك حسين فقد كان متحمساً لتأييد العراق إلى آخر الحدود.وكان قد خلّف هذه الحال، بالإضافة للحث الأميركي للعراق، فشل الثورة الإسلامية الإيرانية في تهدئة مشاعر التخوف لدى الكثير من العرب ومعظمهم من السنة من أن هذه الثورة تستهدفهم، وذلك رغم التغني بالقضية الفلسطينية والانتصار لها، حيث لا وجود يذكر للطائفة الشيعية في الشعب الفلسطيني، وحيث الإعلان الواضح بقلم الإمام الخميني بشجب القومية العربية ومساواتها بالصهيونية.وبعد انتهاء هذه الحرب المكلفة مادياً وبشرياً، والتي خدمت بالأساس المصالح الأميركية، وربما أيقظت الثورة الإسلامية الإيرانية لضرورة مراعاة المشاعر والمصالح العربية وعدم الاختصام العلني معها،  أُنشئ مجلس التعاون العربي المكون من مصر واليمن والأردن والعراق عام 1989، والذي لم يحظ بتأييد أو حتى انتباه شعبي في الأردن وغيره. ثم قام العراق باحتلال الكويت عام 1990. بإيحاء واضح من أميركا، لكي تقوم بتدميره وحصاره بتحالف دولي وعربي لإحكام سيطرتها على العالم العربي.وأدى هذا الاحتلال إلى انقسام بين الدول والشعوب العربية، حيث انضمت القوى المتحالفة إلى أميركا التي كانت وراء توريط العراق في الكويت، إلى القوى التي حاولت أن تعقد الصفقات السياسية على خلفيتها مثل سيطرة سوريا في لبنان. وتمثل هذا الانقسام شعبياً ودولياً بين الإسلاميين والقوميين واليساريين وهي التيارات التقليدية، ونتج عن ذلك مفارقات مفاجئة. فبينما عقدت سوريا صفقة مع أميركا وشاركت في معسكر حفر الباطن لإخراج العراق من الكويت، مقابل سيطرتها على لبنان، أخذ الأردن بقرار من الملك حسين قراراً بعدم التدخل. وكان من أهم عناصر هذا السجال فشل الحكم العراقي في إقامة الحكم الصالح الذي يراعي حقوق المواطن، بينما استمرت الثورة الإيرانية بالتغني بالإسلام وتحديها للغرب.وفي هذه الأثناء وبعد خمسة عشر عاماً من الهدوء السطحي والهش والدعم العربي النفطي السخي والانتعاش الاقتصادي منذ منتصف السبعينات والـذي لــم يطل كثيراً، وبعد المصالحة الأردنية الفلسطينية التي سمحت لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في عمان عام 1984، وقع الأردن في أزمة اقتصادية حادة، تمثلت في انهيار الدينار الأردني، ومن ثم انفجار شعبي سمي "بهبة معان" سارع بالانتشار نحو الشمال، إلى أن الملك حسين أعلن الدعوة إلى المصالحة الوطنية والعودة إلى الدستور والانتخابات النيابية.وبذلك رمى الحكم بالمسؤولية والعبء كعادته على المجتمع للخروج من الأزمة التي خلقها الحكم نفسه في الإدارة الاقتصادية والمالية الفاسدة وغير المسؤولة، وكذلك في عدم مشاورة المجتمع والدستور بقرار فك الارتباط كحلقة في برنامج تسوية قضية فلسطين الذي ساهم في تفجير الأزمة التي أدت إلى هروب رؤوس الأموال المحلية وخاصة الفلسطينية إلى الخارج. وتشكل هذه الأزمة والتعامل معها مؤشرا ذا أهمية مستقبلية في مرونة الحكم الأردني في التعامل مع التهديد من الانفجارات النابعة من عيوب الحكم والكيان . وتؤشر كذلك لسذاجة وسرعة نسيان المجتمع لفقدان حقوقه. كما تؤشر لطبيعة نظام الحكم المستأثرة بالسلطة والمرونة عندما يقتضي أمنها ذلك، ولكن إلى حين.وتزامن مع ذلك عودة المغتربين الفلسطينيين من الكويت عام  1990، والذين وصلت أعدادهم حوالي أربعمائة ألف؛ أي ما نسبته أكثر من خمسة عشر بالمئة من السكان المقيمين. وقد حمل هؤلاء من توفيرات مالية ساعدت  في مجابهة الأزمة الاقتصادية والمالية المتضخمة والمتفجرة وآثارها الاجتماعية ولو لحين. ولكن تمايز الحقوق بين الأصول والمنابت بقي قائماً كقنبلة موقوتة، خاصة أن هؤلاء المغتربين كانوا قد ابتعدوا عن الأردن اجتماعياً وثقافياً وتواصلا، حتى أن الكثير منهم ممن ولدوا في الكويت لم يعرفوا الأردن من قبل، وتجدر الإشاره الى أنهم يجهلون الحقوق السياسية أو الوطنية بسبب إقامتهم الطويلة في الكويت.بعد ذلك بقليل وعندما تفاجأ الملك حسين باتفاق أوسلو عام 1993، انبرى بحماس استفز به حتى الكثير من رجال الدولة في الأردن والشعوب العربية، لإبرام صلح وادي عربة عام 1994. وقد شكل ذلك وما زال مذلة للأردن وشعبه الذين رفضوا التطبيع مع إسرائيل، خاصة أن المعاهدة كرست صراحة توطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، وكرست كذلك علاقة التبعية المتأصلة لإسرائيل والولايات المتحدة. فضلاً عن أن الأردن لم يسترد حقوقه في المياه والأسرى وغيرها. مما دفع بعض الوزراء والأعيان إلى تقديم استقالتهم في ظل أوضاع غير مألوفة. وأكدت هذه الاتفاقية كذلك نظرة الحكم الشخصية للأردن كمالك له، وحقه في حرية التصرف به، دون الاعتراف بحق ملايين المواطنين كذلك في المساءلة والقرار.ولم يهدأ بال الملك حسين، ولم يستطع التعايش مع التنازلات التي اضطر إليها عام 1989 لامتصاص الغضب الشعبي من الانفجار الاقتصادي الذي سببه انهيار الدينار الأردني، واستحقاقات المصالحة الوطنية لاحتواء ذلك الغضب، والحضور العريض والقريب من الحسم للمعارضة الإسلامية والقومية والاجتماعية في مجلس النواب. ولذلك قرر الانقلاب على تلك التنازلات بهدف تدجين مجلس النواب . وهكذا تم ابتداع مفهوم الصوت الواحد في الانتخابات العامة الذي أدى إلى تحجيم المعارضة‘ وخاصة الإسلامية، فضلاً عن التحكم بنتائج الانتخابات العامة. فعاد الوضع السياسي في الأردن إلى ما كان عليه قبل الأزمة المالية الاقتصادية حيث الحكم المطلق للعرش. وقد زاد من إلحاحية هذا الانقلاب الحاجة لإبرام معاهدة وادي عربة من قبل مجلس النواب الجديد المدجن والذي لم يكن ربما ممكناً في مجلس النواب الأول. وقد استفاد الملك حسين في هذه المواجهة بعد أن أصيب بالسرطان فأثار مرضه المشاعر الإنسانية للمواطنين، وقد خدم ذلك أهدافه السياسية كثيراً.ولكن هذه الحال لم تدم طويلاً، فقد تردت أحوال الملك حسين الصحية واضطر للغياب منذ منتصف عام 1998 للعلاج في الولايات المتحدة ما وضع الأردن دولة وشعباً في حال من الترقب والشلل، خاصة وأنه خلق من خلال التوظيف الكفؤ للجزرة والعصا نظاماً وقيادات سياسية مدجنة وطيعة لا تعرف طبيعة واستحقاق المسؤولية والقرار. كما لم ينظر إليها المجتمع بأي درجة من الاحترام والثقة، وقبل أن تنتهي حياته بأيام قليلة قرر إلغاء ولاية عهد الأمير حسن لصالح الأمير عبد الله الذي استلم الملك في بداية عام 1999. وكأن الشعب الأردني البالغ خمسة ملايين نسمة في حينه غير معنيّ وليست له حقوق في هذا المجال. وقد قاد هذا الأمر إلى الدخول في حالة من الحيرة والتحسب لدى الشعب في الأردن الذي امتصه خضوع الأمير الحسن الكامل لهذا القرار، رغم المعرفة الضيقة للشعب الأردني بالملك الجديد، وكأن الأمر لا يعنيهم. ثم هدأ الأردن وهدأت المنطقة لحين إقحام الأردن والكثير من الدول العربية في الحملة الأميركية لاحتلال العراق مخالفين مشاعر شعوبهم، رغم إخفاء الدول العربية لهذا التورط، ومن ثم  نشوء الأزمة الثلاثية الراهنة.
