الذين يقتاتون من المتاجرة بـ«النكبة»



خيرالله خيرالله

من المفيد أن نتذكّر «النكبة». المشكلة أن هناك من يتذكر «النكبة» ويسعى إلى الاستفادة من دروسها، لكنّ هناك من هو مختص بالمتاجرة بها. المفارقة، أن أكثر من تذكّر الذكرى الخامسة والستين لـ»النكبة» الفلسطينية وسعى إلى المتاجرة بها، كان بعض الأنظمة العربية والوسائل الإعلامية التابعة لهذه الأنظمة… أو لأنظمة أخرى غير عربية في المنطقة.
كانت الحجة الدائمة لهذه الأنظمة، وعلى رأسها النظام السوري، والوسائل الإعلامية التابعة لها أنه يجب أن لا ننسى فلسطين. إنه شعار أكثر من ضروري، هذه الأيّام، من أجل تغطية المجزرة التي يتعرّض لها الشعب السوري. احتكر النظام السوري لنفسه، طوال عقود، مهمّة وضع العراقيل في وجه أي جهد صادق يصبّ في خدمة القضية الفلسطينية وإزالة جانب من الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني.
من يعلو صوته في ذكرى «النكبة» هو الأنظمة نفسها التي تقتات منها والتي تسببت بما تلاها من نكبات، آخرها النكبة السورية التي سيتبيّن عندما تتكشّف آثارها أنها- مع النكبة العراقية- أكبر النكبات العربية نظرا إلى أن «أفضال النظام السوري وخيراته» لم تقتصر على سوريا نفسها وعلى السوريين، بل فاضت أيضا على اللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين والعراقيين وحتى على أهل الخليج، على رأسهم أهل البحرين…
لعلّ أخطر ما رافق الاحتفالات بذكرى «النكبة» الفلسطينية غياب أي عملية نقد للذات على الصعيد العربي. ربّما كان الأمر الوحيد الذي تعلّمه العرب من «النكبة» في السنة 2013 أن ليس في استطاعتهم بعد الآن تجاهل ما يفعله النظام السوري بشعبه وبسوريا، ومدى خطورة هذا النظام على الاستقرار الإقليمي، بل على كلّ دولة من دول المنطقة.
كان الموقف الأخير الذي اتخذوه في الأمم المتحدة، عن طريق دفع الجمعية العمومية إلى إدانة ممارسات هذا النظام، خطوة في الإتجاه الصحيح. إنها من الإشارات القليلة التي تدلّ على أنهم تعلموّا شيئا من «النكبة»، ومن أن «النكبة» ليست محصورة بفلسطين. ربّما أفضل ما تعلّموه أن ليس في الإمكان التعايش مع نظام لا همّ له سوى ابتزازهم والتمهيد لنكبات جديدة من المحيط إلى الخليج.
تخاذل العرب أمام ما فعله النظام السوري بلبنان. ساعدوه في بسط نفوذه على لبنان والتنكيل باللبنانيين. إلى الآن، لا يوجد صوت عربي يطالب بإطلاق اللبنانيين المحتجزين منذ سنوات طويلة في السجون السورية لأسباب لا تزال مجهولة. هؤلاء اللبنانيون هم من كل الطوائف والمناطق، جريمتهم الوحيدة رفضهم أن يكونوا عبيدا. إلى الآن، لا يوجد صوت عربي يدين الدور السوري في زجّ الفلسطينيين في النزاعات اللبنانية، وقبل ذلك في الأردن، وجعلهم يلعبون دورا في القضاء على الدولة اللبنانية ومؤسساتها وشقّ المؤسسة العسكرية لمصلحة النظام السوري أوّلا وأخيرا.
لا يزال لبنان إلى الآن، يعاني من تلك السياسة السورية التي كانت «نكبة» أخرى على اللبنانيين والفلسطينيين في آن واحد. هل من يريد أن يتذكّر كيف عمل النظام السوري بشكل منظّم وممنهج على تهجير مسيحيي الأطراف إلى الداخل اللبناني بغية تغذية النعرات الطائفية في الوطن الصغير؟
هل هناك من يريد الاعتراف بأنّه لم يرتفع صوت عربي يدين عملية نقل عناصر من «الحرس الثوري» الإيراني إلى لبنان بهدف تغيير الموازين في البلد لمصلحة ايران وتحويله امتدادا للمحور الإيراني- السوري، بل ذيلا له؟
لا يمكن الاستخفاف بـ»نكبة» 1948 أو تجاهلها. إنها لا تزال محطة أساسية ذات أهمّية تاريخية على الصعيد الإقليمي. ولكن ما هو ضروري أكثر من إحياء تلك الذكرى، الاعتراف بأن في أساس «النكبة» غياب الوعي العربي بأهمّية الاعتراف بقرار التقسيم في حينه، ثم خوض حرب خاسرة سلفا مع الدولة الاسرائيلية التي أُعلنت في العام 1948، من دون أي أخذ في الاعتبار لموازين القوى الحقيقية.
أكثر من ذلك، لم يتعلّم العرب شيئا من عدوان 1956، وعجزهم عن فهم ظروفه والنتائج المترتبة عليه. كان عدم فهم حقيقة ما جرى في 1956 واعتبار هزيمة فرنسا وبريطانيا وإسرائيل انتصارا عربيا ما أخذ العرب إلى هزيمة 1967. ما زالوا يعانون من آثار تلك الهزيمة ونتائجها إلى الآن.
بعد حرب 1967، كان هناك انقضاض على لبنان الذي فرض عليه اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969. وكان في الوقت ذاته انقضاض على الأردن، وكان هناك انقضاض مستمرّ على الفلسطينيين أنفسهم عن طريق منعهم من ممارسة سياسة واقعية كان يمكن أن تؤمن لهم استعادة بعض حقوقهم… لو حظوا بالدعم العربي المطلوب بعيدا عن المزايدات.
في غياب القدرة على الاعتراف بأن «النكبة» ولّدت نكبات، ليس مستبعدا أن يراوح الوضع العربي مكانه، بل أن ينزلق نحو الأسوأ. وهذا يعني في طبيعة الحال أن اليوم أفضل من غد وأن غدا أفضل من بعد غد. من يريد دليلا على ذلك، يستطيع الوقوف أمام رقم مذهل مصدره الوكالات المختصة في الأمم المتحدة. هذا الرقم هو أن مليونا ونصف مليون سوري، في أقلّ تقدير، صاروا لاجئين.
هل من لديه أدنى شك في أننا أمام نكبة جديدة يسعى الذين يقفون وراءها إلى تغطيتها باستعادة «نكبة» فلسطين؟ من قال أن فلسطين ليست تجارة؟ ستبقى فلسطين تجارة ما دام ليس هناك من يريد الاعتراف بأنّ لا بدّ من تسمية الأشياء بأسمائها، حتى لو جاء ذلك متأخرا. وهذا يعني أوّل ما يعني أن لا فائدة من استعادة «نكبة» 1948 في غياب الكلام الصريح عن النكبات التي تلتها ومسؤولية العرب في ذلك

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نص قصيدة عماد الدين نسيمي كاملا حسب أغنية سامي يوسف

من اهم الكتب الممنوعه في الاردن: جذور الوصاية الأردنية وجميع كتب وترجمات تيسير نظمي

Tayseer Nazmi Ended 2022 As A Poet In Afkar 405 تيسير نظمي ينهي عام 2022 في أفكار 405 شاعرا