الخلاصة
يؤكد الكاتب في خلاصة الفصل قائلا:هذا التاريخ الثري من الأزمات المتتابعة التي واجهها الأردن أن نظام الحكم فيه كان يتأرجح بقدر الهامش المتوفر له، بالنظر للتبعية والتحالفات الخارجية وولعة بالاستئثار بالحكم ، وبين مرونة الواقعية من جهة واللقاء مع الشعب الأردني في منتصف الطريق أحياناً من جهة  أخرى، ومن ثم تصيّد الفرص للنكوص بهذه التنازلات، كما حصل مرات عدة منذ الخمسينات وبعد أزمة 1989، أو التزمت واعتماد العنف والقمع أحياناً أخرى.وقد شمل هذا التأرجح المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية مثل الاختصام مع حماس عندما رغبت الولايات المتحدة في ذلك، وكذلك اعتبار الانتصار للمقاومة إرهابا. وكذلك الحال في العقيدة الاقتصادية الأميركية التي فرضت إلغاء الدعم عن الأسعار واعتماد سياسة الخصخصة وفتح الأسواق للاستيراد والتي انهارت في الإعصار المالي عام 2008. وعلى هذه الخلفية المقيدة بين الواقعية والمرونة يواجه الأردن الآن أزمات ثلاث متزامنة، ربما رسم معالم طريق التعامل والتفاعل معها مركز الدراسات الإستراتيجية  في القوات المسلحة عام 2006. وفي الهامش المتوفر محلياً للحراك كان الحكم منذ بداية الكيان سلطانياً وفردياً كما في القرون الوسطى، رغم بعض الارتجاجات المؤقتة.إن هذا التعاقب السريع للأزمات التي عاشها الكيان الأردني منذ ولادته يقود إلى سؤال ملح حول إذا ما كانت هنالك ظروف تكوينية أو خلقية مسؤولة عن هذه الظاهرة. ولا يعود هذا السؤال إلى فضول علمي أو بحثي صرف، بل إلى ما هو أكثر حيوية ووطنية في مجال تحري الحلول للأزمة الثلاثية الراهنة، آملاً بأن يتجاوز الأردن تكرار هذه الأزمات، وتتوفر بذلك الظروف للاستقرار الدائم الذي يشكل مطلباً إنسانياً ومجتمعياً أساسياً. أو على الأقل أن يتم تعزيز وتطوير قدرات الأردن للتعامل مع أية أزمات مستقبلية ومستجدة.ويتبادر للذهن في هذا المجال التذكير بأن الأردن لم ينشأ تلبية لرغبات شعبية واجتماعية محلية ذات عراقة تاريخية وهوية مستقرة ومتمايزة عن محيطها وجيرانها، ولكنه نشأ من خلال تصورات وحدود رسمتها الجراحة السياسية كما وصفها هنري كسنجر وغيره الكثيرون بهدف خدمة مصالح الدول التي خلقتها بريطانيا وفرنسا.وفي المقام الثاني، لم يتمتع الأردن بالتأهيل الاقتصادي والإداري والأمني الذي يوفر له الاكتفاء الذاتي أو الحياة المستقلة عن الدعم الخارجي، مما يعني الخضوع للمصالح والرغبات المفروضة عليه من الخارج، ويأتي بعد ذلك أن قيادته السياسية لم تكن متجذرة في أرضه ومجتمعه قبل وفودها إليه بترتيب دولي.
الرزنامة الأردنية
ويختم الكاتب الفصل بإدراج روزنامة لأحداث يراها مفصلية، ومؤثرة على تاريخية الحدث الأردني:يبدو أن القوى والمؤثرات الإقليمية التي وردت أعلاه تؤثر في الأردن أكثر من غيره بسبب نشأته ومكوناته وموقعه وكافة خصائصه الأخرى، مما قاد إلى انكشافه لما يجري حوله. ويؤكد هذه الملاحظة جدول الأحداث التالي:
1. 1920 انهيارالحكم الفيصلي لكامل سوريا الطبيعية بما فيها الأردن وهروب بعض أركانه للأردن .
2. 1923      إجهاض بريطانيا لطموح الأمير عبدالله للاستقلال أو الحكم الذاتي وفرض التبعية .
3. 1925 لجوء أفراد ثورة جبل العرب للأردن.
4. 1925 انهيار مملكة الحجاز على أيدي آل سعود وضم معان/العقبة الى الأردن .
5. 1929 غزوات الإخوان السعوديين لجنوب عمان .
6. 1936 تورط الأردن في المسرح الفلسطيني لإيقاف الثورة الفلسطينية المسلحة.
7. 1941      الثورة العراقية واشتراك الأردن في إخمادها.
8. 1946 تأسيس الإخوان المسلمين في الأردن .
9. 1948 دخول الأردن في حرب فلسطين وهجرة مئات آلاف الفلسطينيين إلى الأردن
10. 1950         وحدة الضفتين.
11. 1950         مقتل رياض الصلح في عمان .
12. 1951         مقتل الملك عبد الله .
13. 1952     عزل الملك طلال .
14. 1955         تحالف النظام في الأردن مع الإخوان المسلمين والحزب السوري القومي .
15. 1956    أزمة حلف بغداد.
16. 1956         تعريب الجيش العربي وإلغاء المعاهدة مع بريطانيا واستبدال معونتها من مصر والسعودية وسوريا ( الوصايا الأميركية )
17. 1956         الغزو الثلاثي لمصر .
18. 1957    طرد حكومة النابلسي بانقلاب ملكي عسكري.
19. 1958         الوحدة المصرية والسورية والوحده العراقية الأردنية.
20. 1958         انقلاب الحكم في العراق وإلغاء الوحدة مع الأردن.
21. 1958         طلب الحماية البريطانية (اشتعال التيار القومي والتوتر الإقليمي الشديد) .
22 .الخمسينات  حروب الاستقلال العربية .
23 .الخمسينات   الانقلابات العسكريه .         
24. 1963         القمة العربية الأولى.
25. 1964         بدء عمليات المقاومة الفلسطينية (فتح).
26. 1966    تأزم الحدود مع اسرائيل (قلقيليه والسموع).
27. 1967         احتلال الضفة الغربية.
28. 1970         أيلول الأسود (خروج المقاومة الفلسطينية).
29. 1973         حرب تشرين الأول.
30. 1974         مؤتمر القمة في الرباط (منظمة التحرير الفلسطينية الناطق الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني) .
31. 1975         بدء حرب لبنان الأهلية.
32. 1978         طرد مصر من الجامعة العربية.
33. 1979     الفوائض النفطية العربية.
34. 1984         المصالحة مع منظمة التحرير الفلسطينية (عقد المجلس الوطني الفلسطيني في عمان).
35. 1988         إعلان استقلال الدولة الفلسطينية بحدود 1967 .
36. 1988         إعلان فك الارتباط / انهيار الدينار الأردني .
37. 1989     هبة معان.
38. 1990         احتلال الكويت / هجرة المغتربين الأردنيين من الكويت.
39. 1991         إخراج العراق من الكويت .
40. 1993         معاهدة أوسلو .
41. 1994         معاهدة وادي عربة (السلام مع إسرائيل) .
42. 1999         نقل ولاية العهد من الأمير حسن إلى الأمير عبد الله .
43. 1999-2008    تعاظم اغتراب الأردنيين والعمالة الوافدة للأردن.
44. 2003         احتلال أميركا للعراق .
45. 2005         مقتل رفيق الحريري وانفجار أزمة لبنان الراهنة.
46. 2005 – 2008   أزمة النفط.
يؤكد استعراض الجدول أعلاه بشكل غير قابل للبس بأن الأردن كان منذ قيامه معرضاً للتأثيرات الكبيرة السياسية والأمنية والاقتصادية بسبب الأحداث الكثيرة والمتلاحقة في داخله وفي محيطه ، بالإضافة إلى الأحداث والتطورات الهامة على المسرح الدولي ويأتي في الموقع الثالث في هذا المضمار العيوب الهيكلية في بقية الأردن منذ إنشائه. ومن أهم هذه التطورات الأخيرة انهيار الاتحاد السوفياتي وانفراد الولايات المتحدة كدولة عظمى. بعد ذلك وفي أقل من عقدين، تنامت قوة الصين وأصبحت دولة عظمى. كما انتعش الاتحاد الروسي وفقدت أميركا موقع القطب الأوحد. يضاف إلى هذه التطورات زحف أوروبا البطيء نحو الوحدة وتصاعد شأن الهند والبرازيل واتحاد جنوب شرق آسيا، بالإضافة لتعاظم أهمية البلاد العربية بسبب وجود ثلثي المخزون النفطي في العالم في هذه البلدان.
يتبع..


وهيب عبده الشاعر (3)
السبت, 15 تشرين1/أكتوير 2011
النقاش الذي دار بين الكاتب ونخبة مختارة من ابناء المجتمع الأردني، في مقر منتدى الفكر الديمقراطي، مثل محفزا لا يقاوم لنشر هذه الحلقات.."لماذا الأردن..؟" كتاب جديد لإبن السلط وهيب عبده الشاعر، يتولى "المستقبل العربي نشر عرض له على حلقات، اعتبارا من اليوم، يتحمل الكاتب وحده كل المسؤولية عما ورد فيه من افكار ومواقف..ولا شك في أنه كتاب مثير للجدل، مثل سابقه "الأردن إلى أين..؟" الذي اصدره الكاتب قبل ست سنوات..نقول ذلك ليس تنصلا، وإنما توضيحا للقراء الأعزاء الذين نعتقد أن الكتاب سيقدح افكارهم تعليقا، واعتراضا في بعض الأحيان.. واحتراما لإنتاج الكاتب الجدلي، يندرج تحت بند عدم السطو على افكاره التي يظن "المستقبل العربي" أنها غير مسبوقة لجهة النشر، من قبل، بمثل هذه اللغة الجامعة والواضحة.يسجل الكاتب في بداية صفحات كتابه الـ 200 من القطع الوسط، شكره لمن ساعدوه في إعداد كتابه، الذي أنجزه في آيار/مايو 2009، ولم ير النور حتى الآن، وهم "الأصدقاء الدكتور عبد الرحيم ملحس، والأستاذ موفق محادين، والأستاذ عبد الملك ياسين، والدكتور حسني الشياب، والأستاذ أحمد النمري والباحث عبدالله حموده وغيرهم من خلال الحوارات العديدة المعمّقه في الكثير من محتوياته".
الفصل الثالث من الكتاب يتناول:
1.       مقدمة
2.       انفجار الأزمة
3.       أمن النظام والرأي العام
4.       أمن النظام وأمن المجتمع
5.       الآفاق الكامنة
6.       البعد الدولي
7.       ملامح الإرادة الوطنية
8.       التذكير بالجذور
في مقدمة الفصل، يقول الكاتب:
تقتضي محاولة فهم المخاطر الأمنية المتفجرة في القضية الفلسطينية والإقليمية والدولية على النظام في الأردن، وتقييم هذه المخاطر من أجل تكوين المواقف المتجاوبة معها، ذكر الحقائق الأساسية التالية:
1. تجاوز حاليا مجموع الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين وفي الشتات كما تعرفهم منظمة التحرير الفلسطينيه أحد عشر مليون نسمة. وذلك بالمقارنة مع الأصول الأردنية والفلسطينية ما قبل 1948 والوافدين للأردن من غير الفلسطينيين والبالغ عددهم أقل من مليوني نسمة. وتكثر المؤشرات لحقيقة الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة لهذه الأعداد في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي مهما تباعدت عن بعضها، بينما لا تتوافر المؤشرات المقنعة لقيام هوية وطنية أردنية.وتتمثل المؤشرات لحقيقة الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة لهذه الأعداد مهما تباعدت عناصرها عن بعضها في عدة أسباب، ومظاهرها كما يلي:
أ.الاشتراك في النكبة الواحدة ومعاناتها وكذلك وحدة مرتكبيها وأسبابها. فالاحتلال الإسرائيلي يشمل كامل الأراضي الفلسطينية وأن ثلثي الشعب الفلسطيني قد هُجّر من أماكن إقامته الأصلية، رغم بقاء جزء من المهجرين على أراضي فلسطين التاريخية في كل من فلسطين عام 1948 والضفة الغربية وغزة.
ب.استقرار غالبية الشعب الفلسطيني على أراضي فلسطين لفترات تاريخية طويلة، عدا الهجرات السلمية المحدودة والطبيعية والمألوفة إنسانيا من المناطق المحيطة بفلسطين، ما أدى إلى درجة عالية من التماهي الثقافي والاجتماعي. وقد ساهمت في ذلك الأنظمه القانونية المشتركة والإدارة الموحدة في غالبيتها والرموز الجامعة وأهمها القدس، وتقارب وتركّز سكانها في الثلث الشمالي من فلسطين وتكاملهم الاقتصادي.
ج.وحدة النضال الفلسطيني بكل أشكاله الثقافية والإعلامية والقتالية، وكلفة هذا النضال من تهجير قسري واعتقال وتمييز ظالم في المجتمعات المضيفة، مما أدى إلى ازدياد الوعي بالهوية المشتركة، وكذلك الهدف المرجو والمؤسسات الجامعة في كافة مناحي الحياة.
د.تعامل العالم العربي والدولي مع القضية الفلسطينية كقضية واحدة في كافة المجالات من الإغاثة والإجراءات القانونية والإدارية والتفاعلات السياسية.

هـ. ساهم موقع فلسطين الجغرافي المفتوح بحريا على الغرب، ومناخها الذي يوفر المصادر المائية الضرورية للحياة الاقتصادية، والمواقع الدينية التي ضمنت استمرارية المجتمع وتواصله الخارجي الكثيف في توفير أسباب الحيوية والاستمرارية الحاضنة لنماء المجتمع الموحد وهويته الاجتماعية والثقافية، وبالنتيجة الهوية الوطنية.
أما غياب المؤشرات المقنعة لقيام هوية وطنية أردنية واحدة فيوفر هذا البحث الكثير من الإشارات والتحليلات المتكررة لها؛ لأن ذلك يشكل مرتكزا أساسيا في تكوين قضايا الأردن وعناصر المشروع الوطني الذي يقدمه هذا البحث من أجل تجاوز العيوب التي يشكو الأردن منها.
2. يقطن في الأردن أكثر من ثلث مجموع الفلسطينيين (أربعة ملايين)، على شكل لاجئين تتولى الأونروا في الأردن إدارة الشؤون الحياتية لنصفهم. بينما يتشكل النصف الثاني من الذين هاجروا إلى الأردن طوعاً بعد عام 1948 (وربما قبل ذلك أيضاً) وذلك أثناء وحدة الضفتين، وما تلاها من هجرات ونزيف سكاني هادئ ومتنامٍ، وليس هنالك تقديرات لأعداد الفلسطينيين الذين انتقلوا من غرب النهر إلى شرقه منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى عام 1948، حيث لم يخضع ذلك الحراك للرصد في حينه إلا جزافاً. وتشكّل هذه الشريحة الحلقة الجامعة في سجال الأصول والمنابت، وخاصة في الهوية الثقافيه والاجتماعيه وتجاذب الانتماء بين فلسطين والأردن.
3. يشكل الفلسطينيون المقيمون في الأردن حوالي ثلثي السكان. أما الثلث الباقي فيعود إلى أصول سورية وشركسية وشيشانية وحجازية ولبنانية (درزية وسنية) وأرمنية وكردية وكذلك فلسطينيو ما قبل 1948 الذين يشكلون نسبة هامة وغير محصاة بدقة، بالإضافة للأصول البدوية الصحراوية المستقرة الآن، والذين يرثون علاقات العمومة مع أشقائهم في نجد والعراق وسوريا. ويساوي هؤلاء في العدد الأردنيون المستقرون في الزراعة وغالبيتهم في الشمال، وذلك عند قيام الإمارة عام 1921.
وكان ومازال الفلسطينيون في الأردن محافظين على هدوئهم السياسي، خاصة بعد صدامات 1970. فهم لم يشاركوا، وبطلب من منظمة التحرير في الاحتجاجات الشعبية بعد ذلك، وعلى رأسها هبة معان عام 1989 وغيرها، ولكنهم شاركوا بوضوح بين المظاهرات المتعاطفة والداعمة لغزة على إثر العدوان الذي ألمّ بها مؤخراً.
4. قرر النظام السياسي والأمني والإداري في الأردن تهميش الفلسطينيين سياسياً بشكل جماعي، وجعلهم محرومين نسبياً من المشاركة إلا استثناء في أجهزة الدولة بكل أشكالها وخاصة في المواقع القيادية والأمنية. وقد حصل ذلك بعد أن اعتمد الملك حسين برنامج إعادة ترتيب البيت الأردني بعد أحداث أيلول عام 1970 وقرارات مؤتمر القمة العربية في الرباط عام 1974 باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد باسم الشعب الفلسطيني أينما كان، أي بما فيهم الفلسطينيون في الأردن (المحرر: الواقع أن الملك حسين رفض بشكل مطلق تمثيل منظمة التحرير للفلسطينيين في الأردن). وقد تجذّر هذا الترتيب للأصول والمنابت بعد قرار فك الارتباط عام 1988، وأصبح يوصف بالحقوق المنقوصة، ولكنه يبقى خاضعاً للتقييم التاريخي حول حكمته ونتائجه.
5. لا يسمح النظام السياسي والأمني في الأردن بإقامة أي حوار حول هذا الموضوع بما في ذلك من هم من أصول أردنية، أو من الفلسطينيين الذين وصلوا إلى مواقع سياسية متقدمة في إدارة الأردن، حتى رئاسة الديوان الملكي، ونيابة رئاسة الحكومة. ولذلك، فهذا الموضوع مكبوت ومضمور ويختلج في الصدور والعقول والتهامس الاجتماعي. وقد تعرض بعض كبار رجال الدولة من الفلسطينين في الحكومة والديوان الملكي للمساءلة الأمنية عندما أبدوا احتجاجاً هادئاً على هذه الحال.
6. إن سجل الأردن كدولة في الساحة الفلسطينية لا يرضي الفلسطينيين باستثناء البعض القليل، وذلك منذ الثلاثينات وما تلاها من تاريخ مكثّف، مروراً بخطاب وحدة الضفتين عام 1950، ومن ثم بالصدام بين القوات الأردنية المسلحة وفصائل المقاومة الفلسطينية عام 1970. ومهّد ذلك إلى تخلى الحكم الأردني عن حقه بالتمسك بوحدة أراضيه بفك الارتباط مع الضفة الغربية عام 1988 بعكس ما هو حال الدول الطبيعية في مثل هذه المحن، ولكن الفجوة بين الحكم والشعب هي التي تفسّر هذا السلوك.وفي هذا المجال تجدر الإشارة الى أن الشعور بفراغ الهوية الوطنية وضبابيتها، على خلفية الحاجة الطبيعية للانتماء والوطنية اللذين يوفران الراحة والدفء، لا يخلق سوى وطنية زائفة ومصطنعة وغير باقية.
7. تتداخل معظم الشكاوى الفلسطينية في الأردن بشكل عضوي مع القضايا الأردنية القائمة، السياسية والأمنية والاجتماعية. ولكن الشكوى من تبعية الدولة للخارج والفقر والأمية والبطالة والفساد والقطرية والقمع السياسي تمسّ الأصول والمنابت الأردنية بدرجة أكبر من الأصول والمنابت الفلسطينية، فالقضيه الفلسطينيه الملتهبه أكثر إلحاحا وإشعالا من تبعية الحكم للخارج. كما أن أخلاق العمل والمدنية تخفف عنهم حالات الفقر والعجز والأمية والبطالة. أما الفساد والقطرية والقمع السياسي فهو هم ثانوي نسبياً للفلسطينين في الأردن.
8. اهتزت في السنوات القليلة الماضية هيمنة أميركا وإسرائيل على المنطقة العربية. وقد سبب ذلك الاهتزاز المقاومة العراقيه وأداء حزب الله في جنوب لبنان، وخاصة في حرب عام 2006، وكذلك في نشوء ونجاح حماس خاصة في غزة، بعد أن تم تدجين قيادات فتح على كل المستويات منذ عام 1988. وقد رفد ذلك أداء محور الممانعة الإيراني السوري في مواجهة السيطرة الأميركية على الشرق الأوسط، ورفده أيضا موقف حزب العدالة والتنمية التركي المتحفظ على سياسة وبرامج كل من أميركا وإسرائيل، وإن كان ذلك بهدوء واضح ولكنه واعد.
9 . أدت سياسة الاستيطان الإسرائيلية المتعاظمة بصلافة في الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى تراجع الإمكانية العملية لإقامة دولة فلسطينية طبيعية حتى وإن أجبرت إسرائيل على ذلك.
10. أدت هذه التطورات الأخيرة إلى اهتزاز صورة إسرائيل ووضعها الأمني الذي وصل حد الرعب من المستقبل، رغم تفوقها في المعايير التقليدية. وتشكل محنة إسرائيل الأمنية المستجدة مصدر خوف شديد من إجراءاتها الانفصالية المحتملة والمستندة إلى القدرة العسكرية والترهيب. وقد شكّل الانتفاض الروسي، بعد أن تورطت إسرائيل في جورجيا، دافعاً إضافياً للارتعاب الإسرائيلي والتحسب، خاصة وأن سوريا سرعان ما انتصرت لروسيا وطورت علاقاتها الاستراتيجية القديمة معها.وعلى هذه الخلفية نشأ وتنامى الرعب لدى الدولة الأردنية و"ليكودها"، دون مشاركة كامل شعبها في هذا الرعب، من أن المخاطر الكامنة في تطوير القضية الفلسطينية والاحتمالات القادمة من غرب النهر تهدد "الأمن الوطني الأردني". إن عدم مشاركة معظم الشعب الأردني بهذا الرعب يعود إلى أن ثلثي السكان هم من أصول فلسطينية، وأن الشعور السائد لديهم هو ضرورة الدفاع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية في فلسطين وليس حماية الأردن من الشعب الفلسطيني. وقد هرع الملك عبدالله الثاني إلى الحليف الأميركي عام 2007 طالباً بإلحاح إنقاذ الحل، ولكن دون جدوى لأن الأولوية لدى أميركا هي للمصالح والرغبات الإسرائيلية.
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ قيام الكيان الأردني لم تتشكل دولة طبيعية مستقلة عن ارتباطها بنظام الحكم الهاشمي بسبب غياب المؤهلات الموضوعية للدولة والكيان، القادرة على تحقيق السيادة الحقيقية.

انفجار الأزمة
تحت هذا العنوان، يقول الكاتب:
على هذه الخلفية الثرية والمعقدة والعميقة في العلاقات الأردنية الفلسطينية، تزامنت في المرحلة الراهنه عدة عناصر جوهرية تمثلت بأزمة اسرائيل التي تشبه أزمة الثور الجريح في فشلها عام 2006 في لبنان، وفشل قيادة "فتح" النهائي لسياسة الاعتراف بإسرائيل التي أعلنها ياسر عرفات عام 1988، ومن ثم فشل اتفاقية أوسلو عام 1993 وكل مفاوضات السلام.وجاء بعد ذلك فشل محاولات أميركا في السيطرة على المشرق العربي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وضرب العراق وحصاره عام 1991. وجاء أخيراً نجاح حماس في شدها لغالبية الشعب الفلسطيني والأردني والعربي التي تأكدت في الانتخابات النيابية في فلسطين عام 2006. ولم تقبل حماس بوجود إسرائيل وشرعية هذا الوجود ، أو بفك الارتباط بين الأردن وفلسطين أو بالحل السلمي رغم مرونة خطابها السياسي. وأدى هذا التزامن وجذوره التاريخية إلى تأجيج أزمة الأمن الوطني الأردني أو النظام الحاكم، والإعلان عنها.فقد طالعت الصحف الأردنية القارئ منذ عام 2006 وما زالت بمقالات عديدة ومفاجئة في صراحتها وجرأتها غير المسبوقة، عن احتمالات المستقبل القريب في تطور القضية الفلسطينية التي تهدد الأمن الوطني الأردني، رغم أنها لم تأت بجديد، في كل من الجوهر والخطاب الإعلامي. وقد كان الأكثر جرأة ومفاجأة تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية في القوات المسلحة (وليس الجامعة الأردنية)، وخاصة إستراتيجيته الخماسية لحماية الأردن من كافة الأخطار المحدقة به. وقد تلخصت هذه الاستراتيجية بأن ينأى الأردن بنفسه عن أميركا وإسرائيل، ويهم بإقامة الحكم الصالح، والمساواة بين الأصول والمنابت، وتعزيز العلاقات العربية والقوات المسلحة.لقد كان جوهر هذه المقالات، غير المألوف في علانيته، اعتبار الأمن الوطني الأردني قابلاً للتهديد، بخلاف الخطاب التقليدي المبني على التغني بالمنعة الذاتية الإستراتيجية والتاريخية، والمعززة بالتحالفات، أو على الأقل بالصداقات العلنية الإقليمية والدولية، وربما حتى الإدعاء بالمباركة الشعبية والإلهيه للكيان وقيادته وأمنه كذلك. وقد طرحت هذه المقالات مجموعة مسلمات لا تصمد أمام التحري والتحليل الموضوعي والهادئ، وكذلك أمام ضرورة الشمولية التي تقتضيها طبيعة الترابط العضوي بين كل من القضايا الوطنية وبين محيطها. وبالإفادة من الشرعية السياسية والأمنية المتاحة افتراضياً وغير المألوفة حتى الآن، من خلال هذه الأخبار والتصريحات والمقالات للإقدام على الحوار حول الطروحات المعلنة، أقدم في الجزء الثاني الملاحظات والتساؤلات التالية إسهاماً ومشاركة في هذا الطرح المفاجئ وصراحته غير المألوفة.
الأمن الوطني والرأي العام
تحت هذا العنوان، يقول الكاتب:
تجمع الأطروحات الإعلامية على أن الشارع الأردني كما هو الحاكم يتوجس من مخاطر التطورات المرتقبة في فلسطين. ولكن هذا الطرح لا يبدو أنه مبني على قراءة واقعية لمشاعر مختلف مكونات المجتمع الأردني أو المقيمين في الأردن. وهو لا يدرك أن الفصل بين الضفتين الذي فرضته بريطانيا في عام 1921 ، ومن ثم فرضت زرع اليهود الأوروبيين في فلسطين تمهيداً لطرد مئات آلاف الفلسطينيين إلى الأردن وغيره، وفصل الضفتين عام 1967 مع مزيد من التهجير ثانية قبل أكثر من أربعة عقود، خلق قدرا كبيرا من المعاناة المادية والاجتماعية والمعنوية لدى أعداد وشرائح واسعة في المجتمع الأردني، وهي لذلك أقل اعتباراً لما يسمى الأمن الوطني البعيد عن همومهم والبعيد أيضاً عن شوقهم لإعادة اللحمة مع نصفهم الآخر الذي سُلخ عنهم منذ حين.ويتسع هذا التباين في مفهوم ومعايير الأمن الوطني بين الحكم والمجتمع ليشمل ويثير جدوى وشرعية الكيان الأردني التي ابتعدت كثيراً عن خطاب الملك عبد الله المؤسس، والمستمد  من خطاب الثورة العربية الكبرى، واللذين جعلا الأردن محطة في المسيرة القومية. ويشمل هذا التباين كذلك وحدة الضفتين عام 1950 وآفاقها رغم خلافيتها فلسطينياً وعربياً بسبب التحفظ على الحكم الأردني لارتباطه الوثيق مع بريطانيا في حينه وبعد ذلك مع أميركا. ومن ثم جاء فك الارتباط بينهما عام 1988 بقرار فوقي وغير شرعي دستورياً وسياسياً، لكي تصبح فلسطين بعد ذلك خطرا على الأردن كما يدّعي الخطاب الرسمي.وقد سببت هذه الخلفيه أحداث أيلول عام 1970، وقرارات مؤتمر قمة الرباط عام 1974، وإعادة ترتيب البيت الأردني الذي تلا ذلك. ثم جاءت بعد ذلك معاهدة السلام الإسرائيلي الأردني المجانية والمذلة. والأهم من كل ذلك أن هذه المعاهدة أكدت انفكاك الأردن عن القضية الفلسطينية برمتها بما فيها  المطالبة بعودة اللاجئين بموجب القرارات الدولية، بحجة أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت تتفاوض مع إسرائيل. وقد جاءت ردود الفعل الشعبية مستاءة من كل ذلك ورافضة للتطبيع، خاصة مع تعهد الأردن الرسمي بالتوطين.
أمن النظام وأمن المجتمع
يقول الكاتب تحت هذا العنوان:
يعود التباين بين أمن نظام الحكم في الأردن وأمن المجتمع إلى أن نظام الحكم لا يستمد شرعيته وشرعية ممارساته من مرجعية المجتمع. ولذلك فقد تتطابق متطلبات أمن النظام مع أمن المجتمع وحاجاته عن طريق الصدفة، ولكن ليس بالضرورة الشرطية . وعلى هذا الأساس يبدو أن التهديد المخيف للأمن الوطني الأردني محصور في تهديد أمن النظام السياسي القائم، وهو لايشمل أمن الكيان الأردني نفسه وكامل مكوناته ومجتمعه. فبدلا عن المطالبة بالدفاع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية، تحولت المطالبة إلى الدفاع عن أمن النظام الأردني. وكأنه يقول إنه إذا لم يهدد فقدان الحقوق الفلسطينية أمن النظام الاردني ، فربما يكون ذلك مقبولا. وبالعودة إلى العناصر المكونة لهذا النظام والمجتمع فإنها تستحق عدة تساؤلات حول طبيعة الهواجس والنتائج المحتملة للمخاطر التي تهدد مصالح هذه المكونات وكما يلي:
1. اعتمد الأردن منذ مؤتمر الرباط عام 1974، بذريعة قراره بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الناطق الشرعي والوحيد باسم الفلسطينيين أينما كانوا، منهج وبرامج إعادة ترتيب البيت الأردني الذي أخذ شكل توزيع الأدوار بين الأصول والمنابت الأردنية والفلسطينية، حيث تم اعتبار كل من هو ليس فلسطينياً عام  1948 يكون أردنياً، بمن فيهم السوريون والحجازيون والشيشان والشركس والأرمن والدروز والكثير من الفلسطينيين الذين كانوا قد وفدوا منذ القرن التاسع عشر وغيرهم. وبذلك استحوذت هذه الأصول "الأردنية" على غالبية الأجهزة الأمنية والإدارية والتشريعية. وقد تركت الأصول الفلسطينية نتيجة لذلك للنشاط في القطاع الخاص بمثابة الجالية الوافدة والغريبة كما هو الحال في الخليج العربي . وهكذا فإن احتمال إعادة النظر في هذا التوزيع والتخصص لتحقيق المساواة بين كافة ما يسمى بالأردنيين تثير مخاوف الذين يخشون  على مكاسبهم وامتيازاتهم من توسيع المنافسة المرتقبة في إدارة الدولة وتذويب مكاسب نخبهم، بينما يرحب بها الآن المحرومون منها.
2. أدى التوزيع الراهن ومنذ أواسط السبعينات لأدوار الأصول والمنابت أن نشأ في قيادة القطاع العام ما يسمى "بالليكود" الأردني الذي ركّز أولويات السياسات العامة على المفهوم الضيق للدولة والمجتمع في الأردن، وما يجعله غير شامل لكافة مكوناته. ولذلك تشمل هواجس "الأمن الوطني الأردني" إعادة تكوين هذا الليكود وأصوله ومنابته وعقيدته واستراتيجيته ومعاييره ونخبه وعصبيته.وتجدر الإشارة أنه بالنظر للطبيعة شبه التجارية لهذا الليكود، والمؤسسة على الاستئثار بالمصالح والمكاسب، والبعيدة عن العصبية الوطنية الطبيعية والحقيقية، فإن هذا الليكود سوف يتأقلم عند الضرورة بسرعة كبيرة ويجد مصالحه وتحالفاته الجديدة بيسر، كما هو حال الأسواق التجارية. ويجدر التذكير بأن الفلسطينيين في الأردن يشكلون ثلثي مجموع السكان، وأنهم في الوقت نفسه يشكلون أكثر من ثلث الشعب الفلسطيني مجتمعاً. ولذلك فإن أية زيادة هامة وملموسة لأعداد الفلسطينيين تشكل مصـدر تخوفــات "الليكـود" الأردني ، الذي يتجاهل أسباب وجوده وعزته السطحية المصطنعة.
3. تشكلت البرجوازية في الأردن أو جذورها، حتى قبل قيام الإمارة عام 1921، من جماعات وافدة من مجتمعات أكثر تطوراً في الولايات العثمانية المحيطة والمكونة لما أصبح بعد ذلك الأردن. وقد استفادت هذه الجماعات من الفوضى الإدارية والقانونية، خاصة في الاستحواذ على الأراضي الشاسعة والامتيازات التجارية دون رقابة أو حماية. وقد نمت هذه البرجوازية بعد ذلك واكتسبت الخصائص والمعايير الطبقية وحتى الفئوية ولكن ليس الوطنية ، عبر مختلف مراحل التغيرات السياسية التي عاشها الأردن. كما أنها تهجنت وتصاهرت مع الكثير من العناصر المحلية، وذلك على أساس عقيدة الاقتصاد الحر للدولة الأردنية الوليدة، والسائدة دولياً حينذاك قبل أن تنعكس أو تنحاز حديثاً بعد ذلك، ثم ترتد ثانية . وقد أقام النظام السياسي مع نخب هذه الجماعات الطبقية تحالفاً عميقاً شارف على التماهي والتداخل الاجتماعي، وانتقاء النخب الإدارية في الدولة، وما زالت هذه الجماعات تتمتع بثروات ودخول تفوق معدلات المجتمع المحلي المضيف.ولكن طبيعة البرجوازية في الأردن، وفي سائر الدول العربية وغيرها، تبقى لديها المرونة في التأقلم السريع مع المتغيرات بدوافع الواقعية والمصالح المادية الواضحة وغياب الفوارق الثقافية مع الآخرين كما هو حال نخب الحكم. ولا يبدو أن هواجس الأمن الوطني الأردني الحقيقي تشمل التخوف الفعلي والعميق من أي تغير في فلسفة وهيكل المجتمع والاقتصاد الأردنيين. ولذلك فسوف تكون هذه البرجوازية عالية الصوت المفتعل في الدفاع عن الوضع القائم، مع الاحتفاظ بالكثير من الخبث والمرونة الوظيفية التقليدية، والقدرة على التكيّف مع كل ما هو مستجد سياسياً إذا لم يهدد ذلك كلياً مصالحها المادية المباشرة، أو أن يوفّر فرصاً بديلة، كما هو حال أمثالها في المجتمعات الأخرى وعبر التاريخ.

4. بعدما تكرست القطرية في العالم العربي بعد هزيمة عام 1967 وتجاسرت بخطابها العلني على الولاءات والانتماءات القومية واستحقاقاتها، تماهى الأردن في ذلك  بحماس مع كافة الدول العربية الأخرى، وتجاسر باعتماد قدسية العقيدة الأمنية المحلية والقطرية المتكررة فيها جميعاً. وقد وظفت هذه العقيدة نفسها وجهازها وقدراتها المهنية في خدمة النظام الحاكم القائم وليس المجتمع الواسع. ولذلك فهي في جوهرها قادرة بسبب مرونتها المهنية وسطحية ولاءاتها على التطور لخدمة النظام الذي قد ينشأ في الأردن نتيجة أي تطورات في القضية الفلسطينية. وهكذا فهي تتطابق مع الليكود الأردني والبرجوازية الأردنية المصلحية مهما تغيرت مكوناتها وأشكالها، رغم حرصها وغيرتها الهشّة على مصالح أفرادها من أي منافسة قادمة.ولا بد من التذكير في هذا المجال بأن نظام الحكم الأردني كان قد أدار الضفة الغربية أمنياً لمدة عقدين ، ونجح في توظيف العناصر الفلسطينية المحليه في ضبط وإدارة الفلسطينيين هناك. ولكن لا بد من ملاحظة أيضاً أن تطور الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية في ظل الاحتلال عبر أربعة عقود جعل منه مادة أمنية غير مألوفة و مخيفة للأجهزة الأردنية وقياداتها.
الآفاق الكامنة
يشكو الطرح الإعلامي للقضية الوطنية الأردنية وما يهددها من الضحالة أو الاقتناع، في مخاطبة الاستحقاقات الممكنة نتيجة الهواجس والتهديدات من غرب النهر، كما يقول الكاتب تحت هذا العنوان، ما يضعف مصداقية وفاعلية هذا الطرح. فلم يظهر في الإعلام الأردني أي تبصر في النتائج الكامنة على المستوى الإقليمي والدولي ، وحتى على المستوى الداخلي، لما يمكن أن يتأتى من تفاعل هذه المخاطر. ومن السهولة بمكان تحديد عناوين هذه المواضيع والمجالات كما يلي:
1. بعد أن عاش الأردن كبقية الدول العربية في النظام القطري الخانق للهوية القومية، يوفر الاتحاد مع  الضفة الغربية توسعاً اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً يميل نحو الإيجابية في العطاء والتكافل والانطلاق نحو الأرحب، ولكن هذه الآفاق لم تحظ بأي نظرة فاحصة ومدققة في إمكانياته وأبعاده.
2. إذا ارتفع عدد سكان الأردن إلى حوالي عشرة ملايين مواطن أو أكثر بسبب التوحد مع الضفة الغربية وإنعاش الانتماء لدى المغتربين في الخليج وغيره، فإنه سوف يولد كياناً ومجتمعاً ذا وزن وجدوى سياسية واقتصادية وأمنية أكبر بكثير مما هو قائم الآن وبشكل ملموس. فما هي تداعيات هذا التغير غير المدركة آفاقه على كل المستويات، وخاصة الدور الكامن والمتعاظم له قومياً وإقليمياً.
3. فرضت ظروف الأردن عليه علاقات عربية وإسرائيلية ودولية (أميركية) ليست لصالح أهله بالميزان العام، رغم "المكاسب" التي يتغنى بها خطاب النظام والإعلام لهذه التحالفات. فهل يشكل الوزن الجديد مدعاة وسبيلاً لتطوير هذه العلاقات والموازين وتصحيحها باتجاه التكافؤ والمساواة، وتحرير القرار الوطني بدرجة ملموسة، خاصة أن هنالك تغيراً سريعاً في ميزان القوى على المسرح الدولي لغير صالح أميركا.
وإذا كان الأمن الوطني الأردني هو في جوهره أمن النظام السياسي وليس أمن الكيان  والمجتمع، كما كان عبر تاريخه أو كما سوف ينشأ نتيجة ما يتطور غرب النهر، فكيف يمكن أن يتعامل النظام ويتطور مع المتغيرات الإقليمية المرتقبة وماهي المقاربه بين وحدة الشعب الفلسطيني في القضيه والهوية والعصبية، وفقدانه الحقوق السياسيه في الأردن مقابل مقتضيات أمن النظام الذي يفرض الحقوق المنقوصه . وهذا يطرح الأسئلة التفصيلية التالية:
1. هل سيتغير المناخ العام  الداخلي ومستحقاته بسبب تعاظم نسبة الأصول الفلسطينية بالدفع نحو المزيد من الديمقراطية، أو على الأقل توسيع قاعدة الحكم وبذلك رفع سويته، وهكذا يتم تحقيق تحسن ملموس في الاستقرار وردم الهوة بين النظام والمجتمع.
2. إذا دخلت المنابت الفلسطينية في إدارة الدولة، فما أثر ذلك ونتائجه الإيجابية أو السلبية خاصة في مجال كفاءة الأداء؟ وهل يمكن بقاء الشعب الفلسطيني مشتتا أو مجزأ رغم وجود أكثر من ثلثه في الأردن؟ وذلك في أي من البدائل الممكنة للحل.
3. هل ستضطر القوى الحاكمة للتخلي عن جزء من سلطاتها لصالح مؤسسات ومضامين دستورية ومجتمعية قائمة حالياً ولكن متفرغة أو سوف تستجد؟ وما نتائج ذلك؟
4. بالإضافة لهذه التساؤلات ما استحقاقات مشروع بيريز الثلاثي أو "البنلكس" على خلفية قوة إسرائيل الحاسمة رغم تراجعها بسبب تعاظم المقاومة في لبنان وفلسطين وقيام محور الممانعة، وعلى خلفية أعداد الفلسطينيين الطاغية، وذلك في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. وهل يمكن أن تتعرب إسرائيل ثقافياً على المدى الطويل بالنظر لثقافة مكوناتها ومحيطها العربي وهجرة الاشكنازالأوربيين المعاكسة، وتتكرر بذلك تجربة العرب مع اليهود في الأندلس وفي مصر والعراق والمغرب واليمن عبر التاريخ.
البعد الدولي
يقرر الكاتب هنا، أن المتأثر الأول بأي تهديد للأمن الوطني الأردني هي القوى والمصالح التي قررت إقامة الكيان الأردني، وإبقائه معتمدا عليها، والاستمرار في حمايته لجني الفوائد والثمار الإقليمية المتأتية لها من وجوده ومن توجيهها له. وبسبب عظمة قدرات هذه القوى الدولية فإن الأمن الوطني الأردني غير قابل للتهديد خاصة من الخارج ، إلا إذا أرادت هذه القوى الدولية إعادة النظر بطبيعة مصالحها وبالسبل التي تحقق هذه المصالح وبالدور الوظيفي للأردن. وقد كانت بريطانيا، صاحبة ومنفذة وعد بلفور، قد قررت حصر ذلك الوعد بغرب نهر الأردن وتفريغ فوائضه السكانية شرق النهر ، مما أدى إلى خلق الحال القائمة للكيان الأردني. ويقول الكاتب: عندما تولت أميركا أمر الأردن وأمنه كانت وبشكل متزامن قد أصبحت مرتبطة عضويا وبدرجة أعمق بإسرائيل والصهيونية جهاراً نهاراً. ولذلك فإذا كان هنالك من أخطار قادمة من غرب النهر على الأمن الوطني الأردني فهي بطبيعة الحال نتيجة للقرار الأميركي الإسرائيلي المتولي أمر الأردن. فكيف للأردن أن يقاوم هذا الحلف؟ أم أن هذه الحقائق تتطلب من النظام الحاكم التأمل العميق في كافة الخيارات الكامنة فيه ومن حوله كما سوف يتم توضيحه فيما بعد؟ أما إذا تغير المسرح الدولي كما تؤذن بذلك المؤشرات المستجدة، وأصبح العالم متعدد الأقطاب فما تأثيرات ذلك على أحوال المشرق العربي بما فيها الأردن، وما أولوية الأردن في الإستراتيجية الأميركية القادمه على أساس هذه التغيرات؟
          ملامح الإرادة الوطنية
وعن ملامح الإرادة الوطنية، يقول الكاتب، قد يُكتب للأردن أن يقاوم هذه الحقائق والقوى التي تعكسها وتقف وراءها، لأن ذلك ليس مستحيلاً من الناحية النظرية. و تكمن إمكانية ذلك في تحقيق الشروط الموضوعية المطلوب توافرها، والتى تخلق ظروفاً قادرة أن تجيب عن كل ما جاء أعلاه. وتتمثل هذه الظروف بإزالة كافة المعيقات للإرادة الوطنية الواردة في ما سبق، والتي تمثل توحّد وإجماع الحكم والمجتمع، بما في ذلك التعامل مع المعيقات من الداخل ومن الخارج. ويتم ذلك بإزالة كامل التناقضات الداخلية، وكذلك التناقضات بين الكيان الأردني والمشروع القومي العربي، أو على الأقل الإقليمي أو السوري. ويبدو أن مكونات هذا المشروع القومي والوطني تشمل إعادة النظر في قرار فك الارتباط عام 1988 ومعاهدة وادي عربة عام 1994 اللذين تخلّقا على خلفية قوامها الهلع والهرولة، دون تبصّر فيما يحملانه من نتائج على المدى الأبعد.ومن الجدير ذكره، أن معاهدة وادي عربة أشارت في المادة 8 (2-ج)  "إلى "تطبيق برامج الأمم المتحدة المتفق عليها وغيرها من البرامج الاقتصادية الدولية المتعلقة باللاجئين والنازحين بما في ذلك المساعدة على توطينهم". ويبدو أن هذه الإشارة لم ترد فقط بسبب إصرار إسرائيل عليها، بل لأن أي تصور للأردن بدون اللاجئين الفلسطينيين لا يترك إلا شبحاً لما هو قائم الآن، فأعدادهم واختلاطهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وخلفية الوحدة بين الضفتين ، التي نال بموجبها كافة الفلسطينيين الجنسية الأردنية ، يجعل وضعهم يختلف كثيراً عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا.وجاء في معاهدة وادي عربة إشارة لدور الأردن بما يخص الأماكن المقدسة في القدس، مما أدى إلى إثارة زوبعة احتجاج لدى الفلسطينيين. وكان الأمير حسن، ولي العهد آنذاك، قد قدّم توضيحاً بأن ذلك يشكل مجرد وديعة سوف يستردها الفلسطينيون عند تحقيق السيادة.
التذكير بالجذور
بهذا العنوان الفرعي، يختم الكاتب هذا الفصل، قائلا:
من أجل المساعدة في الإجابة عن معظم الأسئلة المطروحة في هذا الفصل تتوجب العودة إلى التذكير بالأهداف الصهيونية والإسرائيلية والغربية ودوافع خلق كيانهم، وكذلك  الاستمرار في دعمهم . وقد كانوا هم أنفسهم في السابق قد سمحوا بوجود الأردن المتحالف معهم والمعتمد عليهم. وتتلخص هذه الأهداف بتوظيف الأساطير التواراتية الكاذبة عن يهودية فلسطين وحقوق الخزر الأتراك والإشكناز بها، لبناء قدرة أمنية وسياسية وثقافية تسيطر على العالم العربي وموارده ، كجزء من استراتيجية دولية بدأت الآن تواجه الأزمات والأعاصير.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نص قصيدة عماد الدين نسيمي كاملا حسب أغنية سامي يوسف

من اهم الكتب الممنوعه في الاردن: جذور الوصاية الأردنية وجميع كتب وترجمات تيسير نظمي

بيان ملتقى الهيئات الثقافية الأردنية وشخصيات وطنية حول الأونروا